بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 30 مايو 2014

النقولات الواضحات استدلالا علي عدم سماع الموتي استقلالا

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وإخوانه وآله ومن ولاه، وبعد :

قبل الشروع في إيراد أقوال أهل العلم في هذه المسألة، أقول:
قدّم العلامة الألباني-رحمه الله تعالى-بين يديها قاعدتين هامتين عاصمتين، هما:

أولاً : "اعلم أن كون الموتى يسمعون أو لا يسمعون، إنما هو أمر غيبي من أمور البرزخ التي لا يعلمها إلا الله-
عزّ وجلّ-فلا يجوز الخوض فيه بالأقيسة والآراء، وإنما يوقف فيه مع النص إثباتاً ونفياً .

ثانياً : "الحق لا يعرف بالكثرة ولا بالقلة، وإنما بدليله الثابت في الكتاب والسنة، مع التفقه فيهما"

ثم أتى ببحث نفيس فيه طول والمقام مقام اختصار، فلذا اكتفيت بالإشارة إلى مكان العبارة ليرجع إليه مريد الهداية.

غير أني أنقل هنا كلام الإمام الطبري-رحمه الله تعالى- تحت قوله تعالى : "ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولو مدبرين" فقال في"تفسيره"(21/36) :

"هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين ختم الله على أسماعهم، فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين سلبهم الله أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعا …

ثم قال العلامة الألباني-رحمه الله تعالى : " ثم روى بإسناده الصحيح عن قتادة قال : "هذا مثل ضربه الله للكافر، فكما لا يسمع الميت الدعاء كذلك لا يسمع الكافر "ولا تسمع الصم الدعاء" يقول: لو أن أصم ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع، ولا ينتفع بما سمع" وعزاه إلى"الدرر"(5/114) لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم دون ابن جرير.

وقد فسر القرطبي(13/232) هذه الآية بنحو ما سبق عن ابن جرير…فثبت من هذه النقول عن كتب التفسير المعتمدة أن الموتى في قبورهم لا يسمعون: كالصم إذا ولو مدبرين، وهذا الذي فهمته السيدة عائشة-رضي الله تعالى عنها-واشتهر ذلك عنها في كتب السنة وغيرها

ونقله المؤلف-مؤلف الآيات البينات-عنها في عدة مواضع من رسالته فانظر(ص54،56،8،68،71) وفاته هو وغيره أنه هو الذي فهمه عمر-رضي الله عنه-وغيره من الصحابة؛ لما نادى النبي-صلى الله عليه وسلم-أهل القليب.

الدليل الثاني: قوله تعالى: "ذلكم الله ربكم له الملك، والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم، ولو سمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير" سورة"فاطر" الآيتان(13-14) قلت: فهذه الآية صريحة في نفي السمع.

الدليل الثالث: حديث قليب بدر، وله روايات مختصرة ومطولة، أجتزئ هنا على روايتين منها:
الأولى: حديث ابن عمر-رضي الله تعالى عنهما-قال:"وقف النبي-صلى الله عليه وسلم-على قليب بدر، فقال: هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ ثم قال:"إنهم الآن يسمعون ما أقول"فذكر لعائشة-رضي الله تعالى عنها-فقالت: إنما قال النبي-صلى الله عليه وسلم: إنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق، ثم قرأت:"إنك لا تسمع الموتى"حتى قرأت الآية"أخرجه: البخاري (7/242)فتح والنسائي(1/693)وأحمد(2/31)من طريق أخرى عن ابن عمر…

والأخرى: حديث أبي طلحة-رضي الله عنه-أن نبي الله-صلى الله عليه وسلم-أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث، وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى، واتبعه أصحابه، وقالوا: ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته، حتى قام على شفة الرّكي، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان ابن فلان! ويا فلان ابن فلان! أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟

قال: فقال عمر: يا رسول الله! ما تكلم من أجساد لا أرواح فيها ؟ فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم:"والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"قال قتادة : أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرة وندماً" أخرجه الشيخان وغيرهما"

ووجه الاستدلال بهذا الحديث يتضح بملاحظة أمرين :
الأول : ما في الرواية منه من تقييده-صلى الله عليه وسلم-سماع موتى القليب، بقوله : "الآن" فإن مفهومه أنهم لا يسمعون في غير هذا الوقت، وهو المطلوب.

وهذه فائدة هامة نبّه عليها العلامة الآلوسي في كتابه"روح المعاني" (6/455) ففيه تنبيه قوي على أن الأصل في الموتى أنهم لا يسمعون، ولكن أهل القليب في ذلك الوقت قد سمعوا نداء النبي-صلى الله عليه وسلم-وبإسماع الله تعالى إياهم خرقاً للعادة ومعجزة للنبي-صلى الله عليه وسلم…

وفي تفسير"القرطبي"(13/232):"قال ابن عطية: فيشبه أن قصة بدر خرق عادة لمحمد-صلى الله عليه وسلم-في أن ردّ الله إليهم إدراكاً سمعوا به مقاله، ولولا إخبار رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بسماعهم لحملنا نداءه إياهم على معنى التوبيخ لمن بقي من الكفرة وعلى معنى شفاء صدور المؤمنين"

قلت: ولذلك أورده الخطيب التبريزي في"باب المعجزات"من"المشكاة"(ج3 برقم5938 بتخريجي)

والأمر الآخر: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-أقر عمر وغيره من الصحابة على ما كان مستقراً في نفوسهم واعتقادهم أن الموتى لا يسمعون.

الدليل الرابع: قول النبي-صلى الله عليه وسلم : "إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام" أقول-العلامة الألباني: "ووجه الاستدلال به أنه صريح في أن النبي-صلى الله عليه وسلم-لا يسمع سلام المسلمين عليه، إذ لو كان يسمعه بنفسه لما كان في حاجة إلى من يبلغه إليه كما هو ظاهر لا يخفى على أحد-إن شاء الله تعالى-وإذا كان الأمر كذلك، فبالأولى أنه-صلى الله عليه وسلم-لا يسمع غير السلام من الكلام، وإذا كان كذلك فلأن لا يسمع السلام غيره من الموتى أولى وأحرى…

وخلاصة البحث والتحقيق:
"أن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أئمة الحنفية وغيرهم…على أن الموتى لا يسمعون

وأن هذا هو الأصل، فإذا ثبت أنهم يسمعون في بعض الأحوال، كما في حديث خفق النعال، أو أن بعضهم سمع في وقت ما، كما في حديث القليب، فلا ينبغي أن يجعل ذلك أصلاً، فيقال أن الموتى يسمعون كما فعل بعضهم، كلا فإنها قضايا جزئية لا تشكل قاعدة كلية يعارض بها الأصل المذكور…

وما أحسن ما قاله ابن التين-رحمه الله تعالى:"إن الموتى لا يسمعون بلا شك، لكن إذا أراد الله تعالى إسماع ما ليس من شأنه السماع لم يمتنع، لقوله تعالى :"إنا عرضنا الأمانة…"الآية وقوله:"فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً…"الآية

فإذا علمت هذا أيها القارئ الكريم أن الموتى لا يسمعون، فقد تبين أنه لم يبق هناك مجال لمناداتهم من دون الله تعالى، ولو بطلب ما كانوا قادرين عليه وهم أحياء… وأن مناداة من كان كذلك والطلب منه سخافة في العقل، وضلال في الدين،

وصدق الله العظيم القائل في كتابه الكريم:"ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً وكانوا بعبادتهم كافرين" "الأحقاف" الآيتان(5-6)" مقدمة "الآيات البينات" ص(23-41) مختصراً

إذا علمت هذا، فاعلم أن طوائف التصوف وشراذم التشيع قد ضلوا في هذا الباب وأضلوا، وتنافرت معتقداتهم تنافر البُهُم المستنفرة، فهوت بهم في مهالك الهوى، برهان ذلك :

((( الكذابة الصوفية ومخاطبة الموتى )))

من سنن مكرة التصوف وأخوانهم كذبة التشيع أنهم يلهثون ليثبتوا باطلهم للنبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- ثم من باب "عنز ولو طارت" يسحبونها – كذباً وزورا- على كهنتهم تشبعا وتضليلا :

" إن المتصوفة قد اشتهر عنهم ادعاء مخاطبة الموتى والتلقي عنهم وكتبهم مشحونة بذلك :

مثال:
أن أبا المظفر المنصور أنشد قصيدة عند قبر الشيخ الرفاعي، فظهر صوت الرفاعي من القبر يقول له : "وعليك السلام" "العقود الجوهرية"ص (77-78)و"ترياق المحبين"ص(8،39)

مثال:
وأن السيدة نفيسة-صاحبة الضريح-كانت كثيراً ما تكلم أحد المشايخ المتصوفة وهي في قبرها""لطائف المنن والأخلاق"ص(403)

مثال:
وأن أحمد البدوي أخرج يده من القبر ووضعها بيد الشعراني ليبايعه، وكان من شروط المبايعة أن يكون تحت رقابة البدوي أينما ذهب، فأقره البدوي، وقال وهو في قبره"نعم" وهذه شبيهة بقصة مد النبي-صلى الله عليه وسلم-يده ليبايع الرفاعي حيث قال له:"هذه البيعة لك ولذريتك إلى يوم القيامة""المعارف المحمدية"ص(34)

مثال:
ومِن أخبار الشمس الحنفي أنَّه كان إذا زار القرافة – أي : المقبرة - سلَّم على أصحاب القبور، فيردُّون عليه السلام، بصوت يسمعه مَن معه" "الرد على الخرافيين" بتصرف يسير في أقوال وأفعال .
ومن ذلك أيضا دعواهم :

((( الاجتماع بالنبي- صلى الله عليه وسلم- يقظة )))

وساقهم هذا الاعتقاد الباطل إلى زعم دجاجلتهم أنهم يلتقون بالنبي – صلى الله تعالى عليه وإخوانه وآله وسلم- ويتلقون عنه بدعهم، افتراء عليه، يا ويلهم !!

فهذا أحدهم يزعم أنه : " كان يجتمع بالنبي-صلى الله عليه وسلم- يقظة لا في المنام، قيل له: كم مرة رأيته يقظة ؟ قال بضعاً وسبعين مرة. فأيهم أعظم من يستلم يد النبي-صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة أم من يجلس بجانبه يقظة ويحادثه أكثر من سبعين مرة!!" "قلادة الجواهر"ص (422-423) و"الرفاعية"ص(43) وانظر بحثنا "اليقظة لدعوى رؤية النبي في اليقظة"

((( أصل فكرة حياة النبي- صلى الله عليه وسلم )))

" قد شعر الصوفية بتناقض فكرة ربط علة خلق الكون بمحمد-صلى الله عليه وسلم- مع فقدان هذه العلة بموته كما قال تعالى: "إنك ميت وإنهم ميتون"

حيث يعترض معترض ويقول : "إذا كان الوجود مخلوقاً من أجله، فما قيمة هذا الوجود بعد موته؛ ولأي غاية يبقى؟
فقالوا حيئذ بحياته حياة كحياته التي كان يحياها قبل موته من أكل وشرب ورقابة على الأكوان وتحكم في العوالم العلوية والسفلية وهو في قبره وأنه يخرج ويزور الأولياء والصالحين، ويقضي بنفسه حوائج المحتاجين ويغيث المستغيثين به""الرفاعية"لعبد الرحمن دمشقية ص(135)

وكل هذا من الكذب المبين، الذي يؤاخذ عليه – أشد المؤاخذة- رب العالمين، { لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ } سورة "النحل" الآية(25)

((( حياة الأنبياء في قبورهم )))

حياة الأنبياء في قبورهم حقيقة حقّة، غير أنها حياة خاصة، بيد أن القوم وبتأويل من قبيل اللعب تلاعبوا بأتباعهم فابتدعوا وأبعدوا – بُعدا لهم .

قال العلامة الألباني-رحمه الله تعالى : " اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء-عليهم الصلاة والسلام-إنما هي حياة برزخية، ليست من الحياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها، دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكيفيها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا، هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته-صلى الله عليه وسلم-في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه!! وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى""السلسلة الصحيحة"(2/190-191)

ويلزم من القول بأنها حياة حقيقية أن يكون الصحابة-رضي الله عنهم-دفنوا نبيهم-صلى الله عليه وسلم-وهو حي، وإذا علم فساد اللازم؛ علم فساد الملزوم" حاشية كتاب "الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف" للأمير الصنعاني ص(80) تحقيق: عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر-الطبعة الأولى 1421هـ

علاقة مسألة سماع الأموات بمسألة الشرك
وإنكار العلامة الألباني-رحمه الله تعالى-على الفرق الإسلامية
عدم اهتمامها بالتوحيد والإنكار على مخالفيه:

قال العلامة الألباني-رحمه الله تعالى : "من المعلوم أن الاعتقاد بأن الموتى يسمعون هو السبب الأقوى لوقوع كثير من المسلمين اليوم في الشرك الأكبر، ألا وهو عبادة الأولياء والصالحين وعبادتهم من دون الله -عزّ وجلّ- جهلاً أو عناداً، ولا ينحصر ذلك في الجهال منهم، بل يشاركهم في ذلك كثير ممن ينتمي إلى العلم… والأحزاب الإسلامية كلها مع الأسف لا تعير لذلك اهتماماً يذكر؛ لأنه يؤدي بزعم بعضهم إلى الاختلاف والتفرقة! مع أنهم يعلمون أن الأنبياء إنما كان أول دعوتهم:"أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت"وخيرهم من يسكت عن قيام غيره بهذا الواجب" مقدمة "الآيات البينات في عدم سماع الأموات"ص(10-11)للعلامة نعمان محمود الآلوسي( ) تحقيق:العلامة محمد ناصر الدين الألباني-المكتب الإسلامي-الطبعة الرابعة 1405هـ

وفي ردّ الشيخ ربيع المدخلي-حفظه الله تعالى-على الغزالي السقا -رحمه الله تعالى- قال : " لو كنت منصفاً وغيوراً على الإسلام فعلاً، لوجهت هذه القذائف إلى فرق الضلال من صوفية على كثرة فرقها، وشيعية على تشعبها، الذين لم يرفعوا بنصوص التوحيد رأسا ويعتقدون في الأموات من أنبياء وأولياء وأنهم يعلمون الغيب وأن فيهم أقطاب وأوتادا يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ويسمعون دعاء المستغيثين ولو كان بينهم وبينهم بعد المشرقين.
ومن هنا يستغيثون بالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والحسين وزينب ونفيسة والشاذلي والمرغنى وغيرهم وغيرهم ويشيدون لهم القبور ويشدون إليها الرحال، فلو كانت هناك غيرة على الإسلام والقرآن والتوحيد لسددت سهامك في هذه المناسبة الذهبية إلى هذه الأصناف التي ترتكب هذه الأفاعيل وتجني على توحيد الأنبياء أفظع الجنايات، ولكنه الهوى وضعف أو موت البصيرة" "كشف موقف الغزالي من السنة وأهلها ونقد بعض آرائه"ص(151)مكتبة ابن القيم بالمدينة المنورة. الطبعة الأولى 1410هـ وأشار الشيخ الربيع وأشاد ص(170) بكتاب العلامة نعمان الآلوسي والعلامة الألباني في إبرازهما لحكم هذه المسألة.

وأختم هذا المقام بهذا المقال :
فقد قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ-رحمه الله تعالى : " والمشركون لم يسلموا للعليم الخبير ما أخبر به عن معبوداتهم، فقالوا تملك وتسمع وتستجيب لمن دعاهم، ولم يلتفتوا إلى ما أخبر به الخبير: من أن كل معبود يعادي عابده يوم القيامة، ويتبرأ منه، كما قال تعالى : "ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون، فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين، هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون" سورة"يونس" الآيات(28-30)

أخرج ابن جرير، عن ابن جريج، قال: قال مجاهد"إن كنا عن عبادتكم لغافلين" قال : يقول ذلك كل شيء يعبد من دون الله" "تفسير ابن جرير"(11/112)
فالكيس يستقبل هذه الآيات التي هي الحجة والنور والبرهان بالإيمان والقبول والعمل، فيجرد أعماله لله وحده دون كل ما سواه، ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا دفعاً، فضلاً عن غيره" "فتح المجيد شرح كتاب التوحيد" باب "أيشركون ما لا يخلق شيئاً"(1/328-329) ت: د. الوليد آل فريان- دار الصميعي- الطبعة الأولى 1415هـ

وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين
كتبه
راجي رحمة مولاه أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
رحمه الله في 13/2/1426هـ 23/3/2005م














السبت، 24 مايو 2014

كتاب فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد

تحميل كتاب
فتح المجيد لشرح كتاب التوحيد
تأليف العلامة
عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب
رحمهم الله تعالي
تحقيق الدكتور
الوليد بن عبدالرحمن بن محمد آل فريان



http://dc182.gulfup.com/XCtk6.pdf?gu=bmD_k7_qr3izr3V043g4bQ&e=1398732805&n=66696c656e616d652a3d5554462d3827272544392538312544382541412544382541442532302544382541372544392538342544392538352544382541432544392538412544382541462532302544392538342544382542342544382542312544382541442532302544392538332544382541412544382541372544382541382532302544382541372544392538342544382541412544392538382544382541442544392538412544382541462e706466

كتاب فقه العبادات

كتاب فقه العبادات  
للشيخ العلامة محمد ابن صالح العثيمين
رحمه الله

http://www.ajurry.com/vb/attachment.php?attachmentid=7299&d=1294837211
يسر أخوانكم في مدونة أهل الحديث والأثر برأس الترعة أن يقدموا لكم مكتبة أهل الحديث والأثر برأس الترعة

http://modarstalmton.blogspot.com/

رسالة التحذير المبين من الفتن والمظاهرات في بلدان المسلمين لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي


حمل رسالة التحذير المبين من الفتن والمظاهرات في بلدان المسلمين لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي
 الذي بين فيها فضيلة الشيخ حكم الشرع في هذه الفتن والمظاهرات
اضغط علي عنوان الرسالة

المرأة الصالحة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة ، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله : ( الدنيا متاع ، وخير متاعها المرأة المؤمنة ، إن نظرت إليها أعجبتك ، وإن أمرتها أطاعتك ، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك ) .
وهي التي أمر بها النبي في قوله لما سأله المهاجرون أي المال نتخذ فقال : ( لساناً ذاكراً ، وقلباً شاكراً ، أو امرأة صالحةً تعين أحدكم على إيمانه ) رواه الترمذي ، من حديث سالم بن أبي الجعد ، عن ثوبان .
ويكون منها من المودة والرحمة ما امتنَّ الله تعالى بها في كتابه ، فيكون ألم الفراق أشد عليها من الموت أحيانا وأشد من ذهاب المال وأشد من فراق الأوطان ، خصوصا إن كان بأحدهما علاقة من صاحبه ، أو كان بينهما أطفال يضيعون بالفراق ويفسد حالهم .
" مجموع الفتاوى " ( 35 / 299 ) .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
فالمراة التي ينبغي نكاحها هي التي يتحقق فيها استكمال هذين الغرضين و هي التي اتصفت بالجمال الحسي و المعنوي.
فالجمال الحسي: كمال الخلقة لان المرأة كلما كانت جميلة المنظر عذبة المنطق قرت العين بالنظر إليها و أصغت الإذن إلي منطقها فينفتح إليها القلب و ينشرح إليها الصدر و تسكن إليها النفس و يتحقق فيها قوله تعالى: (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة))-( الروم-21).

الجمال المعنوي: كمال الدين و الخلق فكلما كانت المرأة أدين و أكمل خلقا كانت أحب إلي النفس و اسلم عاقبة فالمراة ذات الدين قائمة بأمر الله حافظة لحقوق زوجها و فراشه و أولاده و ماله، معينه له على طاعة الله تعالى، إن ذكرته و أن تثاقل نشطته و أن غضب أرضته و المرأة الأدبية تتودد إلي زوجها و تحترمه و لا تتأخر عن شئ يحب أن تتقدم فيه و لا تتقدم في شئ يحب أن تتأخر فيه و لقد سئل النبي صلي الله عليه وسلم أي النساء خير؟ قال: (( التي تسره إذا نظر و تطيعه إذا أمر و لا تخالفه في نفسها و لا ماله بما يكره))- رواه أحمد والنسائي .
وقال صلي الله عليه وسلم: (( تزوجوا الودود الولود فاني مكاثر بكم الأنبياء، أو قال: الأمم)) - رواه أبو داود والنسائي-

فان أمكن تحصيل امرأة يتحقق فيها جمال المنظر و جمال الباطن فهذا هو الكمال و السعادة بتوفيق الله.أ.هـ من كتاب الزواج

قال القاضي رحمه الله: من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها حدى الخصال، واللائق بذوى المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون، لا سيما فيما يدوم أمره ويعظم خطره انتهى. - تحفة الاحوذي-
رد مع اقتباس

شعر جميل من كتاب: اتباع السنن واجتناب البدع-المؤلف: ضياء الدين عبد الواحد المقدسي

الكتاب: اتباع السنن واجتناب البدع
المؤلف: ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (المتوفى: 643هـ)
**************************
أخبرنا العدل أبو الفضل عبد الواحد ببغداد أن الإمام العالم أبا محمد عبد الله بن عبد الله بن علي بن أحمد بن عبد الله المقرىء النحوي، أجاز لهم وأنشد لنفسه:

تَركُ التَكلُف فِي التَصَوفِ وَاجَبُ ... ومِن المُحَالِ تَكَلُفُ الفُقَرَاءِ
قَومُ إِذا اِمتَدَ الظَلامُ رَأيتُهم ... يَتَرَكَعُون تَرَكُعُ القَرَاءِ
والوَجدُ مِنهُم فِي الوِجُوهِ مَحَله ... ثُمّ السَماعُ يَحِلُ فِي الإغضَاءِ
لا يَرفَعُون بِذاَكَ صَوتاً مُجَهَراً ... يَتجَنَبُون مُوَاقِع الأَهوَاءِ
ويَواصِلون بِذاَك صوتاً مُجهَراً ... فِي الَبَأسِ إن يأتِي وفِي السَراءِ
وتَراهُم بَينَ الأَنَامِ إذا أتوا ... مِثلَ النِجُومِ الغرّ فِي الظَلماءِ
صَدقت عزَائمهُم وعَزم مَرامهِم ... وعَلت منَازِلُهُم عَلى الجَوزاءِ
خَدَمُوا الإله حَقيقَة وعَزيمة ... ورَعوا حِقُوقَ الِلهِ فِي الآناءِ
وَالَرقصُ نَقصَ عِندهم فِي عِقُولِهم ... ثُمّ القَضِيب بِغيرِ ما إخفَاءِ
هَذا شِعارُ الصَالِحين ومن مَضَى ... مِن سَادةِ الزُهاَدِ والعُلمَاءِ
فإذَا رَأيت مُخَالفاً لِفعَالِهم ... فاحكُم عَليه بعَظمِ الإغواءِ
وأنشدنا لنفسه وأخبر به عن العدل أبو الفضل إجازة:
حُرمَةُ اَلمرءِ تَستَقيمُ إذا مَا ... كان فِي دِينِه عَلى تَحقيقِِ
لا يَرَى الرَقصُ واَلقَضَيبُ ... وَلا الدَفّ طَريقاً إلِى صَوابِ الطَريقِِ
وكذَا الشِيزَ والتَهافُت فِيه ... بِانكشَافِ الرؤوسِ والَتصَفيقِ
هَذه سِيرةُ الزَنوجِ ذَوي النقَ ... ص إذا مَا هَبُوا لِفعلِ الَفسُوقِ
*********

قال رحمه الله: أنشدني أخي الفقيه الإمام أبو العباس أحمد بنعبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن المقدسي من لفظه قال: أنشدني أبو العباس أحمد بن الجاجة - بذلك كان يعرف - وكان رجلاً صالحاً إن شاء الله لنفسه:

يَا سَائِلِي مِن طَرِيقِ الَفَضلِ واَلأَدبِ ... عَن مَعَشرِ فِعلهم أدَى إلِى العَطبِ
قَوُمُ إلى رَاحَةٍ اِستأنَسُوا وَنأوُا ... عَن الَتكَسُبِ بَينَ الَنَاسِ والتَعبِ
قَالُوا بَلا سَبَبِ اللهُ رَازقُنَا ... واللهُ راَزِقُنَا بِالَسعِي والسَببِ
ألَيس مَريَم رَبُ العَرشِ قَالَ لَها: ... هُزِي إلِيكِ بِجذَعِ يَانَع رَطَبِ
وَلو يَشاَء أتَاهَا رَزقَها رَغَداً ... مِن غَيرِ مَا تَعبِ مِنها وَلا نصَبِ
وكَان رزِقُ رَسَولَ اللهِ جَاعِله ... رَبُ الَبرَيةِ تحَت القَصرِ واَلقصبِ
وباكرُوا اللهوَ واللذاتِ واتخذوا ... لهُوَ الحَدِيثِ لهُم دِيناً مع الطربِ
إذَا أتُوا مَنزَلاً قَالُوا َلِصَاحِبِه ... قَبّل يدَ الشيَخِ ذِي الإكرَام والأدَبِ
هَذا لهُ نَظَرُ هَذا لهُ هِمَمُ ... لهُ الكرامَاتُ بَين العُجم والعَرَبِ
يَمشي عَلى الماءِ يطَوي الأَرضَ قاَطبَةً ... وَفاتحُ كلّ بَابِ مُغلَقٍ أَشِبِ
اطلب رِضا الشَيخِ وانَظر أين مَذهَبه ... وَليَس مَذهبه إلا إلِى الذَهَبِ
هَذا وقد جَاءَ بِالمَعلومِ فَابتَدرُوا ... مُحسَرين عَن الأيدِي عَلى الَركبِ
كُل امرِىء مُنهم فِي الأكلِ مُعضَله ... ومُرجِف الأرَضِ يَوم الرَوع بالهَربِ
إذا تَغَنى مُغنيهُم سَمِعت لهُم ... صُراخ قُومٍ رُموا بالويلِ والحَربِ
ما زَال ليلهُم رقَصاً فإن تِعبوا ... تطَارحُوا فِي زوَايا البيتِ كالخَشَبِ
ضَربُ الَقضَيبِ مَدى الأيَامِ شُغلُهم ... والرقصُ دأبهُم والضرب فِي الضَربِ
قَالوا لنا مَذهُب وهو الحقيقةُ لا ... نَقُول بِالشَرعِ ثُم الدَرسِ فِي الكُتبِ
ولا نُريد مِن الرَحَمنِ جَنتَّهُ ... ولا نَخافُ لظى جَاءت عَلى غضبِ
وما بِهذا كِتابُ اللهِ أخبرنا ... وجَاءت الرُسلُ بِالتَرغِيبِ والرَهبِ
َزارُوا النِساءَ وآخوهُنّ هل عُصِمُوا ... مِنهن أم أمنُوا مِن طَارقِ النّوَبِ
نَسُوا قضيةَ هاروتٍ وصَاحِبه ... ماروت إذ شَرِبا كَأساً مِن العَطبِ
وَهَمّ يوسُفَ لولا أن رأى عَجَبَاً ... بُرهَان خَالِقِه فاعجب مِن العَجبِ
ونَظَرةً تَركَت داودَ ذا حَرَق ... عَلى خَطيئَتِه باكٍ أخا كُرَبِ
أبرا إلى اللهِ مِن قَومِ فِعالُهم ... هذا وعَن ذَمّهم ما عشت لم أتُبِ
قال: وأخبرنا أخي رحمه الله أن أحمد المذكور أنشدهم ولم يعزها، والظاهر - والله - أنها له:
يا سالِكي سُبُلَ العُدوانِ وَالتُهَمِ ... وَتابِعي نِعَمِ الرَحمَنِ بِالنِقَمِ
وَتارِكي سُبلَ الَمعرَوُفِ عَافِيةً ... وآخِذِي طُرَق الخذلانِ والندَمِ
أَلبَستُمُ الدينَ عاراً مِن فِعالِكُم ... ما ليسَ يَحسُنُ مِن عُربِ ولا عَجَمِ
سَمّيتُمُ الدِينَ مِن لهوٍ ومِن لَعبٍ ... دِيناً وقُربى إلى الرَحمَنِ ذِي الكَرمِ
يا مُشبهي حُمُرَ الصَحراءِ رامِحةً ... لمّا تَمَلّت مِن الخضراءِ والدّيمِ
هل كَان فِيما مَضَى مِن فِعلِ سيَدكُم ... ضَربُ القَضِيب ورفسُ الأرض بِالقَدمِ

*********
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من جميع البدع ما ظهر منها وما بطون وأن يحيينا على سنة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن يميتنا على ملته وأن يوفقنا لما يحب ويرضى من القول والنية والعمل والهدى وأن يوزعنا شكر نعمه، ويزيدنا من عطائه وقسمه، إنه على كل شيء قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

الجمعة، 23 مايو 2014

ذم العجلة


ذم العجلة
بقلم : الشَّيخ توفيق عمروني -حفظه الله تعالى-
مدير مجلَّة الإصلاح




بسم الله الرحمن الرحيم


إنَّ من الصِّفات الذَّميمة المعيبة ، العجلة ، قال الله سُبحانه : {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ} [سورة الأنبياء] ، وقال : {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [سورة الإسراء] ، أي : خُلق عجولاً يُبَادر الأُمور ، ويستَعجل حصولَها قبلَ أوانِها ، ويطلبُ أخذَ الأشياء قبلَ وقتها
والعَجُول كثيرُ الخَطأ ، قليل التَّثبُّت والتَّدبُّر ، ولا يقدِّر للأمور عواقبَها ، وهو ما يدفعُه إلى وضع الأشياء في غير مواضِعها ، فلا يجني مِن تعجُّله سوى الحرمان والفَوت ، فيجلب على نفسه أنواعًا منَ الشُّرور ، ويحرمها أصنافًا من الخَير فصدقَ من كنَّى العَجلة بأمِّ النَّدامة ، لأنَّه قلَّ من استَعجل إلاَّ ندمَ ، وما سَلِمَ ، وآلَت أمورُه إلى فَرط وشَطَط .
فلا تقُل ولا تكتُب قبلَ أن تعلَم ، ولا تُجب قبلَ أن تفهَم ، ولا تعزمَ قَبل أن تُفكِّر ، ولا تقطع قبلَ أن تقدِّر ، ولا تحمد قبلَ أن تجرِّب ، ولا تُذع شيئًا قبلَ أن تتثَّبت ، فالحليمُ المتأنِّي لا تُثيره بداياتُ الأمور ، ولا يستفزُّه أهْلُ الطَّيْشِ والخفَّةِ ، ولا يستَخفُّهُ أهلُ التَّشويش والإثارة منَ الَّذين لا يَعْلَمُونَ ، ولا يهيِّجه أهلُ العَواطف والحماسَة ، بل يملكُ نفسَه عند دوَاعي الغَضب والسَّخط ، وعواطفُه منقادةٌ للشَّرع ، جاريةٌ على مقتضَى الحكمَة والعَقل .
وإذا كانَ الاستعجَالُ قبيحًا ، فهو في المنتَسِب إلى العلم والدَّعوة أقبح ، فحريٌّ به ألاَّ يتعجَّل في الفتوى والتَّصدُّر ، ولا في حرق مراحل التَّعلُّم والتَّدرُّج ، ففي "شعب الإيمان" (1803) عن الإمام مَالك رحمه الله أنَّه عَابَ يومًا العَجَلَةَ في الأمُور ، ثُمَّ قالَ :
" قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما البَقَرَةَ في ثَمَانِ سنِينَ " ، والله تعالى رفيقٌ يحبُّ الرِّفق والتَّأنِّي في الأعمال والأمور ، والمتَّئد من النَّاس محمودُ العاقبة مخطئًا ومصيبًا قال صلَّى الله عليه وسلَّم : " التَّأنِّي منَ الله ، والعَجَلَةُ منَ الشَّيطَانِ " .
والرَّشيد من النَّاس هو مَن قَدَّ منَ العَجلة معنًى حميدًا ،وهو المبادر إلى الخيرات ، والمسارعَة إلى المرضيات ، ومعناه انتهاز الفُرص في وقتها ، قال تعالى عن موسى عليه السلام : {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [سورة طه] ، فرضَى الرَّبِّ في العَجلة إلى أوامره ، وبهذا احتجُّوا على أنَّ الصَّلاةَ في أوَّل الوقت أَفضَل .
فليسَ منَ التَّأنِّي تضييع الفُرص وتفويتها ، بل هو تهاونٌ وتماوتٌ ، لأنَّ الكسَلَ قرينُ الفَوْت والإضاعة ، فلابد إذًا من سلوك الحليم الواثق الَّذي يصدرُ عن علم وبصيرة ، وحزم وعزيمة ، ليكونَ على طريق الرُّشد والثَّبات ، مفرقًا بين العجلة والمبادرة .
وتأكَّد أنَّ العَجلَةَ لا تقدِّم نصرًا آتيًا ، والأناة لا تُؤخِّره ، وإن الله قَد جعل لكلِّ شيء قدرًا ، وقد أحسن مَن قال :
لـــكلٍّ شـــيءٍ في الحياة وقتُهُ *** وغايةُ الــمستَعجلين فوتُه!


مجلَّة الإصلاح السنة الثَّامنة ،العدد الأربعون رجب/شعبان 1435هــ الموافق لــ : ماي/جوان 2014م



روايات حديث "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. ومن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان".من صحيح مسلم....مع شرح الحافظ النووي رحمه الله تعالى

روايات حديث "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. ومن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان".من صحيح مسلم....مع شرح الحافظ النووي رحمه الله تعالى (كتاب المنهاج)..أسأل الله ان ينفع به..


* الحديث الذي ذكره الإمام إبن كثير رحمه الله تعالى ...من صحيح مسلم بجميع الرويات التي أوردها....


(20) باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان. وأن الإيمان يزيد وينقص. وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان
78 - (49) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع بن سفيان. ح وحدثنا محمد بن المثنى. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة كلاهما عن لقيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب. وهذا حديث أبي بكر. قال:
أول من بدأ بالخطبة، يوم العيد قبل الصلاة، مروان. فقام إليه رجل. فقال: الصلاة قبل الخطبة. فقال: قد ترك ما هنالك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. فإن لم يستطع فبلسانه. ومن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان".
79 - (49) حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء. حدثنا أبو معاوية. حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري. وعن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد الخدري. في قصة مروان، وحديث أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث شعبة وسفيان.
80 - (50) حدثني عمرو الناقد، وأبو بكر بن النضر، وعبد بن حميد،واللفظ لعبد. قالوا: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد. قال: حدثني أبي عن صالح بن كيسان، عن الحارث، عن جعفر بن عبدالله بن الحكم، عن عبدالرحمن بن المسور، عن أبي رافع، عن عبدالله بن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب. يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف. يقولون ما لا يفعلون. ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". قال أبو رافع: فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي. فقدم ابن مسعود فنزل بقناة. فاستتبعني إليه عبدالله بن عمر يعوده. فانطلقت معه. فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر. قال صالح: وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع.
(50) وحدثنيه أبو بكر بن إسحاق بن محمد. أخبرنا ابن أبي مريم. حدثنا عبدالعزيز بن محمد. قال: أخبرني الحارث بن الفضيل الخطمي. عن جعفر بن عبدالله بن الحكم، عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة، عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، عن عبدالله بن مسعود؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"ما كان من نبي إلا وقد كان له حواريون يهتدون بهدية ويستنون بسنته" مثل حديث صالح. ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه.

************************************************** *********

* وهنا شرح الأحاديث السالفة الذكر للحافظ النووي رحمه الله تعالى (كتاب المنهاج)..أسأل الله ان ينفع به..

*2* باب بيان كون النهي عن المنكر من الإِيمان، وأن الإِيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان
*حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. ح وَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى: حَدّثَنَا مُحمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ: حَدّثَنَا شُعْبَةُ كِلاَهُمَا عَنْ قَيْس بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ. وَهَذَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: أَوّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ، يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصّلاَةِ: مَرْوانُ. فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ. فَقَالَ: الصّلاَةُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ؟. فَقَالَ: قَدْ تُرِكَ مَا هُنَالِكَ. فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمّا هَذَا فَقَدْ قضى مَا عَلَيْهِ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرا فَلْيُغَيّرْهُ بِيَدِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
حدّثنا أَبُو كُرْيْبٍ مُحمّدُ بْنُ الْعَلاَءِ. حَدّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. حَدّثَنَا الأَعْمَشُ عَنِ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدَرِيّ. وَعَنْ قَيْسٍ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ فِي قِصّةِ مَرْوَانَ، وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، بِمِثْلِ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ.
حدّثني عَمْرُو النّاقِدُ، وَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ النّضرِ، وَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَاللّفْظُ لِعَبْدٍ. قَالُوا: حَدّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ: حَدّثَنِي أَبِي، عَنْ صَالِحٍ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمّةٍ قَبْلِي، إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمّتِهِ حَوَارِيّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمّ إِنّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبّةُ خَرْدَلٍ".
قَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَحَدّثْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنَ عُمَرَ فَأَنْكَرَهُ عَلَيّ. فَقَدِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَنَزَلَ بِقَنَاةَ. فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يَعُودُهُ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ. فَلَمّا جَلَسْنَا سَأَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَحَدّثَنِيهِ كَمَا حَدّثْتُهُ ابْنَ عُمَرَ.
وحدّثنيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَقَ بْنِ مُحَمّدُ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: حَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدُ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنِ الْفُضَيْلِ الْخَطْمِيّ. عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرحمَنِ بْنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مولى النبيّ صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "مَا كَانَ مِنْ نَبِيَ إِلاّ وَقَدْ كَانَ لَهُ حَوَارِيّونَ يَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِ وَيَسْتَنّونَ بِسُنّتِهِ" مِثْلَ حَدِيثِ صَالِحٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ قدُومَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَاجْتِمَاعَ ابْنِ عُمَرَ مَعَهُ.
قوله: (أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان) قال القاضي عياض رحمه الله: اختلف في هذا فوقع هنا ما تراه، وقيل: أول من بدأ بالخطبة قبل الصلاة عثمان رضي الله عنه. وقيل: عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما رأى الناس يذهبون عند تمام الصلاة ولا ينتظرون الخطبة. وقيل: بل ليدرك الصلاة من تأخر وبعد منزله. وقيل: أول من فعله معاوية. وقيل: فعله ابن الزبير رضي الله عنه. والذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم تقديم الصلاة، وعليه جماعة فقهاء الأنصار، وقد عده بعضهم إجماعا، يعني والله أعلم بعد الخلاف، أو لم يلتفت إلى خلاف بني أمية بعد إجماع الخلفاء والصدر الأول. وفي قوله: بعد هذا، أما هذا، فقد قضى ما عليه بمحضر من ذلك الجمع العظيم دليل على استقرار السنة عندهم، على خلاف ما فعله مروان وبينه أيضا احتجاجه بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكرا فليغيره" ولا يسمى منكرا لو اعتقده، ومن حضر أو سبق به عمل أو مضت به سنة. وفي هذا دليل على أنه لم يعمل به خليفة قبل مروان، وأن ما حكي عن عمر وعثمان ومعاوية لا يصح، والله أعلم. قوله: (فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة، فقال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده" الحديث) قد يقال: كيف تأخر أبو سعيد رضي الله عنه عن إنكار هذا المنكر حتى سبقه إليه هذا الرجل؟ وجوابه أنه يحتمل أن أبا سعيد لم يكن حاضرا أول ما شرع مروان في أسباب تقديم الخطبة فأنكر عليه الرجل ثم دخل أبو سعيد وهما في الكلام. ويحتمل أن أبا سعيد كان حاضرا من الأول، ولكنه خاف على نفسه أو غيره حصول فتنة بسبب إنكاره فسقط عنه الإنكار، ولم يخف ذلك الرجل شيئا لاعتضاده بظهور عشيرته أو غير ذلك، أو أنه خاف وخاطر بنفسه، وذلك جائز في مثل هذا بل مستحب، ويحتمل أن أبا سعيد هم بالإنكار فبدره الرجل فعضده أبو سعيد والله أعلم. ثم إنه جاء في الحديث الاَخر الذي اتفق البخاري ومسلم رضي الله عنهما على إخراجه في باب صلاة العيد: أن أبا سعيد هو الذي جذب بيد مروان حين رآه يصعد المنبر وكانا جاءا معا، فرد عليه مروان بمثل ما رد هنا على الرجل، فيحتمل أنهما قضيتان: إحداهما لأبي سعيد، والأخرى للرجل بحضرة أبي سعيد، والله أعلم. وأما قوله: فقد قضى ما عليه ففيه تصريح بالإنكار أيضا من أبي سعيد. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "فليغيره" فهو أمر إيحاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم، كما قال الإمام أبو المعالي إمام الحرمين: لا يكترث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء، ووجوبه بالشرع لا بالعقل خلافا للمعتزلة. وأما قول الله عز وجل: {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم} فليس مخالفا لما ذكرناه، لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الاَية: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي لا القبول، والله أعلم. ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف. قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول، وكما قال الله عز وجل: {ما على الرسول إلا البلاغ} ومثل العلماء هذا بمن يرى إنسانا في الحمام أو غيره مكشوف بعض العورة ونحو ذلك، والله أعلم. قال العلماء: ولا يشترط في الاَمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلاً ما يأمر به، مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه. فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالاَخر؟ قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لاَحاد المسلمين. قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية، والله أعلم.
ثم أنه إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب، وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم، وعلى المذهب الاَخر المصيب واحد، والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر. وذكر أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي في كتابه الأحكام السلطانية خلافا بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره؟ والأصح أنه لا يغير لما ذكرناه، ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين، ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا: ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا، والله أعلم. واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا، وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أو شك أو يعمهم الله تعالى بعقابه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، فينبغي لطالب الاَخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم، لاسيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته، ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال: {ولينصرن الله من ينصره} وقال تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم} وقال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقال تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون} {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمون الكاذبين} واعلم أن الأجر على قدر النصب، ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته، وأن يعمنا بجوده ورحمته، والله أعلم. وينبغي للاَمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرفق ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه. ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب ما إذا رأى إنسانا يبيع متاعا معيبا أو نحوه، فإنهم لا ينكرون ذلك، ولا يعرفون المشتري بعيبه، وهذا خطأ ظاهر، وقد نص العلماء على أنه يجب على من علم ذلك أن ينكر على البائع وأن يعلم المشتري به، والله أعلم. وأما صفة النهي ومراتبه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحيح: "فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" فقوله صلى الله عليه وسلم: "فبقلبه" معناه فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة وتغيير منه للمنكر، ولكنه هو الذي في وسعه. وقوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان) معناه والله أعلم أقله ثمرة.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا الحديث أصل في صفة التغيير، فحق المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به قولاً كان أو فعلاً، فيكسر آلات الباطل ويريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله وينزع الغصوب ويردها إلى أصحابها بنفسه أو بأمره إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم المخوف شره، إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل لهذا المعنى، ويغلظ على المتمادي في غيه والمسرف في بطالته إذا أمن أن يؤثر إغلاظه منكرا أشد ما غيره، لكون جانبه محميا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده يسبب منكرا أشد منه من قتله أو قتل غيره بسبب كف يده واقتصر على القول باللسان والوعظ والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك غير بقلبه وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث إن شاء الله تعالى، وإن وجد من يستعين به على ذلك استعان ما لم يؤد ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، وليرفع ذلك إلى من له الأمر إن كان المنكر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه، هذا هو فقه المسألة وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال وإن قتل ونيل منه كل أذى، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله. قال إمام الحرمين رحمه الله: ويسوغ لاَحاد الرعية أن يصد مرتكب الكبيرة إن لم يندفع عنها بقوله ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال وشهر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك ربط الأمر بالسلطان. قال: وإذا جار وإلى الوقت وظهر ظلمه وغشمه ولم ينزجر حين زجر عن سوء صنيعه بالقول فلأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب. هذا كلام إمام الحرمين، وهذا الذي ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يخف منه إثارة مفسدة أعظم منه. قال: وليس للاَمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسس واقتحام الدور بالظنون، بل إن عثر على منكر غيره جهده، هذا كلام إمام الحرمين. وقال أقضى القضاة الماوردي: ليس للمحتسب أن يبحث عما لم يظهر من المحرمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها لأمارة وآثار ظهرت فذلك ضربان: أحدهما: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة يفوت استدراكها مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلاً خلا برجل ليقتله، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذا الحال أن يتجسس ويقدم على الكشف والبحث حذرا من فوات ما لا يستدرك، وكذا لو عرف ذلك غير المحتسب من المتطوعة جاز لهم الإقدام على الكشف والإنكار. الضرب الثاني: ما قصر عن هذه الرتبة فلا يجوز التجسس عليه ولا كشف الأستار عنه، فإن سمع أصوات الملاهي المنكرة من دار أنكرها خارج الدار لم يهجم عليها بالدخول لأن المنكر ظاهر، وليس عليه أن يكشف عن الباطن. وقد ذكر الماوردي في آخر الأحكام السلطانية بابا حسنا في الحسبة مشتملاً على جمل من قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أشرنا هنا إلى مقاصدها، وبسطت الكلام في هذا الباب لعظم فائدته وكثرة الحاجة إليه وكونه من أعظم قواعد الإسلام، والله أعلم.
قوله: (وحدثنا أبو كريب، حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد وعن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد) فقوله: وعن قيس معطوف على إسماعيل معناه: رواه الأعمش عن إسماعيل عن قيس، والله أعلم.
قوله: (عن صالح بن كيسان عن الحارث عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. قال أبو رافع: فحدثت عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فأنكره علي، فقدم ابن مسعود رضي الله عنه فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر، قال صالح: وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع) أما الحارث فهو ابن فضيل الأنصاري الخطمي أبو عبد الله المدني، روى عن عبد الرحمن بن أبي قراد الصحابي، قال يحيى بن معين: هو ثقة. وأما أبو رافع فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصح أن اسمه أسلم، وقيل: إبراهيم، وقيل: هرمز، وقيل: ثابت، وقيل: يزيد وهو غريب، حكاه ابن الجوزي في كتابه جامع المسانيد، وفي هذا الإسناد طريفة وهو أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض: صالح والحارث وجعفر وعبد الرحمن، وقد تقدم نظير هذا. وقد جمعت فيه بحمد الله تعالى جزءا مشتملاً على أحاديث رباعيات منها أربعة صحابيون بعضهم عن بعض، وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض. وأما قوله: قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع فهو بضم التاء والحاء، قال القاضي عياض رحمه الله: معنى هذا أن صالح بن كيسان قال: إن هذا الحديث روي عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير ذكر ابن مسعود فيه. وقد ذكره البخاري كذلك في تاريخه مختصرا عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قال أبو علي الجياني عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: هذا الحديث غير محفوظ، قال: وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود، وابن مسعود يقول: اصبروا حتى تلقوني، هذا كلام القاضي رحمه الله. وقال الشيخ أبو عمرو: هذا الحديث قد أنكره أحمد بن حنبل رحمه الله. وقد روى عن الحارث هذا جماعة من الثقات ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء. وفي كتاب ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة، ثم أن الحارث لم ينفرد به بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان المذكور. وذكر الإمام الدارقطني رحمه الله في كتاب العلل أن هذا الحديث قد روي من وجوه أخر، منها عن أبي واقد الليثي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: اصبروا حتى تلقوني فذلك حيث يلزم من ذلك سفك الدماء أو إثارة الفتن أو نحو ذلك. وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة، على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة، هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو وهو ظاهر كما قال، وقدح الإمام أحمد رحمه الله في هذا بهذا عجب، والله أعلم. وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم، فقال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، والخلصان الذين نقوا من كل عيب، وقال غيرهم: أنصارهم، وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم. قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف" الضمير في إنها هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن، ومعنى تخلف تحدث وهو بضم اللام. وأما الخلوف فبضم الخاء وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشر. وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير، هذا هو الأشهر. وقال جماعة وجماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوز الفتح في الشر، ولم يجوز الإسكان في الخير، والله أعلم. قوله: فنزل بقناة هكذا هو في بعض الأصول المحققة بقناة بالقاف المفتوحة وآخره تاء التأنيث وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث، وهكذا ذكره أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين ووقع في أكثر الأصول، ولمعظم رواة كتاب مسلم بفنائه بالفاء المكسورة وبالمد وآخره هاء الضمير قبلها همزة، والفناء ما بين أيدي المنازل والدور، وكذا رواه أبو عوانة الأسفرايني. قال القاضي عياض رحمه الله في رواية السمرقندي بقناة وهو الصواب، وقناة واد من أودية المدينة عليه مال من أموالها، قال: ورواية الجمهور بفنائه وهو خطأ وتصحيف.
قوله صلى الله عليه وسلم: (يهتدون بهديه) هو بفتح الهاء وإسكان الدال أي بطريقته وسمته. قول مسلم رحمه الله: (ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه) هذا مما أنكره الحريري في كتابه درة الغواص فقال: لا يقال اجتمع فلان مع فلان، وإنما يقال اجتمع فلان وفلان، وقد خالفه الجوهري فقال في صحاحه: جامعه على كذا أي اجتمع معه.

تفريغُ شرح كتاب الفتن من صحيح البُخاريّ / الدرس الثاني» لفضيلة الشيخ عبيد الجابري

«تفريغُ شرح كتاب الفتن من صحيح البُخاريّ»
لفضيلة الشّيخ العلاّمة:
عُبيد بن عبد الله الجابريّ -حَفِظَهُ اللهُ-


تعليقاتٌ على «كتاب الفتن من صحيح البُخاريّ»ألقاها فضيلته في «جامع خليل بن سبعان وسارة سنبل» بمدينة الرّياض - عام 1433هـ

تنبيه: كُنت قد فرّغتُ 3 أشرطة الأخيرة من شرح الشّيخ مُنذ أكثر من عام، والشّريط 1 كان قد فرّغهُ أحد الإخوة ولكن لم يُرسله لِي -أسألُ اللهَ أن يُوفِّقهُ-، فأحببتُ نشرَ التّفريغات عسَى اللهُ أن ينفَعَ بها إخواني، وعسى أن يتشجّع أحد الإخوة ويُفرِّغ لنَا الشّريط الأوّل، ومن وجد خطأ فَلْيُنبِّهْنِي، وجزاكُمُ اللهُ خيرًا.

التّفريغ
:


يسرّ موقع ميراث الأنبياء أن يُقدّم لكم تسجيلاً لدرس في «شرح كتاب الفتن من صحيح الإمام البخاري»، ألقاه فضيلة الشّيخ العّلامة عبيد بن عبد الله الجابري -حفظه الله تعالى- ضمن فعاليات دورة علمية أقيمت في: «جامع خليل بن سبعان وسارة سنبل» بمدينة الرّياض عام ثلاثة وثلاثين وأربع مائة وألف هجرية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع به الجميع.
الدّرس الثاني:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المتن:
قال الإمام البخاري –رحمه الله تعالى-:
"باب قول النبيّ –صلّى الله عليم وسلّم-: من حمل علينا السّلاح فليس منّا"
قال حدّثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أنّ رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- قال:(مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا).
حدّثنا محمد بن العلاء قال حدّثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى –رضي الله عنه- عن النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال:(مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا).
قال حدّثنا محمد قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن همّام قال سمعت أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال:(لاَ يُشِيرُ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ بِالسِّلاَحِ، فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ فِي يَدِهِ، فَيَقَعُ فِي حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ).
قال حدّثنا علي بن عبد الله قال حدّثنا سفيان قال قلت لعمرو: يا أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله –رضي الله عنه- يقول: (مَرَّ رَجُلٌ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا‏" قَالَ: نَعَمْ).
قال حدّثنا أبو النعمان قال حدّثنا حمّاد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر –رضي الله تعالى عنه- (أَنَّ رَجُلاً، مَرَّ فِي الْمَسْجِدِ بِأَسْهُمٍ قَدْ أَبْدَى نُصُولَهَا، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ بِنُصُولِهَا، لاَ يَخْدِشُ مُسْلِمًا‏).
قال حدّثنا محمد بن العلاء قال حدّثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى –رضي الله تعالى عنه- عن النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ فِي مَسْجِدِنَا أَوْ فِي سُوقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا ـ أَوْ قَالَ فَلْيَقْبِضْ بِكَفِّهِ ـ أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهَا شَيْءٌ).
الشّرح:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وليّ الصّالحين وربّ الطيّبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطّيّبين الطّاهرين وسلّم تسليمًا كثيراً-.
حاصل ما دلّت عليه هذه الأحاديث:
أوّلاً: حفظ كرامة المسلم والمحافظة على حُرمته، وإيضاح ذلك أنّه في الحديثين الأوّلين حذّر –صلّى الله عليه وسلّم- من حمل السّلاح على إخوانه من المؤمنين فقال:(ليس منّا)، وهذا الوعيد من صيغ النّهي الفرعية فيقتضي تحريم هذا الأمر، فحمل السّلاح يُقال فيمن اخترط سلاحه وجنّده وهيّأه للاعتداء على دماء المُسلمين وسفكها، وأمّا الأحاديث الأخيرة فهي مُتضمّنة وجوب حفظ أمن المُسلمين وذلكم أنّ النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- أمر المُسلم الذي يحمل نبالاً وسهاماً أن يضع كفّه على نصلها حتّى لا يخدش بأحد في المجامع العامّة كالأسواق والمساجد وحيث يتجمّع النّاس، وفي بعضها نهى –صلّى الله عليه وسلّم- عن الإشارة بالسّلاح وذكر العلّة وهي أنّه قد يكون الشّيطان ينزع بيده فيضرب المسلم بسلاحه وأنا أحفظ وقائع كثيرة في منطقتنا منها: أنّ رجلاً أخذ يُمازح أخًا له بالبُندقيّة ونسي أنّ فيها رصاصاً فضغط على ما يُسمّونه الزّناد فانطلقت الرّصاصة وأصابت أخاه فقتله؛ نعم.
المتن:
"باب قول النبيّ –صلّى الله عليم وسلّم-: لا ترجعوا بعدي كُفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"
قال حدّثنا عمر بن حفص قال حدّثني أبي قال حدّثنا الأعمش قال حدّثنا شقيق قال: قال عبد الله –رضي الله تعالى عنه- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ).
قال حدّثنا حجاج بن منهال قال حدثنا شعبة قال أخبرني واقد بن محمد عن أبيه عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنّه سمع النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).
قال حدّثنا مسدّد قال حدثنا يحيى قال حدثنا قرة بن خالد قال حدثنا ابن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة –رضي الله عنه- وعن رجل آخر هُو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خطب النّاس فقال: (أَلاَ تَدْرُونَ أَىُّ يَوْمٍ هَذَا.‏ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قَالَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ أَلَيْسَ بِيَوْمِ النَّحْرِ ‏"‏‏.‏ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ‏.‏ قَالَ ‏"‏ أَيُّ بَلَدٍ، هَذَا أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ ‏"‏‏.‏ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ‏.‏ قَالَ ‏"‏ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ ‏"‏‏.‏ قُلْنَا نَعَمْ‏.‏ قَالَ ‏"‏ اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّهُ رُبَّ مُبَلِّغٍ يُبَلِّغُهُ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ فَكَانَ كَذَلِكَ ـ قَالَ ـ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ‏"‏‏.‏ فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ حُرِّقَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ، حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ‏.‏ قَالَ أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ‏.‏ فَقَالُوا هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ‏.‏ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ دَخَلُوا عَلَىَّ مَا بَهَشْتُ بِقَصَبَةٍ‏).
قال حدثنا أحمد بن إشكاب قال حدثنا محمد بن فضيل عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: قال النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم-: (لاَ تَرْتَدُّوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).
قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا شعبة عن علي بن مُدرك قال سمعت أبا زرعة بن عمرو بن جرير عن جده جرير -رضي الله تعالى عنه- قال: قال لي رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- في حجّة الوداع: (اسْتَنْصِتِ النَّاسَ‏‏‏.‏ ثُمَّ قَالَ: لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ).
الشّرح:
أقول:
أوّلاً: يجب أن يُعلم أنّ الإيمان أصل ذو شُعب وكذلك الكُفر أصل ذو شعب فكُلّ منهما له شُعب، فجميع شعب الإيمان فالطاعات كلّها شعب إيمان قوليّة أو عمليّة أو اعتقاديّة، وجميع المعاصي هي تحت هذا الأصل أنّ الكُفر ذو شعب فيها شعب كفر، لكن يجب كذلك أن يُعلن أنّ الكُفر كُفران:
كُفر مُخرج من الملّة ومنه: الشّرك بالله وسبّ النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- وسبّ دين الإسلام وسبّ الصّاحبة جميعًا كما تسلكه الرّافضة أو تقول أحيانًا أنّ عامّتهم فسقوا.
ومن شعب الكُفر ما هو كفر أصغر ويُطلق على سبيل الزّجر والتخويف فالترجمة حاصلها أنّ اعتداء المُسلمين على بعضهم وحمل السّلاح من بعضهم على بعض هُو من شُعب الكُفر وهو من سمات الكُفّار، فالإسلام هُو محلّ أمن وطمأنينة وسكينة أمن على الدّين وعلى العرض وعلى النّفس وعلى المال أمن على كلّ شيء وفي الحديث الّصحيح: (المُسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، فالنبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- حذّر من ارتكاب ما يُصبح المُسلم به مشابهًا للكُفّار، فالكُفّار حياتهم كلّها فوضى اعتداء على النّفوس وعلى الأموال وعلى الأعراض على كلّ شيء هذا هو الأمر الثّاني.
الأمر الثّالث: في قوله –صّلى الله عليه وسلّم-: (سبابُ المُسلم فُسوق وقتاله كُفر) هاتان الجملتان فيهما فائدتان:
الفائدة الأولى: الرّدّ على المُرجئة وأظنّهم يعنون المُرجئة الغالية القائلين: لا يضرّ مع الإيمان ذنب، فالنبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- وصف الاعتداء على المُسلم اعتداء باللّسان وهذا هُو ... فُسوق، اعتداء باليد والسّلاح هذا كُفر.
الفائدة الثّانية: تأكيد ما سبق من زجر المُسلم عن الاعتداء على أخيه المُسلم وأنّ هذا الاعتداء يُروّع الآمنين، ويُشيع الفوضى من سلب ونهب وقطع طريق وانتهاك أعراض وحُرُمات. نعم.
المتن:
"باب: تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم".
قال حدّثنا محمد بن عبيد الله قال حدّثنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة –رضي الله عنه- ح قال إبراهيم: وحدّثني صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سعيد بن المُسيّب عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ).
قال حدّثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزّهريّ قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أنّ أبا هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-: (سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ).
الشّرح:
حاصل هذا أمران:
الأمر الأوّل: عَلَم من أعلام نُبوّة مُحمّد –صلّى الله عليه وسلّم- وهو وقوع الفتن المُدلهمّة العظيمة التي يحار فيها الحليم.
الثّاني: النّهي عن التّعرّض لهذه الفتن، وعلى من أدرك هذه الفتن أن يعتزلها كما سيأتي في حديث حُذيفة، ولا يُعرّض نفسه لها، يسلك سبيل السّلامة يفرّ بدينه وعرضه حتّى لا يقع في محذور يُفسد عليه دينه ودنياه، نعم.
المتن:
"باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما".
قال حدّثنا عبد الله بن عبد الوهّاب قال حدّثنا حمّاد عن رجل لم يُسمّه عن الحسن قال خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة –رضي الله تعالى عنه- فقال: أين تريد، قلت: أريد نصرة ابن عمّ رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-، قال: قال رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-: (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ ‏"‏‏.‏ قِيلَ فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ ‏"‏ إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ ‏"‏‏.‏ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لأَيُّوبَ وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ يُحَدِّثَانِي بِهِ فَقَالاَ إِنَّمَا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ‏.‏ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ بِهَذَا).
وقال مؤمّل: حدّثنا حمّاد بن زيد قال حدّثنا أيّوب ويونس وهشام ومعلّى بن زياد عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة –رضي الله عنه- عن النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- ورواه معمر عن أيّوب ورواه بكّار بت عبد العزيز عن أبيه عن أبي بكرة –رضي الله عنه-.
.وقال غندر: حدّثنا شعبة عن منصور عن ربعيّ بن حراش عن أبي بكرة –رضي الله عنه- عن النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- ولم يرفعه سفيان عن منصور.
الشّرح:
مراد البخاري بهذا السّياق إزالة ما كان من إبهام في الإسناد الأول عن الحسن عن رجل لم يُسمّه فدلّل –رحمه الله- أنّ هذا الحديث له طرق فيها تسمية ذلك الرّجل وهو الأحنف بن قيس –رحمه الله-.
وحاصل ما دلّ عليه هذا الحديث:
أوّلاً: تأكيد ما سبق من نهي المُسلم عن الاستشراف للفتن والتّعرّض لها، وفيه فوائد أخرى منها: أنّ نصيحة أبي بكرة هذه لمن أخبره أنّه يُريد نُصرة ابن عمّ رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- يعني علي بن أبي طالب على من خرج للمطالبة بدم عثمان، هذا يُشكل على ما أخرجه أحمد ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص –رضي الله عنهما- عن النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنّه لم يكن نبيّ قبلي إلاّ كان حقًّا عليه أن يدلّ أمّته على خير ما يعلمه لهم وأن يُنذرهم شرَّ ما يعلمه لهم وإنّ أمّتكم هذه جُعل عافيتها في أوّلها وسيُصيب آخرها بلاء وأمور تُنكرون..) فذكر الحديث وفيه (ومن بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده فَلْيُطعه إن استطاع) يعني مع القُدرة وهو نظير قوله –صلّى الله عليه وسلّم-: (إنّما الطّاعة بالمعروف)، (..فإن جاء آخر يُنازعه فاضربوا عُنق الآخر).
والجواب عن هذا الإشكال أنّ المُطالبين للخليفة –رضي الله عنه وعنهم كذلك- لأنّهم أصلاً لم يُريدوا حربه ولم يُريدوا منازعته في إمامته وإنّما أرادوا أمرا آخرا وهو: حظّ الخليفة –رضي الله عنه وعنهم- أن يقتصّ من قتلة عثمان –رضي الله عنه- وهم السّبعيّة فالخروج غير موجود والقصّة كما في السّيرة أنّه لمّا اقترب الفريقان من الصُّلح أحسّ السّبعيّة بالخطر وأنهم أحيط بهم فاندسّوا تحت جُنح اللّيل بين الفريقين فصاروا يُطلقون النّار فاندلعت الحرب وهي غير مُرادة أبدًا هذا وجه.
وجه آخر: هؤلاء الصّحابة والنبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- يقول:(إذا ذُكر أصحابي فأمسكوا) وقال:(لا تسبّوا أصحابي) إلى غير ذلكم من الأحاديث التي تدلُّ على وجوب سلوك الأدب مع الصّاحبة –رضي الله عنهم-.
فإذن: نصيحة أبي بكرة –رضي الله عنه- لذلكم الرّجل ليس فيها معارضة للحديث الذي ذكرنا، نعم، تابع.
(الشّيخ عبيد الجابري):
دقيقة يا شيخ دقيقة تذكرت شيء، (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) هل التّثنية هُنا للعهد؟ أو للعموم؟ هذه "ال" هنا التي دخلت على المُثنّى للعموم استغراقية والمقصود: كلّ مسلمين سواء كانوا جماعتين أو كانوا فردين، والحديث فيه هذا الوعيد الشّديد أنّهما في النّار، وبيّن –صلّى الله عليه وسلّم- عِلّته فقال:(إنّه حريص على قتل صاحبه) يعني المقتول، فكلّ منهما إذًا يُريد أن يقتل أخاه ظُلْمًا، هذا وجه.
وجه آخر: خُصَّ من عموم هذا الحديث الفئة الباغية فأيّت فئة تبغي على إمام المُسلمين القائم وتُنازعه في سلطانه بدعاوى هذه تُقاتل يقاتلها الإمام بمن معه حتّى تفيء يعني ترجع وتذعن للسّلطان فإذا أذعنت أُصلح بينهما، وهُنا: هل يُفرّق بين الخوارج والبُغاة؟ هذه يُنظر لها من وجهين:
الوجه الأوّل: من حيث اللّغة فكلّ من شهر السّيف على الإمام وانتصب لحربه وتجنّد له فهو خارجي بمعنى الخروج العام العُرفي واللّغوي، ثُمّ يُفرّق بينهما فالخوارج تدّعي كُفره وقد تتوسّع وتدّعي كُفر من معه كما صنع أهل النهروان.
أمّا البُغاة فهم لا يُكفّرونه وقد يُعلنون أنّه مُسلم لكن يدّعون عليه مظالم ويلقون شبهًا ولهذا قال أهل العلم: الإمام يُناظرهم إذا كان لهم راية يمكن الوصول إليها فإن ادّعوا مظلمة رفعها وإن ادّعوا شبهة كشفها فإن أذعنوا فهو المطلوب لا خير في حربهم وإن لم يُذعنوا فإنّه يُقاتلهم، نعم.
المتن:
"باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة".
قال حدّثنا محمد بن المثنى قال حدّثنا الوليد بن مسلم قال حدّثنا بن جابر قال حدّثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنّه سمع أبا إدريس الخولاني أنّه سمع حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- يقول: (كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ ‏"‏ نَعَمْ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ ‏"‏ نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ ‏"‏ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ ‏"‏ نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ‏"‏‏.‏ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا‏.‏ قَالَ ‏"‏ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ‏"‏‏.‏ قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ ‏"‏ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ‏"‏‏.‏ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ ‏"‏ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ).
الشّرح:
شاهد الترجمة الجملة الأخيرة (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام..) قال: (..تلزم) قال: (تعتزل تلك الفرق كلّها) إلى آخر الحديث، هذا طريق السّلامة والنّجاة حينما يكون المسلمون نهبًا مُوزَّعين بين رايات كلّ تدّعي أنّها هي جماعة أهل الإسلام فماذا يصنع المسلم؟ يعتزلها كلّها، فإذا غلب الجماعة ونفذت كلمتها في المسلمين وأقاموا إمامهم دخل فيما دخل فيه النّاس، وإن لم ينكشف نجا بنفسه.
وفي الحديث فوائد أخرى منها: فقه حذيفة –رضي الله عنه- في هذه المسائل المتنوّعة والسّرّ في ذلك -والله أعلم- أنّه –رضي الله عنه- روى في الفتن ما رواه غيره من الصّحابة –رضي الله عنهم- من ذلكم ما أخرجه عنه مسلم وغيره عن النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- قال: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا فأيّ ما قلب أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء وأيّ ما قلب أُشربها –يعني: ألفها أحبها تشرف إليها- نكت فيه نكتة سوداء حتّى تعود –يعنى: القلوب- على أبيض مثل الصّفاء لا تضرّه فتنة مادام السّماوات والأرض وعلى مثل الكوز مجخّيًا لا يعرف معروفًا ولا يُنكر مُنكرًا إلاّ ما أُشرب من هواه) فسأل –رضي الله عنه- هذه المسائل لأخذ الحذر ولسلوك الأحوط والأبرى لدينه وعرضه فأجابه النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- عن كلّ مسألة بجوابها.
الفائدة الثّانية: أنّ من حارب أهل الإسلام بمبادئ وأحكام وأفكار دخيلة على أهل الإسلام كاللّيبيرالية والبعثية وغيرها هم من المسلمين هم دعاة على أبواب جهنّم فَلْيحذر هؤلاء وَلْيتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى فإنّهم لا يُضلّون مسلمًا ولا مُسلمة إلاّ كان عليهم كفل الوزر، والنّجاة أن يعودوا إلى ما عليه جماعة المسلمين القائمة من الإسلام والسُّنّة والتوحيد وعدم نشر هذه الرّذائل بين المسلمين، نعم. ومنها: أنّ المُسلم يحذر كلّ ما كان غريبًا ممّا يفد عليه وعليه أن ينظر في كتاب ربّه فإن وجده أخذه فإذا لم يجده في الكتاب الكريم نظر في السُّنّة فإنّ السّنّة وحي مثل القرآن وهي تدلّ على ما يدلّ عليه القرآن كما سبق البارحة في أصول السّنّة، وإن لم يجده لا في كتاب ولا في سُنّة نظر في سيرة السّلف الصّالح من الصّحابة والتّابعين فإن كان من سمتهم وهديهم فهو خير فإذا لم يجده في هذه المسالك الثّلاثة تركه ورفضه هذا أبرأ لدينه وعرضه، نعم.
والنّاس يُدركون هذا حسًّا وتجربة؛ فالمظاهرات والشّعارات الجاهلية من ديمقراطية ومن حرية حرية التعبير والدّولة المدنيّة التي تساوى فيها كلّ الطّوائف هذه من أين جاءت؟ هذه جاءت بها بعوث المسلمين الذين انتدبوا لتعلّم علوم يحتاجها المسلمون انتدب هؤلاء إلى المعسكر الغربي بزعامة أمريكا أو المُعسكر الشّرقي بزعامة روسيا والصّين فبدل أن يعودوا مُعلّمين لما يحتاجه أهلهم من العلوم التي لا بدّ لهم منها مثل: الهندسة والطّبّ والرّياضيّات وغيرها عادوا ضالين مُضلّين بهذه الشّعارات وبغيرها ممّا هو غريب على أهل الإسلام، نعم.
المتن:
"باب: من كره أن يُكثّر سواد الفتن والظّلم".
قال حدّثنا عبد الله بن يزيد قال حدّثنا حيوة وغيره قال حدّثنا أبو الأسود وقال اللّيث عن أبي الأسود قال: (قُطِعَ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ بَعْثٌ فَاكْتُتِبْتُ فِيهِ فَلَقِيتُ عِكْرِمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَنَهَانِي أَشَدَّ النَّهْىِ ثُمَّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ يُكَثِّرُونَ سَوَادَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْتِي السَّهْمُ فَيُرْمَى فَيُصِيبُ أَحَدَهُمْ، فَيَقْتُلُهُ أَوْ يَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ‏.‏ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى﴿إنّ الذين توفّاهُمُ الملائكةُ ظالمي أنفسهم).
الشّرح:
أقول: هذه التّرجمة من حيث النظر المجرّد كأنّها تبعد شيئا عن مضمون الكتاب كتاب الفتن، لكن بالتّأمّل يظهر أنّها ذات علاقة وليست نادّة عن الكتاب، وهذا أوّلاً في عنوان التّرجمة: "باب: تكثير سواد الفتن والظّلم"، الفتن: مناصرة منه مناصرة أهل البدع والكفّار على المسلمين والظّلم كذلك يعمّ، لكن قد يكون بين المسلمين بغي بعضهم على بعض.
الأمر الثّاني: أنّ ابن عبّاس –رضي الله عنهما- استشهد لما تضمّنه الحديث بآية....﴿إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.. الآية، وذلكم أنّ اللّفظ أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب، فيستدلّ الصّحابة –رضي الله عنهم- على مثل هذا الذي ذكره ابن عبّاس في الحديث بهذه الآية للقاعدة الأصولية التي قدّمناها: (العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب) هذا وجه.
وجه آخر: أن الذي يُناصر أهل الظّلم ويُشايعهم على إخوانه من أهل الإسلام هذا حين يموت يموت ظالمًا لنفسه والمفترض فيه أن يبتعد إن قدر على نصرة المظلوم على الظالم إذا لم يكن هناك حاكم يعني يسعى بالصلح يسعى بالتخويف يسعى بالرّدع ... أمّا القتال فلا الذي يردع بالقتال هُو الحاكم القائم بالمسلمين كما تقدّم في الفئة الباغية، نعم.
المتن:
"باب: إذا بقي في حثالة من الناس".
قال حدّثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان قال حدّثنا الأعمش عن زيد بن وهب قال حدّثنا حذيفة قال حدّثنا رسول الله –صلّى الله عليه وسلم- حديثين رأيتُ أحدهما وأنا أنتظر الآخر، قال حدّثنا أنّ: (أَنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ)، وحدّثنا عن رفعها قال:(يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَىْءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ فَلاَ يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ فَيُقَالُ إِنَّ فِي بَنِي فُلاَنٍ رَجُلاً أَمِينًا‏.‏ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ مَا أَعْقَلَهُ، وَمَا أَظْرَفَهُ، وَمَا أَجْلَدَهُ، وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، وَلَقَدْ أَتَى عَلَىَّ زَمَانٌ، وَلاَ أُبَالِي أَيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَىَّ الإِسْلاَمُ، وَإِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَىَّ سَاعِيهِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلاَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا).
الشّرح:
أقول: هذا الحديث أو هذان الحديثان يتضمنان:
أوّلا: أنه من فضل الله ورحمته وسعة إحسانه على عباده أنّه علّمهم ما يُصلح دينهم ودنياهم بالقرآن وبالسُّنّة فعرفوا من القرآن وعرفوا من السُّنّة ومن ذلكم فقهوا الأمانة وأنّه يجب حفظها وأداؤها إلى أهلها، والأمانة قد تكون أمانة عاّمة وهي: حفظ الشّرع كلّه وأداء حقّ الله سبحانه وتعالى، وقد تكون أمانة خاصّة وهي: حفظ حقوق العباد وأداؤها كاملة كما قال تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا.
ثانيا: من باب الابتلاء أنّ الأمانة تُرفع لكن رفعها شيئا فشيئا حتّى يصل الأمر إلى أنّه يوصف أناس بالجلد والظّرف والقوة وأنّه أمين وليس عنده إيمان يعني: تبقى عندهم شيء من الأمانة الخاصّة وليست الأمانة العامّة التي هي حفظ الدين والدنيا معًا.
أمر ثالث: وهو: استغراب حذيفة –رضي الله عنه- من أهل زمانه لما يرى ما هم فيه من انقلاب حالهم وانحرافها عمّا كان يعهده منهم زمن النّبوّة فعدّ رجالاً هم أهل الأمانة، أنا أقول: يكف لو زماننا -رضي الله عنه-؟ الله أعلم بماذا يحكم! لوجد البدع والمحدثات والظّلم بل والكفريّات التي تبثّها الكتب الفكرية وبعض القنوات الفضائية والفساد الخلقي الذي يدعو إليه من يدعو بوسائل مختلفة، ثم أكّد هذا –رضي الله عنه- قال: (إن كان مسلمًا ردّه عليّ دينه) يعني المسلم الذي صدق في إسلامه الدّين يُعيده فيدع ما ركبه من الباطل والخيانة والكذب والظلم وغير ذلك، والنّصراني يردّه ساعيه يعني الوالي عليه يردعه ويردّه فيُؤدّي ما اؤتمن عليه لأنّ النّصراني ليس عنده دين لكن قد يُؤتمن على شيء يأتمنه بعض جيرانه من المسلمين على أمور فحين يريد أن يبخسها ويخون فيها ويُغطّيها ويخفيها فإنّ ساعيه الذي هو الوالي عليه القادر يردّه بالقوّة فيُؤدّي ما اؤتمن عليه، وقوله: (حثالة) أي: أناس مختلطون أهل الخير والصّلاح فيهم قِلّة والكثرة أراذل، نعم.
المُلقي: أنتَ أحسن الله إليك.
الشّيخ: طيّب، الحمد لله، هاتوا الأسئلة.
المُلقي: أحسن الله إليكم وبارك الله فيكم، نستأذنكم في طرح بعض الأسئلة على فضيلتكم.
الشّيخ: الله المُستعان، نسأل الله أن يجعلنا عند حُسنِ الظن.
الأسئلة:

السّؤال:
يقول السّائل: أحسن الله إليكم؛ نحنُ بعض طلاّب العلم من روسيا وعندنا الأئمة يفعلون بعض البدع ونحن نرجع إليهم في عطلة الشّتاء لأجل الدّعوة إلى الله، فهل يجوز لنا أن نسكت عن أخطائهم لأنّنا لو تكلّمنا عن أخطائهم مُنعنا من الدعّوة؟

الجواب:
أنتَ يا بُنيّ لم تذكر بدعهم هل هي مكفّرة أو مفسّقة، لكن إن كانت مكفّرة فلا تصلّوا معهم حتّى تُناصحوهم في أنفسهم فإن انتصحوا فهم إخوانكم أنتم منهم وهم منكم لما هو معلوم أنّ المسلمين تحت روسيا كانوا ممسوخين أخيرًا تنفّس المسلمون الصّعداء فنجا منهم من نجا من البدع كان الكفر مفروض عليهم وقد بلغنا أنّ أناسًا في السّراديب يتدارسون القرآن ويتدارسون ما تيسّر من كتب السُّنّة ولهم سابر يعني استطلاعي على باب السّرداب، فإذا رأى المندوب الرّوسي أعطى إشارة فإذا دخل هذا المندوب وإذا هو يرى بين النّاس كتب ستالين و كارل ماركوس وغيرهم، نعم.
أمّا إذا كانت مفسّقة فتقترب منهم وعلّموهم السّنّة علّموا المسلمين غيرهم وأنتم ردّوا البدع ولا تذكروا أسماء أهلها ردّوا البدع قدرَ المُكنة، فإذا حيل بينكم وبين ذلك بالقوّة فلا يكلّف الله نفسًا إلاّ وسعها علّموا النّاس السُّنّة، نعم.
السّؤال:
أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: في قوله –صلّى الله عليه وسلّم-:"أدُّوا إليهم حقّهم" هل يدخل في هذا الحقّ دفع الضّريبة؟

الجواب:
الضّريبة هذه لها حالتان:
الحالة الأولى: أن لا يكون لدى الدّولة المسلمة خزينة تُغطّي حاجات البلد ومصالحه من شقّ طرقات وإجراء مياه وكهرباء وغير ذلك، فلا مانع من أخذ ضريبة ينتفع بها البلد ولا تضرّ المواطن.
الحالة الثّانية: أن تكون من باب الظّلم و......فعليكم بالصّبر، هذه ليس من حقّه لكن عليكم الصّبر، نعم.
السّؤال:
بارك الله فيكم، هذا سائل يقول: هل يُفهم من قول النّبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- في الفتن:"القاعد فيها خير من القائم" أنّ السّاكت في الفتن خير من المتكلّم فيها؟

الجواب:
لا شكّ، القاعد هذه تعبير في الغالب المقصود النّهي عن الاستشراف لها والتّعرّض، فالذي يسكت ويُؤدّي نصائح بقدر المكنة ينصح من استطاع نصحه لا بأس، نعم، فهو خير من المتكلّم الذي تكلّم بغير علم أو يُعرّض نفسه وغيره لما لا يُطيقون من ظلم الظّلمة، نعم.
السّؤال:
بارك الله فيكم، هذا السّائل يقول: أحسن الله إليكم: كيفَ نُفرّق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر؟

الجواب:
أقول: أنا قدّمت آنفًا أنّ كلاّ من الإيمان له أصل وشعب، أزيد هنا فأقول: وذكرت أمثلة فأقول تعقيبًا على ما سبق: أنّ من شعب الكفر ما يُضادّ الإيمان بالكُلّيّة ولا يبقى معه من الإيمان شيء كسبّ الله وسبّ النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- وسبّ دين الإسلام وسبّ الصّحابة هذا لا يبقى معه من الإيمان شيء، كذلك الذّبح إلى غير الله، التّقرّب إلى الجنّ وصالحي عباد الله من الإنس والجنّ هذا كفر لا يبقى معه شيء من الإيمان شيء، ومنها ما هو يعني يُنافي الكمال الواجب، بعض أهل العلم استخرج قاعدة يقولون: إذا عُرّف الكفر قالوا: هذا هو الكفر الأكبر، وإذا نُكّر فهو الكفر الأصغر والله أعلم، نعم.
السّؤال:
أحسن الله إليكم، هذا سائل يقول: كيف نربط –لعلّه يقصد: نجمع- بين قوله –صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) وبين قوله –صلّى الله عليه وسلّم-: (من قتل دون ماله فهو شهيد)؟

الجواب:
الفرق واضح يا بنيّ، بيّنه النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- في حديث أبي بكرة الذي أشرت إليه قال: (إنّه كان حريصًا على قتل صاحبه) يعني المقتول حريص على قتل صاحبه ظلمًا، أما الذي يقاتل دون ماله فهو لا يقاتل ظلما مُعتدى عليه، نعم.
السّؤال:
أحسن الله إليكم: هذا سائل يسأل عن طريق موقع ميراث الأنبياء يقول: هل يجوز لنا أن نُؤسّس في تونس جمعيّة لتحفيظ القرآن الكريم علمًا أنّها الطريقة الوحيدة المُيسّرة لنا؟

الجواب:
أقول: هذه الجمعيّة وغيرها ممّا يخدم الدّعوة إلى الله أو يخدم المصالح العامة لأهل الإسلام كعلاج المرضى وإغاثة المحتاجين من بني الإسلام لا مانع منها –إن شاء الله- لكن بعد استئذان وليّ الأمر القائم عن طريق الجهات المختصّة النّائبة عنه، نعم.
السّؤال:
بارك الله فيكم، هذا سائل يقول: أقرضت شخصًا مبلغا من المال وهو خارج المملكة وذلك عن طريق حوالة بنكيّة دفعتها للبنك بالرّيال ووصلته في بلده بالدّولار وحوّلها إلى جنيه كي يستفيد منها فبأيّ عملة يُسدّد لي؟

الجواب:
يُسدّدك بالرّيالات وهي لن تصل إليك إلاّ بالدّولارات لكن ما المعادلة هنا؟! فمثلا ألف ريال ألفين ريال عشرة آلاف كم تساوي دولارًا فحوّلها إليك بهذا، هذا لابدّ منه ضرورة.
السّؤال:
أحسن الله إليكم، يقول: ما رأي فضيلتكم فيمن يستدلّ بخروج بعض السّلف عن الحكّام أنّها –مسألة الخروج- مسألة خلافيّة؟ وهل صحيح أنّه حصل إجماع بعد خروج بعض السّلف؟

الجواب:
النّهي عن الخروج على الحاكم القائم على أهل الإسلام برًّا وهو منهم برّا منهم أو فاجرًا هذا مُجمعٌ عليه دلّت عليه السّنة متواترًا، وأجمع عليه الأئمة، وهذا من تلبيسات إبليس على من جنّدهم لحرب أهل السُّنّة.
فأوّلاً: يجب تحكيم السُّنّة لا تحكيم مسالك الرّجال وإن بلغوا في الإمامة مبلغًا والفقه والعلم، السّنّة هي الحاكمة وليس محكومًا عليها.
ثانيًا: ليس أحد معصوم من الخطأ بعد رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم-؛ إجماع الأمة معصوم من الخطأ أما الأفراد يقع منهم، الخلفاء الراشدون الأربعة زكّاهم النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم- فأوصى بسُنّتهم قال: (عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي).
الأمر الثّالث: أنّ الذين خرجوا ندموا ورجعوا واعترفوا بخطئهم من ذلك: الحسن البصري خرج في فتنة ابن الأشعث وكذلك الشّعبي وغيرهم فندموا فبعضهم عفا الله عنه الحجاج وبعضهم لم يعف عنه لكنهم ندموا على هذا، نعم.
السّؤال:
أحسن الله إليكم، هذه سائلة تقول: رجل يريد أن يُسافر إلى بلاد أوربية من أجل الترفيه ويريد زوجته أن تسافر معه فهل تجيبه لذلك أم تمتنع من أجل الفتن؟

الجواب:
أقول: أوّلاً نحن ننصح المسلمين بأن لا يُسافروا إلى أوربا ولا غيرها من الدّول الكافرة سواء كانت شرقية أو غربية من أجل التّرفيه، وإنّما إذا سافر يُسافر إلى التجارة أو صلة رحم أو علم يُنتفع به ينتفع به أهل الإسلام أمّا التّرفيه فكل ما فيها فتن وبلايا وغرس الشهوات والإغراء بها.
بالنّسبة لزوجه إذا أرغمها فهي تسافر معه من أجل إعفافه وكَسر جماحه وكبحه عن الشّهوات المبثوثة المشاعة هناك أرجو أنها إذا سافرت من أجل هذا فهي مأجورة، وإن كانت تمكّنت من إقناعه وتركها فهذا أسلم لها، نعم.
السّؤال:
أحسن الله إليكم، هذا سؤال عن طريق موقع ميراث الأنبياء يقول السّائل فيه: بعض الشّركات تقوم بما يُسمّى: الاقتراع ويتمّ السّحب والفائز بهذا السّحب يفوز بعمرة مجّانيّة فهل تجوز المشاركة في مثل هذا؟

الجواب:
هذه المسألة الحقيقة يعني ما فهمت مقصود السّائل منها؛ هل هذا بين موظّفيها؟ فيعني تجري قرعة فتُعمر من فاز بها أو هي لعموم النّاس ثم إذا كانت لعموم النّاس فهل هي مبنيّة على دفع نقود معيّنة؟ شراء مثلا سلعا هذه ينظر لها من جميع الأوجه ولعلّي أجيب عليها بعد العشاء –إن شاء الله تعالى- ذكّروني يا شيخ حينما ننتهي من درس أصول السُّنّة و أنا أستأذنكم الآن.اهـ
الملقي: نعم، بارك الله فيكم وحفظكم الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
وللاستماع إلى الدّروس المباشرة والمسجّلة والمزيد من الصّوتيات يُرجى زيارة موقع ميراث الأنبياء على رابط: www.miraath.net وجزاكم الله خيرًا.

فرّغه أخوكم:/
أبو عبد الرحمن أسامة
ونشرَ التّفريغ يوم: 17 / صفر / 1435هـ

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين