بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 6 نوفمبر 2020

فلا تجعلوا لله الأنداد

 

تقديم

الحمدلله، له دعوة الحق، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه، وما هو ببالغه، وما دعاء الكافرين إلا في ضلال، يقول عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِم كَافِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 5- 6].

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند له، ولا ظهير له، ولا ولد له، تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً، بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه.

ونشهد أن محمداً عبده الكريم ورسوله الأمين، أحب خلق الله إلى الله، وأقربهم إليه طريقاً، وأهداهم إليه سبيلاً، أخرج الله به الناس من ظلمات التقليد الجاهلي الأعمى للآباء والأجداد، وعمى البصر والبصيرة، وعبادة غير الله ودعاء غير الله والاستعانة والاستغاثة بغير الله.

أخرجهم من كل تلك الظلمات إلى نور الحق والهدى واليقين، فصل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله ومن اهتدى بهديه واستن بسنته وسار على دربه، وانتهج نهجه، صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

لقد قامت جماعة أنصار المحمدية على أيدي رجال نذروا أنفسهم لتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد، ومحاربة البدع والخرافات والترهات وجهل الجاهلين وإلحاد المبطلين وتأويل الضالين، فبدأت تكافح الخرافات، لا سيما ما كان متعلقاً منها بالعقائد، وترجع بأعضائها، وكل من يشرفها إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريق السلف الصالح، وتنيرهم بالمعارف النبوية وتنشئهم على حب الكتاب والسنة، وتمرنهم على النزول على حكمهما من غير عصبية.

هذا كلام مؤسسها الأول الشيخ محمد حامد الفقي- رحمه الله- الذي كتبه في مجلة الهدي النبوي في العدد الأول الذي صدر في ربيع الثاني 1356هـ/ 1937م، وكان الهدف من إصدارها كما يقول رحمه الله:

لقد كنت في حياتي الأولى سالكاً مع السالكين، وملبساً مع الملبسين ومخرفاً مع المخرفين، وداعياً إلى البدعة والجاهلية وعبادة الموتى والخشب والنصب مع الداعين، فهداني الله إلى دين الهدى، وكشف عن بصيرتي حجب الجهل والعمى وبصرني بنور الحق من كتاب الله وسنة نبيه المصطفى، ووفقني بفضله إلى سبيل السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فقذفت حلاوة التوحيد الخالص، وعرفت لله تعالى منته العظمى في تلك الهداية، ونعمته الكبرى في هذا التوفيق، وكان من حق هذه النعمة وأداء شكرها أن أقف حياتي لإرشاد الضال وهداية القائم، فأصدرت مجلة الهدي النبوي لتكون اللسان المعبر عن دعوة أنصار السنة المحمدية والقلم الراسم لخطتها وهي أخت «الإصلاح» التي كنت أصدرها ببلد الله الحرام زمن الإمام المصلح، والملك الراشد المخلص(والذي أحسبه كذلك) «عبد العزيز آل سعود».

حالة المجتمع يوم صدور الهدي النبوي:

تصور الهدي النبوي تلك الحال في عددها (ربيع أول 1358هـ) وهي السنة الثانية لصدورها فتقول:

«إن تسعة وتسعين في المائة من الأمة على جاهلية في علمها وعقيدتها وخلقها وحكمها ونظامها، وقد ضرب الجهل على القلوب نطاقاً مظلماً أسود حجب عنها كل هدى وكل نور، الأكثرية الساحقة على ذل القلوب للموتى، واستخذائها للأحجار والأشجار، واستكانتها وخشوعها للنصب والمقاصير والقبور، والأكثرية معرضة عن التحاكم في عقيدتها وعبادتها وماليتها وشئونها إلى ما أنزل الله من الهدى والذكر الحكيم ».

والأكثرية أيضاً على تحزب وتفرقة وشتات بالطرق الصوفية والمذاهب التقليدية، وكل حزب بما لديهم فرحون، وعن حزبهم وحده يخاصمون وله يتعصبون ولشيخهم وحده ينتسبون مهما كان قوله مخالفاً للمنقول ثم المعقول وفيه يعتقدون علم الغيب وتصريف الأقدار والإنجاء من النار.

وقد تصدى الشيخ محمد حامد الفقي لتصحيح تلك المفاهيم الخاطئة من خلال تفسيره لبعض سور القرآن الكريم وآياته، وعن منهجه في تفسير القرآن الكريم.

قال الشيخ أبو الوفاء درويش:

«كان يفسر آيات الكتاب العزيز فيتغلغل في أعماقها ويستخرج منها درر المعاني ويشبعها بحثاً وفهماً واستنباطاً، ويوضح ما فيها من الأسرار العميقة والإشارات الدقيقة والحكمة البالغة والموعظة الحسنة، ولا يترك كلمة لقائل بعده، وذلك بعد أن يحيط القارئ أو السامع علماً بالفقه اللغوي للكلمات وأصولها وتاريخ استعمالها فيكون الفهم أتم والعلم أكمل وأشمل ».

وها نحن أثلج الله صدرك بالتقوى وأقر عينك بالهداية وثبتك باليقين، وهداك إلى الصواب وجعلك للصواب هادياً، نسوق لك نموذجاً من روائع تفسيره في مجلة الهدي النبوي تحت عنوان: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].

والله من وراء القصد، وبه الهداية ومنه التوفيق.

القاهرة: 1محرم 1423هـ.

وكتبه فتحي أمين عثمان

وكيل جماعة أنصار المحمدية

بسم الله الرحمن الرحيم

قول الله تعالى ذكره: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21، 22].

«العبادة» في المصباح[1]:

عبدت الله أعبده عبادة. وهي الانقياد والخضوع، واسم الفاعل: عابد. والجمع عبّاد وعبدة مثل كافر وكفار وكفرة، ثم استعمل فيمن اتخذ إلهاً غير الله، وتقرب إليه، فهو عابد الوثن والشمس، وغير ذلك. اهـ.

وفي «الصحاح»:

تقول عبد بيّن العبودة والعبودية.

وأصل العبودية:

الخضوع والذل. والتعبيد: التذليل. يقال طريق معبد. والبعير المعبد: المهنوء بالقطران المذلل.

والعبادة:

الطاعة. والتعبد: التنسك.اهـ.

وفي مفردات الراغب:

العبودية إظهار التذلل. والعبادة أبلغ منها، لأنها غاية في التذلل. ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال. وهو الله تعالى، ولهذا قال: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾، ويقال طريق معبد: أي معبد مذلل بالوطء. وبعير معبد: مذلل بالقطران، وعبَّدت فلاناً إذا ذللته، وإذا اتخذته عبداً. قال تعالى: ﴿ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ اهـ.

وفي فروق العسكري:

الفرق بين العبادة والطاعة: أن العبادة غاية الخضوع، ولا تستحق إلا بغاية الإنعام. ولهذا لا يجوز أن يعبد غير الله تعالى، ولا تكون العبادة إلا مع المعرفة بالمعبود. والطاعة: الفعل الواقع على حسب ما أراده المريد متى كان المريد أعلى رتبة ممن يفعل ذلك، وتكون للخالق والمخلوق، والعبادة لا تكون إلا للخالق. اهـ.

وقال العلامة ابن القيم في مدارج السالكين (1/40):

العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل والخضوع.

والعرب تقول: طريق معبد، أي مذلل. والتعبد: التذلل والخضوع. فمن أحببته ولم تكن خاضعاً له؛ لم تكن عابداً له. ومن خضعت له بلا محبة، لم تكن عابداً له، حتى تكون محباً خاضعاً، ومن ههنا كان المنكرون محبة العباد لربهم منكرين حقيقة العبودية، والمنكرون لكونه محبوباً لهم، بل هو غاية مطلوبهم، ووجهه الأعلى نهاية بغيتهم: منكرين كونه إلهاً، وأن أقروا بكونه رب العالمين وخالقاً لهم، فهذا غاية توحيدهم، وهو توحيد الربوبية الذي اعترف به مشركو العرب، ولم يخرجوا به من الشرك، كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 87]، وقال: ﴿ قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾[2] [المؤمنون: 84، 85]، ولهذا يحتج عليهم به على توحيد إلهيته، وأنه لا يعبد غيره، كما أنه لا خالق غيره ولا رب سواه.اهـ.

وقال مصححه السيد رشيد رضا (رحمه الله) معلقاً على ما ذكر: العبادة: عبارة من الاعتقاد والشعور بأن للمعبود سلطة غيبية فوق الأسباب، يقدر بها على النفع والضر. فكل دعاء أو ثناء أو تعظيم يصاحبه هذا الاعتقاد والشعور فهو عبادة.اهـ.

﴿ الذي خلقكم ﴾:

أبدعكم وأنشأكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ * وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ * فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 12-22].

وقال تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 7- 9]، وهذا المعنى في القرآن أكثر من أن يحصى.

وكل ذلك يقول الله للناس: كيف تعبدون وتذلون وتخضعون وتفزعون وتلجئون وتدعون في شدة وكرب وعسر ويسر، وتسألون حاجتكم من تعلمون أنه لا يخلق ولا يرزق، بل هو مخلوق مربوب ذليل معبد لخالقكم وخالق من قبلكم وخالق كل شيء ومسخر لكم؛ بل هو ميت لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً: ﴿ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ * إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ فأخلصوا لله وحده العبادة واكفروا بكل ما يعبد من دونه: من إنسان أو ملك أو كوكب، أو شجر، أو حجر، أخلصوا لله وحده الدين- ألا لله الدين القيم-: ﴿ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [الروم: 31- 32]، واكفروا بالجبت والطاغوت: الذي يصرف عن عبادة الله، وعن طاعة الله وحده: من كل كتاب، أو إنسان، أو شيء يصدكم عن الله وعن إخلاص الدين والطاعة له وحده: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾، و«التقوى» اتخاذ ما يقيك ويجنبك ويحفظك من كل ما تخاف وتكره، وأخوف ما يخافه العاقل ويكرهه ويتحفظ منه بكل ما يقدر: غضب الله وسخطه، الذي يعقبه كل مخاوف الدنيا ومكارهها، وكل مخاوف الآخرة وأهوالها ومضايقها وأحزانها الدائمة.

ألا وإنه لا وقاية تقي غضب الله وسخطه، وتحفظ من خزي الدنيا وعذاب الآخرة وتقي من شقاء الدنيا وخسران الآخرة، إلا إخلاص الدين لله، وإخلاص الطاعة لله، وإخلاص العبادة بجميع أنواعها: من قلبية، وجسمية ومالية وقولية لله وحده، وإسلام القلب لله وإحسان العمل لله والتجرد لله من كل غير، فلا يتوجه القلب إلا لله وحده، ولا يرغب إلا إليه، ولا يرهب إلا منه، ولا يذكر اللسان ذكر الخشية والرغبة إلا له ولا يضرع إلا إليه، ولا يدعو سواه، ولا تخرج اليد شيئاً من المال إلا تقرباً إليه وحده، ولا تتحرك الجوارح إلا ابتغاء مرضاته وحده، ولا تتقرب إليه إلا بما يحب مما ارتضاه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123- 124]، ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْوَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾.

﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ﴾:

وقال تعالى في سور نوح: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجًا ﴾، وقال في سورة النبأ: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 6]، وقال في سورة الزخرف: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 10]، وقال في سورة طه: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾.

قال الراغب الأصبهاني في مفرداته: ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً ﴾: أي ذللها ولم يجعلها نائية لا يمكن الاستقرار عليها، وقال: المهد؛ والمهاد: المكان الممهد الموطأ. قال: ﴿ الذي جعل لكم الأرض مهداً ﴾، ﴿ ومهاداً ﴾ وذلك مثل قوله: ﴿ الأَرْضَ فِرَاشاً ﴾، ومهدت لك كذا: هيأته وسويته.

يعني الله أنه تفضل على الناس بأن هيأ لهم الأرض كالفراش الممهد الموطأ، الذي يجد النائم فيه كل راحته، بلا تعب ولا عناء، ليعرفوا لله تعالى فضله في ذلك فيشكروه بإخلاص العبادة وحده؛ لأنه لم يشركه أحد من أوليائهم ومعبوداتهم في تسويتها ولا تمهيدها، وتوفير الراحة عليها، فلا ينبغي أن يشركوا معه في عبادته أحداً.

﴿ وَالسَّمَاءَ بِنَاء ﴾:

قال تعالى في سورة الذاريات: ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [الذاريات: 47] «الأيد» القوة. وقال في سورة ق: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ [ق: 6] «الفروج»: الشقوق والفتوق.

وقال في سورة غافر: ﴿ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [غافر: 64]، وقال في سورة الشمس: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ [الشمس: 5]، وقال في سورة النبأ: ﴿ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا ﴾ [النبأ: 12]، يعني الله جل ذكره ؛ أنه هو الذي أحكم بناء السماء وحبكها، وشد بناءها، ﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴾ [النازعات: 28، 29]، وقال في سورة فاطر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41]، وهو الذي قال لها وللأرض: ﴿ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾، وهو القوي القاهر لهذا العالم العلوي وما فيه، المسخر له، المحكم أمره القابض على زمامه وحده. فهل ينبغي أن يعظم القلب أو يجل، أو يخضع لأحد سواه من العبيد الأذلاء الضعفاء، العاجزين عجزاً ذاتياً، حتى أنهم لأعجز من الذبابة، ومن ذا الذي يسوي هؤلاء الموتى برافع السماء وبانيها، وسامكها وحابكها، وممسكها فيعطيه من العبادة: دعاء ونذراً، وذبحاً ورجاءً، ورغباً ورهباً، ما هو حق القاهر فوق عباده الحكيم الخبير؟! إنه لا يفعل ذلك إلا من حرم نعمة الإدراك وفقد ميزة الإنسانية، فهو كالأنعام بل أضل سبيلاً، فهو يمشي مكباً على وجهه، بل هو ميت حقت عليه كلمة العذاب، مهما زين له الشيطان ذلك بأسماء ما أنزل الله بها سلطان، تخلع بهرجها فينكشف عن حقيقة الشرك الأكبر الذي حرم الله على صاحبه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار.

﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾:

قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165-167]، وقال تعالى في سورة إبراهيم: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ * وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّار ﴾ [إبراهيم: 28-30]، وقال في سورة سبأ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 13]، وقال في سورة الزمر: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ [الزمر: 8]، وقال في سورة فصلت: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [فصلت: 9].

قال الإمام ابن جرير: الند العدل والمثل، كما قال حسان:

أتهجوه، ولست له بند؟ 
فشركما لخيركما الفداء 

يعني بقوله: «ولست له بند»: لست له بمثل ولا عدل، وكل شيء كان نظير الشيء وشبيهاً له فهو ند.اهـ.

ويدل على أن معنى الند العدل قوله تعالى أول سورة الأنعام: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1] أي: يسوون به تعالى غيره ممن لم يخلق سماء ولا أرضاً ولا جعل ظلمات ولا نوراً، ويجعلونه له نداً وشبيهاً في العبادة والطاعة، والمحبة والذل، والخوف والرغبة والرهبة، فيحبونهم كما يحب المؤمن الله، ويدعونهم كما يدعو المؤمن الله، ويستمدون منهم المدد، كما يستمد المؤمن من الله، ويجعلون لهم من أموالهم النذور كما يجعل المؤمن لله، والله هو الأحق بذلك وحده، ولا ينبغي شيء من هذا لغيره، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون وعما يظنون به من ظن السوء: أنه لا يستجيب الدعاء إلا بواسطة أوليائهم الذين اتخذوهم من دونه ليقربوهم إلى الله زلفى، ويقدمون لهم من الحرث والأنعام والنقد والشموع[3]، وغيرها ما لا يليق إلا بالله رب العزة، ويطوفون حول قبورهم والأنصاب التي نصبوها عليها كما يطوف المؤمن حول بيت الله، ويتعلقون بأستار قبورهم رجاء المغفرة والقبول، كما يتعلق المؤمن بأستار بيت الله[4]، ويحجون إلى قبورهم من البلاد الشاسعة كما يحج المؤمن إلى بيت الله، ويتخذون لهم الأعياد- يسمونها موالد- يجتمعون فيها ويحرصون عليها كما يجتمع المؤمنون في مناسك ومشاعر بيت الله، وكل ذلك مضاهاة من أولئك المشركين لأولئك الموتى بالله، واتخاذهم أنداداً مع الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها: ﴿ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾.

لم يسووهم بالله في خلق ولا رزق ولا إحياء ولا أمانة، ولا أي شيء من صفات الربوبية وخصائصها، بدليل ما قص الله عنهم وما سألهم مقرراً فأجابوا: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 31]، ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس: 18].

وليس يلزم في الندية المماثلة من كل وجه، والمناظرة في كل صفة، بل يكفي فيها التشبيه ولو بوجه واحد، فإنك تقول: فلان ند فلان، إذا كان مماثلاً له في السن فقط، وإن لم يجتمع معه في أي صفة أخرى، من اللون والعقل والعلم، والدين.

وقد روى ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال: «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: جعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده».

والمشرك شبه أولياءه بالله في أنه جعل لهم من قبله الحب، والذل والخضوع، واعتقاد التأثير الغيبي بدون سبب ظاهر، ودعاهم في شدائده؛ ونذر لهم، وحلف بهم، وكل ذلك تعظيم لا يستحقه إلا الله. فلما أعطاهم ذلك من قلبه ولسانه وجوارحه كان ذلك اتخاذ أنداداً. وإن لم يشبههم به سبحانه في قدرة أو خلق أو إرادة، بلى قد شبه بعض المشركين في زمننا أولياءهم بالله في الملك وعلم الغيب، فزعموا أنهم يتصرفون في الكون، ويعلمون شئونه ويحفظونه، ويدفعون عنه البلاء من الأمراض ونحوها، مما يكون الله قد قضاه؛ ويفتخر بذلك بعضهم فيزعمه مما مُنّ به عليه، وأن مجلسهم الباطني يشير على الله بما يفعل في الخلق من أرزاق وآجال وسعادة وشقاوة، ولم نسمع بشيء من ذلك في جاهلية العرب الأولى. تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيراً: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ﴾ [البقرة: 255].

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ورضي عنه: العبد يراد به المعبد الذي عبده الله، فذلله ودبره وصرفه، وبهذا الاعتبار فجميع المخلوقين عبيداً لله، من الأبرار والفجار، والمؤمنين والكفار، وأهل الجنة وأهل النار، إذ هو ربهم كلهم ومليكهم، لا يخرجون عن مشيئته وقدره وكلماته التامة التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر؛ فإذا عرف العبد أن الله ربه وخالقه، وأنه مفتقر إليه تعالى ومحتاج إليه عرف عبوديته المتعلقة بربوبيته، وهذا العبد يسأل ربه ويتضرع إليه ويتوكل عليه، لكن قد يطيع أمره وقد يعصيه، وقد يعبده مع ذلك، وقد يعبد الشيطان والأصنام، ومثل هذه العبودية لا تفرق بين أهل الجنة وأهل النار، ولا يصير بها الرجل مؤمناً، قال تعالى: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106]، فإن المشركين كانوا يقرون أن الله خالقهم ورازقهم، وهم يعبدون غيره، قال تعالى: ﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾، فمن وقف عند هذه الحقيقة من الموحدين أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر دينه وآخرته ولم ينزل به سخط الله، أو يحل عليه غضبه، وله العتبى حتى يرضى، ولا حول ولا قوة إلا بك.

وكلما قوى طمع العبد في فضل الله ورحمته، ورجاؤه لقضاء حاجته ودفع ضرورته قويت عبوديته لله وغناه مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق قد يوجب عبوديته له؛ ويأسه منه يوجب غنى قلبه عنه، كما قيل: «استغن عمن شئت تكن نظيره وأفضل من شئت تكن أميره. واحتج إلى من شئت تكن أسيره»، فكذلك طمع العبد في ربه ورجاؤه له يوجب عبوديته له، وإعراض قلبه عن الطلب من الله والرجاء له يوجب انصراف قلبه عن العبودية لله، لا سيما من كان يرجو المخلوق ولا يرجو الخالق، بحيث يكون قلبه معتمداً إما على رياسته وجنوده وأتباعه ومماليكه، وإما على أهله وأصدقائه، وإما على أمواله وذخائره، وإما على سادته وكبرائه كمالكه وملكه وشيخه؛ ومخدومه وغيرهم، ممن هو قد مات أو يموت.

قال تعالى: ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 58]، وكل من علق قلبه بالمخلوقين: أن ينصروه، أو يرزقوه، أو يهدوه. خضع لهم قلبه وصار فيه من العبودية لهم بقدر ذلك.وإن كان في الظاهر أميراً لهم مدبراً لهم، متصرفاً بهم، والعاقل ينظر إلى الحقائق لا إلى الظواهر، فالرجل إذا تعلق قلبه بامرأة ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيراً لها تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو في الظاهر سيدها لأنه زوجها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن، فالحرية حرية القلب ؛ والعبودية عبودية القلب، كما أن الغنى غنى القلب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، وإنما الغنى غنى النفس».ومن أعظم هذا البلاء إعراض القلب عن الله، فإن القلب إذ ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له لم يكن شيء قط عنده أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب، والإنسان لا يترك محبوباً إلا بمحبوب آخر يكون أحب إليه، أو خوفاً من مكروه. فالحب الفاسد إنما ينصرف القلب عنه بالحب الصالح أو الخوف من الضرر، قال تعالى في نبيه يوسف: ﴿ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾ [يوسف 24]، فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصور والتعلق بها ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله، ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه باتباع هواها. فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه انقهر هواه بلا علاج، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45]، فإن في الصلاة دفعاً للمكروه، وهو الفحشاء والمنكر، وفيها تحصيل المحبوب وهو ذكر الله، وحصول هذا المحبوب أكبر من دفع المكروه فإن ذكر الله وعبادة القلب لله مقصود لذاتها، فأما اندفاع الشر عنه فهو مقصود بغيره على سبيل التبع.

والقلب فقير بالذل إلى الله من جهتين: من جهة العبادة والعلة الغائبة. ومن جهة الاستعانة والتوكل، وهي العلة الفاعلية، فالقلب لا يصلح ولا يفلح، ولا يسر ولا يلتذ ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه، وبذلك يحصل له الفرح والسرور واللذة والنعيم والسكون، والطمأنينة. وهذا لا يحصل إلا بإعانة الله له. ولا يقدر على تحصيل ذلك له إلا الله. فهو دائماً مفتقر إلى تحقيق: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾. اهـ ببعض الاختصار.

هذا، وليست العبادة تلك الصورة الظاهرة، والحركات الميكانيكية، والأعمال التقليدية، فإنها كلها ميتة لا تحقق معنى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، بل طالما كانت شراً على أهلها المرائين المخادعين الكاذبين، اتخذوها شبكة لصيد مآرب الدنيا، وحبلاً يحتطبون فيه حطامها الفاني، وصرفت القلوب عن خوف الله وخشيته وطال عليها الأمد فقست وكثير منهم فاسقون خارجون على الله وعلى شرائعه، وعلى حدوده.

العبادة:

تعبيد الروح والقلب لله، وامتزاج ذلك بكل ذرة، وكل عمل وكل خلق وكل حال. ومن كان كذلك كان من عباد الله المخلصين.

وبعد أن يسأل الشيخ حامد رحمه الله الناس قائلاً: كيف تعبدون وتذلون وتخضعون وتفزعون وتلجئون وتدعون في الشدة والكرب والعسر واليسر، وتسألون حاجتكم ممن تعلمون أنه لا يخلق ولا يرزق، بل هو ميت لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً. نراه يقول[5]:

ويجعل السادة المستكبرون والأتباع المستضعفون مما رزقهم الله حظاً ونصيباً- كل بحسبه- للموتى الذين لا يعلمون عن أحوالهم في القبور شيئاً، وذلك الجعل ناتج عن أنهم يقلدون الآباء والشيوخ، ويتبعون الأهواء والشهوات والظنون التي لا تغني من الحق شيئاً، فيعتقدون عقائد وثنية، ويجمعون في رءوسهم خرافات وأباطيل وأوهاماً وتقاليد جاهلية، تجتمع رواسبها وتتكاثر، حتى يكون من نتائجها – ولا بد - أن يعبدوا الموتى، وأنصابهم ويتقربوا إليهم بتقديم القرابين المالية، من الحرث والأنعام والنقود، يبذلونها بطيب نفس باسمهم، وابتغاء المدد منهم، في موالدهم وأعيادهم، وفي صناديق النذور المخصصة عند الأصنام المقامة على القبور الحقيقية، أو المزعومة، وشئون الموتى في قبورهم وحياتهم البرزخية مجهولة للإنسان بأصل الفطرة؛ لأنه لا سبيل لأي حاسة من حواسه إلى علم هذه الشئون، فقد حيل بين الحياة الأولى والحياة الثانية في القبر- للمؤمنين والكافرين- ببرزخ يحجب بين أهل الحياتين حجباً يستحيل على الحواس البشرية أن تخترقه وتتجاوزه. وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض شئون المقبورين: لم يكن بحواسه البشرية، وإنما كان بالوحي.

فلا يُقاس عليه أحد مطلقاً، ومن ادعى ذلك: فهو إما واهم مخدوع، أو دجال كاذب، وسنن الله لا تتبدل.

والمعجزة للأنبياء من سنن الله، وقيام الحجاب الحائل حيلولة كلية تامة بين الحياتين: من رحمة الله بأهل الحياتين ؛ فإن أهل الحياة الدنيا لو علموا ما يلاقيه الموتى في القبور ما طابت لهم حياة في الأولى، ولا هنأ لهم عيش فيها، ولو أن المقبورين علموا كل ما يعلمه الأحياء وما يدينون به: لم ينعم الأنبياء والمؤمنون في قبورهم، لما تتابع فيه آلهم والمنتمون لهم من جاهلية، وكفر وفسوق وعصيان، ومحادة لله ولهم. وذلك لا يتفق مع رحمة الله وحكمته وعدله. وما أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا ما يكفي لموعظتنا وإيقاظنا من غفلتنا، وتحذيرنا من الافتتان بزينة الحياة الدنيا. ولكن أكثر الناس غرقوا في بحار الغرور والغفلة والجاهلية فخاضوا في ظلمات الهوى والجهل في عالم الأرواح الذي هو من خصائص الربوبية ولا سبيل للعقل مطلقاً إليه[6]. فزين لهم الشيطان أن يفتروا على الله الكذب، وأن يقولوا على الله وفي الله ما ليس لهم به علم، فضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، حتى أوحى إليهم الشيطان -في غمرة هذه الجاهلية- أن يعبدوا الموتى، الذين لا يعلمون من شئونهم شيئاً، بأنواع العبادات القلبية في العقائد، والجسمية بالطواف والتمسح والأسفار وشد الرحال، والمالية في الموالد وصناديق النذور، والحبوس والأوقاف، زاعمين أنهم وسطاؤهم عند الله، يستخدمونهم ويرشونهم بتلك الأموال، ليقوموا بهذه الوساطات، وسبحان الله وتعالى، وبرأ الله أولياءه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ﴾ من هذه الوثنية الجاهلية.

و«النصيب» القسم المعين. قل أو كثر ؛ لأن الوثنيين يتفاوتون فيما يجعلون لآلهتهم الموتى، فمقل ومكثر.

و«الرزق» العطاء الجاري الذي يقصد به النفع للمرزوق، سواء كان عيناً - كالنقد والطعام والشراب، واللباس والأنعام، والأبناء وغيرها- أو كان نفعاً، كالمعرفة والصحة والقوة والزمن، وأشباهها، ولقد جعلوا لآلهتهم الموتى نصيباً من كل ذلك. فهم يبذلون كل وسائل المعرفة في الترويج لعبادة هؤلاء الآلهة، وإغراء الجماهير بالحرص عليها، وشدة الاستمساك ببيوت عنكبوتها، وهم ينفقون في ذلك الصحة والقوة والزمن، وهم يخصصون لعبادتها بالموالد والأعياد- أياماً وألواناً من الطعام والأعمال الكثيرة مما رزقهم الله وحده، وأعطاهم إياه من آثار تجليات أسمائه وصفاته، والموتى لا يقدرون على إعطاء ولا أخذ؛ فالموت قد حال بينهم وبين العمل والسعي في مناكب الأرض لاكتساب الرزق أو بذله، وجوارحهم قد أتى عليها البلى وعادات تراباً، فليس لهم أيد يبطشون بها، ولا أرجل يمشون بها، ولا أعين يبصرون بها، ولا آذان يسمعون بها، كما قال الله عنهم، وقوله الحق وقول عبيد الهوى والظنون والشهوات، بل عبيد الشيطان: أبطل الباطل، وهم كذلك لا يستطيعون أن يأخذوا من قرابينهم المالية شيئاً؛ لتعطل الأيدي والأفواه والبطون بالموت والبِلَى. وما يوحي به شياطين الإنس والجن لترويج سوق الجبت والطاغوت، إذ يغررون بأنفسهم وبالدهماء بزخرف القول: إن النذور ينتفع بها العاكفون حول هذه الأوثان، وثوابها للولي الميت، فما أبين الباطل فيه، وما أبعده عن الهدى، لو كانوا يعقلون ويعلمون؛ فإن السبيل إلى ثواب الآخرة لن يدل عليه إلا الله أو رسوله، ولن يجدوا في كتاب الله ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم حرفاً يسند باطلهم هذا، إلا إذا حرفوا القول عن موضعه، وزاغوا به عن مقصده. ثم إنهم يعتقدون أن أولياءهم أقرب إلى الله منهم- ولذلك اتخذوهم وسائط – فهم بذلك قد بلغوا بهم إلى درجة لا يحتاجون معها إلى زيادة، فهل يصح في عقل عاقل: أن يعطي الفقير المحتاج الغني الذي ليس به حاجة إلى العطاء؟ لقد أعماهم التقليد وأصمهم فهم ينعقون بما لا يفقون؛ لأنهم صم بكم عمي لا يعقلون: ﴿ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 121]، وما أولياء الشياطين إلا سدنة تلك الأوثان الذين يتخذون منها فعلاً ومتجراً يعيشون به مترفين كلا على الطغام وأشباه الأنعام الذين لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها، فيندفعون مخدوعين بالأماني الكاذبة، والجاهلية العمياء في غواية وأهواء أولياء الشيطان الغواة المضللين.

﴿ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ﴾ [النحل: 56]:

يتهدد الله السادة - من أولياء الشيطان المضللين بزخرف القول غروراً، والأتباع من الطغام أشباه الأنعام - بهذا التهديد الشديد، المؤكد بالقسم باسمه «الله» الدال على ذاته العلية، المتصفة بجميع الصفات، ومنها: القوي العزيز، المنتقم الجبار القاهر فوق عباده الحكيم الخبير- والمؤكد باللام وبنون التوكيد الثقيلة ﴿ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ ﴾ أي: ليوقفنكم الله موقف السؤال الرهيب الشديد، وليناقشنكم الحساب العسير.

ليسألن التابعين عن جاهليتهم وتقليدهم الأعمى، وإعراضهم عن آيات الله في أنفسهم وفي الآفاق، وعن آياته القرآنية، وعن هدى رسوله، حتى نقضوا- بغباء وبلادة قبيحة – حبل رسالته من قلوبهم، في حين تلوك ألسنتهم في غفلة وجهالة: «أشهد أن محمداً رسول الله»، فلا يفكرون في معناها، ولا يخطر على قلوبهم مقتضاها، فباءوا بأعظم خيبة وخسران: بتقليد الخونة من أولياء الشيطان ؛ والإعراض عن هداية الرحمن.

وليسألن السادة من أولياء الشيطان عما افترت وروجت ألسنتهم وأقلامهم من الزور والبهتان، والشرك والوثنية، باسم حب الرسول وآل الرسول، وبرّأ الله الرسول وآله صلى الله عليه وسلم وعليهم مما أفك أولياء الشيطان في شعرهم ونثرهم، وما حب الرسول وآله إلا بمعرفته من كتاب الله وحديثه، وسيرته الخالية من الخرافات والغلو الباغي، ومعرفة رسالته التي ميزه الله بها عن جميع البشر، والتي تقوم على سورتي الإخلاص: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ وهما تناديان بأصرح بيان لكل إنسان: اعرف الله بأسمائه وصفاته، من آياته الكونية في نفسك وفي الآفاق، من آياته القرآنية التي أنزلها ليعرفك بنفسه، ويصل حبل قلبك به سبحانه، فإذا عرفته هذه المعرفة برئت وطهرت قلبك من كل معبود ومألوه غيره، مهما كان مؤلهوه وعابدوه، وتحريت بكل يقظة وحذر أن لا تعبده إلا بما شرع فلا تعبده بالهوى والتقليد والجهل والآراء، فتكون من الضالين: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]؟ هذه هي محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا هو تعظيم رسول الله: بالعلم والإيمان، والطاعة بالعمل الصالح والإحسان.

ولما كان للهدى والإيمان الصادق والعمل الصالح أسباب ومقدمات تؤدي إليهما هي المعرفة الصادقة لنعم الله في الإنسان وعليه شكرها بحسن الانتفاع بها، وأهمها: الإنسانية الكريمة- وهي العاقلة المفكرة- والتأمل العميق في آياته الكونية في الأنفس والآفاق، والتدبر الصحيح لآيات القرآن، وبيان الرسول صلى الله عليه وسلم فيعرف كل شيء على حقيقته، ويضع نفسه وكل شيء من عطاء ربه في موضعه اللائق بحقيقته، ويعطي كل ذي حق حقه، فيعطي الرب حقه من الطاعة والعبادة، ويعطي الرسول صلى الله عليه وسلم حقه من الطاعة والاتباع، مؤمناً أنه بشر مثله- كان كذلك للضلال والشرك والفسوق والعصيان أسباب ومقدمات تؤدي إليها ولا بد- هي نقائض أسباب الإيمان والهدى وأضدادها – وكل هذه الأسباب وتلك مهيأة لكل إنسان: بما جُبل عليه من الطبائع، والخلق الحسي والمعنوي أن يأخذ به، فينتهي إلى غايته، ويبلغ إلى عاقبته، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 2، 3]، وفي الحديث: «كل ميسر لما خلق له»، فلذلك كان أهم ما يُعْنَى به الرب الرحمن الرحيم: الإنسانية الكريمة، فعلم آدم الأسماء كلها، ويسر لبنيه كل أسباب العلم النافع، والعقيدة الصحيحة، والعمل الصالح، وأرسل رسله في كل أمة وجماعة من بني آدم، وفي كل فترة من الزمان، يبشرون وينذرون، ويبذلون كل ما يمدهم به ربهم من مدد السماء والأرض، في إيقاظ هذه الإنسانية الكريمة من غفلتها، وبعثها من مرقدها، لتشهد آيات ربها الكونية، وآياته العلمية، وتعرف ربها ونعمه عليها، فتقدرها حق قدرها، وتشكرها بحسن الانتفاع بها، فتسلم وجهها وعملها لله الواحد القهار وتستقيم على هدي شرعه الحكيم، الذي أنزله هدى للناس وفرقاناً، وبياناً واضحاً وشفاءً لما في الصدور من الأهواء والشهوات والشبهات ووساوس الشيطان فيطيب عيشها، وتأمن من مخاوفها، وتسعد في الأولى والأخرى.

وكذلك كان أهم ما يعني به إبليس عدو الله وعدو الإنسان: هو هذه الإنسانية الكريمة فيعمل جاهداً على تحذيرها بسمومه، وصرفها عن معناها الكريم، ثم تحويلها عن صراط الله المستقيم شيئاً فشيئاً، حتى يدسها في أكفان الغفلة، والإعراض عن آيات ربها، فيقيدها بأغلال التقليد الأعمى، ثم يقيم فيها الطواغيت المعبودة والمطاعة، ويوحي على ألسنتها ما يزيد في غوايتها وارتكاسها، ويدفعها في بيداء الضلالة حتى يصل بها إلى الغاية التي سجلها الله على لسان هذا العدو المبين، وحذرنا منها أشد التحذير: ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17]، وما صراط الله المستقيم: إلا أن يعرف العبد نفسه، أنه مخلوق من تراب، ثم من ماء مهين، وأن البشر من بني آدم جميعاً كذلك، وأن الضعف والفقر المطلق، والعجز التام، لوازم ذاتية لهم جميعاً بالفطرة، التي يستحيل كل الاستحالة عليهم أن يتخلوا عنها. ويعرف أن ربه هو الله الأحد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في تدبيره وتشريعه، وأن نسبة الجميع إليه واحدة: عبيد مخلوقون من تراب ثم من نطفة، ورب خالق: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، هو الرزاق ذو القوة المتين، هو رب العالمين الرحمن الرحيم، هو الذي يصطفي من الخلق ما يشاء، ومن يشاء: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]، هو الذي يعلم من خلق، وهو اللطيف الخبير، فكما يرزقهم وحده لأجسامهم- من الهواء والطعام والماء واللباس وغيرها- ما يمدها بالحياة والقوة إلى أجل مسمى، كذلك وحده الذي يعطي نفوسهم وعقولهم الإنسانية – من الدين والشرائع والعقائد والعبادات والأحكام، والآداب والأخلاق- ما يمدها بالحياة والقوة والصلاح والاستقامة والحكمة والرشد والأمن والسلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم.

وما دام الإنسان حريصاً في أشد اليقظة، على تحري الاستقامة في خطوات سيره في حياته وشئونه كلها على هذا الصراط المستقيم على بصيرة ويقظة: فهو على نور من ربه، وهو منتصر على الشيطان العدو المضل المبين.

لكن الشيطان يزين للإنسان أن يعني ببهيميته ويهتم لها، ويوحي إليه ما يعتقده قواعد لا تنقض- مثل «العقل السليم في الجسم السليم» وأشباهها- فيوغل في الاهتمام والعناية بجسمه الحيواني- الذي هو قشره وغلافه – حتى يجعل كل سعيه في تحصيل ما يغذيه ويقويه وينسى روح الإنسانية الكريمة- التي هي لبه ومعناه وحقيقته- فإذا عقل فبعقل الحيوان، وإذا حصل فللحيوان، حتى يصير أشد افتراساً من وحوش الحيوان البهيم، كما هو شأن الناس اليوم في حروبهم وأحقادهم، ثم لا يقف به عند شفير هذه الهاوية، بل يدفعه إلى هاوية أعمق منها وأبعد في الشقاء والهلاك، فيوحي إليه بعقيدة أخرى يمرغه بها في حمأة الكفر الشنيع، وهي «الله عرفناه بالعقل» أي بعقل وهوى هذا الوحش المفترس في مسلاخ إنسان باغ معتد، فيمتطيه ويجري به في ظلمات بهيميته المتوحشة- وقد سمى له ذلك الوحي الشيطاني فلسفة، وتعمقاً في طلب الحقائق، وإعزازاً للعقل وتكريماً له- ولا يزال يمد له في الحبل، ويهمزه في جنبيه، حتى يصل به إلى ما يسميه «الحقيقة» وهي الأوهام المظلمة الكاذبة، وهي أن ربه: هو المادة الأولى، التي تولد منها كل الحقائق، وتفرع عنها كل الموجودات، مثله كمثل «النواة» تولدت منها النخلة وخرج منها الجذع والسعف والليف والسباطة والعراجين والثمر، من هذا الثمر الجيد والشيص، فإذا ما بلغ به إلى هذا الدرك، انحدر به إلى أسفل، فأوحى إليه: أن هذا الثمر الجيد إنما هو أولياءه من الشيوخ والسادة المتبوعين ومن تناسل منهم وهم العترة الطاهرة والسلالة المقدسة، وهم أهل الله، وهم النور الذي انبثق من الرب سبحانه، فلهم بذلك حق التقديس والتأليه، هم وأبناءهم وبناتهم، وأن العامة والجماهير هم السعف والليف، والشيص ورديء الثمر، ثم يقيم حولهم الأسوار الوهمية.

وقد بلغ من سخفهم وغبائهم أن صاروا أضل من الأنعام سبيلاً - وقد راج عندهم ما أوحي به في ظلمات جاهليتهم وتقاليدهم العمياء، من ضرب المثل لربهم بالرؤساء والكبراء، لا تقضي الحوائج منهم إلا بالوسائط والشفعاء من ذويهم وآلهم. فيروج عليهم ضرب أمثال لله بأنفسهم، فيوحي إليهم أن الملائكة بنات الله، كما أن بنات السادة والشيوخ المقدسين بنات الله؛ لأن الله رحيم. ومن لوازم الرحمة: العطف على الجنس الضعيف، فآية رحمته: أن كل ملائكته إناث، فإن عنوان الشفقة فيكم: هو العطف على الإناث لأنهن الجنس الضعيف، سبحان ربنا وتعالى عما أوحي به الشيطان إلى أولئك الوثنيين- قديماً وحديثاً- علواً كبيراً.

قال ربنا جل ثناؤه: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [النحل: 57].

وكتبه فقير عفو الله ورحمته

محمد حامد الفقي


[1] مجلة الهدي النبوي – ربيع أول – سنة (1358هـ).

[2] والآيات بعدها كذلك سؤال للمشركين وتقرير لهم عن رب السماوات السبع، رب العرش العظيم، من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه وختمها كلها «سيقولون لله».

[3] عدا الشموع فإن إيقادها لغير ضرورة من عبادات المجوس عباد النيران. (وذكره الشيخ على سبيل المضاهاة).

[4] التعلق بكسوة وأستار الكعبة أو الالتصاق بها لم يثبت لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه – رضي الله عنهم - أنه فعل ذلك، فكل ذلك من البدع التي أحدثها الناس. راجع فتاوى ابن باز رحمه الله «الحج والعمرة على الكتاب والسنة».

[5] وذلك في معرض تفسير قوله تعالى: ﴿ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ [النحل:56].

[6] إلا ما جاء به النص الصحيح الصريح.

الخميس، 5 نوفمبر 2020

شرح الأصول الثلاثة

 

شرح الأصول الثلاثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ( وبعد :
فهذا شرح ( الأصول الثلاثة ) للعلامة السلفي محمد أمان الجامي رحمه الله ، وهو شرح تم تفريغه من أشرطة ( كاسيت ) عددها عشرة أشرطة مشتهرة بين طلبة العلم بشرح الأصول الثلاثة .
ونسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله مني ويدخر لي ثوابه ليوم لقائه يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ، أما بعد :
فقد وقع الإختيار على هذه الرسالة تحقيقاً لرغبة كثير من طلبة العلم الذين يرغبون حفظ هذه الأصول وفهمها وتحقيقها ، والعمل بها ، والدعوة إليها ، لذلك نبدأ في هذا الكتيب ، ونسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص فيما نقول وفيما نعمل فنبدأ بالشرح ، وقبل ذلك نعرف تعريفاً يسيراً بالمؤلف ، والمؤلف مشهور لا يحتاج إلى التعريف ، ولكن بالنسبة لبعض صغار طلبة العلم وبناءً علو العادة الجارية التعريف بالمؤلف عند قراءة كتب المؤلفين .
ولد هذا العالم في بلدة العينية في نجد سنة 1115 هـ

(1/1)


نشأته : نشأ في حجر والده ، وكان والده القاضي في البلد وعالم مدرس على الطريقة القديمة في البيوت نشأ هذا الشاب نشأة عجيبة حيث حفظ القرآن قبل العاشرة من عمرة وبلغ الاحتلام قبل الثانية عشر من عمره ويأتي والده أنه في هذه السنة رأى أنه أهل بأن يصلي بالناس فقدمه لكي يصلي بالناس وهو أبن الثانية عشر من العمر وفي هذه السنة زوجه ،وعكف الشاب مع دراسته على والده عكف على كتب شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم واستفاد لأن الله أعطاه من الذكاء ما وصفه المترجمون له بطريقة غربية وفذه قوي الحافظة ذكي فطن عكف في طفولته على هذه الكتب مع ما يدرس على والده في الفقه على مذهب الإمام احمد ثم تاقت نفسه ليرحل في طلب العلم لأنه استفاد من هذه الكتب ورأى أن البيئة التي يعيش فيها بيئة جاهلية صرفه ، إذ كانت الناس تعبد النخل ويعبدون القبور ويعبدون الجن ، جاهلية جهلاء كالتي كانت قبل الإسلام مع الانتساب إلى الإسلام مع وجود العلماء بينهم استنكرت نفسية هذا الشاب هذه الجاهلية لكنه كتمها في نفسه ولم يتكلم لأنه في نظر الناس طفل لا يستحق الإنكار والقيام بالإصلاح بين الناس .

(1/2)


أراد أن يرحل في طلب العلم كأن الله يريد أن يطلعه على كثير من البلدان المجاورة ليرى إن الجاهلية عمت وليست في بلده فقط خرج حاجاً فحج ثم جاء إلى المدينة ومكث في المدينة لطلب العلم وقيض الله له بعض علماء الحديث كالشيخ عبد الله بن إبراهيم بن سيف آل السيف وأحبه هذا الشيخ كثيراً لما فيه من الذكاء ولما فيه من الاهتمام بشؤون المسلمين والإصلاح وإعداد نفسه للإصلاح وقدمه لبعض المدرسين في المسجد النبوي كالشيخ محمد حياة السندي والشيخ العجولي والشيخ الإحسائي وركز الشيخ على علوم الحديث درس الكتب الصحاح ودرس كتب الإمام الشافعي ودرس كثيراً وكان في نفسه بعض التضايق عندما يرى ما يفعله بعض الناس عند السلام على النبي ( عند قبره وكثيراً ما يقول للمشايخ أيش هذا يا شيخ ، ويقولون هذه بعض الجاهليات ، صبر وتعلم وملك نفسه ، وذات مرة ذهب إلى القبر ليسلم ورأى تعلق الناس بالقبر وتمسحهم وكان عند الشيخ محمد حياة السندي فرجع إليه فقال ما هذا يا شيخ ما هؤلاء ؟ ، قال : إن هؤلاء متبرٌ ما هم فيه وباطلٌ ما كانوا يعملون ، هكذا رد الشيخ فوراً وأدرك الشاب أن العمل مستنكر حتى عند المشايخ ولكنهم عاجزون لا يستطيعون يعملون شيئاً هكذا قضى برهةً من الزمن في هذه المدينة فأخذ الإجازة في الكتب التي أخذها عن الشيوخ ثم توجه إلى العراق إلى البصرة ولكنه عرج على بلده في طريقه ثم واصل سيره لأنه سمع بشيخ عالم محدث نحوي المجموعي في البصرة ، فرحل إليه ودرس عنده كثيراً واستفاد منه في علوم العربية وعلم الحديث وهنا رأى الشاب أنه نضج وأنه لا بد أن يبدأ في الدعوة والإصلاح وأن لم يبلغ مبلغ كبار العلماء لأنه يرى نفسه طالب ولكنه طالب مهيأ وعنده ركيزة طيبة من العلم بدأ يتصل بزملائه وبعض الشيوخ وبعض من تعّرف عليهم ويكتب إليهم الرسائل وينكر عبادة القبور وينكر كثيراً من المنكرات البارزة حتى عرف بالبصرة على كونه طالب علم أنه يحاول الإصلاح وتأثر

(1/3)


به شيخه المجموعي لأنه كان يحبه الشيخ ، وكثيراً ما يتأثر الشيخ بالتلميذ إذا كان التلميذ نابغة ورأى أنه ربما خير منه ، وهذا معروفٌ من قبل وهذا كما ثبت عن الإمام الشافعي أنه كان يقول للإمام أحمد : أنتم أعلم منا بعلم الحديث فإذا علمتم شيئاً أو بلغكم شيئاً من الحديث فأبلغونا ، في هذا الوقت كان الإمام احمد تلميذاً عند الشافعي ، وهكذا تأثر المجموعي بأبن عبد الوهاب ، وأخيراً قامت قائمة الجاهلية بين المتصوفة وأُمر بإخراجه فأخرج من البصرة إلى الزبير وفي الطريق لاقى صعوبة حتى كاد يهلك من الظمأ لأنه يمشي على رجليه في الظهيرة ، ولكن الله قيض له من يحمله على حماره معه إلى البلد فسلم ولم يهلك فدرس في الإحساء على شيخ شافعي ثم رجع إلى الشام وتجول في بلاد الشام ، ولكن المصادر لم تذكر شيوخه في الشام إلا أن زيارته للحجاز والعراق والشام والمنطقة الشرقية كل ذلك أفادته فائدة على العلم معرفة أحوال المسلمين والجاهلية التي عمت وطمت، وأخيراً قرر الشاب العودة إلى بلده للعمل فرجع فبدأ حياته العلمية في بلده حروملة ، ولكنه أوذي حتى ضاق من بعض السفهاء أن يفتكوا به فخرج خائفاً يترقب وله أسوة بالأنبياء في ذلك خرج إلى العينية مسقط رأسه وأمير العينية رحب به والشيخ شرح له دعوته لأن هذه دعوة إسلامية عامة تحتاج منك الصبر إذا أردت أن تؤازر هذه الدعوة لا بد أن تؤذى هل تصبر ؟ قال الأمير : إنه يصبر ، وفعلاً صبر معه وغير كثيراً من المنكرات أزال كثيراً من الأشجار التي كانت تُعبد أراد الله أن تقدمت امرأة ارتكبت فاحشة الزنا فطلبت التطهير واعترفت وأصرت على الاعتراف فأقام عليها الشيخ الحد من هنا ذاع صيته وانتشر خبره في المنطقة واستنكر أُمراء المنطقة هذا التصرف فكانوا يسمونه المطوع ، ويقولون هذا المطوع جاء بأمر جديد ، وكان من أشدهم أمير الإحساء هددوا على أمير العينية إن لم يخرج من بلده هذا المطوع فإنه سوف يحصل كذا وكذا

(1/4)


فخرج وتوجه إلى الدرعية فنزل الشيخ في بيت أبن سلويلم في الدرعية وعلم محمد بن سعود وصوله ولما علم أخذ بعض أصحابه فذهب إلى بيت أبن سويلم ولم يدعه إلى منزله فزارة وتعرف عليه وهدى الله الأسرة وطلبت الأسرة رجالاً ونساءاً من الإمام محمد بن سعود أن يؤازر هذا الرجل وأن تبنى هذه الدعوة فاليعتبرها نعمة سيقت إليه وفعلاً آزر وأعلن مؤازرته للدعوة والشيخ نصحه وبين له كما بين لأمير العينية صعوبة هذه الدعوة أنها دعوة عامة لا تترك شيئاً من الجاهليات لا في العقيدة ولا في الأحكام تجديد عام للدعوة المحمديه واستعد الأمير محمد بن سعود لمؤازرة الدعوة وتعاهدا عن القيام بالعمل الجاد في الدعوة فصارت الدرعية عاصمة للدعوة يهاجر إليها طلاب العلم للعلم وللتعبد هناك قرب الشيخ وانطلقت الدعوة من هناك وبدأ الشيخ يكتب إلى الأمراء في جميع الأقطار يشرح موقفه من الأئمة الأربعة وموقفه من الصحابة وموقفه من نصوص الصفات وموقفه في باب التوسل وهكذا بدأت الدعوة وأستمرت إلى أن وصلت إلى هذه المدينة النبوية وعمت الجزيرة ولكن الدعايات لا تزال تنتشر في الآفاق هناك مذهب خامس هناك الوهابية هناك وهناك فصار العمل هو الرد وأُلفت الكتب ضد هذه الدعوة وأنتشرت في العالم فعرف أكثر الناس هذه الدعوة على غير حقيقتها وأنها دعوة مناؤة للأئمة الأربعة والأولياء وأنها لا تحترم رسول الله ( والصحابة وهكذا إلى غير ذلك من الدعايات التي أخذت تتبخر شيئاً فشيئاً إلى أن في مثل هذا الوقت وانتشرت الدعوة ووصلت إلى إفريقيا توجد الآن هناك مدارس كثيرة تدرس نفس المنهج المقرر في المدارس السعودية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية وانتشرت في القارة الهندية وانتشرت في الدول العربية إلى أن خرجت من الديار الإسلامية وفتحت لها أبواباً في نفوس الناس وفي صدور الناس من أوروبا وأمريكا وانتشرت وعمت لذلك جميع الحركات حول هذه الدعوة وضد هذه الدعوة إنما هي حركة

(1/5)


الشاة المذبوحة تتحرك لتموت لا لتحيى والدعوة ماشية بحمد الله تعالى وننصح بدراسة العقيدة والأحكام وفروع اللغة العربية وعلوم الحديث وعلوم القرآن وكل علم نافع يكون مساعداً لفهم الكتاب والسنة وطلب العلم نوع من الجهاد وأنتم في جهاد طالما تطلبون العلم ، والعلم قبل القول والعمل .
قوله (( إعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل ))
الشرح : هذا الخطاب موجه إلى كل قارئ وكل سامع وكل من يصلح أن يوجه إليه الخطاب . إعلم رحمك الله أنه يجب علينا ـ ليس معنى يجب علينا نحن طلاب العلم لا ـ يجب علينا نحن معاشر المسلمين ، لأن ما اشتملت عليه هذه الرسالة ليس يجب على الشباب وطلاب العلم فقط ، بل ما يجب على كل مسلم ومسلمه يجب علينا نحن معاشر المسلمين تعلم أربع مسائل .
قوله : (( الأولى : العلم وهو معرفة الله ))
الشرح : المسألة الأولى : العلم ، وفسر العلم بالمعرفة فقال هو معرفة الله ، ما الفرق بين العلم والمعرفة ؟ لماذا فسر الشيخ العلم بالمعرفة ؟ المعرفة أعم من العلم ، العلم خاص بما لم يسبق بجهل ذلك يستعمل في حق الله تعالى العلم ، ولا يستعمل المعرفة في حق الله لأن المعرفة هي المسبوقة بجهل أي الإدراك المكتسب بعد إن لم يكن .

(1/6)


إذاً بالنسبة لنا يقال له علم ويقال له معرفة ، وفي حق الله تعالى يقال له العلم فقط لذا فسر العلم فقال : المراد بالعلم هنا هو معرفة الله بأسمائه وصفاته ، معرفة الله بالآئه ونعمائه ، معرفة الله بالآيات المتلوه والآيات الكونية ، معرفة توجب محبته سبحانه وتعالى توجب خشيته وتعظيمه وتعظيم أمره وتعظيم شرعه توجب مراقبته تعالى وخشيته وفي النهاية المحبة ، لأن محبة الله تعالى روح الإيمان ، وإيمان المرء إذا خلا من محبة الله تعالى كالجسد الميت روح الإيمان محبة الله ، ومعرفة الله ليست معرفة بالدعوى معرفة بهذه المعاني كلها وأكثر منها يدخل في ذلك توحيد الربوبيه ، وتوحيد العبادة ، وتوحيد الأسماء والصفات . كل ذلك وتصديق خبر الله سبحانه وتعالى ويدخل في ذلك الإيمان بالكتب السماوية والجنة والنار وغير ذلك من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها كل ذلك داخل في معرفة الله .
قوله : ((ومعرفة نبيه ))

(1/7)


الشرح : ومعرفة نبيه تبعثك على تصديق كل ما أخبر ، معرفة توجب طاعته وتصديق خبره ، واتباع هديه ، وتجريد المتابعة له بحيث لاتعارض قوله ( بقول أحد ، والذين يعارضون قول رسول الله ( بآراء الرجال وربما يقدمون أراء الرجال على سنة رسول الله ( لم يعرفوا نبي الله حق المعرفة ، من عرف بأنه رسول يطاع ولا يعصى وعبدٌ لا يعبد ونبي لا يكذب ، لايمكن أن يعارض أقواله وسنته وهديه باقوال الرجال ، وأراء الرجال ويستدل احياناً في بعض الأحاديث أنها مخالفة للقاعدة من أين القاعدة ؟ هذه التي تخالفه أو يخالفها هدي رسول الله ( . كل ما يسمى بالقواعد والأصول إن كانت مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله ( مثل هذه الأصول الثلاثة فهي مقبولة وكل ما يسمى بالقواعد والأصول التي يؤصلها بعض الناس ويقعدونها مخالفة للكتاب والسنة فهي مردودة وذلك دليل على عدم معرفتهم برسول الله ( حق المعرفة ، معرفته المعرفة الشخصية ومحبته المحبة الذاتية دون المحبة الشرعية الرسالية لا تفيد وهذا شئ يعلمه كل مسلم وإلا إن بعض الكفار والمشركين كانوا يعرفون أمانته وصدقه ، كانوا يعرفون رسول الله ، وكانوا يقدرونه غاية التقدير ولكنهم لم يتبعونه ، ولم يحبوه محبة شرعية فلذلك لم ينفعهم ذلك الموقف كأبي طالب كما نعلم ومعرفة النبي ليس بالأمر الهين ثم محبته شعبة من شعب الإيمان .من معرفة النبي ( أن تحبه أكثر مما تحب نفسك وأهلك ومالك الذي يحب لذاته هو الله ليس الا ولكن النبي ( يحب لله لأنه رسول الله عبد الله الذي اصطفاه للرساله العامة ، أما المحبة الذاتية إنما هي لله وحده هذا فرق دقيق يجب أن يعلم طلاب العلم كل من يحب دون الله إنما يحب لله ولكن الله يحب لذاته الذي يحب لذاته هو الله وحده ، ومن دونه بدأ من رسوله (? يحب لله لذلك إذا لم تكن محبة الرسول ( لله كأن كانت للقرابة أو كونه عبقري لا تفيد ولم تفد تلك المحبة أبا طالب ، ولم تفد المستشرقين الذين يقدرونه

(1/8)


ويطالبون في تقديره لكونه عبقرياً في التاريخ لالأنه رسول الله ( وهذا معنىً ينبغي أن يتفطن له طلاب العلم .
قوله : (( ومعرفة دين الإسلام ))
الشرح : ومعرفة دين الإسلام : الإسلام ( إن الدين عند الله الإسلام (، كل ما أرسل به رسوله فهو إسلام ، ما جاء به نوح إسلام ، وما جاء به إبراهيم إسلام كلما جاءت به الرسل فهو إسلام ، لكن اصبح الإسلام أخيراً علماً بالغلية على ما جاء به خاتم النبيين وإمام المرسلين محمد ( لذلك إذا أطلق الإسلام عند الإطلاق ينصرف إلى ما جاء به محمد ( ، ولكن عند التحقيق كل ما أرسل الله به رسله إلى الناس بداً من نوح إلى إمامهم وخاتمهم محمد ( كل ذلك إسلام ( إن الدين عند الله الاسلام ( [ آل عمران : 19 ] ، لذلك يجب معرفة هذا الدين الذي جاء به محمد ( به تعرف الأديان الأخرى ، به تعرف الرسل ، وما جاءت به الرسل ، وتصدق الرسل فدين الرسول عليه الصلاة والسلام هو المفتاح لذلك ، والدين الإسلامي هو ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، أما بعض التقاليد وبعض البدع التي ابتدعها بعض الناس ثم يسمون إسلامياً كما نسمع هذه الأيام في بعض الدساتير فيقولون التقاليد الإسلامية كالمولد والختمة والذكر والتهليل وغير ذلك أسماء لغير مسمياتها كل ذلك من الإسلام إذا قالوا الذكر من الإسلام فلا يعنون الذكر الشرعي المراد بالذكر هناك مجالس يجتمع فيه الناس ويذكرون بالالفاظ المفردة الله لا يذكرون الله بالتهليل والتكبير والإستغفار والأذكار الشرعية يبدؤون بالله وينتهون بالله الله الله الله ويسمونها مجالس الذكر ، وهذه المجالس يجب أن تكون من الدين ، ومن ينكر المجالس ينكر الدين ، وهو المراد بالتهليل أيضاً وبالختمة ما يفعل من البدع عند ختم القرآن . والتوسل المراد به عندهم هو الإستغاثة بالصالحين ودعوة الصالحين والطواف بقبور الصالحين والنذر لهم يسمونه توسلاً إذا جمعت بعض الناس هذه العناوين ، وقدموها للمجتمع على

(1/9)


أن هذا هو الإسلام هذا تضليل وجهل مركب منهم ، وإن كانوا على علم ولكن لينالوا المكانة عند الشعوب فهو تضليل وتجهيل وتلبيس للناس لعقيدة الإسلام . وحقيقة الإسلام : هو الاستسلام لله والإنقياد له بالطاعة والعبادة ، وكل ذلك لا ينفع إلا إذا كان مأخوذ من مشكاة النبوة ، وأيما عمل لا يؤخذ مما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ودرج عليه الصحابة لا يسمى إسلاماً وإن أعلن رسمياً إنه من الإسلام .
قوله (( بالأدلة ))
الشرح : معرفة كل ذلك بالأدلة : لابد من الأدلة ، وكل علم يقدم بدون دليل فهو دعوى ، والدعوى لابد لها من بينة ، البينة الدليل ، الدليل هو قال الله قال رسول الله ( وإجماع الصحابة ، ويقول الإمام رحمه الله ، والدليل على هذه المسائل الأربع يجب تعلمها على جميع المسلمين ، الدليل على هذه السورة القصيرة التي يحفظها تقريباً كل مسلم . بسم الله الرحمن الرحيم : ( والعصر (إن الإنسان لفي خسر ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( ( ، هذه المسائل الأربع التي سوف تشرح إن شاء الله .

(1/10)


العصر : الواو واو القسم ، والعصر هو المقسم به فالله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة فيما خلق ، وفيما شرع في أحكامه في قضاءه وقدره حكيم يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ولا يسال عما يفعل يقسم وكثيراً ما يقسم بمخلوقاته ، ومع ذلك أرسل رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام وبين لنا أننا نحن العباد لا يجوز أن نقسم إلا بالله ، ولكن الله قد يقسم بمخلوقاته ، وليس للعباد أن يقيسوا أنفسهم على رب العالمين فيقسمون ببعض المخلوقات قائلين لأن الله يقسم بالعصر والليل والضحى ، ونحن لماذا لانقسم ؟ أنت عبد والعبد يقف عند أمر سيده فسيدك هو الله أرسل إليك سيد الناس أجمعين محمد ( فأخبرك أن العبد لا يقسم إلا بالله { من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت } إذ العبد ممنوع من أن يقسم بغير الله ولو كان أشرف المخلوقين محمد ( ، لا يجوز للناس أن يقسموا بالرسول ( ولا ببيت الله ، ولابأحد من خلق الله من الأنبياء والملائكة والأولياء والصالحين ،كل ذلك لا يجوز ، ولكن الله يقسم بما يشاء لحكمة يعلمها ، أقسم هنا بالعصر يشمل إما عصر النبوة عصر محمد( لأنه عصر ممتاز ، عصرٌ أرسل الله فيه خاتم النبيين بالرساله العامة بينما كان الرسل يرسل كل رسول إلى قومه وبلسان قومه رسالة مؤقتة ، ويعلم الله متى تنتهي ، وهم أي قومه لا يعلمون متى تنتهي ، ذلك النسخ تنسخ كل رساله وتنتهي إلى حدٍ ولقوم محدودين ولكن الرسالة المحمدية جاءت رسالة عامه وباقيه ما بقية الدنيا إذاً هذا العصر عصر النبوة عصر ممتاز أقسم الله به ليبين مكانه هذا العصر يشمل هذا العصر صلاة العصر لأن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى على أصح القولين ، الصلاة الوسطى تمتاز على الصلوات الأخرى إذ تجتمع فيها الملائكة الذين ضلوا فينا ، والملائكة الذين ينزلون ليبيتوا فينا وقد يحصل هذا المعنى في صلاة الصبح لذلك أُختلف في الصلاة الوسطى ، هل هي صلاة الصبح أو صلاة العصر ؟ والذي يرجحه كثير من

(1/11)


المحققين أنهاصلاة العصر ،وبناءاً على ذلك فإن العصر المراد به صلاة العصر أو والعصر بمعنى الدهر ليشمل جميع العصور ولله حكمه في ذلك كله ، أقسم الله بالعصر سواءً كان هذا المعنى أو ذاك أو غيرهما ، إن جنس الإنسان في خسارة وفي هلاك ، الجنس قد يخرج من هذا الجنس الأفراد الذين عصمهم الله (إن الإنسان لفي خسر ( إلا الذين إتصفوا بهذه الصفات الآتية ، صفة الإيمان ، والإيمان يشمل الإيمان بالله ويجب الإيمان به يدخل في قوله تعالى : ( إلا الذين أمنوا ( وهذا ضربٌ من ضروب إعجاز القرآن ، لفظ وجيز ، جملة شملت هذه المعاني كلها إلا الذين أمنوا بالله أمنوا بربو بيته وألوهيته وأسماءه وصفاته ، أمنوا بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ( إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات ( وما هي الأصول التي تقدمت ؟ معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام ( الأصول الثلاثة ) .
قوله : (( الثانية : العمل به ))
الشرح : العلم والعمل به وعملوا الصالحات يشير إلى المسألة الثانية ، إلا الذين أمنوا شملت المسألة الأولى بجميع ما ذكر الشيخ من معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام .
والعمل به ، العمل الصالح الخالص لله الموافق لهدي النبي عليه الصلاة والسلام يشمل باب العبادة ، وباب الأحكام والأعمال كله ، عمل صالح حتى الإقتصاد والسياسة والأخلاق داخل في العمل الصالح ( إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق ( .
قوله : ((الثالثة : الدعوة إليه ))
الشرح : الدعوة إلى الله الدعوة إلى الإسلام .
قوله : ((الرابعة : الصبر على الأذى فيه ، والدليل قوله تعالى : ( والعصر ( إن الإنسان لفي خسر ( إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( (.قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : < لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم > ))

(1/12)


الشرح : وتواصوا بالحق ، الحق ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ، والحق لا يتعدد ، واحد ، وتواصوا بالحق يدعوا بعضهم بعضاً إلى الحق إلى العقيدة ، إلى تصحيح العقيدة ، إلى تصحيح العبادات ، إلى تصحيح المعاملات ، إلى التقيد بالشريعة في عبادتهم وأحكامهم واقتصادهم وسياستهم وجميع أعمالهم .
( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( ، وأن يدعون هذه الدعوة العامة الشاملة ويحاول أن يتقيد الناس بالدين الإسلامي الذي جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام في عقيدتهم في عبادتهم في معاملتهم في سياستهم واقتصادهم وغير ذلك ، لابد أن يؤذى ولا بد ، ولكن الله لطيف في باب الإنذاء ، يلطف بعباده إذا علم الله من العبد الصلابة والقوة في إيمانه إبتلاه إبتلاءاً عظيماً وسلط عليه أعداءه ليصفه وليرفع درجته ، وإن أعظم الناس بلاءاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، وإن علم الدقة الضعف في إيمانه لطف به وخفف عليه الإمتحان والبلاء كحالنا كما ترون وانظروا إلى من قبلنا من الدعاة المصلحين بدأً من الأنبياء وأنظروا إلى حالنا ، أولئك ابتلوا ذلك الإبتلاء لأن الله علم في إيمانهم القوة والصلابة ولفطف بنا ورحمنا وخفف عنا الإمتحان والإبتلاء لما يعلم منا من الرقة والضعف في إيماننا إنه بعباده لطيف خبير سبحانه . ( وتواصوا بالصبر ( تعالوا إلى فهم الإمام الشافعي رحمه الله لهذه السورة العظيمة ، يقول رحمه الله : < لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم > ، هذا يدل على دقة فهمه رحمه الله وسعة فقه { من يرد الله به خيراً يفقه في الدين } ، لكفتهم لأن الآية شملت أصول الدين وفروع الدين لم تترك شئ شملت معرفة الله ومعرفة دينه ومعرفة نبيه شملت كل ذلك ، وشملت الأعمال ، وشملت الدعوة وشملت الصبر في ذلك ، لذلك الآية لم تترك شيئاً إذا وفق الله العبد إلى فهمها كما فمها الإمام الشافعي وغيره ، كما فهما هذا الإمام الذي استنتج منها هذه المعاني من

(1/13)


السورة .
قوله : (( وقال البخاري رحمه الله : ( باب العلم فبل القول والعمل ) ، الدليل قوله تعالى ( فأعلم أنه لاإله إلا الله واستغفر لذنبك ( [ سورة محمد الآيه 19 ] ، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل ))
الشرح : قال الإمام البخاري رحمه الله : ( باب العلم قبل القول والعمل ) ، والدليل قوله تعالى : ( فأعلم أنه لاإله إلا الله … الآية ( .وجاء في التعليق يقول في صحيح البخاري كما في النسخ التي يأيدينا ( باب العلم قبل العمل لقوله في قول الله سبحانه وتعالى : ( فأعلم أنه لاإله إلا الله ( فبدأ بالعلم ) ، إختلاف النسخ إختلاف لفظي وإختلاف تنوعي ، والمعنى واحد البدء بالعلم قبل القول والعمل هذا دليل على مكانة العلم وأن العابد لا يجوز له أن يبدأ بالعبادة إلا بعد العلم ، وأن الواعظ والمعلم والمرشد لا يجوز له أن يتصدى لذلك قبل العلم أي يجب أن يدعوا الناس إلى ما يعلم وينصح الناس بما يعلم ، ويعلم الناس ما يعلم ، وما لم يعلم يعتذر بقول الله أعلم ، أما العابد الذي يريد أن يعبد الله على جهل معرضاً عن العلم في زعمه ملازماً للصفوف الأول ومبكراً إلى المساجد ومعرضاً عن العلم هذا قد استولى عليه الشيطان وأبعده عن العلم ، يجب أن ينصح بعض الذين يجتهدون في العبادة وتنقطعون إلى العبادة معرضين عن التعلم وجامدين على ما عندهم ومقدسين لأنفسهم والمخدوعين المغرورين بعبادتهم على جهل ، أقول هذا القول ليسمع بعض الصالحين العباد الذين هم على جانب كبير من الجهل ، وربما بعض الزوار وبعض الغرباء عندما يرونهم في الصفوف الأول يحسبونهم من طلاب العلم ويسألونهم أسئلة فيجيبونهم على جهل ، يستحي أن يقول : الله أعلم ولكنه يفتي بجهل فيضل ويضل ، فننصح إخواننا العباد أن يخصصوا أوقاتاً لطلب العلم وأوقاتاً للعبادة إذا يسر الله أمره فتفرغوا للعبادة وليس هناك ما يشغلهم فليقسموا أوقاتهم [ بين] العبادة [ وبين ] طلب العلم فليركزوا على طلب العلم

(1/14)


فليعلموا أن تعلم العلم الديني عقيدةً وأحكاماً وخصوصاً في العبادة من العبادة ، طلب العلم من العبادة ، العبادة أنواع ليست العبادة مجرد الصلاة ، وليست العبادة مجرد اتباع الجنازه وليست العبادة مجرد الوصول الى الصف الاول العبادة انواع نوّع عبادتك ، وأبدأ بالأهم ، الأهم العلم إطلب العلم والعمل هو الذي يسهل لك العبادة ويجعلك تتذوق العبادة وتحس للعبادة ذوقاً ، وإلا سوف لن تنفعك عبادتك .
قوله : ((أعلم رحمك الله ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله : إعلم رحمك الله ، هكذا اسلوب الشيخ كأسلوب الأولين ، هذا الخطاب يقال موجه إلى كل من تتأتى منه المعرفة والعلم ، إعلم يا طالب العلم يامن يتأتى منه العلم والمعرفة إعلم انه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم المسائل الثلاث ، المسائل موصوفة بالثلاث صفة الصفة والموصوف كلاهما معرفان الثلاث لأن المفرد مسألة لذلك تذكر وهذا هو التعليل السليم إن شاء الله الذي هو الأصل قبل أن يقع شئ من التصحيف والأخطاء المطبعية ، تعلم المسائل الثلاث .
قوله : ((أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث والعمل بهن ، الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً ))

(1/15)


الشرح : الأولى : أن الله خلقنا ورزقنا ولم يجعلنا هملاً بل أرسل إلينا رسلاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار .هذه المسألة تعتبر قاعدة مسائل في الواقع بمثابة القواعد ، فيها معرفة توحيد الربوبية توحيد العلم والمعرفة ، معرفة العبد بأن الله هو الذي خلقه وحده وهو الذي رزقه وحده ثم لم يتركه كالبهائم البهم تأكل من رزقه فقط بل شرف الله هذا الإنسان هذا الحيوان الممتاز بأن أرسل إليه رسولاً هذا الرسول من بني جنسه لم يكن ملكاً أو جنياً لئلا يستوحش منه ، بل بشر ولكن بشرٌ اصطفاه الله واختاره ورباه تربية خاصة وأدبه فأحسن تأديبه وهياءه لهذه الرسالة العظيمة العامة فأرسل إلينا رسولاً هذا الرسول عليه الصلاة والسلام ، جاء هذا الرسول ليدعوا الناس إلى الله هذه وظيفته بشيراً ونذيراً .
قوله : (( فمن أطاعه دخل الجنة ))
الشرح : فمن أطاعه دخل الجنة ، إما من أول وهلة بدون عذاب أو عقاب كالسبعين الذين تعرفونهم أو دخل الجنة بعد أن استوجب النار دخل الجنة بشفاعة رسول الله ( أو تساوت حسناته وسيئاته فأمر به إلى النار فيشفع فيه الرسول ( فيدخل الجنة هؤلاء دخلوا الجنة قبل دخول النار او قد يدخلوا النار ولكن نار تطهير ومآله إلى الجنة بشفاعة النبي ( أو شفاعة الشافعين الآخرين أو بمحظ رحمة الله أرحم الراحمين ، ولكن مآله إلى الجنة هذا من أطاع النبي ( إنما يتفاوتون هذا التفاوت على حسب طاعتهم لرسول الله ( وبحسب محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام ، لأن الناس تتفاوت في محبة الله ومحبة رسول الله ( وفي طاعة الله وطاعة رسول الله ( ووكلٌ من أولياء الله ولكنهم درجات لأن المؤمن وليٌ والأولياء درجات يظهر لكم من هذا أن من أطاع الرسول ( يختلفون في صفة طاعتهم وفي مبلغ طاعتهم لذلك يختلفون في دخول الجنة .

(1/16)


قوله : (( ومن عصاه دخل النار والدليل قوله تعالى : ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً ( فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً ( [ المزمل 15ـ 16 ] ))
الشرح : ومن عصاه دخل النار إما خالداً مخلداً كأن كان عصيانه بالكفر والشرك الأكبر والنفاق الإعتقادي أو دخل النار نار تطهير كأن كان عصيانه بما دون الكفر والشرك كما تقدم ، والدليل على هذه المسأله العظيمة والقاعدة التي سمعناها قوله تعالى : ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم ( وهو النبي ( ) كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً ( فعصى فرعون الرسول ( هذا الرسول المعرف هو الرسول السابق ولكن النكرة المكررة من قبل والنكرة إذا تكررت الثانية غير الأولى ( إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً ( ، هذا الرسول غير الرسول الأول ، الرسول الأول هو رسول الله محمد ( والثاني موسى عليه السلام .( فعصى فرعون الرسول ( الرسول الثالث هو عين الرسول الثاني لأنه جاء معرف أي الرسول المعهود الذي أرسل إلى فرعون السابق الذكر ( فأخذناه أخذاً وبيلاً ( أخذنا فرعون لما عصى الرسول اخذاً وبيلاً كذلك أنتم إن عصيتم الرسول عليه الصلاة والسلام تؤخذون وتعذبون على إختلافٍ في التعذيب في الدنيا وفي الآخرة .
قوله : (( الثانية : أن الله لايرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لاملك مقرب ولانبي مرسل ، الدليل قوله تعالى : ( وأن المساجدلله فلا تدعوا مع الله أحداً ( [ الجن : 18 ] ))

(1/17)


الشرح : المسألة الثانية : أن الله لايرضى أن يشرك معه أحد في عبادته لاملك مقرب ولا نبي مرسل ، إذا كان الله لا يرضى أن يكون شريكه في العبادة ملك ، جبرائيل مثلاً وأشرف الخلق محمد ( لايرضى لأن يدعى جبرائيل ويستغاث بجبرائيل ويذبح تقرباً إلى جبرائيل وكذلك محمد( فما بال غيرهما بمعنى باب الإشراك لافرق بين أن يشرك به إنساناً صالحاً أو طالحاً ملكاً أو نبياً ، جنياً أو أنسياً أو شيطاناً أو حجراً أو شجراً المعنى واحد لافرق بين هذه الشركيات ، لأن العبادة حق محظ لله تعالى لايستحقها أحد هذه من المعاني التي تغيرت كثيراً وجددها بعض المجددين ، جهل كثير من الناس ولا يزالون يجهلون في بعض الأقطار التفريق بين حق الله سبحانه وتعالى وحق رسوله ( وحقوق الصالحين ، يخلطون لايعرفون ما هو حق الله على العباد وما هو الواجب بالنسبة للرسول ( على المؤمنين ؟ وما هو الواجب على المؤمنين نحو صالحي عباد الله المؤمنين ؟ ، هذه المعاني التي تغيرت والتي يجب على طلاب العلم اليوم أن يقوموا بدور التجديد والإصلاح حيثما كانوا ودعوتنا اليوم في الغالب الكثير دعوة تصحيح ، تصحيح هذه الأخطاء ، تصحيح العقيدة ، وتصحيح العبادة ، وليس معنى قولنا إذا قلنا ندعو إلى الله أن غيرنا من الناس غير مسلمين وأننا ندخلهم إلى الإسلام من جديد لا، هذا تصور خاطئ ، مسلمون ولكن مسلمون دخلت عليهم بعض الأخطاء في عقيدتهم وفي عبادتهم وفي أحكامهم وفي معاملاتهم واقتصادهم وسياستهم هذا هو الواقع ، وإن كان لايمنع هذا أن يقوم الدعاة بدعوة التأسيس في غير المسلمين الذين وفدوا على هذه البلاد بأسم العمال وهم كثير في كثير من المناطق يعيشون بين المسلمين ومما يظهر أنهم ربما فهم بعضهم بحياتهم بين المسلمين بعض محاسن الإسلام لذلك نراهم يعتنقون الإسلام كثيراً هذه الدعوة دعوة تأسيسية ، والدعوة الأولى دعوة تصحيحية وعلينا أن نعمل في المجالين ، والدليل على المسألة الثانية

(1/18)


قوله تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ( [ الجن : 16 ] ، لفظة أحداً نكرة واقعة في سياق النهي أو النفي المعنى واحد ، النكرة إن وقعت في سياق النفي أو سياق النهي أو سياق الإستفهام الإنكاري تفيد العموم فلا تدعو مع الله أحداً كائناً من كان ولا تستغيث بأحد غير الله كائناً من كان بملك أو نبي صالح هؤلاء عباد الله كلهم يرجون رحمه الله فلا يستغلث بهم ولا يدعون ولا يذبح لهم ولا ينذر لهم ، ولكنهم يحبون في الله فالصالحون نحبهم في الله من الأنبياء ومن بعدهم نتقرب إلى الله بمحبتهم ومحبتهم عمل صالح ويتقرب به العبد إلى الله ، محبتهم شئ ودعوتهم والاستغاثة بهم والذبح لهم شئ آخر مغاير تماماً ، حبهم في الله طاعة وحبهم مع الله شرك فرق بين الحب في الله وبين الحب مع الله0اذااحببت الصالحين في الله لاجل الله لكونهم صالحين ما أحببته إلا لكونه صالحا تقيا ملتزما متمسكاً فهذا عمل صالح تتقرب به إلى الله ولكن إن غلوت فيه غلواً وأحببته على الله وتعامله معاملة الخالق ثم تستغيث به وتدعوه وتجهر باسمه كما تقول يا الله تقول يافلان هذا هو الحب مع الله من أكبر الشرك .
قوله : (( الثالثة:أن من أطاع الرسول ووحد الله لايجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب، والدليل قوله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله آلا إن حزب الله هم المفلحون( ( [المجادلة : 22 ] ))

(1/19)


الشرح : القاعدة الثالثة : أنه من أطاع الرسول ( ووحد الله لايجوز له موالاة من حاد الله ورسوله وإن أدعى أنه موحد وأنه مطيع للرسول عليه الصلاة والسلام إن صحت هذه الدعوة سوف تمنعه من أن يحب من كان عدواً لله ومن يشاقق الله ويخالف الله ويخالف الرسول ( ولو كان أقرب قريب لو كان والده أو ولده إن كان صادقاً في دعوى الأيمان بالله وبرسوله عليه الصلاة والسلام ورأى أقرب قريب محاداً ومشاقاً لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام ، ويخالف رسول الله ، ودين الله معانداً كافراً يجب أن يقاتله ويقتله كما حصل ذلك لجماعة من الصحابة . والدليل قوله تعالى : ( لاتجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ….. الأية ( من هذه النقطه يجب أن نتريث ونفهم الحقائق لكي لا يتعجل بعض الشباب . الكفار قسمان : قسم يقال له الكافر الحربي : والذي العلاقة بيننا وبينهم الحرب ، وليس بيننا وبينهم أي علاقة . عداوة وحرب هؤلاء يجب قتالهم ، ولا تجوز موالاتهم بل لاتجوز مجاملاتهم ومداراتهم لأنه كافر حربي وإلى ذلك تشير الأية الكريمة :( ياأيها الذين أمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( هؤلاء الكفار الحربيون . وهناك كافر غير حربي ذمي ، الكافر الذمي لايجوز قتله ويجامل ويدارى ولا يداهن ويعامل في المعاملة الدنيوية نبيع منه ونشتري ، نقرضه ونستقرض منه نعامله هذه المعاملة ونشتري منهم الأسلحة ونبيع لهم ما لدينا من السلع طالما أنهم غير محاربين لنا إذا كانوا ذميين وفي حكم الذمي المستأمن . ومن بيننا وبينهم الهدنة في أيام الهدنة يعاملون هذه المعاملة ، ولكن الذي يجب أن يفهمه الطلاب فرق بين المعاملة وبين الموالاة ، فالمولاة هي المحبة القلبية لايجوز لك أن تحب الكافر كائناً من كان تحرم مودتهم ومحبتهم ونصرتهم ولكن إذا كان غير حربي لاتحرم معاملتهم ومداراتهم ومجاملتهم وإذا كنا نحس أن بعض

(1/20)


الكفار في حكم الحربيين ليس بحربيين فعلاً ولكنه في حكم الحربي لأنه ظهير للكافر الحربي الذي بيننا وبينه الحرب ظهيراً له ومعيناً له إن كنا قادرين على محاربته حاربناه وإلا نأخذ بالإستعداد ( وأعدوا لهم ( أما كوننا أن ندخل معهم في الحرب ونحن غير معدين وغير مستعدين للقتال معهم هذه ليست بشجاعة هذا تهور لابد من الاستعداد من قبل ، قبل الحرب معهم ، وهذا موقف المسلمين اليوم مع الدول الكبرى كما يسمون وهم إما حربيون أو في حكم الحربيين ، ولكن المسلمين عاجزون من مقاومتهم ومن محاربتهم ولأنهم لم يعدوا أنفسهم بعد ، فعلى المسلمين أن يعدوا أنفسهم لمصانع حربية كمصانعهم حتى يكونوا قوةً قادرتاً على حربهم ، وأما أن نقف عند مصانع الكبريت ومصانع المكرونه ، ما عندنا ليس بعاجزين مادياً ولا من حيث الرجال ولكن يسمى عجزنا عجز القادرين على التمام
ولم أرى في الخلق عيباً ?????كعجز القادرين على التمام
هذا هو عجزنا قبل أن نعد أنفسنا فلنقف عند حدنا وإلا يستبيحون بيضتنا ، ولكن نعد أنفسنا إعداداً من جديد . الشاهد : يجب أن نفرق بين موقفنا بين الكافر الحربي وبين الذمي ، والذمي غير موجود اليوم ، وبين المستأمن والمعاهد وصاحب الهدنة ،هؤلاء كلهم يعاملون معاملة خاصة ، ولكن كلهم على حدٍ سواء لاتجوز موادة ومحبة وموالاة الكفار ، ولو كان أحد الوالدين أو كليهما لذلك علمنّا ربنا سبحانه وتعالى كيف نعامل الوالدين الكافرين ، قال تعالى : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً ( إذا كان لايطاعان إذا دعا الولد إلى الشرك وإلى الكفر وإلى معصية الله ورسوله ، ولكن لايمنع ذلك مصاحبتهما بالمعروف ومصانعتهما والإحسان إليهما ومن برهما لعل ذلك يكون سبباً لدخول الإسلام .
قوله : (( أعلم أرشدك الله لطاعته ))

(1/21)


الشرح : أعلم أرشدك الله . أعلم يا طالب يا من يتأتى منه العلم ، أعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية ملة إبراهيم ، ( ملة إبراهيم ) إما بدل أو عطف بيان من الحنيفية كأنك تقول أن الحنيفية يعني ملة إبراهيم أو هي ملة إبراهيم ، أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين ، هذه ملة إبراهيم ، وملة من جاء بعده من الرسل من أولاده لأنه أبو الأنبياء . وبذلك أمر الله جميع الناس ، والآية التي يستدل بها المؤلف على هذا الحكم قوله تعالى : ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ( لابد من التوفيق بين المدلول والمدلول عليه ، المدلول عليه هو هذا الحكم ، أمر الله جميع الناس بينما الآية تدل أن الله خلق الجن والأنس جميعاً لعبادته. إذاً كان الأولى أن تكون العبارة هكذا : ( وبذلك أمر الله الجن والأنس وخلقهم لها ) ليتفق الدليل والمدلول عليه كما قال تعالى : ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون ( خلق الله الثقلين لعبادته ليوحدوه وليعرفوه وحده وفسر معنى يعبدون يوحدون ، وهذا معنى من المعاني ، وعند أهل العلم عدة تفاسير ليعبدون ليعرفون ليخلصوا إلى العبادة ، ولكن كلمة يوحدون أشمل ، ولذلك لعل المؤلف أختار هذا التفسير .
قوله : (( أن الحنيفية ملة إبراهيم : أن تعبد الله وحده مخلصاً له الدين ، وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها كما قال الله تعالى : ( وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدوه( [ الذاريات : 56 ] ، ومعنى يعبدون يوحدون ، وأعظم ما أمر الله به التوحيد ))

(1/22)


الشرح : قال وأعظم ما أمر الله به التوحيد ، الله سبحانه وتعالى أمر بأوامر كثيرة ، وأعظمها إفراد الله سبحانه تعالى بالعبادة وفسر التوحيد بإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وزد على ذلك إثبات ما أثبت الله لنفسه من الصفات وما أثبت له رسوله (وتنزيه الله عن النقائص والعيوب ومشابهة المخلوقات كل ذلك مما جاء به رسول الله ( وأشتمل عليه الكتاب والسنة ، وأما توحيد الربوبية كما سيأتي ، إنما يذكر يستدل به على توحيد العبادة أي إن توحيد الربوبية يستلزم توحيد العبادة لذلك يذكر من باب الإستدلال به على توحيد العبادة ، وتوحيد العبادة يتضمن توحيد الربوبية .
قوله : (( وهو إفراد الله بالعبادة ، وأعظم ما نهى عنه الشرك وهو : دعوة غيره معه ، والدليل قوله تعالى : ( اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ( [ سورة النساء ] ))
الشرح : وأعظم ما نهى عنه الشرك ، وهو دعوة غيره معه .
س / هل الشرك دعوة غيرة معه أو أعم من الدعوة ؟
جـ / الشرك أعم من الدعوة والدعاء نوع معين من أنواع العبادة إذاً لو قال وعبادة غيره معه لكان أولى وأشمل ليشمل الدعاء وغير الدعاء كالذبح والنذر وغير ذلك بدليل الآية التي يستدل بها وهي قوله تعالى : ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ( في عبادته في الدعاء والاستغاثة والذبح والنذر والتوكل والرهبة والرغبة وغير ذلك من أنواع العبادة هذا تفصيل جزئي .
قوله : (( فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟ ))
الشرح : ثم أراد الشيخ أن يفصل كل ما تقدم فقال : فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة ؟ الأصول جمع أصل ، والأصل ما يبنى عليه غيره فجميع واجبات الدين تنبني على هذه الأصول الثلاثة من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك ، كل تنبنى وترجع إلى هذه الأصول الثلاثة .فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها والتي سبق تفصيلها .
قوله : (( فقل معرفة العبد ربه ونبيه محمد ( ))

(1/23)


الشرح : فقل معرفة العبد ربه ودينه ونبيه محمد ( فقد سبق تفصيلها راجع ما تقدم .
قوله : (( فإذا قيل لك من ربك ؟ فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته ))
الشرح : فإذا قيل لك من ربك ؟ فقل ربي الله الذي أعبده هو ربي لأنه لا يستحق العبادة إلا الرب أي إلا الخالق المربي ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين بنعمته وبذلك استحق العبادة ، أما الذي لا يخلق ولا يرزق ولا يربي لا يستحق العبادة ، عبادته ظلم . ربى جميع العالمين بنعمته : النعمة إذا أضيفت تشمل ، ( وإن تعدوا نعمة الله ( ، أي بنعم الله ربى جميع العالمين بنعمه التي لاتعد ولا تحصى نعمة الإيجاد ، نعمة الهداية ، نعمة الإسلام ، نعمة الإيمان ، نعمة الأمن والأمان وغير ذلك .
قوله : (( وهو معبودي ليس لي معبود سواه ، والدليل قوله تعالى:( الحمد لله رب العالمين ([ الفاتحة : 2 [ ))
الشرح : وهو معبودي ليس لي معبود سواه : الأنسب هنا أن تكون فاء الفصيحة فهو إذاً معبودي ، إذا كان هو الذي خلقني ورباني وربى جميع العالمين بنعمه فهو معبودي ليس لي معبود سواه ، فهو وحده معبودي ، تعريف جزئي الإسناد يدل على الحصر فهو المبتدأ معرفة ، معبودي الخبر معرفة لأنه أضيف إلى ياء المتكلم فهو معبودي ، فهو وحده معبودي ، لا أعبد إلا إياه ، ولذلك فسر الجملة الثانية ، تعتبر جملة تفسيرية ليس لي معبودٌ سواه ، ومن عبد غير الرب الخالق المربي للعالمين بنعمه فقد ظلم لأنه وضع العبادة في غير موضعها ، والظلم وضع الشئ في غير موضعه ، ما الدليل على كل ذلك قوله تعالى : ( الحمد لله رب العالمين ( خالق العالمين مربي العالمين .
قوله : (( وكل ما سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم ))
الشرح : ما هو العالم ؟ العالم كل ما سوى الله ، وأنا واحد من ذلك العالم فالله سبحانه وتعالى هو الذي يستحق العبادة وحده لأنه هو المنعم المتفضل على العالم .

(1/24)


قوله : (( فإذا قيل لك بم عرفت ربك ؟ فقل بآياته ومخلوقاته ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن ومابينهما ، والدليل قوله تعالى:(ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ?لاتيسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون([ فصلت : 37 ] ))
الشرح : فإذا قيل لك بم عرفت ربك ؟ ما الدليل وما هي العلامات وما هي الآيات التي عرفت بها ربك لأن الله سبحانه وتعالى احتجب في هذه الدنيا لايرى { فإنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا } إذاً الإيمان بالله تعالى من الإيمان بالغيب لأنه غائب عن نظرك ، إن كان شاهداً معك لا يغيب عنك بعلمه وسمعه وبصره فهو معك ، وهذه معية خاصة أو معية معنوية غير حسية لكنه حساً فهو غائب عنك ، لذلك فالإيمان بالله من الإيمان بالغيب يحتاج علامة وأدلة تدل على وجود الله تعالى ما هي ؟ فإذا قيل لك بم عرفت ربك ؟ فقل بآياته ومخلوقاته ، بآياته ومخلوقاته عطف خاص على العام ، والآيات تشمل الآيات المخلوقة والآيات المتلوة ، والمخلوقات أخص ، فمن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، هذه آيات مخلوقة وعلامات وجود الرب سبحانه وتعالى ، وقدرته وإرادته وعلمه وعزته وسمعه وبصره ، ( ومن مخلوقاته السماوات السبع والأرضون السبع ) ، هذه مخلوقات وفي الوقت نفسها آيات لافرق بين هذه الآيات والتي قبلها ومن فيهن وما بينهما .

(1/25)


والدليل قوله تعالى : ( ومن آياته الليل والنهار ( ، ومن آياته الدالة عليه الليل والنهار (الشمس والقمر ( ( لا تسجدوا للشمس ولا للقمر ( لأنهن من المخلوقات ( واسجدوا لله الذي خلقهن ( ، هو الذي يستحق السجود ( إن كنتم إياه تعبدون ( وقوله تعالى : ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار ….. الآية ( ، هذه الآية أول آية من الآيات السبع التي تدل على استواء الله على عرشه أول الآيات التي تدل على استواء الله هي هذه الآية في سورة الأعراف ، والثانية في سورة يونس ، والثالثة في الرعد ، والرابعة طه ، والخامسة الفرقان ، والسادسة سورة السجدة ، والسابعة سورة الحديد ، الآيات السبع في هذه السور السبع هي التي تدل على استواء الله تعالى استواءً يليق به على عرشه ، وأما الأدلة الأخرى الكثيرة التي تدل على علو الله تعالى فهي أيضاً دليل آخر على هذا الاستواء لأن الاستواء علو خاص بالعرش ، وطلاب العلم يفرقون بين العلو والاستواء ، الاستواء صفة فعلية لذلك تجددت ، أما العلو فصفة ذاتية ثابتة دائمة ثبوت الرب سبحانه وتعالى لاتفارقه أي لا يزال الله في علوه دائماً وأبداً حتى نزوله إلى سماء الدنيا في آخر كل ليلة ، وحتى في وقت مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء فهو لا يزال في علوه .العلو صفة ذاتية ثابتة قديمة قدم الذات ، وأما الإستواء فصفة فعل ، الإستواء علو خاص بالعرش ، وأما العلو فهو علو الله تعالى على جميع مخلوقاته وأنه بائنٌ من خلقه بذاته ليس في ذاته شئ من مخلوقاته ، ولا في مخلوقاته شئ من ذاته لهذا يعرف الرب سبحانه وتعالى ويميز من جميع المخلوقات ، وأما القائلون بأن الله في كل شئ وفي كل مكان لم يعرفوا ربهم بعد ، فليتعلموا من جديد فليطلبوه في علوه وليدعوه في علوه وليجهروا بأسمه في علوه ويخافوه من فوقه بذلك يعرفون ربهم وفوق ذلك فهم مضطربون غير عارفين بربهم

(1/26)


( ألا له الخلق والأمر ( الخلق له هو الخالق وحده ، والأمر له هو الآمر وحده ( تبارك الله رب العالمين ( .
قوله : ((وقوله تعالى : (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ([ الأعراف : 54 ] والرب هو المعبود ، والدليل قوله تعالى : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ( [ البقرة : 21 ـ 22 ] ))
الشرح : الرب هو المعبود ليس معنى هذا تفسير الربوبية بالعبودية ، بل يريد أن يقول الشيخ والرب هو المستحق للعبادة لكونه رباً خالقاً ـ أي يريد أن يستدل بالربوبية على الأولوهية كما تقدم في الآيات ـ ، وإلا الرب بمعنى الخالق المربي والمعبود الآله بمعنى المعبود ، نفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد العبادة ، نستدل دائماً بتوحيد الربوبية على توحيد العبادة ، وهذا ما أراده الشيخ رحمه الله . والدليل قوله تعالى : ( ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم ( ، هذا هو وجه الإستدلال اعبدوا لأنه هو الذي خلقكم ، أما الذي لا يخلق ولا يرزق فلا يستحق العبادة .( اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ( إذا كان الأمر كذلك لا تجعلوا لله أنداداً ، إذا كان هو الذي فعل ذلك وأنفرد بهذه الأفعال بأفعاله هكذا الذي تقدم ذكرها إذاً لاتجعلوا له أنداداً تحبونهم كحب الله وتعبدونهم كما تعبدون الرب الخالق تعبدون مخلوقاً مثلكم وهو لم يخلق ولم يرزق بل هو نفسه خُلق وبحاجةٍ إلى من يرزقه إلى ربه سبحانه .

(1/27)


قوله : (( قال أبن كثير رحمه الله << الخالق لهذه الأشياء المستحق للعبادة >> ))
الشرح : قال ابن كثير رحمه الله تعالى : الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة يقرر ماقلنا ، هذا اسلوب القران وهوالاستدالال بتوحيد الربوبيه على توحيد العبادة
قوله : (( أنواع العبادة التي أمر الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ))
الشرح : قال الشيخ رحمه الله وأنواع العبادة التي أمر الله بها أنواع مبتدأ وخبر محذوف تقديره كثيراً ، ثم قال مثل الإسلام بإمكانك أن تجعل مثل الإسلام والإيمان والإحسان …. الخ ، هو الخبر ولكن فيه ركة في المعنى ، والمعنى الواضح هو أن تقرر الخبر والإيجاز بحذف الأخبار اسلوب عربي معروف ، وأنواع العبادة التي أمر الله بها كثيرة ، مثل الإسلام وهو الاستسلام أي الأعمال الظاهرة ، ومثل الإيمان إذا ذكر الإسلام والإيمان معاً ، كما هنا وكما في حديث جبرائيل يفسر الإسلام بأعمال والجوارح والإيمان بأعمال القلوب ، أعمال الجوارح من العبادة ، من صلاة وزكاة وغير ذلك وأعمال القلوب من خشية ومحبة ورضى ومراقبة ، كل ذلك من الأعمال القلبية التي هي من شعب الإيمان ، والإحسان أدق من الإيمان وأخص ، الإسلام أشمل ثم الإيمان ثم الإحسان ، وسيأتي الكلام على كل مرتبة عند ذكر مراتب الدين الإسلامي الحنيف .
قوله : (( ومنه الدعاء ))

(1/28)


الشرح : ومنه ضمير يعود على العبادة ، والصحيح والصواب أن يقال ومنها أي ومن أنواع العبادة وهذا من تصحيح الألفاظ ، يقولون المعاني تحت المباني ، ولا بد من تصحيح المباني وعندما نصحح الألفاظ ليس معنى ذلك تعقيباً على الشيخ لأن الكتاب طبع عدة مرات والأخطاء المطبعية واردة ، وخصوصاً في هذا الوقت ، ومنها أي ومن العبادات الكثيرة الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة …….. الخ ، الدعاء الدليل على ذلك { الدعاء هو العبادة } ، { والدعاء مخ العبادة } ، والشيخ سوف يستدل بالدعاء مخ العبادة ، وأصح منه الدعاء هو العبادة ، ولكن المعنى واحد ، والدعاء مخ العبادة كما ذكر أهل العلم أنه ضعيف الإسناد، ولكنه صحيح من حيث المعنى لأن الحديث الثاني يشهد له والمعنى سليم ، والدعاء مخ العبادة ، والدعاء هو العبادة ولفظه هو العبادة ، قد تكون أقوى لأنه تعريف جرئئ الإسناد وتعريف جرئي الإسناد عند أهل البلاغة يفيد الحصر والقصر أي الدعاء وحده هو العبادة ، لأن الدعاء يدخل فيه دعاء طلب ودعاء مسألة كل العبادات الصلاة دعاء والزكاة دعاء والحج دعاء والصيام دعاء ، هذا دعاء عبادة ، وهنا دعاء طلب مثل اللهم أغفر لي وارحمني كل ذلك داخل في قوله دعاء .
قوله : (( والخوف ))

(1/29)


الشرح : والخوف ينقسم إلى قسمين : خوف عبادة وخوف طبيعي ، خوفك من الأسد وخوفك من العدو وتهرب منه خوف طبيعي ، وقد تخرج من بلدك خوفاً من جبار أو عدو هذا الخوف خوف طبيعي ، وليس خوف عبادة ، ولا يؤثر ، وإنما خوف العبادة كخوف المريد والدرويش ومن الشيخ ، شيخ طريقته يخاف منه من سره يخشى أن يطلع الشيخ على ما في ظميره فيضره في إيمانه وفي نفسه وفي أهله وماله وربما يخاف من الشيخ أن يسلب إيمانه أي الدراويش ، والمريدين يؤمنون بمشايخهم أشد من إيمانهم بالله رب العالمين ويخافون من شيوخهم أشد من خوفهم من الله يفعلون ما يشاؤن مما يسخط الله ولا يبالون اعتمادا على سعة رحمة الله يقولون الله أرحم الراحمين يغفر ولكن الشيخ أبداً لا يرحم إذا اطلع على ما في ضميرك أبداً لا يرحمك . أين الإيمان أين الإسلام مع هذا الاعتقاد ؟ ، وهذا الذي تقوله ليس من أساطير الأولين ، في كثير من الأقطار يجلس المريد أمام الشيخ جلسة الكلب أمام سيده مطأطئً رأسه على الأرض خائفاً يكاد أن يضع يده على قلبه ، ليحافظ على ما في صدره لعل لا يصدر بقلبه خاطر لايرضي الشيخ فيهلك هذا خوف العبادة الذي هو الشرك الأكبر من بلغ به الخوف من الشيء إلى هذه الدرجة فهو مشرك شركاً أكبر [ وإن ] صلى و صام .
قوله : (( والرجاء ))
الشرح : والرجاء . موقفهم من الرجاء كموقفهم في الخوف تماماً .
قوله : (( والتوكل ))

(1/30)


الشرح : والتوكل وهو الاعتماد على الله ، والرجاء أن يرجو الإنسان من الله مالا يقدر عليه غيره يرجوه ويسأله ويطلب منه طلبات ويتوكل عليه ويعتمد عليه اعتماداً كلياً ، ولانقسم التوكل كما قسمنا الخوف ، لا يجوز التوكل بغير الله إطلاقاً ، التوكل والحسب خاص بالله تعالى ، ولكن التوكل لا يمنع باستعمال الأسباب ، مزاولة الأسباب المباحة بل العبد مأمور بمزاولة الأسباب المشروعة كالتغرب لطلب العلم والزواج لطلب الولد ، وان يعمل في التجارة والزراعة لطلب الرزق ، ولكن لا يعتمد على هذه الأسباب يعتمد على الله سبحانه وتعالى في نجاح هذه الأسباب ، وأما ترك الأسباب والتمني على الله أن الله يرزقه ولداً صالحاً وهو لا يتزوج ويتعلم يجلس في بيته ليل نهار فيخرج على الناس أعلم أهل بلده هذه عبودية كاذبة مخالفة لسنة الله في خلقه لابد أن يعمل الأسباب ويتوكل على الله سبحانه وتعالى بنجاح تلك الأسباب ولا يجوز الاعتماد على تلك الأسباب .
قوله : (( والرغبة والرهبة ))
الشرح : والرغبة والرهبة ، الرغبة في الخير ، والرهبة في الشر ، لا ترغب إلا بالله ولا ترهب إلا من الله .
قوله : (( والخشوع والخشية والإنابة ))
الشرح : الخشوع والخشية متقاربان ، والإنابة والتوبة والرجوع إلى الله كل ذلك خاص بالله تعالى الذي يخشى ويخشع له ويخضع له ويتذلل له هو الله وحده .
قوله : (( والإستعانة ))
الشرح : الاستعانة . وقد تنقسم الاستعانة إلى جائز وغير جائز ، كطلب الاستعانة بغيرك فيما يقدر عليه كأن تطلب من غيرك رفع المتاع على سيارتك جائز لأنك طلبت فيما يقدر عليه ، ولكن إذا طلبت منه مالا يقدر عليه إلا الله فهذا هو الشرك ، والاستعاذة كذلك .
قوله : (( والإستغاثة ))

(1/31)


الشرح : والاستغاثة كذلك تطلب من إنسان ليحميك لتدخل البيت وتستغيث برجال الإطفاء ( الإسعاف ) فيما يقدرون عليه جائز ، لكن تستغيث بالله فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وأما تستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله تلتجئ إلى غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله هنا الشرك .
قوله : (( والذبح ))
الشرح : والذبح . الذبح نوعان : ذبح عادة وذبح عبادة ، ذبح العادة كذبحك شاةً لتأكل لحماً أو تكرم ضيفك ليس هذا هو المراد ، إنما الذبح الذي تذبحه تقرباً كالأضحية والهدايا والعقيقية ، لو صرفت شيئاً من ذلك كما يفعله جهال الحجاج فيما بلغنا من جهال الحجاج عندما يرجع من الحج بالسلامة بدل أن يشكر الله ويطعم عباد الله يأخذ الكبش فيهرول إلى قبر الشيخ ويذبحه هناك ، وكأن الشيخ في هذه الرحلة هو الذي حفظه وهو الذي رده بالسلامة إلى بلده ما قيمة هذا الحج ؟!! لا قيمة له لأنه لم يؤمن بعد .
قوله : (( والنذر ))

(1/32)


الشرح : النذر . جعل النذر في الأحوال عوام المسلمين أصحاب البساتين يجعل في النخل نخلة يخصصها للشيخ ، هذه النخلة هي التي تحفظ النخل كله ويجعل في الحوش ثوراً يحفظ الحوش كله ببركة الشيخ ، إذا كان الحوش وكذلك الأحوال الأخرى ليس فيها نذر للشيخ يخاف على المال من الضياع ، هؤلاء يحتاجون إلى مراجعة الإيمان ويحتاجون تصحيح عقيدتهم ، وهذا ما يجب على طلاب العلم اليوم أن يصححوا هذه العقائد المدخولة فيها كثيرٌ من الأخطاء ، أخطاء منتشرة بعقائد عوام المسلمين في أكثر الأقطار الإسلامية يعيشون على هذه العقيدة إذ هم بحاجة إلى تصحيح عقائدهم ، وقبل أن تصحح عليهم عقائدهم ، وقبل أن تقوم عليهم الحجة ببيان الحق نرجو أن يعذرون لأنهم يجهلون أن هذه الأنواع من العبادة ويحسبون أن هذا العمل من محبة الصالحين ومن عنوان التوسل بالصالحين . إذاً لم يتبين لهم الحق وإنما يحكم على الإنسان بالكفر دون تردد بالنسبة لمن تبين له الحق ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ( هؤلاء هم الذين يحكم عليهم بالكفر أما الذين لم يخالفوا الله ورسوله بعد أن تبين لهم الهدى وبعد ما تبين لهم الحق ولكن ظناً منهم أنهم على الحق وأنهم على الهدى ولم يجدوا طلاب علمٍ وعلماء يبينوا لهم ذلك نرجو أن يعذروا ولكن في مثل هذه الانفتاحات العامة إذا علموا وسمعوا بواسطة المذياع ووسائل أخرى عليهم أن يبحثوا ويجتهدوا ليخرجوا من هذه الجاهلية إلى الإسلام الصحيح .
قوله : ((وغير ذلك من أنواع العبادات التي أمر الله بها كلها لله تعالى الذليل قوله تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ( [ الجن : 18 ] ))
الشرح : وغير ذلك من أنواع العبادة التي أمر الله بها كلها لله تعالى والدليل قوله تعالى : ( وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ( ( 2 )
قوله : (( فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر ))

(1/33)


الشرح : فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر . على التفصيل الذي تقدم بعد أن نفصل ما فيه التفصيل وبعد أن تأكد بأن الحجة قامت عليهم وبأنهم شاقوا الله ورسوله من بعد ما تبين لهم الحق وقبل ذلك لابد من التريث في مسألة التكفير كما تقدم .
وعند هذه الجملة لابد من الوقوف والتفصيل فمن صرف شيئاً لغير الله تعالى فهو مشرك كافر الأصل أن من صرف هذه الأنواع أو أي نوع من هذه الأنواع لغير الله تعالى فهو مشرك شركاً أكبر وكافر خارج من الملة وهذا هو الأصل .
ولكن هل كل من صرف نوع من هذه الأنواع لغير الله تعالى وكل من فعل كفراً يكفر ؟ وكل من ارتكب شركاً فهو مشرك أو لابد من التفصيل قد يقول المرء كفراً ولا يكفر وغيره يكفر وقد يفعل فعلاً كفريا يكفر أحدهم والآخر لا يكفر ، أحوال الناس تختلف وضروف الناس تختلف ومفاهيمهم وكل ذلك لابد من ملاحظتها وهذا الإطلاق على الأصل هكذا ولكن إذا راجعنا أحوال الناس واختلافهم في الفهم وعدم الفهم والضروف التي يعيشون فيها والبيئة التي نشاؤا فيها تجد الناس بينهم اختلافا شديد .

(1/34)


ولشيخ الإسلام بن تيميه رحمه الله تفصيل طويل في مثل هذا المقام فيمن يأتي بالمكفرات حيث يكفر بعضهم وبعضهم لا يكفر فنحن نعيش بين أناس نعرف عقائدهم وموقفهم من الإسلام لذلك لابد من التفصيل ومن لم يتبين له الهدى وظن أن ما هو عليه هو الإسلام الذي جاء به رسول الله ( وحالت بينه وبين الفهم الصحيح شبة وجهل وإشكال على كلام المشائخ والمنتسبين إلى العلم الذين لا يفرقون بين الشرك وبين التوحيد نشأوا في تلك البيئة وظنوا أن ما هم عليه هو الإسلام ويسمعون من بعض المشائخ من يقول إن الذبح لغير الله والنذر للصالحين والطواف بأضرحتهم ودعائهم والاستغاثة بهم كل ذلك من محبة الصالحين ولا يضر التوحيد وليس بشرك ، وظنوا أن هذا هو الحق ، أمثال هؤلاء لابد أن يعذرون حتى ينتقلوا من تلك البيئة ويفهموا عقيدة دين الإسلام الفهم الصحيح ومرجع من يفصل هذا التفصيل يستدل بآيتين من سورة البقرة ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ( وقوله تعالى : ( ربنا لا تأخذنا إن نسينا أو أخطأنا (وفي آية في سورة النساء ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ( أما من لم يتبين له الهدى ولم يتعمد مشاقة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بل ظن أن ما يفعله هو الهدى وهو الحق الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام لابد من بيان الحق له أولاً [ دعوته ] ومحاولة [ إصلاحه ] فإذا تبين له ونفسر بعد ذلك بما هو عليه وتقاليده يحكم عليه بأنه كافر كفراً بواحاً ومشركاً شركاً أكبر لابد من هذا التفصيل كما نفهم ذلك من واقع الناس لأنك لو وعضت هؤلاء الذين يشركون بالله هذا الشرك الأكبر وذكرتهم بالله وذكرت لهم الجنة والنار وأسمعتهم نصوص الوعد والوعيد لوجدهم يتأثرون تأثراً بالغاً بمعنى لم يصب قلوبهم شئ من الخراب ، خراب القلب هو الكفر طالما يوجد في قلب المرء خشية وخوف من الله والرجاء فيما عند الله ولكنه

(1/35)


أخطأ الطريق الموصلة إلى الله وجعل يتخبط هنا وهناك وهو يعتقد أنه يسير إلى الله سيراً صحيحاً مثل هؤلاء يعذرون حتى يتبين لهم الهدى لابد من هذا التفصيل .
قوله : ((والدليل قوله تعالى : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لا برهان له به لابرهان له به ))
الشرح : والدليل قوله تعالى : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر لابرهان له به .. الآية ( لفظة إلهاً تطلق على المعبود بالحق وعلى المعبود بالباطل ولكن لفظ الجلالة ( الله ) لاتطلق إلا على المعبود بالحق خالق السماوات والأرض أما لفظة إله كل ما عبد ومن عبد من دون الله من شجر وحجر وأنسي وشمس وقمر وضريح وقبر يطلق عليهم لغة أنه إله أي مألوه ، المعبود الذي عبده الناس سواء كان بالحق أو بالباطل لذلك اشتملت كلمة التوحيد على الكفر والإيمان لاإله إلا الله .، لا إله كفر بما يعبد من دون الله ، إلا الله اثبات العبادة للخالق الحق ، أي تشتمل كلمة التوحيد على النفي والاثبات وعلى الكفر والايمان ولا بد من ذلك . لابد من الجمع بين الكفر والايمان والنفي والاثبات وإلا لو قلت الله ربي وعبدته ، ومع ذلك تعبد غيره ولم تنفي عبادة غيره لابالنفي ولا بالفعل ما ينفعك توحيدك لو عبد إنسان طول حياته الله رب العالمين ولكن يعبد معه غيره ولم يكفر بعبادة غيره ما تنفعه تلك العبادة إنما تنفعك عبادة الله إذا كفرت بعبادة غيره . ، قال تعالى : ( ومن يدع مع الله إلهاً آخر .. الآية ( لاحظ أنه قال مع الله ومن يدع من دون الله وذلك أبلغ وإذا دعوت مع الله غير الله ما نفعتك العبادة وإذا دعوت غير الله من دون الله فمن باب أولى ثم قال تعالى : ( لابرهان له به ( هذه الجملة حالية ، والحال في المعنى وصف وهي صفة كاشفة ومعنى الصفة الكاشفة لامفهوم لها أي لايوجد إله يعبد من دون الله وللعابد حجة ، والمراد بالبرهان الحجة والدليل. ولفظة برهان وحجة وسلطان بمعنى الدليل . من يعبد مع الله غير الله لادليل له قطعاً

(1/36)


ولذلك تسمى صفة كاشفة لامفهوم لها .
قوله : ((فإنما حسابه عند ربه ))
الشرح : ( فإنما حسابه عند ربه ( لم يقل ولم يعلل نوع هذا الحساب وبهذا الابهام وعيد شديدٌ في اسلوب القرآن إذا أراد تعظيم العذاب وتهويل العذاب يبهم، والابهام نوع من تعظيم العذاب وتهويل العذاب وحسابه عند الله هو الذي يعلم كيف يحاسبهم لأنه يعلم قلبه كما يعلم ظاهره بترك أمره إلى الله كأنك قلت أمره إلى الله وهو الذي يحاسبهم بما يستحقون .
قوله : (( إنه لايفلح الكافرون ))
الشرح : ( إنه لايفلح الكافرون ( دليل على أن من عبد غير الله مع الله فهو كافر سواءاً كان الكفر كفراً أكبر أو أصغر ، وربما كان الكفر كفراً أكبر أو كفراً أصغر إن كان معذوراً كما مر في التفصيل السابق يكون كفره كفرٌ دون كفر ، وإن كان غير معذور وقامت عليه الحجة وتبين له الحق والهدى فخالف فكفره كفراً بواح ناقل من الملة .
قوله : ((وفي الحديث { الدعاء مخ العبادة } ))
الشرح : وفي الحديث { الدعاء مخ العبادة } وفي الحديث الآخر { الدعاء هو العبادة } معناهما واحد ، مخ الشيء خالصه ، الدعاء لأن العبد إذا دعا الله لجأ إليه واعترف بفقره وغنى ربه من هنا يكون الدعاء خالص العبادة ومخ العبادة وهو العبادة وحده .
قوله : ((والدليل قوله تعالى : ( وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ( [ غافر : 60 ] ))
الشرح : وقوله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ( ( إن الذين يستكبرون عن عبادتي ( سمى الدعاء عبادة أي إن الذين يستكبرون عن الدعاء إما تكبراً أو إعراضاً سيدخلون جهنم داخرين صاغرين كما تكبروا ولم يخضعوا لله تعالى وحده واشركوا معه غيره .
قوله : (( ودليل الخوف قوله تعالى : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( [ آل عمران : 175 ] ))

(1/37)


الشرح : ودليل الخوف قوله تعالى : ( فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ( شرطٌ وجواب ( إن كنتم مؤمنين ( هذا شرط ، والجواب إما متقدم أو محذوف يدل عليه المتقدم ، (وخافون ( هو الجواب للشرط عند من يجيزون تقديم الجواب على الشرط وهم البصريون وبعض الكوفيين وعند غيرهم ، الجواب محذوف يدل عليه ما قبله إن كنتم مؤمنين فخافون ، والمعنى واحد لابد من أخذ الآية بمنطو قها ومفهومها ، المنطوق إن كنتم مؤمنين خافونِ ، والمفهوم من لم يخف الله ويفرده بالخوف منه ليس بمؤمن ، وقد سبق أن فصلنا الكلام في الخوف ، وهذا الخوف خوف عبادة كخوف السر ، أما الخوف الطبيعي كأن يخاف الإنسان عدوه الذي هو أقوى منه ويخاف من النار ويخاف من الأسد وهذا الخوف خوف طبيعي لا خوف عبادة ، الخوف الذي هو يعتبر شركاً إذا صرف لغير الله تعالى كأن تخاف من مخلوق خوف السر أي لا تخاف من ضربه وبطشه ، ولكن تخاف من أن يؤثر عليك بسره بكرامته كما يسمون وهذا هو الشرك الأكبر وهذا المعنى يقع فيه كثير من عوام المسلمين الذين يتربون في أحضان المتصوفة الذين يربون الناس على الإعراض عن الله والخوف من عباد الله ويجعلون أنفسهم وسطاء بين العباد وبين رب العباد ويحثونهم أن يخافوا من المشايخ ويرجونهم ويتملقوا لهم وليس عليهم شئ بعد ذلك هم أهل الجنة طالما يخلصون الخوف والرجاء والرغبة للشيخ فهو من أهل الجنة يدعوه إلى الكفر ثم يعده بالجنة تناقضات عجيبة .
قوله : (( ودليل الرجاء قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ( [ الكهف : 110 ] ))

(1/38)


الشرح : ودليل الرجاء قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ( كأن يرجو غير الله مع الله كما تقدم في الكلام السابق ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ( بعد الموت بعد البعث من يرجو لقاء ربه ، ويؤمن بلقاء ربه ( فليعمل عملاً صالحاً ( العمل الصالح العمل الموافق للسنة إذا كان صالحاً وكان خالصاً نفعك . الصالح العمل المقيد بالسنة الخالص ما أردت به وجه الله لذلك قال : ( ولا يشرك بعبادة ربه ( بما في ذلك الرجاء ( لا يشرك بعبادة ربه أحداً ( لأن الله هو الذي بيده كل شئ فليخلص الرجاء لله سبحانه وتعالى .
قوله : (( ودليل التوكل قوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( [ المائدة : 23 ] وقال تعالى : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( [ التحريم : ] ))
الشرح : ودليل التوكل قوله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( هنا في جواب الشرط يقال ما تقدم أي جواب الشرط إما متقدم أو محذوف ( فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ( لك أن تقول إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على أن جواب الشرط محذوف دل عليه ما تقدم أو فتوكلوا المتقدم هذا هو جواب الشرط والمعنى واحد ، التوكل على الله هو الاعتماد القلبي ، التوكل عمل قلبي لا يكون التوكل إلا على الله لا يجوز الاعتماد في هدايتك في صلاحك وصلاح ذريتك وصلاح شؤونك ، لا يجوز الاعتماد إلا على الله مطلقاً والاعتماد على بعض الأسباب بالقلب نوع من الشرك مزاولة الأعمال ومباشرتها مشروع ، ولكن الاعتماد على تلك الأسباب من الشرك ، الاعتماد على الله وحده .
قوله : ((ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ( [ الأنبياء : 90] ))

(1/39)


الشرح : ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى وهو يصف بعض الأنبياء : ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ( ( وزكريا إذ نادى ربه رب لاتذرني فرداً وأنت خير الوارثين ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى أصلحنا له زوجة إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ( ( من صفات الأنبياء والصالحين أنهم يدعون الله رغبة ورهبة ( كانوا يدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين ( ، وكانوا لنا خاشعين بأسلوب الحصر وأين الحصر ؟ تقديم المعمول على العامل يفيد الحصر أين العامل ؟ وأين المعمول ؟ في الذي تقدم حيث في قوله : ( وكانوا لنا خاشعين ( حصر وقصر لتقدم المعمول على العامل ، والعامل هو الأفعال والمشتقات من الأفعال هي التي تعمل والمعمول الفاعل معمول والمفعول به معمول والظرف معمول والجار والمجرور معمول ، والمعمول في الآية المتقدم هو الجار والمجرور [ لنا ] ، لنا معمول لخاشعين ، وخاشعين هو العامل والتقدير كانوا خاشعين لنا ، ولو عبر بهذا التعبير في غير القرآن مثلاً وقلنا وكانوا خاشعين لنا لا يفيد المعنى الذي يفيد عند التركيب كانوا خاشعين لنا لا يمنع أن يكونوا خاشعين لغيرنا ولكن إذا قال وكانوا لنا أي لنا وحدنا خاشعين لا يخشون لغيرنا ، هكذا يفيد تقديم المعمول على العامل أي تقديم الجار والمجرور [ لنا ] على الخاشعين ، والخاشعين من حيث الإعراب خبر كان الواو اسمها وخاشعين خبرها ، ولكن خاشعين تعمل لأن الجار والمجرور متعلق بخاشعين .
قوله : ((ودليل الخشية قوله تعالى : ( فلا تخشوهم واخشون ( [ البقرة : 150] ))
الشرح : ودليل الخشية قوله تعالى : (فلا تخشوهم واخشوني ( في دليل ونهي عن خشية غير الله بل تكون الخشية لله ، والخشية بمعنى الخوف وقد تقدم التفصيل في الحوف وهو نفس التفصيل في الخشية .
قوله : ((ودليل الإنابة قوله تعالى : ( وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له ( [ الزمر : 54 ] ))

(1/40)


الشرح : ( وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له ( الإنابة الرجوع والتوبة إلى الله وتسليم الأمر لله كل ذلك لا يكون إلا الله .
قوله : (( وفي الحديث : { إذا استعنت فاستعن بالله } ))
الشرح : ودليل الاستعانة قوله تعالى : ( إياك نعبد وإياك نستعين ( فرق بين إياك نعبد ونعبد إياك ، فرق بين إياك نستعين ونستعين إياك ، تقديم المعمول الذي هو إياك في الفعلين يفيد الحصر ، إياك وحدك نعبد لا نعبد غيرك ولا نعبد أحداً سواك وإياك وحدك نستعين لا نستعين إلا بك ، وتقدم التفصيل في الاستعانة يجوز للإنسان أن يستعين بغير الله فيما يقدر عليه ، ذلك الغير كأن يطلب منه أن يعينه على رفع متاعه على دابته أو على سيارته أو رفع سوط له سقط على الأرض كل هذا جائز ، ومثل أن يرفع له القلم وغير ذلك من الأمور المعروفة . وفي الحديث { إذا استعنت فاستعن بالله } فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وإذا استغثت فاستغث بالله .
قوله : ((ودليل الاستعاذة قوله تعالى : ( قل أعوذ برب الناس ( [ الناس : 1 ] ))
الشرح : ودليل الاستعاذة قوله تعالى : ( قل أعوذ برب الناس ( ، الاستعاذة بمعنى اللجوء والالتجاء ، قد يلتجأ الإنسان إلى غير الله فيما يقدر عليه في ذلك كأن يلتجأ إلى عظيم من العظماء ليحميه من عدوه ويدخل بلده أو يمر في بلده ، ومثل هذا جائز .
قوله : ((ودليل الاستغاثة قوله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ( [ الأنفال : 9 ] ))
الشرح : ودليل الاستغاثة قوله تعالى : ( إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم ( وهذا واضح .
قوله : (( ودليل الذبح قوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ( [ الأنعام : 162 ـ 163 ] ،ومن السنة : { لعن الله من ذبح لغير الله } ))

(1/41)


الشرح : ودليل الذبح قوله تعالى : ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ( الشاهد ونسكي ، النسك هو الذبح ويتقرب العبد بالنسك لله سبحانه وتعالى كالذبح يوم العيد بذبح الهدي والأضحية ، وكذلك السنة المشروعة في العقيقية هذه من أنواع الذبائح التي تعتبر عبادة ولو ذبح شاة لأولاده أو لضيوفه لا يعتبر ذلك عبادة أي ليس كل ذبح عبادة إنما الذبح الذي يقصد به التقرب لا يكون إلا لله .
ما معنى صرف الذبح لغير الله تعالى ؟ وهذا شئ معروف لدا جمهور عوام المسلمين إلى يومنا هذا كثير منهم إذا سافر أو رجع من السفر بالسلامة ولا سيما في سفر الحج بادر بكبشة إلى الشيخ إما يذبحه في بيته باسم الشيخ ومحبة للشيح وتقرباً إلى الشيخ أو يأخذه إلى ضريحه فيذبحه عند الضريح مما زاد الطين بله ، وهذه الذبائح لا يحل أكلها ولو قال عند قطع الرقبة باسم الله طالما تقرب بهذه الذبيحة إلى غير الله التلفظ بالبسملة كلمة جوفاء يقولها عند قطع الرقبة بسم الله لا تفيده لأنها لا تفيده لأنها إنما ذبحت لغير الله فليفهم هذا جيداً ، ومن تقرب بذبيحة من الذبائح سواء ذبحها في بيته أو عند قبر الشيخ طالما أخذ ونوى التقرب بهذه الذبيحة إلى غير الله تعالى فهي جيفة ميته
ومن السنة : { لعن الله من ذبح لغير الله } الذبح لغير الله لا يستشكل إلا كثيراً في شبابنا الذين نشأوا في الإسلام ولا يعرفون شيئاً من ذلك ، لكن من يصغي إلى الخارج وما الذي يجري في كثير من الأقطار أن أكثر التقرب إلى المشائخ بسببه .
قوله : ((ودليل النذر قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً ( [ الإنسان : 7 ] ))

(1/42)


الشرح : ودليل النذر قوله تعالى : ( يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً ( النذر عبادة غريبة بمعنى لم يحث الشارع على النذر بل حث على عدم النذر { إن النذر لايأتي بخير } وإنما شيء يخرج الله به من يد البخيل ، البخيل الذي لا يتصدق يخرج الله من يده بالمرض مثل أن يمرض أو يمرض ولده فيقول : إن شفى الله مريضي أو إن رد الله علىّ ظالتي أو نجح ابني في الدور الأول أذبح لله تعالى كبشاً أطعم الفقراء كان بخيلاً لا يجود ، لكي يذبحه ويطعم به الفقراء أخرج الله من يده هذا الكبش بهذا النذر إذاً النذر لا يأتي بخير ووجه غرابته وندارته ومخالفته لسائر العبادات لم يحث الشارع على النذر ولكن أوجب الوفاء من نذر وجب عليه الوفاء { من نذر أن يطيع الله فليطعه } ، لكن ابتداء ليس محل الحث ، ولكن عند الإيفاء واجب ايفاء النذر .
قوله : ((الأصل الثاني : معرفة دين الإسلام بالأدلة وهو : الاستسلام لله بالتوحيد ))

(1/43)


الشرح : قال المؤلف رحمه الله : الأصل الثاني معرفة دين الإسلام بالأدلة وهو الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والخلوص من الشرك ، تعريف الإسلام : هو الاستسلام لله تعالى بالتوحيد ، بمعنى إذا ذكر الإسلام وحده هكذا يدخل معه إيمان القلب ، الإسلام والإيمان إذا ذكرا معاً يفرق بينهما في المعنى كما في حديث جبرائيل يفسر الإيمان بأعمال القلوب ويفسر الإسلام بأعمال الجوارح ، ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل معه الإيمان ، وإذا ذكر الإيمان وحده دخل معه الإسلام ، لذا يقول الإمام محمد بن عبد الوهاب هنا : الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد أول شيء الاستسلام لله بالتوحيد وبالأفراد ، إفراد الله تعالى بالعبادة يعتبر إسلاماً ويعتبر إيماناً ، كما تفرد الله سبحانه وتعالى بأفعاله بالخلق والرزق والإحياء والاماته والاعطاء والمنع يجب إفراده سبحانه وتعالى بأفعال العباد بالدعاء والاستغاثة والنذر وغير ذلك من الأمور التي تقدم ذكرها هذا يسمى إسلاماً ويسمى إيماناً ، والانقياد له بالطاعة أشار هنا إلى أفعال الجوارح ، الاستسلام له بالتوحيد أعمال القلوب لأن أصل التوحيد ينبعث من الإيمان في القلب لذلك العقيدة جانب مهم من الإيمان ومن يدعي الإيمان وهو لا يحقق العقيدة إيمانه دعوى لأن العقيدة الجانب المهم من الإيمان لأن الإيمان اعتقاد بالقلب وعمل الجوارح ونطق باللسان ، الاعتقاد بالقلب هو الذي يسمى عقيدة وهو الإيمان لذلك ليست العقيدة مادة خاصة يدرسها طلاب العلم المنتسبون إلى الجامعات والمعاهد بل العقيدة علم لايستغنى عنها أي مسلم ومسلمة .
قوله : (( والانقياد له بالطاعة ))

(1/44)


الشرح : والانقياد له بالطاعة ، طاعة الله تعالى وطاعة الرسول( فرسول الله له الطاعة المطلقة غير المقيدة ، وطاعة غيره من المخلوقين مقيدة كطاعة ولاة الأمور وطاعة الوالدين هذه مقيدة ، أما طاعة الرسول ( طاعة مطلقة ( أطيعوا الله وأطيعوا والرسول ( ، عطف طاعة الرسول ( على طاعة الله تعالى وأعاد الفعل ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( وعند ذكر أولي الأمر لم يعد الفعل ، لأن طاعتهم تابعة لطاعة الله تعالى وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام أما إذا أمر الرسول أو نهى لا نبحث أو موجود ذلك في الكتاب نطيعه طاعة مطلقة ولو لم يرد المأمور به على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام في القرآن ولو لم يرد المنهي عنه على لسان الرسول ( في القرآن وجبت علينا طاعته هذا هو معنى الطاعة المطلقة وأمثلة ذلك يعرف من يدرس الأحكام الفقهية لأن في الأحكام أحكام جاءت في الكتاب وهناك أحكام انفردت بها السنة ولا فرق بينهما كذلك في باب الأسماء والصفات ، صفات اتفقت عليها نصوص الكتاب والسنة وصفات جاءت في السنة فقط ولم يأتي ذكرها في الكتاب لانتوفق عند تطبيقها على ورودها في الكتاب وهذه نقطة مهمة يجب أن يعلمها طلاب العلم لألا يظنوا أن السنة قد لا تنفرد بل السنة قد تنفرد ، السنة تأتي موافقة وتأتي مؤسسة وتأتي مؤكدة .
قوله : (( والبراءة من الشرك وأهله ))
الشرح : الخلوص من الشرك لأن التوحيد إذا لم يكن خالصاً لله لا يقبل كذلك الطاعة إذا لم تكن خالصة لله لاتقبل لأن الله أغنى الشركاء كما أخبر عن نفسه في الحديث القدسي : { أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه } ، الأعمال لاتقبل إلا إذا كانت خالصة ، والتوحيد لا يقبل إلا إذا كان خالصاً إذاً الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة ، والبراءة من الشرك وأهله وأن يكون ذلك خالصاً لله تعالى هذا هو الإسلام وهذا هو الإيمان .

(1/45)


قوله : ((وهو ثلاث مراتب : الإسلام ، والإيمان ، والإحسان ))
الشرح : ثم قال الشيخ رحمه الله : وهو ثلاث مراتب ، وهو الدين الضمير يعود على الإسلام ، وهو أي الدين الإسلامي الذي جاء به الرسول ( ثلاث مراتب : المرتبة الأولى : الإسلام ، والمرتبة الثانية : الإيمان ، والمرتبة الثالثة : الإحسان . والإسلام أوسع لأن الإسلام هو الاستسلام الظاهري قد يدخل فيه إسلام المنافقين والإيمان أضيق وأخص لأن الإيمان لابد أن يكون هناك تفريق في القلب زيادة على الإسلام الظاهري ، والإحسان أدقهما أي الإحسان الإتقان المحسنون خلص المؤمنون إذا وصل الإنسان إلى درجة الإحسان كان مسلماً مؤمناً إزداد زيادة بزيادة الأعمال حتى قوي إيمانه وارتقى وقوي ووصل إلى درجة من شدة مراقبة الله تعالى أنه يعبد الله كأنه يشاهده تؤثر فيه مراقبة الله ومحبة الله وخشية الله إلى درجة أنه يعبده كأنه يراه فيشاهدة إيماناً منه بأنه يطلع عليه الله دائماً وأبداً فالله يراه ويسمعه ويعلم منه كل شيء ، الوصول إلى هذه الدرجة ليست بالحكاية كما نحكي ، ولكن بالعمل ، وقل من يصلون إلى هذه الدرجة ، درجة الإحسان لا يصل المرء إلى هذه الدرجة إلا بالعلم واليقين والصبر لذلك نحث شبابنا الطبيين الذين يرغبون كثيراً في الجهاد ويقولون في هذه الأيام ما العلم وما العلم ، الجهاد الجهاد ، نصيحتنا لهم هذا غرور وخديعة شيطانية أيما فكرة وأيما جماعة وأيما شخص يحثك على ترك العلم والاندفاع إلى الجهاد يزين لك ما ظاهره عملاً صالحاً وليس بصالح لاتعرف درجة المجاهدين ولاتصل إلى درجة المجاهدين ودرجة الإحسان والقرب من الله إلا بالعلم . العلم هو الطريق قد يزين لك بعض الناس الجهاد وتنقطع عن العلم فتمر سنة سنتين الجهاد الجهاد لا جاهدت ولا تعلمت ، هذا واقع كثيرٌ من الشباب تزيين من الشيطان اجتهد في تحصيل العلم وفي بعض الفرص اذهب فجاهد تدرب أولاً وتعلم ثم جاهد هكذا يفعل كثيرٌ من

(1/46)


الشباب المخلصين الذين نرجو أن يكونوا مخلصين وهم يجاهدون من وقتٍ لآخر في صمت تام ، دون جعجعة ، أما اتخاذ الجهاد شعاراً أجوف ـ الجهاد الجهاد ـ هكذا كان يفعل بعض الناس ولما اندلعت الحرب في أفغانستان وقام الجهاد انكشفوا تلك ظاهرة حقيقية لا يعلمها إلا المجربون ، واسألوا المجربين ، لا تتخذوا الجهاد شعاراً أجوف الجهاد عمل صالح ذروة سنام الإسلام ليس معناه ألفاظ جوفاء ومظاهرات وإعلانات لا ، جاهد في سبيل الله سراً اذهب حيث يوجد الجهاد فجاهد وأنت صامت لا يعلم ذلك إلا الله .
قوله : (( كل مرتبة لها أركان ))
الشرح : وكل مرتبة لها أركان ، فأركان الإسلام خمسة أخذاً من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ( : { بني الإسلام على خمس شهادة أن لاإله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام } خذ الشيخ من هذا الحديث فقال أركان الإسلام خمس شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، الشهادة الإعلان والنطق باللسان ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام .
قوله : ((فأركان الإسلام خمسة : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت ،فدليل الشهادة قوله تعالى : ( شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم ([ آل عمران : 18 ] ))
الشرح : فدليل الشهادة قوله تعالى : ( شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وألوا العلم قائماً بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم ( الله سبحانه وتعالى شهد لنفسه بالتوحيد ، وشهدت له الملائكة وشهد له المؤمنون .

(1/47)


قوله : ((ومعناه : لا معبود بحق إلا الله )) معناها لا معبود بحق إلا الله ، وتقدير لا معبود بحق أمر ضروري ومن يقول لا معبود إلا الله دون تقدير إما بحق أو حق يخطئ لا يفهم معنى لا إله إلا الله لأن معنى ذلك ينفي وجود المعبودات مطلقاً وهذا خلاف الواقع ، المعبودون موجودة في كل وقت ، ولكن المعبود بحق هو الله وحده هذا معنى أن الشهادة تشتمل على الكفر والإيمان ـ الكفر بما يعبد وبمن يعبد من دون الله ، والإيمان بعبادة الله وحده لا معبود بحق إلا الله وحده وأما من عبد وما عبد منذ أن عبدت الأصنام والأوثان إلى يوم الناس هذا عبادتهم باطلة وهم في اللغة يطلق عليهم آلهة كلها آلهة ، والعرب كانت تسميهم آلهة والناس اليوم لما جهلوا اللغة [ لا ] يسموهم آله ، يسمونهم مشايخ والصالحين والأولياء والأضرحة والمقامات أسماءٌ مغيرة فهي آله ، كل ما عبد من دون الله ولو حجراً أو شجراً أو شيطاناً أو ولياً لا فرق أي لا فرق بين أن يعبد الإنسان صالحاً أو يعبد شيطاناً أو طالحاً كلها آلهة بالباطل لا تستحق العبادة ولو كانوا من الصالحين .
قوله : (( ( لاإله ) نافياً جميع ما يعبد من دون الله ))
الشرح : قال الشيخ رحمه الله : ( لاإله ) نافياً أي لاإله حال كونك نافياً ، نافياً حال ، نقول أيها الموحد لاإله نافياً جميع ما يعبد من دون الله من الصالحين والطالحين والجمادات والمتحركات كلهم عبادتهم باطلة ، مثبتاً تقول ( إلا الله ) أي تقول إلا الله مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته وقد تقدم ذكر أنواع العبادة بالتفصيل فلا داعي للإعادة كما أنه ليس له شريك في ملكه هذا استدلال من الشيخ أخذاً بطريقة القرآن التي تقدمت الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد العبادة .
قوله : (( ( إلا الله ) مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته كما أنه لآشريك له في ملكه ))

(1/48)


الشرح : قال رحمه الله : لا شريك له في عبادته كما أنه لا شريك له في ملكه لا أحد يستطيع أن يقول له [ إنه ] شريك في ملكه ، خلق معه يرزق معه .
قوله : (( وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه أنني برآء مما تعبدون (إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ( [ الزخرف : 26 ـ 28 ] ))
الشرح : وتفسيرها الذي يوضحها يريد أن يقول الشيخ : هذه الكلمة تفسرها آيات قرآنية كثيرة وذكر منها بعضها تفسير لاإله إلا الله في القرآن آيات قرآنية تفسر لاإله إلا الله ومنها قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون ( إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ( ( هذه الأمة هي معنى لاإله إلا الله حتى في الترتيب ( إنني برآء مما تعبدون ( تقابل لاإله ، ( إلا الذي فطرني ( تقابل إلا الله فقدم البراءة قبل الإثبات والإيمان ( فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ( وهذه الآية من عقب إبراهيم عليه السلام لأنه أبو الأنبياء فبقيت الكلمة في جميع الأنبياء وفي آخر الأمة هذه الأمة بقيت كلمة لاإله إلا الله بمعناها ومن الآيات التي تفسر لاإله إلا الله .
قوله : (( وقوله تعالى : ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ( [ آل عمران : 64 ] ))

(1/49)


الشرح : قوله تعالى : ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبدوا إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ( ، ألا نعبد إلا الله بمعنى لاإله إلا الله ولا نشرك به شيئاً أي وحده وهي كلمة لاإله إلا الله تماماً . ( ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ( من أطاع العلماء أو المشايخ أو المتبوعين أو حتى مشايخ القبائل من أطاعهم في سوالفهم الجاهلية البدوية في التحليل والتحريم فقد اتخذهم أرباباً من دون الله لا تظنون عندما نقول الكفر بغير ما أنزل الله كفرٌ أن المراد بأن غير ما أنزل الله القوانين المستوردة من الخارج فقط لا ، ولو حكم الإنسان بالعادات والتقاليد والسواليف المحلية في التحليل والتحريم لفرق بين ذلك وبين القوانين المنظمة التي تستورد من الخارج من الشرق والغرب طالما صدر الحكم بغير ما أنزل الله فهو حكم جاهلي فهو كفر قد يقع أهل البادية في كثير من الأقطار في التحليل والتحريم بسوالفهم من حيث لا يشعرون ويقعون في الحكم بغير ما أنزل الله في بعض الأقطار مثلاً الإرث خاص بالرجال وفي بعضهم الإرث للولد البكر فقط هو الذي يرث الأب المال كله له وفي بعض الأقطار تحليل بنت العم وبنت الخالة وبنت العمة جائزة ، وهكذا تجد سواليف وعادات تحرم وتحلل ومشايخ القبائل هم الذين يحكمون في ذلك على جهل وإعراض عما جاء به الرسول ( كل ذلك حكم بغير ما أنزل الله ومن الطواغيت . ( ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ( .
قوله : (( ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ( [ التوبة : 128 ] ))

(1/50)


الشرح : قال المؤلف رحمه الله تعالى : ودليل شهادة أن محمداً رسول الله قوله تعالى : ( لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم …الآية( ، رسولٌ من أنفسكم يختلف علماء التفسير هل الخطاب للعرب أو لجميع المسلمين ؟ الجمهور أن الخطاب للعرب لأنهم أول من وفد عليهم الإسلام وهم يعتبرون أساتذة لغير المسلمين لغير العرب أي المسلمون من غير العرب تابعون للعرب لذلك إذا عز العرب وتمسكوا واهتدوا الناس تبعٌ لهم وإذا انحرفوا الناس تبعٌ لهم أيضاً في الانحراف وهذا واقع . ( لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم ( من جنسكم ليس بملك ولا بجني ولو كان كذلك لاستوحشتم منه ، ولكن رحمه منه سبحانه وتعالى ولإقامة الحجة عليكم جعله منكم يتكلم بلغتكم تعرفون من هو وأبن من هو ، ومن أي قبيلة ومن أي بلد تعرفون منه كل شيء ( عزيزٌ عليه ما عنتم ( يعز عليه ما يوقعكم في العنت ، ( حريصٌ عليكم ( حريص على هدايتكم وعلى إيمانكم وعلى استقامتكم ، ( بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ( قدم الجار والمجرور بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ، وأما بالنسبة لغير المؤمنين فالرسول ( ( والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ( إنما هو رحمة للمؤمنين ، بالمؤمنين رؤوف رحيم بالمؤمنين فقط دون غيرهم نأخذه من تقديم المعمول على العامل كما تقدم . ( بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ( وصف نبيه عليه الصلاة والسلام بأنه رؤوفٌ رحيم ، الله سبحانه وتعالى رؤوفٌ رحيم وكيف ذلك ، وهل المخلوق يوصف بصفات الخالق ؟ بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم ، بغلام عليم ،بغلام حليم ، كثيرٌ من الناس يلتبس عليه ذلك فلتعلموا أن الاشتراك باللفظ وفي المعنى العام لا يضر والأمر لابد منه الاشتراك باللفظ كالرحمة والرأفة والعلم والسمع والبصر ، والسمع والبصر من أعظم صفات المخلوقين وهي من صفات الخالق صفات ذاتية . س / فهل ضر ذلك وهل أوقع ذلك في التشبيه والتمثيل ؟

(1/51)


جـ / لا . لأن سمع الله غير سمع المخلوق أي حقيقة سمع الله غير حقيقة سمع المخلوق ، حقيقة بصر الخالق غير حقيقة بصر المخلوق . كذلك حقيقة علم الله ورحمته ورأفته وملكه [ وعزته ] وعظمته كثيراً ما يستنكر بعض الناس .
س / لماذا يسمى المخلوق ملك ؟ جـ / الله سبحانه وتعالى هو الذي يعطي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء الملك أو المالك كالعالم والسميع والبصير هذه الأسماء إطلاقها على المخلوق لا يوقع في التشبه وباختصار الاشتراك إنما يقع قبل أن تضاف الصفات إلى الموصوفين قبل أن تضاف صفات الخالق إلى الخالق وصفات المخلوق إلى المخلوق وهذا يسميه علماء الكلام ( المطلق الكلي ) ، والمطلق الكلي عندهم لاوجود له إلا بالذهن أما في الخارج لا يوجد كل ما يوجد في الخارج يوجد خاصة هل تتصور علماً قائماً هكذا ليس علم زيد ليس علم خالق ولا علم مخلوق ، علمٌ قائم بنفسه لاوجود له هذا يسمى ( المطلق الكلي ) الذي لا وجود له ،في الخارج إلا أن الذهن يتصور ذلك العلم لكن إذا أضيف علم الله إلى الله وسمع الله إلى الله وبصر الله إلى الله وعلم المخلوق إلى المخلوق وسمعه وبصره ورحمته لا اشتراك لأن الإضافة خصصت ، إذا قلت علم الله علم خاصٌ بالله بمواصفاته علم محيطٌ بجميع المعلومات علمٌ لم يسبق بجهل ، علمٌ لا يطرأ عليه غفلة أو نسيان علمٌ قديم قدم الذات هل علمٌ كهذا ، هل يمكن أن يشترك فيه مخلوق ؟ لا ، إذاً اختص بالله إذا قلنا علم زيد ، فعلم زيد علم مكتسب مسبوق بجهل قاصر غير محيط بجميع المعلومات فالله منزه أن يشارك المخلوق في مواصفات وحقائق وخصائص علم المخلوق وهذه النقطة مهمة وهي سبب ‘انزلاق علماء الكلام لما لم يستطيعوا التفريق إلا بتصور صفات الحق إلا كما يتصور صفات المخلوق إذاً فصفات الخالق كصفات المخلوق ومنهم من قالوا إذا أردنا الحق ننفي الصفات، نثبت ذاتاً مجردة ليست موصوفة بصفات انزلقوا جميعاً وهدى الله أتباع محمد ( الذين

(1/52)


اقتدوا به وبأثره وسنته وبما جاء به ولم يلتمسوا الحق في غير كتاب الله ولم يلتمسوا الهدى في غير سنة رسول الله ( هداهم الله وأثبتهم على هذه الجادة ولله الحمد والمنة .
قوله : (( ومعنى شهادة محمداً رسول الله طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ))
الشرح : ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر ، فيما إما تعتبرها مصدرية أو تعتبرها موصولة ، وتفيد العموم في كل ما أمر وكل ما أخبر يجب طاعته .
قوله : (( واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ))

(1/53)


الشرح : هذه الفقرة الأخيرة وهي قوله : واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وان لا يعبد الله إلا بما شرع مهمة جداً ، لأن كثيراً من الناس قد يطيع الرسول ( ولا يكذبه وقد ينتهي عن كثيرٍ من المنهيات ويتمثل الأمر لكن عند عبادة الله تعالى لا يتقيد بما جاء به النبي ( [ من هنا ] يقع في الابتداع يعبد الله ويتخبط في عبادته لا يتقيد بالسنة عبادة ، عبادة ، مثال ذلك تجد بعض الناس يركعون في أوقات النهي نوافل مطلقة أو يزيد عدة ركعات بعد أذان الفجر إذا قلت له يا أخي لا يشرع إلا ركعتي الفجر بعد الأذان وفي مثل هذا الوقت الصلاة منهيٌ عنها يقول : لا ، هذه لله كلها لله والعبادة التي لاتقبل إلا على الجادة لا يفهم هذا ما دام هذه صلاة فيها ركوع وسجود وتمشي في أي وقت وكيف جاءت وهذا من الجهل ،وأن لا يعبد الله إلا بما شرع .يقول العلامة أبن القيم رحمه الله : الإنسان الذي يعبد الله بغير السنة ـ أي غير متقيد بالسنة ـ كالذي يحمل جراباً ملئ رملاً حمله على رأسه فسافر به فإذا وصل إلى حيث شاء وفتح الجراب ماذا يرى ؟! يرى رملاً ، ـ لا يرى سكراً ولا أرزاً ولا طعام ماذا يفعل ـ ولما وصل لم يتمكن من الاستفادة من الجراب الذي حمله على رأسه كذلك من يكثر من العبادة على جهل دون تقيد بهدي محمدٍ عليه الصلاة والسلام إذا وصل يوم يصل ويجد أنه لاشيء عنده ما عنده شيء لا يقبل وكيف يقبل ؟! وهل بعث الله محمداً عليه الصلاة والسلام عبثاً ؟ بعثه إلينا لنتبعه لنسير إلى الله على طريقته ليقودنا إلى الله ، أما إذا تركنا قيادته وفتحنا لنا الطرق من هنا ومن هنا تركنا الجادة وسلكنا بنيات الطريق ، النهاية الضياع لم يعرف مكانة السنة إلا أمثال هؤلاء وأما كثيرٌ من العباد على جهل وخصوصاً الذين تربوا في أحضان المتصوفة لا يعرفون مكانة السنة يحسبون أن السنة صحيح البخاري وصحيح مسلم يقرءان للتبرك في رمضان يختم في بعض المساجد صحيح البخاري في شهر رمضان سرداً

(1/54)


ويخرج الطلاب ويقرءون على الشيخ ، والشيخ يهز برأسه ، وهكذا حتى يختم ويعملون حفل على ختم البخاري تبركاً لم يستفيدوا حكماً واحداً لاحكماً فقهياً ولا عقيدة من ما في هذا الكتاب العظيم صحيح البخاري ، يخرجون صفر اليدين ، وأمثال هؤلاء لا يعرفون مكانة السنة هذه هي السنة عندهم نسأل الله لنا ولكم السلامة .
قوله : (( ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( [البينة: 5 ] ))
الشرح : ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد قوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( مائلين من الشرك إلى التوحيد وإلى الإخلاص أمروا بهذا جميع الناس جميع العباد وليقيموا الصلاة وليؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ، الدين المستقيم الطريق الموصل إلى الله أن تخلص لله في العبادة وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وفي ذلك بالا خلاص واتباع السنة .
قوله : (( ودليل الصيام قوله تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( [ البقرة : 183 ] ))
الشرح : ودليل الصيام قوله تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام ……….. الآية ( من أين نأخذ الوجوب ؟ لفظة كتب وعليكم تفيد الوجوب أن الله أوجب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم ، أما الذين قبلنا كيفية صيامهم لا نعلم إنما نشترك في الحملة في وجوب الصيام علينا ، نعلم صيامنا بالتفصيل ، ولكن صيام من قبلنا لا نعلم بالتفصيل .
( كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ( أي لكي تتقون لكي يكون الصيام وقاية بينكم وبين عذاب الله وغضبه لأن الصيام يكون سبباً للتقوى لأنه يترك لله شهواته من أجل الله لذلك أضاف الله الصيام إلى نفسه { كل عمل ابني آدم له إلا الصيام فإنه لي } إضافة عظيمة .

(1/55)


قوله : ((ودليل الحج قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غنيٌ عن العالمين ( [ آل عمران : 97 ] ))
الشرح : ودليل الحج قوله تعالى : ( ولله على الناس حج البيت ( نأخذ من لفظة ( على ) الوجوب وهذه الآية عند كثير من أهل التفسير نزلت في السنة التاسعة من الهجرة أي أوجب الله علينا الحج في السنة التاسعة من الهجرة النبوية فبادر النبي عليه الصلاة والسلام بالتطبيق بأن مهد لحجه في العام العاشر بإرسال وفد قبل مكة ويعلن في مكة أن حج النبي ( في العام المقبل في السنة العاشرة .
( من استطاع إليه سبيلاً ( فمعنى الاستطاعة عند الفقهاء : الزاد والراحلة ، وإن كان الحديث فيه مقال ولكن معناه صحيح تشهد له نصوص الكتاب والسنة ( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ( قد يستدل بعض الناس على أن ترك الحج مع الاستطاعة كفر ولكن الذي عليه الجمهور إن هذا كفرٌ عملي وليس كفراً إعتقادياً أي من ترك الحج مع الاستطاعة يأثم إثماً كبيراً وتثبت مصاريف الحج في تركته فتخرج مصاريف الحج من تركته ولم يصل إلى الشرك الأكبر ولا يصل إلى الشرك الأكبر إلا بالجحود طالما يؤمن بوجوبه ، إذا قصر فيكون كفره كفرٌ دون كفر .
قوله : ((المرتبة الثانية : الإيمان ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله : الإيمان . الإيمان كما تقدم أضيق من الإسلام والذي بعده الإحسان أضيق بأكثر يجب أن نقف عند الإيمان لنعرف اختلاف أهل العلم في حقيقته ، الإيمان ليتبين لنا أننا بحاجة إلى تحقيق الإيمان نفسه ، الإيمان الذي هو كل شيء عندنا لم يسلم من الاختلاف .

(1/56)


س / ما هو الإيمان ؟ جـ / أ ـ الإيمان عند بعض علماء الكلام مجرد المعرفة أي معرفة الله تعالى والكفر عندهم الجهل هذا ما ذهب إليه الجهم بن صفوان وعلى هذا لا يوجد كافرٌ إلا من هو جاهل ولا يوجد أجهل بالله من جهم بن صفوان لذلك يقال إنه حكم على نفسه بالكفر من حيث لا يشعر حيث قال : إن الإيمان هو المعرفة وان الكفر هو الجهل وإذا تتبعنا عقيدته نجده أجهل الناس
بالله إذاً هو كافرٌ بشهادة نفسه على نفسه ، الله سبحانه وتعالى في نظر جهم بن صفوان والجهمية لا يوصف لا بصفة ولا يسمى باسم أي وجود الله عز وجل عندهم وجود ذهني ليس له وجود خارجي الوجود المطلق لأن الموجود في الخارج لابد أن يوصف بصفة الذي لا يوصف بصفة هو العدم ، الموجود لابد له من صفة فإذا نفوا عنه جميع الصفات وجميع الأسماء شبهوه بالمعدوم الذي لا يوصف بأي صفة لأنه معدوم وعلى هذا جهم بن صفوان هو من أكفر الكافرين بشهادة نفسه على نفسه إذ الإيمان عنده المعرفة والكفر الجهل .
ب ـ القول الثاني : لأهل الكلام في الإيمان ، الإيمان هو التصديق فقط مجرد التصديق بالقلب بصحة ما جاء به رسول الله ( ولو لم ينطق باللسان ولو لم يقر بشهادة أن لااله إلا الله وان محمداً رسول الله طالما ادعى انه صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام فيما جاء به فهو مؤمن .

(1/57)


جـ ـ القول الثالث الإيمان هو التصديق والاقرار معاً أن يصدق بقلبه ويقر بلسانه هؤلاء جميعاً يقال لهم المرجئة ، ومرجئة الفقهاء أصل منبتهم من الكوفة لأن هذا القول بأن الإيمان هو التصديق أو التصديق والإقرار معاً قول الإمام أبي حنيفة وتبعه في ذلك جميع الكوفيين ثم انتقل هذا المذهب من والماترودية إلى الأشاعرة فصار الإيمان عند جمهور ألا شاعرة والماترودية هو التصديق وان توسعوا إلى التصديق والإقرار ، الإقرار محل خلاف عندهم ، القول الصحيح أن الإيمان عندهم التصديق وعلى هذا جميع الأعمال الإسلامية التي في الكتاب والسنة ليست من الإيمان في شيء عند هؤلاء أخرجوا الأعمال كلها من الإيمان هذا هو معنى الإرجاء ، الإرجاء معناه التأخير أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان لم يدخلوا الأعمال كلها في الإيمان بل الإيمان إما مجرد التصديق أو التصديق والإقرار هذا الذي عليه جمهور الأشاعرة وما أكثرهم وهو في الأصل عقيدة الماتريدية التابعين للإمام أبي حنيفة في هذه المسألة ، خالف الإمام أبو حنيفة الجمهور ، جمهور أهل السنة والجماعة بما فيهم الأئمة الثلاثة وغيرهم ، ولكن الذي ينبغي أن يفهمه طلاب العلم الإرجاء الذي هو عقيدة أبي حنيفة ومن تبعه غير إرجاء علماء الكلام لذلك يسمون هؤلاء مرجئة الفقهاء ، مرجئة أهل الكلام يرون أنه لا يضر مع الإيمان ذنبٌ ويرون أن الناس لا يتفاوتون في الإيمان وأن إيمان الأنبياء ومن بعدهم واحد لأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص عندهم حقيقة واحدة هؤلاء مرجئة أهل الكلام ولكن مرجئة الإمام أبي حنيفة ومن تبعه لا يصلون إلى هذه الدرجة وإن أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان وعلى كلٍ هذا المذهب خطأ ، الصواب هو ما عليه الجمهور لا لجمهرتهم وكثرتهم ولكن لكون الدليل من الكتاب والسنة ، كتاب الله يعد الأعمال من الإيمان كذلك السنة ، إذا قرأنا قوله تعالى في أول سورة الأنفال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم

(1/58)


وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ( الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( أولئك هم المؤمنون حقاً ( عد الله في هذه الآية أعمال القلوب وأعمال الجوارح من الإيمان ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ( هذا من أعمال القلوب ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ( من أعمال القلوب ( الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ( من أعمال الجوارح إذاً أعمال القلوب وأعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان وعلى هذا يكون التصديق تصديقاً خاصاً ، أخذ المرجئة الإيمان اللغوي الذي هو مجرد التصديق وأخطأوا في ذلك لأن المراد بالتصديق هنا هو التصديق الشرعي لا التصديق اللغوي المعنى اللغوي دائماً أعم وأشمل من المعنى الشرعي والإصلاحي ، في اللغة مجرد التصديق أي شيء صدقته يسمى إيمان ، وفي الشرع تصديق خاص ما جاء به النبي ( تصديقاً تصدقه الأعمال لأن تصديق القلب وإن لم يوجد دليلٌ على صحته يعتبر دعوى ومن ادعى أنه صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام في كل ما جاء به ثم ترك العمل لا يعمل شيء من أعمال الإسلام من صلاة وصيام وزكاة وحج وغير ذلك لا يعمل يقول أنا مؤمن لاني مصدق نقول له ائتني بالدليل على تصديقك القلبي ما الذي يصدقك أعمال الجوارح هي الذي تصدق ذلك التصديق وتشهد بصحته ذلك التصديق ومن ادعى بأنه مصدقٌ بقلبه بكل ما جاء به رسول الله ( ثم لا يعمل يقال له هذه دعوى والدعوى لابد لها من بينة فأين البينة ؟ البينة الأعمال لذلك يقول بعضهم : وإذا حلت الهداية قلباً نشطت في العبادة الأعضاءُ

(1/59)


فإذا كانت الأعضاء لاتعمل لا يصلي ولا يصوم ولا يأمر ولا ينهى ولا يجاهد ولا يطلب العلم [ يمشي ] هكذا مصدق لا يقبل مثل هذا التصديق وعلى هذا انتشر بين المسلمين هذا الإيمان الإرجائي لذلك لو أمرت إنساناً أو نصحته أو نبهته على ما فعل يقول لك الإيمان في القلب هنا الإيمان ويشير إلى قلبه ، والإيمان الذي هنا لو صح لظهر أثره في أعضائك وجوارحك ولست بصادق تترك الصلاة فيقال لك صلي فتقول لا ، الإيمان هنا في القلب ليس بصحيح وعلى هذا كيف تعالجون الذين يريدون يتنازعون الذين يحكمون بغير ما انزل الله تقولون لهم أنتم حكام غير مسلمين فيقول لك أنا مسلم لأني أقول لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأنا مصدق وأنت معي في هذا التعريف يحاجك لكن متى تستطيع أن تقنعه أنه ليس على الإسلام إذا عرفت الإيمان بالتعريف الصحيح ما هو الإيمان ؟ الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان ، والتصديق الذي في القلب يشهد على صحته النطق باللسان بقولك أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله يصدق كل ذلك وتصدق كل ذلك الأعمال ، والأعمال الجارية على السنة وعلى وفق ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام إذاً الإيمان مركب يتألف من أجزاء من تصديق بالقلب وعمل بالجوارح وقول باللسان ولهذا يشهد الكتاب والسنة وقد سمعنا من الكتاب الآية .
قوله : (( وهو بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لاإله إلا الله ))

(1/60)


الشرح : واسمع قول رسول الله ( :{ الإيمان بضع وستون شعبة ـ رواية البخاري ـ أعلاها قول لا إله إلا الله } جعل النطق باللسان من الإيمان واعلى درجات الإيمان هذا مما يذكر في فضل لا إله إلا الله هذه الكلمة ركن في الإيمان وركن في الإسلام وأفضل الذكر كلمة عظيمة إذا جئت تعدد الإسلام فهي الطليعة وإذا جئت تعدد شعب الإيمان فهي في المقدمة إذا جئت تعرف أفضل الذكر بعد القران فهي لا إله إلا الله كلمة عظيمة إذا فهم معناها وطبقت هكذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام : { الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها لاإله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق } ، وهنا يرد سؤال قال عليه الصلاة والسلام أعلاها لاإله إلا الله ولم يقل محمدٌ رسول الله فهل يكفي أن نقول أشهد أن لاإله إلا الله وكفى ؟
جـ / لا ، ولو لم يذكر الجزء الثاني كأنه مذكور لأن لا إله إلا الله محمد رسول الله كالجسم والروح لا يفترقان ، لا ينفع قول لا إله إلا الله بدون محمدٌ رسول الله أي الشهادة بالوحدانية لاتجزء ولا تنفع حتى تشهد بالرسالة ولو شهدت بالرسالة ما نفعت الشهادة حتى قبل ذلك بالوحدانية ، هما شيئان بالظاهر ولكنها شيء واحدٌ في الحقيقة إذ بينهما تلازم لا يفترقان لذلك إذا جاء في بعض الأحاديث ذكر لا إله إلا الله ولم يذكر شهادة أن محمد رسول الله كما في مثل هذا الحديث فليعلم أن ذلك اكتفاء بالمعلوم لأنه من المعلوم أن لا إله إلا الله وحدها لاتغني إلا بالإضافة محمد رسول الله ، وهي تسمى بجملتها كلمة التوحيد ، وكلمة الإسلام وكلمة الإيمان ومفتاح الجنة .
قوله : (( وأدناها إما طة الأذى عن الطريق ، والحياة شعبة من الإيمان ))

(1/61)


الشرح : وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، إماطة الأذى عن الطريق عملٌ من أعمال الجوارح ، جعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك من الإيمان ومن تمام إيمانك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وأن تكره لأخيك المسلم ما تكره لنفسك . { أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياة شعبة من الإيمان } ، وبين أعلاها وأدناها شعب تتفاوت ، الصلاة شعبة من الإيمان ، الجهاد شعبة من الإيمان ، الزكاة شعبة من الإيمان ، وطلب العلم شعبة من الإيمان ، إذاً الإيمان يتألف من شعب كثيرة ، وليس مجرد التصديق وليس مجرد الإقرار لذلك فلنسمع هذا التعريف الشارح الذي شرح الإيمان من كلام أبن القيم قال رحمه الله : < الإيمان هو حقيقةٌ مركبةٌ من معرفة ما جاء به الرسول ( علماً وتصديقاً عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد له محبتاً وخضوعاً ، والعمل به ظاهراً وباطناً وتمثيله والدعوة إليه بحسب الإمكان وكماله في الحب في الله وفي البغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله وأن يكون الله وحده إلهه ومعبودة والطريق إليه تجريد المتابعة للرسول ( ظاهراً وباطناً وتغميض عين القلب عن الالتفات [ بما ] سوى الله ورسوله >، وهذا هو الإيمان ، الإيمان مركب ومما ينتقد على علماء الكلام أهل السنة يقولون كيف يكون الإيمان مركباً ؟ لأن المركب إذا أزيل بعض أجزائه زال كله ، وهذا غير صحيح ما الذي يُرد على هذا ؟ يرد عليه الحديث السابق الذكر { الإيمان بضع وستون شعبة } لأن النبي ( جعل الشُعب متفاوتة الشعبة الأولى هي التي يزول الإيمان بزوالها إذا زالت الشعبة الأولى شعبة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله زال الإيمان كله لا يبقى شيء ، وهل إذا ترك الشعبة الأخيرة مر الإنسان في الطريق على الأذى فلم يزله ، هل يزول إيمانه ؟ لا ، ينقص الشُعب الأخرى غير الشعب الأولى بزوالها ينقص الإيمان بقدر ما يترك الإنسان شعبة من الشُعب وبقدر ما يرتكب من المحرمات

(1/62)


والمعاصي ينقص إيمانه ولا يزول ، وإنما يزول بزوال كلمة التوحيد والكفر بها والإتيان بما يناقضها ليس معنى زوالها أنك تقول أنا لا أعترف أنه لا إله إلا الله ، لا ، قد تقول بلسانك لا إله إلا الله وتأتي بما يناقضها لأن للإسلام نوا قض كنوا قض الوضوء، فلو قال رجل مائة مرة يعد هذه السبحة لا إله إلا الله ثم إذا اشتدت به الأمور قال : أغثني يا فلان ما لي سواك يا فلان انتقض توحيده تماماً لا يبقى عنده شيء كافر ، نفى الله الذي كان يقره بلسانه عنا يزول الإيمان لكن إذا ترك شعبة من الشعب كأن قلّ حياءه فارتكب معصية ينقض إيمانه لا يزول كلياً ، فليفهم هذا جيداً .وقد يستدل عليك من يرى بأن الأعمال ليست من الإيمان يستدل بالعطف الذي جاء في القرآن: ( الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ( فيقول وعملوا الصالحات العطف يقتضي المغايرة إذاً الأعمال الصالحة غير الإيمان لأن الله عطف الأعمال الصالحة على الإيمان ، الأعمال الصالحة هي الإسلام فالعطف تقتضي المغايرة كأن تقول جاء زيدٌ وعمروٌ فبينهما مغايرة ، أو تقول جاء زيدٌ وذهب عمروٌ فجاء غير ذهب وزيدٌ غير عمروٌ فصح العطف هنا فاقتضى المغايرة فإذا قال لك ( الذين ءامنوا وعملوا الصالحات ( يدل على الأعمال الصالحة غير الإيمان تقول المغايرة درجات صحيح العطف يدل على المغايرة ولكن المغايرة درجات (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ( أليست الصلاة الوسطى من الصلوات ؟ فكيف صح هنا ؟ ما معنى المغايرة ؟ الجواب : من باب عطف الخاص على العام كذلك العطف هنا أي في قوله ( وعملوا الصالحات ( من باب عطف الخاص على العام ، لأن الأعمال الصالحة جزء من الإيمان كما أن الصلاة الوسطى جزء من الصلوات التي أمرنا بالمحافظة عليها والأمثلة كثيرة في القرآن .
قوله : ((وأركانه ستة : أن تؤمن بالله وملائكته ))

(1/63)


الشرح : أن تؤمن وتصدق وتسلم لله تؤمن لله بوجوده بربو بيته وألوهيته وبأسمائه وصفاته وتؤمن بالملائكة انهم موجودون جندٌ من جنود الله تعالى من سمعت وعلمت أسماءهم أمنت منهم بالتفصيل ومن لا فبالجملة .
قوله : (( وكتبه ))
الشرح : والكتب المنزلة بما في ذلك القرآن ، وتؤمن أن الكتب المنزلة كلها كلام الله وليست مخلوقة كما يقول علماء الكلام بما فيهم الأشاعرة ، القرآن والتوراة والإنجيل والزبور هذه الكتب من كلام الله لأن كلام الله لا نفاد له : ( قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن ينفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ( كلام الله لانهاية له ، الله خاطب نوحاً وكلم موسى وكلم محمداً في أماكن وفي أزمنة مختلفة ويتكلم آخر كل ليلة يقول عند نزوله إلى السماء الدنيا : { هل من مستغفرٍ فأغفر له } هذا كلام الله ويتكلم الرب سبحانه وتعالى يوم القيامة عندما يأتي لفصل القضاء ويسلم على أهل الجنة ويخاطبهم من فوقهم كل ذلك من كلام الله ،

(1/64)


وكلام الله لا نفاد له ، لذلك اعتقاد أن كلام الله معنىً واحداً قائم بذات الله ليس بحرف ولا صوت كما تقول الأشاعرة ضلال مبين لأن ذلك إنكار أن هذا القرآن كلام الله وقد وافقت الأشاعرة المعتزلة في القول بأن القرآن كلام الله تناقضوا في ذلك مع دعوى أنهم خصوم للمعتزلة بالنسبة للكتب السماوية نؤمن بأنها من عند الله تعالى ، وأما هذا القرآن نؤمن بأنه من عند الله ونتبعه دستوراً نحكم به ونتحاكم إليه ونسير إلى الله في ضوئه هو الحكم وهو كتاب العقيدة كتاب التوحيد كتاب العبادة كتاب الأحكام كتاب الأخلاق كتاب السياسة كتاب الإقتصاد كتاب كل شيء إذا فهم وعمل به هذا هو الفرق بين الكتب السماوية وبين إيماننا بالقرآن الكتب السماوية لا يجب علينا العمل بها لأنها نسخت انتهت بنزول القرآن ، الكتاب الذي يجب الإيمان به والعمل به هو هذا القرآن العظيم وهو كلام الله حقيقة لأن الله سماه كلاماً ( وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( ذلك الكلام الذي تلاه الرسول ( على المشركين فسموه هو هذا القرآن الذي بين دافتي المصحف ، تقول عائشة رضي الله عنها : { ما بين دفتي المصحف كلام الله }، ولكن الأثر لم يسلم من تأويل الأشاعرة قالوا أي خلقٌ من خلق الله مخلوق لله ، الأشاعرة الذين يقولون نحن من أهل السنة والجماعة هم الذين أولوا هذا التأويل فانتبهوا للأشاعرة عفى الله عنا وعنهم .
قوله : (( ورسله ))
الشرح : الإيمان بالرسل يقال ما قيل في الإيمان بالكتب بالنسبة للرسل الذين قبل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ، المراد بالإيمان بهم أن تصدقهم أنهم رسل الله معصومون بلغوا رسالة الله ولكن الرسول الذي يجب إتباعه ولا يعبد الله إلا بما جاء به هو محمدٌ ( لأنه جاء بالرسالة الخاتمة العامة لا يسع جنياً ولا إنسياً ولا يهودياً ولا نصرانياً إلا الإيمان بهذا النبي الكريم بعد أن بعث لأنه خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام .

(1/65)


قوله : (( واليوم الآخر ))
الشرح : الإيمان باليوم الآخر ، اليوم الآخر يبدأ من عند الموت { من مات فقد قامت قيامته } من حين أن ينقل هذا الإنسان من وجه هذه الأرض إلى باطنها فهو في اليوم الآخر يعني الحياة البرزخية الفاصلة بين هذه الحياة التي نحن فيها الآن وبين الحياة التي بعد البعث تابعة ليوم الآخر على المؤمنين من النعيم لأن { القبر إما حفرة من حفر النار ، أو روضة من رياض الجنة } يجب الإيمان بكل ذلك تصديقاً بالرسول ( .
قوله : ((وتؤمن بالقدر خيره وشره ))
الشرح : ( الإيمان بالقدر خيره وشره ) بمعنى أنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن { ما أصابك في علم الله لايخطؤك وما أخطأك لم يكن ليصيبك } وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن هذا المقدار يكفي في باب الإيمان بالقدر دون الخوض لأن هذا الباب بابٌ خطير والبحث عن أسرار القضاء والقدر يعتبر سراً من أسرار الله لذلك يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : { القدر سر الله فلا نكشفه } أي ليس لك أن تسأل لم فعل الرب سبحانه وتعالى هكذا ؟ لم خلق ؟ ولم أحيى ؟ ولم أمات ؟ ولم جاعلٌ زيداً غنياً وعمراً فقيراً ؟ ولم أمرض فلاناً ؟ ولم ولم ؟ هذا خوض في سر من أسرار الله سرٌ لا يدرك لا يسأل عما يفعل كما أنه لا يجوز في باب الأسماء والصفات أن تسأل بكيف هو ؟ وكيف سمعه ؟ وكيف بصره ؟ وكيف استواؤه ؟ وكيف مجيئه ؟ وغير ها ، لا يجوز في باب القضاء والقدر لا يجوز السؤال بلم ، انتبه لهذا لأن هذا مز له الأقدام يكفي للعامة والخاصة أن يؤمنوا لأنه لا يقع في ملكه إلا ما شاء وان الله على علم كل شيء فكتبه ، كل المقادير معلومة ومكتوبة ثم قضى الله سبحانه وتعالى قضاءه على ما علم وكتب وفي هذا المعنى يقول الإمام الشافعي رحمه الله لما سئل عن القدر :
ما شئت كان وإن لم أشأ ما وشئت إن لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن

(1/66)


على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن
فمنهم شقي ومنهم سعيد [ ومنهم ] قبيح ومنهم حسن
ويأتي هنا سؤال الجبري هل يعني ذلك أن العبد مجبور ؟ لا . خلق العباد وخلق لهم القدرة وخلق لهم الإرادة وخلق له الاختيار وأرسل إليهم رسولاً وهداهم النجدين وبين لهم طريق الهدى وطريق الضلال وأمرهم بالفعل بفعل العبد كل ما يفعل بقدرته وإرادته واختياره ولا يدري ما الذي يجري في قضاء الله وقدره وليس هذا شغله ولا له أن يبحث في هذا عليه أن يتقيد بالأوامر والنواهي أمرك بإقامة الصلاة عليك أن تقيم الصلاة لكن قول الذين يقولون بأن العبد مجبور ليس له قدرة أو قدرته لا تعمل وليس له إرادة تسمى العقيدة الجبرية ضلال في ضلال وهي منتشرة الآن لأن الأشعرية مرجئة وجبرية وجهمية اجتمعت فيها جميع هذه الأمراض وهم منتشرون بين المسلمين وكثيرٌ من شبابنا لا يدرون عنهم يصدق على شبابنا قول عمر رضي الله عنه : ( إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) لأن الجاهلية بدأت في هذه الأيام تضحك على شبابنا ، جاهلية التصوف ، جاهلية علم الكلام ، جاهلية القانون ، جميع هذه الجاهليات تعمل ، وشبابنا نشاؤا في الخير نشاؤا في الإسلام على الفطرة في التوحيد لا يعلمون من هذه الجاهليات يأتي صاحب الجاهلية فيضحك عليهم ، يقول تعمل كذا وكذا من الأعمال الإسلامية فيصدقون فيخرجون عن الجادة إلى بنيات الطريق فيقفون حيارى ، لا علاج إلا العلم ، والعلم وحده هو العلاج لذلك عليكم بالعلم لا ينال الإنسان درجة الإيمان إلا بالصبر واليقين ، الصبر على طاعة الله وطلب العلم الشرعي من أعظم طاعة الله وعبادته اصبروا على العلم لكي تخرجوا من الجهل ، لا تضحك عليكم جاهلية الإرجاء وجاهلية الجبرية وجاهلية الجهمية وجاهلية التصوف وغير ذلك من الجاهليات التي دخلت مع هذا الإنفتاح العام عندما انفتحنا على العالم واتصل العالم كله بعضه على بعض تداخل

(1/67)


الخير والشر لا يستطيع أن يفرق بين الخير والشر إلا من رزقه الله البصيرة في دينه .
قوله : ((المرتبة الثالثة : الإحسان ركن واحد وهو : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله تعالى : المرتبة الثالثة الإحسان وهو ركن واحد وهو : ( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وهذا المعنى الذي يعبر عنه بالمراقبة ، المراقبة الخاصة الصادقة بأن يراقب العبد ربه سبحانه وتعالى ويتذكر دائماً وأبداً بأن الله يراه ويرى مكانه ويسمع كلامه ما في نفسه هذه المراقبة تحول بين المرء وبين ارتكاب المعاصي وبين الغفلة والالتفات عن الله إلى غير الله تشده إلى الله المراقبة الصادقة تشد العبد إلى الله سبحانه وتعالى إيماناً منه أن الله لا تخفى عليه خافية وان كان هو لا يراه لأن الله سبحانه وتعالى لا يُرى في هذه الدنيا فالله سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات فوق السماوات السبع ومستوٍ على عرشه بائنٌ من خلقه حجابه النور لم يره موسى الذي طلب منه الرؤيا ، ولم يره على الصحيح رسولنا محمد ( ليلة الإسراء والمعراج وإنما رأى نوراً لأنه عليه الصلاة والسلام سئل هل رأيت ربك ؟ قال : { نورٌ أنى أراه } حجابه النور لأن الله سبحانه احتجب في هذه الدنيا بنور وقوى البشر لاتقوى على أن تثبت أمام هذا التجلي وأوضح دليل على هذا قوله ( في آخر قصة الدجال : { فأعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا } ، وهذا دليل واضح بأن الله سبحانه وتعالى لا يرى في الدنيا ولكن الله يعطي العباد قوة ليثبتوا أمام التجلي يوم القيامة في الجنة ويتجلى لهم ويرونه بغير إحاطة كما انهم يعلمون الآن بدون إحاطة به بعلمهم كذلك سوف يرونه بدون إحاطة به برؤيته لأن المخلوق لا يحيط بالخالق ، فالخالق هو المحيط بجميع المخلوقات هو الذي يعلم منهم كل شيء هذا هو الإحسان .

(1/68)


قوله : (( والدليل قوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( [ النحل : 128 ] ))
الشرح : والدليل قوله تعالى : ( إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون( أي أن الله تعالى مع الذين اتقوه أي جعلوا بينهم وبين غضبه وسخطه وقاية ، هذه الوقاية بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، وذلك من صدق المراقبة ، والذين هم محسنون ، احسنوا في عبادة الله تعالى بالإخلاص وصدق المراقبة ، وأحسنوا إلى عباد الله بما يستطيعون الإحسان فيه والإحسان من حيث المعنى أعم من حيث أهله أخص ، لأن الإحسان يشمل أي عمل صالح سواء كان العمل بينك وبين ربك أو الإحسان إلى عباده هذا معنى أنه أعم من حيث المعنى ، ولكن من حيث أهله أخص أي المحسنون الذين يصلون إلى هذه الدرجة هم نخبة من المؤمنين ليس جميع المؤمنين أي ليس جميع المؤمنين يصلون إلى درجة الإحسان ، [ ولكنهم ] نخبة مختارة وفقهم الله وسدد خطاهم فهم يحضون بالمعية الخاصة ، المعية الخاصة تزداد على المعية العامة بالنصر والتأييد والحفظ والكلئ ، المعية العامة بمعنى العلم والرؤيا والتدبير العام وبهذا المعنى الله سبحانه وتعالى مع جميع مخلوقاته لا يخلو مكان من علمه وهو فوق عرشه مستوٍ على عرشه بائن من خلقه ، لكن لا يخلو مكان من علمه وهذه هي المعية العامة ، فإذا قيل الله معنا لا ينبغي أن يتبادر إلى ذهنك بأن الله معنا بذاته هنا في الأرض ، فالله سبحانه وتعالى منزه عن المعية الذاتية مع خلقه لامع أهل أرضه ولا مع أهل سماواته أي ليس الله بالأرض بذاته ولا في السماوات السبع بذاته ولكن بذاته فوق جميع مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولكن هو بعلمه مع كل مخلوق ، أي لا تخف عليه خافية من أمرهم ، وهذه تسمى المعية العامة وتزداد المعية الخاصة مع المحسنين مع المتقين كتلك المعية التي حظي بها الرسول ( وصاحبه في الغار ( لا تحزن إن الله معنا ( معية خاصة

(1/69)


حفظهما الله ورعاهم وسترهم من أعين أعدائهم تلك هي المعية الخاصة فلتفهم وهذه هي منها معية مع المحسنين .
قوله : (( وقوله تعالى : ( وتوكل على العزيز الرحيم ( الذي يراك حين تقوم ( وتقلبك في الساجدين ( إنه هو السميع العليم ( [ الشعراء : 217 ـ 220 ] ))
الشرح : وقوله تعالى : ( وتوكل على العزيز الرحيم ( الذي يراك حين تقوم ( وتقلبك في الساجدين ( إنه هو السميع العليم ( ، أنت تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هذا هو محل الشاهد من الآية .
قوله : ((وقوله تعالى : ( وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه ( [ يونس : 61 ] ))
الشرح : قوله تعالى : ( وما تكون من شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعلمون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه ( أي نحن معكم فالله سبحانه وتعالى يعبر عن نفسه وأحياناً يضمر العظمة وأحياناً بضمير الإفراد وضمير العظمة لا يدل على التعدد يدل على العظمة إنا ، إنا نحن مثل هذه الضمائر يقال لها ضمير العظمة لا للكثرة ، ومثلها ( كذلك كنا ) ولا ينبغي أن يتبادر إلى الذهن الكثرة والتعدد لأن هذا أسلوب عربي ، والمخلوق نفسه يعبر عن نفسه أحياناً فيقول نحن فعلنا أو نحن مشينا وهكذا وهذا أسلوب عربي معلوم .

(1/70)


قوله : (( والدليل من السنة حديث جبريل المشهور عن عمر رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند النبي ( إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، فجلس إلى النبي ( فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال رسول الله ( : { الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة وتأتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً } ، قال : صدقت ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال فأخبرني عن الإيمان ؟ قال : { أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره } قال : فأخبرني عن الإحسان ؟ قال : { الإحسان أ، تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } ))

(1/71)


الشرح : حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا وفي رواية بينما ، وهما لغتان صحيحتان بينما نحن جلوسٌ عند رسول الله( إذ طلع علينا أي حين طلع علينا إذ بمعنى حين ، حين طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ، وفي بعض الألفاظ شديد سواد اللحية جاء جبرائيل ملتحي بصفة رجل من البشر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، من أين عرف عمر حتى يقول لا يعرفه منا أحد أي تسألوا فيما بينهم تعرفون هذا الرجل الغريب شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر مع العلم أنه أتى يمشي على قدميه مع ذلك نظيف أقدامه ونظيف شعره وثيابه ولم يكن جالساً معهم عند الرسول ( والمفروض مثل هذا الرجل الغريب أن يرى عليه أثر السفر لم يحدث شيء من ذلك فجلس إلى النبي ( فأسند ركبتيه إلى ركبتيه وفي بعض الألفاظ وتخطئ الرقاب إلى أن وصل إلى النبي ( ، قال بعض أهل العلم : إنما فعل ذلك للتعمية على الناس كأنه يريد أن يُري الناس بأنه إنسان جاهل غشيم فجلس إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأسند ركبتيه إلى ركبة النبي ( ، هذا مما لفت أنظار الصحابة ، فالصحابة مع شدة محبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام يهابونه ومن الهيبة لا يسندون ركبهم إلى ركبتيه يجلسون بعيدين عنه نوعاً ما ولكن [ هذا الرجل ] جلس هذه الجلسة ووضع كفيه عل فخذيه ، على فخذ من ؟ فخذي نفسه هذا ما فهمه كثيراً من [ الشراح ] ، أي على فخذ الرسول ( وجاء في بعض الروايات ما يشير إلى أنه وضع كفيه على فخذي رسول الله ( كل ذلك تلطفاً برسول الله ( لأنه في واقع الأمر هو المعلم وإن جلس جلسة المتعلم ولكنه في واقع الأمر هو المعلم لذلك وضع يديه على فخذي رسول الله ( وقال : يا محمد أخبرني عن الإسلام ؟ فقال النبي الله ( : { أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وتقيم الصلاة وتأتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إلى ذلك سبيلاً ، قال صدقت ،

(1/72)


عجباً تسأل فتصدق يقول الصحابة عجبنا له يسأله ويصدقه ، كان المفروض أن الذي يسأل إذا أجابه الأستاذ يقول له : جزاك الله خيراً أحسن الله إليك ، فإذا هو يصدقه يقول له : صدقت ! عجب الصحابة من هذا التصرف ، قال : اخبرني عن الإيمان ؟ قال : { الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره } ، وقد سبق شرح ذلك ، قال : أخبرني عن الإحسان ؟ قال : { أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك } فلتعلم ذلك .
قوله : (( قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : { ما المسؤول عنا بأعلم من السائل } ))
الشرح : قوله :قال : فأخبرني عن الساعة ؟ قال : { ما المسؤول عنها بأعلم من السائل } علم جبرائيل ، وعلم الرسول ( هنا على حدٍ سواء ، لا يعلم النبي ( متى تقوم الساعة ، ولا جبرائيل يعلم ذلك ، قال : أخبرني عن آمراتها ، أمارة وإمارة ، الأمارة العلامة ، والإمارة الولاية ، هنا في الحديث الأمارة أي العلامة ، وعلامات الساعة كثيرة وكثيرة جداً ومتفاوتة ومن أوائل علاماتها مبعث الرسول ( والتي يقول فيهاالمصطفى عليه الصلاة والسلام :{ بعثت أنا والساعة كهاتين } ـ رفع الوسطى مع السبابة ، فسر أهل العلم { بعثت أنا والساعة كهاتين } على تفسيرين : التفسير الأول : إني سبقت الساعة كما تسبق الوسطى السبابة بهذا المقدار أي مبعثي وقيام الساعة متقارب إنما ما سبقت بمثل هذا السبق ، المعنى الثاني : أن قيام الساعة لاسقٌ بمبعثي وبرسالتي حيث لا يوجد نبيٌ بعده لأنه خاتم النبيين ولا ينافي في المعنى الأول المعنى الثاني كلاهما واحد والمؤدى واحد ، قرب الساعة .
قوله : (( قال : فأخبرني عن أماراتها ، قال أن تلد الأمة ربتها ))

(1/73)


الشرح : ثم ذكر عليه الصلاة والسلام بعض الإمارات [ في هذا الحديث ] ، والتي ظهرت الآن تماماً ونعيشها قال : { أن تلد الأمة ربتها } ، اختلف أهل العلم في تفسير هذه الجملة على سبعة أقوال لخصها الحافظ في ( الفتح ) في أربعة وأرتضى منها معنىً واحداً ، الذي يتبادر إلى أذهان الناس والمفسرين كناية عن كثرة الفتوحات الإسلامية حتى يكثر التسري بالجواري فتلد الجارية إبناً أو بنتاً فيكون هذا الأبن بمثابة السيد لها لأنه أبن سيدها إذا تسرى بها فأنجب منها ولداً هذا الولد الذي أنجبه السيد من جاريته حر فأصبح كأنه سيدها فأصبح المراد بالرب هنا السيد ، لفظة الرب تستعمل إذا كانت مضافة في غير الله تعالى ، ولكن لا تستعمل بدون إضافة إلا في حق الله ، الشاهد هذا المعنى لم يرتضيه صاحب ( الفتح ) قال : العلامات التي يريد أن يذكرها النبي عليه الصلاة والسلام الأشياء الغريبة التي لا عهد للأولين بها ووجود التسمي بالجواري والإنجاب منها شيء معلوم حتى في صدر الإسلام إذاً ما هو المعنى الغريب الذي يكون علامة وإمارة لقيام الساعة من سوء الأحوال قال صاحب ( الفتح ) معنى ذلك أن يصاب الأولاد بالعقوق فيستعمل الولد والدته فيستخدمها فيهينها فيضربها ويسبها فيجعلها كالجارية والأمة والخادمة التي تعمل عنده ومن سوء التصرف يصل الحال بالولد في آخر الوقت من علامات الساعة أن يكثر العقوق وأن يكون الولد عاقاً لوالدته فيهينها فيضربها ويسبها كأنها أمة جارية عنده هذا المعنى ارتضاه صاحب ( الفتح ) ، واستحسنه كثيراً وأعرض عن جميع المعاني التي ذكرها أهل العلم عند هذا الحديث .

(1/74)


قولله : ((وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان } )) وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان ، يأتي وقت على الناس وقد أتى أهل البادية المعروفين بالفقر وسوء الحال الذين يمشون حفاة عراة أو شبة عراة وفقراء ليس فيهم شيء من الحضارة وآثار الغنى يأتي على الناس يومٌ على أولئك يتركون خيامهم ويبنون الفلل والقصور في محلات الخيم فيتفاخرون ويتطاولون بفللهم بقصورهم وهذا هو واقعنا الآن ومشاهدة .
قوله : (( قال : فمضى فلبثنا ملياً ))
الشرح : قال : فمضى فلبثنا ملياً أي فترة من الزمن فقال : يا عمر أتدري من السائل ، قلت الله ورسوله أعلم ، لفظت ( الله ورسوله أعلم ) يتشدد بعض صغار طلبة العلم في استعمالها اليوم إذا سؤ لت عن أمر ديني لاتعرفه كشروط الصلاة وأركان الحج وواجبات الحج مثلاً ، لك أن تقول الله ورسوله أعلم حتى بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام لا كما يظن بعض الناس أن القول الله ورسوله أعلم خاص بحياة النبي عليه الصلاة والسلام لأنك لم تعلم شيء من الدين إلا بعد أن علمه النبي عليه الصلاة والسلام وعلم الناس ، لذلك لك أن تقول الله ورسوله اعلم لكن في الشؤون الدنيوية هل وقع اليوم كذا ؟ ما أخبار اليوم ؟ وهل نزل المطر في الجهة الشرقية أو الوسطى ؟ وأنت لاتعلم تقول الله اعلم ليس لك أن تقول الله ورسوله اعلم ، هذا علم خاص بالله يجب أن نفرق بين الأمور الدينية وشؤون الدنيا بعد وفاة الرسول ( .
قوله : (( فقال : { يا عمر أتدري من السائل ؟ } ، قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : { هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم } ))
الشرح : قال : هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ، ما أعظم هذا الدين ، الدين الذي بعث به خاتم النبيين ثم يرسل جبرائيل الذي اصطفاه من الملائكة رسولاً ليعلم أمة محمد ( ويكرمهم هذا الإكرام يعلمهم بهذه الطريقة أتاكم يعلمكم أمر دينكم .

(1/75)


قوله : (( الأصل الثالث : معرفة نبيكم محمد ( وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله : الأصل الثالث معرفة نبيكم محمد ( وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم إلى هنا ذكر المؤلف نسب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وعلى الشباب أن يحفظوا النسب إلى عدنان ، وهذا محل إتفاق ، وما بعد ذلك فمحل خلاف .
قوله : (( وهاشم من قريش ، وقريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه وعى نبينا أفضل الصلاة والسلام ))
الشرح : وهاشم من قريش ، وقريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليه من ربه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام أي أن نبينا محمداً ( هو النبي الأمي العربي من حيث النسب ، ولكنه عام الرسالة إلى الثقلين إلى الجن والإنس .
قوله : (( وله من العمر ثلاث وستون سنة منها أربعون قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً ))

(1/76)


الشرح : وله من العمر حين توفي ثلاث وستون سنة كذلك هذا محل إجماع منها أربعون قبل النبوة لأنه لم يبعث إلا بعد الأربعين ، وهذه سنة الله في من يبعثهم ، وثلاث وعشرون نبياً ورسولاً ، النبوة قبل الرسالة ويختلفون في التفريق بين النبي والرسول ، منهم من يعرف فيقول النبي من كلف برسالة أو بعث برسالة ليعمل بها ، ولم يكلف بالتبليغ ، وهناك تعريف ثاني النبي من بعث ليعمل برسالة من قبله وليست له رسالة مستقلة ككثير من أنبياء بني إسرائيل يعملون بشريعة التوراة والإنجيل وهم كثر . والتعريف الثاني أنسب والتعريف الأول أشهر ، ولكن التعريف الأول [ يأخذ ] عليه القول بأنه لم يأمر بالتبليغ ، التبليغ والدعوة والإصلاح واجب الرسل واجب الأنبياء وواجب أتباعهم فإن أتباعهم مكلفون بالإصلاح والنصح لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، والدعوة إلى الله إذا كان العلماء وهم ورثة الأنبياء يكلفون هذا التكليف فالأنبياء من باب أولى لذلك التعريف الأول على الرغم أنه هو المشهور عند كثير من أهل العلم ولكن التعريف الثاني أنسب من حيث المعنى لأن الأنبياء من بني إسرائيل الذين لم يكونوا رسلاً مكلفون بالتبليغ والدعوة على ضوء كتاب الله التوراة والإنجيل .
قوله : ((نبئ بأقرأ ، وأرسل بالمدثر ))

(1/77)


الشرح : نبئ بإقرأ إذ أرسل الله إليه جبرائيل ففاجأه جبرائيل بقوله إقرا ، فالنبي عليه الصلاة والسلام ليس بقارئ ولهذا كان الجواب لست بقارئ وضمه حتى خاف على نفسه وكرر عليه ذلك وبعد ذلك وبعد أن روعه وخافه جاء إلى خديجة رضي الله عنها فأخبرها الخبر قالت : والله لا يخزيك الله أبداً لأنك تصل الرحم وتكسب المعدوم وغير ذلك من صفات وأخلاق جُبل عليها ( من صلة الرحم والإحسان والأمانة وغير ذلك من مكارم الأخلاق لا يخزيه الله ، هذه سنة الله في خلقه بعد أن طمأنته ذهبت به إلى ورقة بن نوفل ، فورقة بين له إنما جاءه كان يأتي الأنبياء من قبله ، رسول الله من الملائكة الذي اصطفاه الله ليرسله إلى الأنبياء من بني آدم وإنه جبرائيل وأن ما جاءه من عند الله ليس من الشيطان ثم تمنى ورقة لو أحياه الله عندما يخرجه قومه ، فقال النبي ( : أو مخرجي هم ؟! أي سوف يخرجوني ، قال له : ما أتى أحدٌ مثل ما أتيت به إلا أوذي هذه سنة الله في الأنبياء وفي أتباع الرسل من المصلحين لابد من الإيذاء { أشد الناس بلاً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل } الله قادر حين أرسل محمد ( أن يجعل أهل مكة جميعاً أبي لهب وأبي جهل وغيرهما أن يجهلهم جميعاً كمثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي كلهم يطيعون ويمثلون ولكن لله حكمة في أن يبتلي نبيه هذا الابتلاء إلى حد الضرب والحصار والإخراج ثم ينتهي الأمر إلى الهجرة إلى المدينة كل ذلك ليرفع الله شأنه ويكثر ثوابه ولحكم لا نعلمها لأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل فعلاً إلا لحكمة والعباد قد يدركون أحياناً بعض الحكم في بعض أفعال الله سبحانه وتعالى وقد لا يدركون أن أدركنا الحكمة في فعل الرب سبحانه وتعالى في قضائه وقدره وافعاله أن أدركنا أما نصاً أو استنتاجا نزداد بذلك إيمانا على إيمان وان لم ندرك الحكمة علينا الامتثال والتصديق هذا ما جرى للرسول عليه الصلاة والسلام .

(1/78)


قوله : (( وبلده مكة ، وهاجر إلى المدينة ، بعثه الله بالندارة عن الشرك ))
الشرح : أمر بان ينذر بهذا أرسل فاصبح نبياً رسولاً عليه الصلاة والسلام ولذلك يقول الشيخ رحمه الله نبئ باقرا وأرسل بالمدثر وأما بلده الذي ولد فيه مكة وبعثه الله بالنذارة عن الشرك وليدعو إلى التوحيد ، الإنذار هو الإعلام مع التخويف الإعلام إن لم يكن معه تخويف لا يسمى إنذاراً بل هو مجرد إعلام ، فرسول الله ( وصفه ربه بهذه الصفات ( إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ( وداعياً إلى الله بأذنه وسراجاً منيراً ( وهذه الآية تبين وظيفة النبي ( وأعماله التي أرسل من أجلها وبها أمر اتباعه ليكونوا مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الله على بصيرة .
قوله : (( ويدعو إلى التوحيد ))

(1/79)


الشرح : ويدعو إلى التوحيد ، يعني يبدأ بالدعوة إلى التوحيد وليست دعوة نبينا محمد( ودعوة اتباعه ليست قاصرة على التوحيد ولكنه بدأبالتوحيدوركز على التوحيد لأنه الأساس ، والمراد بالتوحيد هنا توحيد العبادة ومحل المعركة ، أما توحيد الربوبية فالناس معترفون من قبل ، فتوحيد الربوبية يستوي فيه الكافر والمؤمن لذلك أخبر الله عن المشركين ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ( لا يوجد في المشركين من يدعي بأن أحداً شارك الله في خلق السماوات والأرض وفي تدبير الأمر من السماء إلى الأرض وفي التصرف في هذا الكون ، والعجب كل العجب أن يحصل في الآونة الأخيرة في المتصوفة من يشرك بالله سبحانه وتعالى في ربوبيته بعد أن كان المشركين يوحدون الله تعالى في ربوبيته ، وفي مشايخ الطرف وكثير من الطرق الصوفية اعتقادهم أن الشيخ شيخ الطريقة إذا كان حياً مشغولٌ بالخدمة ، وهذه عبارتهم المقصود بالخدمة العبادة ، فإذا مات تفرغ ليتصرف في هذا الكون لأتباعه وهو المسؤول عن أرزاقهم وآجالهم وتدبير شؤونهم ناسين رب العالمين سبحانه وتعالى وهذا الكلام الذي نقوله مروٍ في كتب المتصوفة كتب أبن عربي مثل فصوص الحكم وغير ذلك من الكتب لأبن الفارض وأبن سبعين وأبن عجيبه وهؤلاء الأبناء غير البررة تجد في كتبهم الكفر البواح والكفر الذي لم يرتكبه كفار قريش ، لذلك يقول الإمام أبن تيميه ( أتت فرقة وحدة الوجود بكفر لم يعرفه كفار قريش ) لأن في كفار قريش لم يقع ولم يحصل من يقول ليس في الجبة إلا الله ، وهذه مقالة أبن عربي وعلى طلاب العلم أن يفرقوا بين أبن عربي وأبن العربي ، أبن العربي عالمٌ سنيٌ إمام من أهل الحديث مالكي المذهب وهذا معروف ومشهور ، أما أبن عربي المنكر هذا هو النكرة ، المنكرة هو الذي أنشأ فكرة وحدة الوجود أي نفى الإثنينية على حد تعبيرهم نفى الإثنينية في الكون ، الكون شيء واحد قال أبن عربي :

(1/80)


الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف
إن قلت عبدٌ فذاك حقٌ وإن قلت ربٌ فأنى يكلف
الشاهد التوحيد الذي دعت إليه الرسل وتعبوا في الدعوة إليه ، وقامت الخصومة بينهم وبين أتباعهم هو توحيد العبادة وإلا جميع الكفار في جميع الملل كلهم يعترفون بربوبية الله تعالى أي يوحدون الله تعالى بأفعاله ولايعتقدون بأن أحداً شارك الله في خلقه وفي رزق العباد وفي تدبير أمور العباد لذلك يؤمنون بالله بربوبيتة ، ولكن يتخذون آلهة من دون الله تعالى لا لأنها تخلق أو ترزق ولكن لتقربهم إلى الله زلفى وسائط وشفعاء وهذا هو شرك المشركين الأولين ، ولكن كما قلنا زين الشيطان لكثيرٍ من اتباع المتصوفة فوقعوا في الشركين معاً شرك في توحيد الألوهية وشرك في توحيد الربوبية ويحسب كثيرٌ من الناس الذين لا يعرفون ترجمة وحياة الإمام محمد بن عبد الوهاب أنه إنما دعا إلى توحيد العبادة وإنما جدد الدين في توحيد العبادة فقط وهذا خطأ وإذا درست حياته تجد أن أول ما نفذ من [ عمل ] الحكم أن رجم امرأة اعترفت بفاحشة الزنا أمامه وأصرت على ذلك أي إن دعوته بدأت بالتوحيد وفي إقامة الحدود والإصلاح العام والحكم بما انزل الله وفي إصلاح العقيدة وفي إصلاح العبادة أي دعوة عامة ، ولكن نظراً لأن الوضع الذي جاء فيه وما يجري في أرض نجد في تلك الأيام هو الشرك في العبادة لأن القوم كانوا يعبدون النخل كان النخل عندهم كثير ، يعبدون أشجار النخل ويعبدون الجن ويعبدون القبور لذلك ركز على توحيد العبادة ولما استقر به المقام بعث وهو بالدرعية رسائل كثيرة إلى الأقطار بين تلك الرسائل دعوته وبين موقفه من الأئمة الأربعة وبين موقفه من الصحابة ، وبين موقفه من السنة ، وبين موقفه من جميع الأحكام وأوضح أن دعوته ليست مجردة ، القول بأن هذا شرك وهذا توحيد كما يُذيع خصومه ولكنها دعوة عامة تجديد عام إلى كل ما دعي إليه محمد ( وعلق غبار الجاهلية بتلك الأحكام ، بداً من العقيدة

(1/81)


والعبادة إلى الأحكام ، أما تجديده جميع هذه النواحي فليفهم إن هذا التجديد تجديد عام لذلك ينبغي أن تقرءوا ما كتب أخيراً في ترجمته لشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز ترجمة خاصة ولبعض الشيوخ المعاصرين ينبغي أن تطلعوا على ذلك وتعرفوا حقيقة هذا التجديد ولذلك معنى قولنا يدعو إلى التوحيد كما قلنا إلى توحيد العبادة لذلك ركز هو أيضاً على توحيد العبادة لأن الوضع متشابه ، الوضع في نجد متشابه مع الوضع في مكة عند أن بعث الرسول عليه الصلاة والسلام ثم أن الرجل تجول في كثير من الأمصار فعرف أن الوضع متشابه في العالم كله ، إن العالم كله بحاجة إلى التجديد العام .
قوله : (( والدليل قوله تعالى : ( يا أيها المدثر ( قم فأنذر ( وربك فكبر ( وثيابك فطهر ( والرجز فاهجر ( ولا تمنن تستكثر ( ولربك فاصبر ( ( [ المدثر : 1 ـ 7 ] ، ومعنى ( قم فأنذر ( يُنذر عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد (وربك فكبر ( أي عظمه بالتوحيد ، ( وثيابك فطهر ( أي طهر أعمالك عن الشرك ))
الشرح : والدليل قوله تعالى : ( يا أيها المدثر ( قم فأنذر ( وربك فكبر ( وثيابك فطهر ( والرجز فاهجر ( ولا تمنن تستكثر ( ولربك فاصبر ( قال الشيخ رحمه الله : في شرح هذه الآية فقال : ( قم فأنذر ( ينذر أي أنذر عن الشرك أي بنوعيه الشرك الأكبر والشرك الأصغر ، ويدعو إلى التوحيد لأن الدعوة إلى التوحيد تشتمل على الإيمان والكفر معاً ، الإيمان بالله سبحانه وتعالى رباً معبوداً ، والكفر بمن سواه من المعبودات هذا هو معنى الدعوة إلى التوحيد أي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

(1/82)


وقوله تعالى : ( وربك كبر ( أي عظمة بالتوحيد ومن وحد الله فقد عظمه ومن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله تعالى فقد شبه ذلك المعبود بالله وفي تشبيه المخلوق بالخالق عدم تعظيم الله تعالى ، ومن دعا غير الله واستغاث بغير الله وذبح لغير الله جعل ذلك الذي يعبده أي شبه ذلك الذي يعبده شبهه بالله حيث فخمه سمعاً كسمع الله وعلماً كعلم الله وقدرة كقدرة الله هذا من أقبح أنواع التشبيه ، التشبيه الثاني : تشبيه الخالق بالمخلوق ، والتشبيه الأول تشبيه المخلوق بالخالق ، والتشبيه الثاني هو تشبيه الخالق بالمخلوق هذا الذي أبتلى به علماء الكلام ، ولكن هذا النوع وهو المنتشر كما قال العلامة أبن القيم بل ما كان يعرف سابقاً إلا هذا النوع قبل نشأة علم الكلام ، التشيبه المذموم الذي ندد به القرآن هو تشبيه المخلوق بالخالق .
و( وثيابك فطهر ( أي طهر أعمالك عن الشرك ، تفسير الثياب بالأعمال ليس بتأويل بل تفسير لغوي فيقال إذا أرادوا أن يصفوا إنسان بالنزاهة يقال فلان ثيابه طاهرة ، وإذا أرادوا أن يعيبوه في خلقه يقال ثيابه دنسه أي ليست بطاهرة ، إذاً تخصيص الثياب بالأعمال تفسير لغوي وليس بتأويل وهذا التنبيه لأن كثيراً من الناس لا يفرقون بين التفسير وبين التأويل فإذا راءوك تفسر مثل هذا التفسير يقولون أنتم تقولون لا نأول ولكن تؤولون ، التأويل المذموم التحريف ، تحريف الكلمة وأن تحمل الكلمة ملا تتحمل لا لغة ولا شرعاً ، أما التفسير اللغوي تفسير المفردات باللغة ليس بتأويل ولكنه تفسير وبيان والتأويل في لغة المفسرين كما نعلم بمعنى التفسير والبيان إنما التأويل عند المتأخرين بمعنى التحريف .
قوله : ((( والرجز فاهجر ( الرجز : الأصنام وهجرها تركها والبراءة منها ))

(1/83)


الشرح : ( الرجز فاهجر ( يقول الشيخ الرجز الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله تعالى وهجرها تركها وترك أهلها والبراءة منها ومن أهلها أي والكفر بها والإيمان بتوحيد الله تعالى .
قوله : (( أخذ على هذه عشر سنين يدعو إلى التوحيد ))
الشرح : أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد وإلى إفراد الله تعالى ، لأن القوم تمكنت منهم الوثنية والشرك وبعد العشر عرج به السماء حكمة منه سبحانه وتعالى قبل الهجرة إلى المدينة .
قوله : (( وبعد العشر عُرج به إلى السماء ، وفرضت عليه الصلوات الخمس ))
الشرح :عرج به إلى السماء وفرضت عليه الصلوات الخمس هذا العروج وإيجاب الصلوات عليه وهو فوق السماوات السبع بعد سدرة المنتهى إلى أن وصل إلى حيث يسمع صر يف الأقلام ، أقلام الملائكة وهم يكتبون المقادير وصل إلى هناك وحده بعد أن تأخر جبرائيل عند سدرة المنتهى لم يتجاوزها وأنفرد وحده عليه الصلاة والسلام بهذا المقام فخاطبه ربه مباشرة دون واسطة جبرائيل فكلمه وأسمعه كلامه ، رسولنا عليه الصلاة والسلام سمع كلام الله مباشرة في تلك الليلة في تلك اللحظة عندما أوجب عليه الصلوات وهذا مما يستدل به على أن الله سبحانه وتعالى يتكلم بكلام يسمع له صوت ( صوت يسمع ) فرسول الله ( سمع كلام الله بصوت الله في ليلة الإسراء والمعراج بدون واسطة مباشرة ، وكل من خاطبهم ربهم من الأنبياء إنما سمعوا كلام الله بصوت ، واكرر هذا في كل مناسبة راداً على الأشاعرة الزاعمين بأن كلام الله الحقيقي ليس بحرف ولا صوت وإنما هو معنىً واحد قائمٌ بذات الله هو الذي يترجم إلى العربية فيقال له قرآن ، وإلى السريانية والعبرية فيقال لها توراة يا ليت شعري من الذي ترجم كلام الله الذي

(1/84)


في نفس الله ؟ من الذي ترجمه إلى هذه اللغات ؟ من هو جبرائيل أم محمد ، وهل علم أحدٌ بما في نفس الله حتى يترجم هذه الترجمة إن القوم لم يفكروا أدنى تفكير عندما قالوا هذا الكلام ولكن عقيدة تقليدية ، التلميذ يقلد الشيخ والشيخ يقلد الشيخ الأول وهكذا تقليدٌ مسلسل وليس هناك دليلٌ أو مستند الذي ينفي أن يكون كلام الله بحرفٍ وصوت بل القرآن يصرح بأن هذا القرآن نفسه بحروفه كلام الله (وإن أحد من المشركين أستجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ( كلام الله الذي قراءه رسول الله ( على المشركين فسمعوه هو هذا القرآن بألفاظه أما الصوت الذي سمعوه [ فهو ] صوت رسول الله ( والأصوات الذين نسمعها الآن أصوات القراء مثل صوت الحصري وصوت فلان … الخ ولكن الكلام المقروء المسموع كلام الله المتلو كلام الباري والمسموع صوت القارئ وإذا قلنا كلام الله بحرف وصوت لا نعني الأصوات التي نسمعها الآن من القراء والأئمة عندما يقرءون القرآن أنها صوت الله لا هذه الأصوات أصوات القراء ولكن الكلام المتلو كلام الباري سبحانه ( يا أيها المدثر ( هذا كلام الله ، والصوت الذي تسمع عندما يقرأ القارئ صوت ذلك القارئ لذلك جعل بعض أهل العلم من السلف هذا الكلام كقاعدة ( الصوت صوت القارئ والكلام كلام الباري ) وفي هذا الحديث أيضاً بيان مكانة الصلاة ، جميع الفرائض الإسلامية والواجبات إنما أوجبها الله ورسول الله ( في الأرض بين أصحابه إما في مكة وأما في المدينة ولكن الصلاة ما أراد الله أن يفرض الصلوات رفع نبيه عليه الصلاة والسلام إليه وقربه إليه فخاطبه فأوجب عليه خمسين صلاة فجعل النبي ( بإشارة من أخيه موسى عليه السلام يشفع لنا فشفع لنا عند الله فتردد بين موسى وبين المكان الذي سمع فيه كلام الله عدة مرات لطلب التخفيف فخفف الله عنا الصلوات بعد أن كانت خمسين صلاة إلى خمس صلوات من حيث العدد والأجر باقي إن شاء الله وهذا دليل على مكانة الصلاة في الإسلام .

(1/85)


قوله : (( وصلى في مكة ثلاث سنسن وبعدها أُمر بالهجرة إلى المدينة ))
الشرح : وصلى رسول الله ( بعد أن فرضت عليه الصلوات صلى في مكة ثلاث سنين ، وبعدها أُمر بالهجرة إلى المدينة بعد أن مهد للهجرة إلى المدينة لأصحابه المستضعفين بالهجرة إلى الحبشة كما سيأتي .
قوله : (( والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ))
الشرح : والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، الهجرة في الاصطلاح : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام .
س / وكيف سميت هجرة الصحابة من مكة إلى الحبشة هجرة إذ والحبشة ليست دار إسلام ، دار كفرٍ وإن كان الكفر يتفاوت كانوا نصارى من أهل الكتاب ؟
جـ / هاجر الصحابة من أذى المشركين إلى الحبشة بإشارة من رسول الله عليه الصلاة والسلام وأرض الحبشة ليست دار إسلام .
س / إذاً كيف تطلق الرحلة على تلك الرحلة وذلك السفر هجرة الصحابة إلى الحبشة ؟

(1/86)


جـ / يطلق عليها من الناحية اللغوية الهجرة في اللغة الانتقال من مكان إلى مكان ودائماً تلاحظون المعنى اللغوي أوسع من المعنى الشرعي الاصطلاحي ، مجرد الانتقال من بلد إلى بلد يسمى هجرة لغةً ، وشرعاً لا يسمى هجرة إلا إذا كان الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ثم هجرة الصحابة عند التحقيق ليست الهجرة المعروفة ولكنها رحلة دعوى وتبليغ ونشر الدعوة وليشرحوا الدعوة الجديدة في القارة الإفريقية هذا الذي أزعج أهل مكة قالوا دعوة الرجل خرجت إلى أفريقيا إلى النجاشي وكان معروفا لديهم لذلك تضايقوا إلى أن اختاروا وفدا يرأسه أدهى رجالات العرب عمرو بن العاص وزوده بكل المعلومات والهدايا المحبوبة إلى ملوك الحبشة فتقدم واتصل بالملك وبرجال البلاط ورش الأرض كما يقولون بالهدايا ليقبل طلبه ما هو الطلب ؟ أن يسلم لهم هؤلاء الوفد وصفهم بأنهم سفهاء هكذا دائماً أهل الباطل يصفون أهل الحق بالسفاهة والجنون وقلة الفهم . سفهاء خرجوا من دين آبائهم ولم يدخلوا في دينك كأنه يريد لا يوجد هنا غير ديننا ودينك أيها النجاشي وهؤلاء لاهم في دينك ولا في دين

(1/87)


آبائك بدليل أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدوا لك تحية ملوك الحبشة لأنهم سفهاء هكذا دعاهم وجاءوا يتقدمهم جعفر بن أبي طالب فوقف بالباب ورفع صوته يستأذن عليك حزب الله بأعلى صوته ، صوت غريب من رجل غريب قال فليعد فأعاد يستأذن عليك حزب الله وقع في نفس النجاشي بأن القوم ليسوا بعاديين قال فليدخلوا فدخل جعفرٌ يتقدمهم ، دخل عليه أنفاً غير منحني واقف فعند ذلك سأله النجاشي لماذا لم تسجد لي ؟ أي لم تحيني بتحية قومي ، قال إنما نسجد للذي ملكك ، لا نسجد لك نسجد للذي ملكك أي للذي جعلك ملكاً ، الله هو الذي يأتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء الذي ملكك هو الذي يستحق العبادة والسجود ، تأثر الرجل فجعل يسألهم عن الدين الجديد ، وعن الرسول الجديد وما جاء به وما نزل عليه ، باختصار عرف الحقيقة ورد الهدايا لوفد قريش فطردهم فرجعوا خاسرين لم ينجحوا ، ولما أكرم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام وفيهم آل البيت بل بعض بنات النبي عليه الصلاة والسلام أكرمه الله بالإسلام فصار أول ملك من الملوك المعاصرين آمن بالرسول ( وأعلن إيمانه ، هكذا معنى هجرة الصحابة إلى الحبشة ليست الهجرة المعروفة المعهودة وإنما هي دعوة إلى الله وتبليغ لرسالة الله وشرح لدين الله الجديد ليعرف القدم هناك وتنتشر الدعوة وتخرج من الجزيرة وهذا هو هدف الهجرة .
قوله : (( والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ))
الشرح : والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وهي باقية حتى تقوم الساعة في هذا الوقت توجد أنواع من الهجرة

(1/88)


أ ـ هجرة غريبة ، يهاجر بعض المسلمون بعد أن يتضايقوا في أرض ولم يتمكنوا من إظهار دينهم وتعبوا من المتابعة والاستفهامات ، يهاجرون إلى بعض دول أوروبا هجرة ويتمكنون من إقامة شعائر الدين هناك يبنون المساجد والمدارس وفي فرنسا بلغني تحولت مدينة كأنها مدينة عربية إسلامية من كثرة المساجد والمدارس قام بذلك بعض المهاجرين من العرب الذين يحملون المعلومات من الحرمين بواسطة التسجيل وينشرون الدعوة هناك من الأشرطة فانتشرت الدعوة على المنهج السلفي بحمد الله تعالى ، نحن نعمل في بلد إسلامي آمنين على أنفسنا وأموالنا وكل شيء ، أولئك يعملون في دار الكفر حولوا بجهودهم بتوفيق الله تعالى مدناً أصبحت دار إسلام أفتى لهم بعض المشايخ أن تلك المدينة أصبحت دار إسلام لهم أن يعيشوا فيها ولا يتضايقوا ولا يقولون نحن هاجرنا من دار الإسلام إلى دار الكفر لأنهم تمكنوا من تحويل مدينتهم إلى دار إسلام ولله الحمدوالمنة ، وهكذا توجد بعض أنواع الهجرة في هذا الوقت ، مسلمون ومن العرب في الكثير يتضايقون في أرضهم فيصبحون غرباء فيهاجرون فيفتح الله عليهم هناك ويعيشون مرفوعي الرأس يدعون إلى دين الله تعالى بالحرية ، ومثل هذا جائز استدلالا بهجرة الصحابة إلى الحبشة وأنهم عاشوا هناك يعبدون الله تعالى بحريتهم بعد أن تضايقوا في مكة .

(1/89)


ب ـ وأما هجرة أفرادٍ من المسلمين إلى أوربا إلى أمريكا إلى الدول الشرقية ليعيش وحيداً بين الكفار لا يستطيع أن يظهر شعائر دينه وربما كُلف كما بلغنا أن يترك صلاة الظهر والعصر ويجمع كل يوم صلاة النهار إلى الليل ، يصلي في الليل وفي النهار لا يمكن ويتطور الأمر إلى أنه يترك الجمعة مطلقاً لأن الإجازة عندهم يوم الأحد ويوم الجمعة يوم عمل يضطر إلى أن يطيع جورج مدير الشركة ، عبد الرحمن يطيع جورج ، وجورج يقول له عندنا إجازة يوم الأحد ، الجمعة لا ، إن شئت عملت عندنا وإن شئت تركت ، يعيش هناك حياة الحيوان للأكل والشرب والنكاح ليس عنده غير هذا ، يترك دينه ، مثل هذه الحياة غير جائزة ، من أبتلي بمثل هذه الهجرة أي كي أن يهاجر وحده ليعيش هناك بين الكفار ذليلاً ناسياً عز الإسلام ، ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ( ناسياً هذا المعنى يعيش تحت إدارة جورج متذللاً مطأطأ رأسه ، أمامه يا سيدي يا سيدي يطلب الإجازة ، وجورج لا يجيز ، ومثل هذه الحياة حرام ، وحرام أن يعيش مسلم كهذه الحيلة في بلاد غير بلاد الإسلام .
جـ ـ إذا أذي مسلم في بلده وهناك بلدٌ إسلامي يستطيع أن يعيش فيه ويعبد الله بحريته يأمن على نفسه وماله ودينه وجب عليه أن يهاجر اللهم إلا إذا كان بقاءه هناك تحت الإيذاء فيه مصلحة للدعوة الإسلامية ، قد يؤذى في نفسه وفي ماله لكنه يؤثر ببقائه هناك كأن كان طالب علمٍ ومن العلماء ينشر العلم والدعوة سراً في بيته وفي كل مناسبة صابراً على الأذى مثل هذا لا ينبغي أن يهاجر ، ينبغي أن يبقى هناك صابراً على الأذى ما لم يؤمر بكفر بواح ومالم يُنهى عن الصلوات أما إذا كان مجرد الإذاء في نفسه وماله عليه أن يصبر فيبلغ دعوة الله هناك . وسبق أن قلنا الهجرة في اللغة : الانتقال من كان إلى مكان.

(1/90)


وفي الاصطلاح : الانتقال من دار الشرك إلى دار الإيمان ، أو الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن ، وهذا التعريف الثاني زاده الإمام النووي وبه يصح إطلاق الهجرة على هجرة أصحاب رسول الله ( إلى الحبشة ، وإلا على التعريف الأول لم يكن انتقالهم من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ولكن كان انتقالهم من دار الخوف والقلق والخوف على الدين وعلى النفس إلى دار الأمن والأمان ، من مكانٍ كانوا يخافون فيه على أنفسهم ودينهم ويخافون على عبادة الله تعالى بحريتهم انتقلوا إلى مكان يأمنون فيه على أنفسهم ودينهم وعبادتهم بهذا المعنى يصح اصطلاحا إطلاق الهجرة على سفر أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الحبشة ، وإلا فتكون هجرتهم هجرة لغوية ويكون الهدف كما قلنا نشر الدعوة وتبليغ الناس في إفريقيا الدين الجديد وما جاء به خاتم النبيين محمد ( .
قوله : ((وهي باقية إلى أن تقوم الساعة والدليل قوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ( فأولئك عسى الله أن يعفوا عنهم وكان الله غفواً غفوراً ( ([النