بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 7 فبراير 2014

إتحاف البشر بمنزلة ولي الأمر في ضوء الكتاب وصحيح الخبر



" إتحاف البشر بمنزلة ولي الأمر
في ضوء الكتاب وصحيح الخبر "
لفضيلة الشيخ  عبيد الجابري
  ـ حفظه الله تعالى ـ

محاضرة قيمة عبر الهاتف لفضيلة الشيخ  عبيد الجابري ـ حفظه الله تعالى ـ
ليلة الثلاثاء 26 ربيع الأول 1432 هـ
ضمن اللقاءات السلفية القطرية


الأخ المقدم :
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين
سيدنا ونبينا محمد ابن عبد الله الأمين
وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين
 أما بعد  :
فيسرنا أن نعود اليكم من جديد بعد توقف دام شهر ونصف ،
ويسرنا كذلك أن يكون معنا الليلة وعبر الهاتف  ومن مدينة رسو ل الله صلى الله عليه وسلم
فضيلة الشيخ الوالد عبيد ابن عبد الله الجابري ـ حفظه الله ورعاه ـ في محاضرة  بعنوان :
" إتحاف البشر بمنزلة ولي الأمر في ضوء الكتاب وصحيح الخبر "،
وذلك ضمن " اللقاءات السلفية القطرية " وفي ليلة الثلاثاء 26  من شهر ربيع الأول لعام 1432
من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم  ، والتي تبث اليكم على الهواء مباشرة من دولة قطر حرسها الله وعبر شبكتنا الحبيبة " شبكة سحاب السلفية " ، فمرحبا بالاخوة والأخوات الذين يستمعون الينا  ونشكر للجميع حضورهم وتفاعلهم .

ونتوجه بالشكر الجزيل بعد شكر الله عز وجل لفضيلة شيخنا الشيخ عبيد الجابري ، فهو لا يدخر وسعا في المشاركة في هذه اللقاءات السلفية المباركة مع كثرة مشاغله ، فنسأل الله عز وجل أن يكتب له الأجر والمثوبة  وأن يبارك في علمه وعمله وأن يجعله دخرا  للاسلام والمسلمين .
فليتفضل الشيخ مشكورا مأجورا

الشيخ عبيد الجابري ـ حفظه الله تعالى ـ :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ان الحمد لله نحمده ونستعينه  ونستغفره
ونعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات أعمالنا
وأشهد ان لااله الا الله وحده لا شريك له
واشهد ان محمدا عبده ورسوله

(( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ))
(( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا))
((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم . ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ))

أما بعد :
فان خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات :
أحدثكم هذه الليلة بما رأيتم وسمعتم من عنوان الكلمة من خلال اللقاءات السلفية في قطر حرسها الله وسائر بلاد المسلمين ، وجمع الخواص والعوام من المسلمين على ما رضيه للعباد والبلاد  من الاسلام والسنة والتي تبث عبر شبكة سحاب السلفية ، ولست قاصدا الحديث الى قطر معين أو شعب معين أو دولة معينة ، بل حديث موجه الى كل صاحب سنة تشربت بها عروقه وخالطت بشاشتها قلبه فرضيها قولا واعتقادا وعملا ، وأبغض ما سواها وان زخرف بالقول وحبكت له العبارات وأسست له القواعد والتأصيلات .

فاذا تقرر هذا فقد نظمت هذه المحاضرة على المسائل الآتية :
ـ المسألة الأولى : في سبب اختيار الحديث في هذا الموضوع .
ـ والمسألة الثانية : في الأدلة من آي التنزيل الكريم .
ـ والمسألة الثالثة : في ما دل له من صحيح الخبر المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ـ والمسألة الرابعة : التنبيه الى أمر مهم لا يكاد ينفك عنه قطر من أقطار دولنا العربية الاسلامية .

فأقول وبالله التوفيق :
سبب اختيارنا الحديث على وفق ما سمعتم من عنوانه يتضمن :
ـ أولا: جهل كثير من الناس بالتحاكم الى سنة محمد صلى الله عليه وسلم فلا يعرفها حق المعرفة الا قلة من الناس .
ـ ثانيا : كثير ممن ينتسب الى علم الشرع سعى جاهدا في جعل العقل متبوعا للنصوص ولم يجعل النصوص هي المتبوعة ،والنتيجة التي روجوها على أتباعهم وأصحابهم ومحبيهم أن الحكم للعقل، فما استصاغته عقولهم و أقرته استصاغوه وأقروه ونافحوا عنه بالقوة وحتى لو أدى الأمر الى انكار النصوص أو تأويلها، وهذا هو محذر القياس الفاسد المصادم للكتاب والسنة واجماع الائمة .
و أول عبد سلك هذا المسلك و عصى أمر الله سبحانه و تعالى محتجا بالقياس الفاسد هو ابليس عليه لعنة الله .
ـ الأمر الثالث : وهو شبيه بالثاني " القصد الى الرأي المحض " فكثيرا من هؤلاء وان انتسبوا الى علم الشرع ، وقد يحفظون كما كبيرا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  مع حفظهم القرآن وعلمهم بالسيرة الا أنهم يغلبون الرأي و أعني به الرأي المجرد المحض العاري عن السنة ، وهذا المسلك هو الذي تتابع الأئمة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة العلم والدين على ذمه ومقته  .
قال أمير المؤمنين ثاني الخلفاء الراشدين ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ : (( اياكم و أهل الرأي أعداء السنن ،أعيتهم أحاديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ان يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا و أضلوا ))
وقال الشعبي عامر ابن شراحيل ـ رحمه الله ـ : (( اياكم والمقايسة فوالذي نفسي بيده لان أخذتم بالقياس لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال فما بلغكم عن من حفظ من اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذوه )) أو قال (( فخذوا به ))
ومن أراد الاستزادة في ذم هذا الرأي ومقته فليراجع على سبيل المثال من دواوين الاسلام التي نقل مصنفوها وهم أئمة علم وايمان أصول الدين وفروعه بالدليل كتابا وسنة واجماعا ، أقول على سبيل المثال يراجع" الابانة الكبرى" لابن بطة و"شرح أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي وغيرهما.

ـ الأمر الرابع : قوله تعالى (( واذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ))
 الآية ، قال أئمتنا فكل ما ذم الله عليه أهل الكتاب فهو ذم لنا ان سلكنا مسلكهم يعني في كتمان العلم ، وينضم الى هذه الآية قوله صلى الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) قالوا لمن يارسول الله ، قال : (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم )) .


فاذا تقرر هذا فنقول وبالله التوفيق :
شارعين فيما قصدناه من الحديث معكم بالكلام على ما قدمناه من المسائل مسالة مسالة :

المسألة الأولى  في آي التنزيل الكريم :
ليعلم كل مسلم ومسلمة أن هذه المسالة دليلها الصريح أولا آية النساء : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير لكم وأحسن تأويلا ))  مامعنى هذه الآية ؟ كل لبيب كيس فطن يدرك أن الله سبحانه وتعالى خاطب أهل الايمان وخصهم بهذا الخطاب لأنهم هم أهل الانتفاع بخطاب الله سبحانه وتعالى امرا ونهيا وخبرا ، فضمنها جل وعلا:
ـ أولا : الأمر بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم  وذلكم بفعل الأوامر واجتناب النواهي  وتصديق الأخبار سواءا كانت تلكم كتابا أو سنة ، وقرن سبحانه وتعالى طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بالأمر بطاعته وفي ذلكم سر لطيف وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستقل بالتشريع لنفسه يعني انه لا يأمر وينهى الا بأمر الله ونهيه وكذلك اخباره ، قال تعالى : (( وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى )) وقال تعالى : (( وما أتاكم الرسول فخذوه ومانهاكم عنهم فانتهوا ))
 وقال تعالى : (( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ))الى غير ذلكم من الآيات في معنى هذه الآيات الثلاث .

والحكيم الرشيد الناصح لنفسه الحازم في أمره يظهر من ضميمة هذه الآيات الى قوله اطيعوا الله واطيعوا الرسول فوائد :
ـ احداها تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وان الله اصطفاه مبلغا عنه شرعه فيجب على المسلمين قبول هذا البلاغ سواءا كتابا أو سنة صحيحة .
ـ وثانيا أن الله سبحانه وتعالى قد سدكل طريق يزعم الناس انها توصل اليه وتقرب منه وينال صحابها الزلفى عند الله عز وجل سوى طريق واحدة وهي طريق محمد صلى الله عليه وسلم  ، ومما يؤكد هذا قوله جل وعلا : (( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )) الآية. فهذه الآية حجة على صدق دعوى محبة الله أو كذبها ، فمن ادعى محبة الله فان كان على شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهو صادق ، وان كان على غير  شرع محمد صلى الله عليه وسلم فهو كاذب ،
 والحاصل أنه بقدر مايفوت المرء على نفسه
 من متابعة  محمد صلى الله عليه وسلم
 فانه يفوته من محبة الله بقدر ذلك.

وتأملوا قوله (( وأولي الأمر منكم )) تجدوا أن الله سبحانه وتعالى كرر الأمر  (( أطيعوا الله و أطيعوا الرسول )) لما قدمناه ولم يكرر هنا فعطف بدون أطيعوا لان ولي الأمر قد يأمر بغير طاعة الله سبحانه وتعالى ،
والسؤال : من هم أولات الأمر في الأمة ؟
هم الأمراء والحكام اعني قضاة الشرع
والمفتون والعلماء الذين هم علماء الملة المحمدية .

ـ ثانيا : مما تضمنته الآية أمر العباد أمرا عاما برد ما تنازعوا فيه و اختلفوا فيه سواء كان من أصول الدين أو فروعه وسواءا كان الحاكم او المحكوم الى الله والى رسوله صلى الله عليه وسلم ((فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ))، قال أهل العلم الرد الى الله هو الرد الى كتابه وهو القرآن الذي علم من دين الله بالضرورة  ((أنه لا يأتيه الباطل من بين يده ولا من خلفه))، وكل حق وصدق وهدى لا يسوغ لمسلم الميل عنه الى غيره . والرد الى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد الى شخصه في حياته والرد الى سنته بعد مماته ،لأنه بوفاته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي وسنته محفوظة لدى أهل العلم والايمان والدين بدءا من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين الى هذه الساعة والى الأبد .




وختم الآية سبحانه بشيئن :
الأول : أن هذا الرد هذا الاختلاف في أمر من أمور الدين الى الكتاب الى الله والى الرسول هو شرط في الايمان  (( ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )) ،والمعنى ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر حق الايمان فتردوا نزاعكم وخلافكم الى الله والى رسوله .
والثاني : (( ذلك خيرا وأحسن تأويلا )) تأويلا أي عاقبة والمعنى : ذلك الرد الى الله والى الرسول هو أحسن عاقبة ، "خير وأحسن تأويلا " خير للعباد في الآجل والعاجل و مفهوم ذلك ؟
 أن رد التنازع الى غير الله ورسوله عاقبته سيئة .
وثم آية أخرى توجب هذا المسلك وهذا الطريق الذي هو الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر الى آخر ماتضمنته الآية ،هذه آية أخرى  هي من سورة الأحزاب أعني قوله تعالى : (( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) الآية .فكل عاقل لبيب ناصح لنفسه ولغيره يدرك تمام الادراك أن الله سبحانه وتعالى ضمن هذه الآية وجوب انقياد المسلمين الى ما قضاه أو قضاه رسوله صلى الله عليه وسلم وأن لاخيارلهم ، ونؤكد هذا الاشارة الى أن عدم هذا المسلك معصية (( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا )) ، ويؤكد هذا قوله جل وعلا من سورة النور (( فيحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ))
قال الامام أحمد رحمه الله : (( أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك )) لعله اذا رد بعض أمره أن يصيبه شيء من الزيغ فيهلك .


2ـ المسألة الثانية : وهي السنة الثابتة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم
 فمنها ماهو في الصحيحين وقد تقرر عند أهل العلم بعد عهد الامام مالك رحمه الله والامام الشافعي رحمه الله انهما أصح الكتب بعد كتاب الله ومنها ماهو خارج الصحيحين، وقبل ان أورد بعضها مختارا له تخفيفا عليكم معاشر المسلمين والمسلمات  أذكر  بعض من روى هذه السنة الصحيحة وحتى تعلموا علم اليقين أنها متواترة .
روى هذه السنة الصحيحة الجمع الغفير من الصحابة رضي الله عنهم ومنهم:"عبد الله ابن عمر" و"عبد الله ابن مسعود" و"أبو ذر الغفاري" و" أبو هريرة" و"عبادة ابن الصامت" و"أم الحصين الأحمسية"، واثنتان من أمهات المؤمنين احداهما : الصديقة بنت الصديق" أم المؤمنين عائشة" بنت أبي بكر  و"أم سلمة " رضي الله عنهم و أرضاهم أجمعين وحشرنا واياكم واياهم تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم غير خزايا ولا مفتونين .

وهاكم أحاديث مختارة :
ـ الحديث الأول : حديث أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن يطع أميري فقد أطاعني  ومن عصى أميري فقد عصاني )) .
ـ الحديث الثاني : هوحديث عبادة ابن الصامت ممن شهد بدرا وبيعة العقبة الثانية وكان أحد النقباء فيها قال : (( دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبيعناه وكان في ما أخذ علينا أن  بيعناه على السمع والطاعة في عسرنا و يسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله )) قال : ((الا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان )) .
ـ الحديث الثالث : حديث عوف ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم )) يعني تدعون لهم ويدعون لكم (( وشر أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم ))قيل : يارسول الله(( أفلا ننابذهم بالسيف قال لا ماصلوا  ، فاذا رأيتم من ولاتكم شيء تكروهنه فاكرهوا عمله ولا ينزعن أحدا يدا من طاعة )) وهذا الحديث الأخير في صحيح مسلم .

ماالذي تفيده هذه الاحاديث ؟ وما هو في معناها ؟:
ان المتجرد للسنة بعيدا عن الهوى ومجاراة العوام من الهمج الرعاء  يدرك فوائد :
ـ احداها : وجوب السمع والطاعة في حال اليسر و العسر و المكره والمنشط  الا أن يرى معصية كما في حديث عوف ابن مالك وحديث ابن عمر: (( على المرء المسلم السمع والطاعة في ما أحب وكره ))الا أن يأمر بمعصية ، فان أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة .
وفي حال الأثرة اذا اسأثر السلطان له أو مقربين من خواص الناس وعوامهم وهذا ماذكره في حديث عبادة رضي الله عنه  (( وأثرة علينا )) والمعنى اذا استأثر ولاة الأمر فلم ينصفونا ولم يوفون حقنا .
فاذا انضاف اليها حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( انكم سترون بعدي أثرة وأمور تنكرونها )) قيل كيف تأمر من أدرك منا ذلك يارسول الله قال : (( تؤدون الحق الذي عليكم  وتسئلون الله الحق الذي لكم )) .
فتحصل وجوب الصبر على جور الجائر وظلم الظالم
وعسف العاسف مع وجوب الطاعة له
مقيدة بعدم المعصية  في غير معصية الله .

 وها هنا أمران :
الأمر الأول : أن ائمة الاسلام من الصحابة ومن بعدهم استعملوا هذه الأحاديث ومافي معناها وجعلوها مسلكا يسلكونه مع ولي الأمر ولا ينازعونهم ويصبرون على آذاهم  ، كما أنهم يؤدون ما عليهم من حقوق لولي الأمر فاذا بخسهم وظلمهم  سألوا الله الحق الذي لهم .

والأمر الثاني : أن هذه السنة مندرجة تحت الآيتين السابقتين آية النساء وآية الأحزاب فما تضمنته هذه الأحاديث وما في معناها هو مما قضى الله به ورسوله ، فلا يجوز رده وجعل غيره بديلا منه  الم تسمعوا إليه جل وعلا (( وما كان لمؤمن ولامؤمنة اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا  ))

ولهذا قال أئمة الاسلام ان ولي الأمر لا يجوز الخروج عليه وذكروا خصائصه ومنها:
ـ اقامة الجمعة والجماعة ، وقسم الغنيمة ،والفيء ، والغزو ، وهذا تفصيله في موضع آخرـ ان شاء الله تعالى ـ وقالوا قسمة الصدقات اليهم جائزة .

وثمة أمر ثالث وهو: أن مايصدر عن ولي الأمر له أحوال ثلاث :
ـ أحدها : أن يكون طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم  نصا صريحا واجبا أو مندوبا فتجب طاعتهم فيه طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ـ الثانية : أن يكون من موارد النزال ومسارح الاجتهاد فتجب طاعتهم فيه طاعة لله ولرسوله وجمعا للكلمة ، فاذا عزم ولي الأمر على أمر معين فيه خلاف بين أهل العلم ـ هذا يرى مشروعيته وهذا لايرى مشروعيته ـ  والأدلة محتملة متساوية ، فان ولي الأمر يطاع فيه ولا ينازع فيه  جمعا لكلمة أهل الاسلام الذين في حوزته .
ـ الأمر الثالث : أن يكون معصية فهذا لايطاع فيه لاسمع له ولا طاعة  ولكن الواجب يجب أمران : الأمر الأول بغض هذا المأمور به وهو معصية في القلب وكذلك باللسان اذا لم يترتب مفسدة في مجالس خاصة يأمن المرء من الفتنة بعدها ،
 والأمر الثاني : أنه لا يذاع خطأه  ولايشهر غلطه  ولايشنع عليه في الملأ  لما يترتب على ذلكم من مفاسد الدنيا والدين ، ولأن هذا هو مسلك الخوارج القعدية  الذين يحرضون على ولاة الأمر في مواطن مختلفة كوسائل الاعلام مقرءة أو مسموعة أو مرأية ، والخطب التهيجية واقامة الندوات وعلى المنابر ، كل ذلك أيها المسلمون ليس مسلك أهل السنة بل هو مسلك الخوارج  القعدية خاصة ، سميوا القعدية  لأنهم قاعدون عن رفع السيف ويكتفون بالتحريض بالكلام  فيجب على المسلمين الحذر من هذه الطائفة والتحذير منها .

وكما أن الأئمة مشوا على استعمال هذه السنة فان استعمالها الهمهم الله به سبيل الرشد والهداية والعصمة من الفتنة في هذا الباب ، فنصحوا بالدعاء لهم وأن يسددهم الله عز وجل ، فالأئمة يروى عن الامام أحمد وغيره (( لوكنت أعلم لي دعوة مستجابة لادخرتها لولي الأمر )) ، لأن الأئمة قد استقر عندهم ممافهموه من كتاب ربهم وسنة نبيهم وسيرة السلف الصالح من الصحابة وأئمة التابعين: أنه بولي الأمر ينصر المغلوب ويردع الظالم
 وينتشر العدل ويستتب الأمن
 فتأمن المدن والقرى والسبل .
 وفي منازعتهم تكون الفوضى واختلال الأمن



وهاهنا مسألة وهي أو مسائل وهي :
ـ احداها :أن الذي قضاه الله عزوجل وأوحاه الى رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب يعلم سبحانه وتعالى في علمه الأزلي القديم وماكتبه في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض ضمن مقاديره قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة  ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : (( ان أول ما خلق الله القلم قال له أكتب قال وما أكتب قال أكتب مقادير ماهوكائن الى قيام الساعة )) .

أقل يعلموا أن ولاة الأمر المسلمين أقسام :
ـ أحدهم : البر التقي العادل الذي يخشى الله سبحانه وتعالى فيؤتي كل ذي حق حقه ، ويردع الظالم وينصف المظلوم لا فرق بين شريف ووضيع وصغير وكبير .
ـ الثاني : فاسق فاجر ظلوم غشوم عسوف مستأثر .
ـ والثالث الكافر : ولي أمر ابتلي به المسلمون وهو كافر ، اما كفرا أصليا كأن يكون يهوديا أو نصرانيا  أو كفر ردة أن يكون أصل ديانته مسلمة لكن ركب مايوجب ردته وينقله عن ملة الاسلام الى ملة الكفر .
كل ذلك قد علمه الله سبحانه وتعالى وكتبه عنده في اللوح المحفوظ فما الموقف؟ ما موقف المسلم ؟:
الأول : مع السمع والطاعة يحب ويعان ويناصر ديانة .
والثاني :قد يبغض ويعان اذا خشي على زوال الدولة وسيرورة الأمر الى أسوء ولا يجوز الخروج عليه أبدا لما سمعتم من الأحاديث  التي تستغنون بها عن ماهو في معناها مما لايحصى من سنة النبي صلى الله عليه وسلم . ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ما رواه مسلم عن حذيفة رضي الله عنه في حديث طويل  أصله متفق عليه : (( اسمع وأطع وان أخذ مالك وضرب ظهرك )) فمن ضعفه ليس عنده مستند الا الرأي المحض والقياس الفاسد ومجاراة أهواء الهمج الرعاء من الناس ،
وهكذا حينما يتخلى أو يتنازل من ينتسب الى علم الشرع 
عما رزقه الله من العلم فيدع ما أخذ الله عليه من الميثاق ،
وقد دلت عليه الآية التي ذكرناها بسبب اختيار الحديث في هذا الموضوع ،
 يرد سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما الثالث : الذي هو الكافر وهذا في حديث عبادة المتقدم : (( وأن لا ينازع الأمر أهله))
 قال : (( الا أن تروا كفر بواحا عندكم فيه من الله برهان )) هذا الحديث فيه دليل على خلع الحاكم الكافر ولكن بشروط معاشر السامعين من المسلمين والمسلمات :
ـ الشرط الاول ظهور الكفر : وضوحه صراحته .
ـ الثاني : الدليل القطعي الذي لا يقبل التأويل على أن حاكم قطر كذا من أقطار المسلمين كافر مرتد .
ـ الشرط الثالث : القدرة على ازالته وخلعه : وذلكم بأن تكون لأهل الاسلام قوة تساوي قوته أو تزيد عليها ، فان لم تكن عندهم قوة " عزل " فان الدائرة تدور عليهم ، تسفك الدماء معصومة  وأنفس تسفك الدماء وتزهق أنفس معصومة وتتلف أموال محترمة .
ـ الشرط الأخير : أن يتمكنوا من دفع مفسدة بعد ازالته والمعنى قدرتهم على تنصيب من هو خير منه للعباد والبلاد .
فاذا لم تتوفر هذه الشروط فليبقوا تحت ولايته  ولا يحبونه ويبغضونه في الله
لكن لا يتعرضون لمواجهته ،فان المسلم الفاسق مهما يكن لو قهر الخارجين عليه  تكون فيه رحمة وشفقة ، أما الكافر فانه منزوع الرحمة والشفقة على أهل الاسلام فلا يرقب فيهم الا وذمة .


3ـ وخاتمة هذه الكلمة :
هو الكلام في المظاهرات  وقد يسمونها الثورات
 والكلام عليها من أوجه :
ـ أولا في نشأتها : "الوجه الأول في نشاتها " متى ظهرت الثورة ممن ينتسب الى الاسلام على الأمير المسلم  أو الامام المسلم ؟
ان أول من رفع عقيرته واصفا الحاكم بالظلم  من أجل أمر دنيوي فات عليه من هو؟
هو ذو الخويصرة  التميمي ثار في وجه أكرم الخلق  وأشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم  وسبب ذلك أن عليا رضي الله تعالى عنه بعث الى الرسول صلى الله عليه وسلم  بمال ،
خمس الغنيمة فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم   وكان رضي الله عنه أميرا على اليمن ، قسمها على أربعة من صناديد العرب ومنهم  الأقرع ابن حابس  ، فتغضبت قريش والأنصار رضي الله عنهم  فقالوا : يعطي صناديد مجد ويدعنا فقال صلى الله عليه وسلم ((انما أتالفهم)) فسكنوا وانقادوا لما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلموا أن الله اراه ذلك ، لأنه متقرر عندهم وجوب الانقياد لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وأما الرابط بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه امامهم وخيارهم وخيار الناس اجمعين كما قال صلى الله عليه وسلم: (( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )) ، فعلموا أن هذا مما أوحاه الله اليه وأما الشقي الغشوم ذي الخويصرة التميمي قال : (( اعدل يا محمد )) وفي رواية  (( والله انها قسمة ما أريد بها وجه الله )) .

ثانيا : السبأية  أصحاب عبد الله ابن سبأ اليهودي من اليمن الذي أسلم نفاقا وكيدا على أهل الاسلام ، ماصنع ذلكم الرجل وأصحابه ؟ كانوا يجمعون أخطاء ولاة عثمان ـرضي الله عنه ـ ويهولونها ويضخمونها في الناس بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فما انتهى أمر عدو الله الا بقتل الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه .

فكل ثائر من أهل الاسلام على ولي أمره 
سلفه السبأية وذو الخويصرة التميمي
ومطلب هؤلاء وذاك هو مطلب دنيوي .

والا فعدو الله يعلم أن عثمان رضي الله عنه  مجمع على خلافته من أهل الحل و العقد من المسلمين من الصحابة  سائر الصحابة والتابعون ثم تتابع الخوارج .
الأمر الثاني في هذه المسألة مسألة المظاهرات :من تلقفها ومن سوغها وروجها حسب علم الرافضة ، الرافضة هم من سلالة اصحاب ابن سبأ اليهودي .

ـ الثاني (الثالث) : من عوامل رواجها وتسويغها رعاع الناس وهمجهم  ، الذين لا يرون السمع والطاعة لامام الا من خلال المطالب الدنيوية والمصالح النفعية ، وهؤلاء يستندون الى منتسبين الى العلم الشرعي ، فقد شوهد بعضهم وهو يحمس المتظاهرين ويشجعهم بخطبة في ميادين قطر اسلامي .

ـ الرابع : البعوث فكثير من أفراد البعثات وفدوا الى بلاد غربية كافرة أو شرقية الى أوروبا أو أمريكا أو روسيا ، ظن ولاة أمرهم أنهم يعودون اليهم بعلوم تحتاج الأمة كالطب والهندسة والرياضيات والكمياء وعلم الجيولوجيا وغيرها ، فعادوا مغسولي الأدمغة من الدين  منحرفين سيطر عليهم هؤلاء فمسخوهم مسخوا أفكارهم حتى صاروا حربا على دولهم ، وهؤلاء وأمثالهم حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عن به النقل بل متفق عليه ، ففي الصحيحين عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ثلاثة لايكلمهم الله ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم )) فذكر الحديث وقال : (( ورجل بايع اماما انما يابيعه من أجل الدنيا فان أعطاه منها وفى له وان لم يعطه لم يوفي له ))  صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فان هؤلاء مطالبهم دنيوية مصلحية فقط ويدل على ذلك شعاراتهم  المرفوعة ،
 فهي شعارات كفرية ضالة مضلة ومنها :
 " الديموقراطية " ، " رأي الشعب "  " رأي الشارع " ، الى غير ذلكم " نريد حكما مدنيا " ،
 هذه الشعارات منها كذلك " نريد حكما دستوريا " ، ولهذا فان من مطالبهم " تعديل الدستور " ومن مطالبهم " اقالة الحكومة " ومنهم من يقول " رئيس مجلس الوزراء وحكومته "
وحاصل القول أن الحامل على المظاهرات والتي يسمونها ثورات ،
هذه مطالب دنيوية وشعارات جاهلية نتيجة القياس الفاسد والعقل الضال .



ومن القواعد المقررة عند أهل الاسلام : أن الشرع لا يأتي بما تفيده العقول السليمة ولكن قد يأتي بماتحار فيه العقول ، فيجب اذا التسليم لما تقرر شرعا بآية من كتاب الله أو سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وها هنا سؤلان :
ـ السؤال الأول : ماذا يصنع من ظلم مظلمة لا يستطيع الصبر عليها في حينه ؟
والجواب : أنه يشكو رئيسه المباشر أو أمير منطقته أو بلدته الى من فوقه ،فان أنصفه فبها ونعمت والا رفع الأمر وتدرج حتى يصل الى الحاكم العام ، هو أمير وفي عهدنا اليوم هو أمير قطري سواء سمي الملك أو رئيس الجمهورية أو أمير الدولة أو غير ذلك من الأسماء ، فان وجد نصرة كان بها والا صبر واحتسب عند الله سبحانه وتعالى ماهو خير وأبقى ، وما أحسن ماقاله ابن مسعود رضي الله عنه : (( والذي نفسي بيده )) أو قال : (( والذي لا اله غيره أن ماتكرهون في الإجتماع خير مما تحبون في الفرقة )) .

ـ السؤال الثاني : ماذا يصنع أهل الفضل حينما يتجاوز الحاكم حده ظلما وعسفا وتوكل اليه أمور منكرة منه أو من نوابه أو يفشو فسادا في دولته ؟
والجواب : النصيحة سرا حتى عن أقرب الناس اليه ان أمكن ودليل ذلكم قوله صلى الله عليه وسلم : (( من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية )) يعني النصح (( وليخلو به وليأخذ بيده فإن قبلها قبلها والا كان قد أدى ماعليه )) .

 فهذا الحديث ياذوي الحجى يا أولي الأحلام والنهى من المسلمين والمسلمات فيه فوائد يجب أن يعقلها من كان طالبا للحق قاصدا اتباع سبيل المؤمنين :
الفائدة الأولى : السرية التامة في مناصحة الحاكم .
الفائدة الثانية : أن نصيحة الحاكم على هذا الوجه  الذي تضمنه الحديث تبرأ التبعة بها .
الفائدة الثالثة : أنه لا سبيل آخر يسلك في نصح الحكام غير ماتضمنه هذا الحديث ، ولو كان ثم سبيل آخر لبينه رسول صلى الله عليه وسلم ولنقل عنه والحديث صحيح أخرجه أحمد وابن أبي عاصم في السنة صحيح بمجموع طرقه .

فإياكم يا أهل الكياسة والفطنة
 ويامن يطلبون الرشد والهدى ويقصدون اتباع سبيل المؤمنين ،
 وبنيات الطريق فإنها بئس الرفيق ،
عليكم بلزوم هذه السنة وترك ماعاداها من الأراء
 والتي تحتها الشعارات الجاهلية والكفرية ،
 فلا نجاة ولا عصمة  الا بسلوك سنة محمدا صلى الله عليه وسلم .


وبهذا القدر أكتفي بالحديث معكم
ولعل الله يسر طبع هذه المحاضرة ونشرها فنتوسع أكثر
 والله الموفق والهادي الى سبيل الرشاد

اللهم أرنا الحق حقا وأرزقنا اتباعه
وأرنا الباطل باطلا وأرزقنا اجتنابه
ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه اجمعين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته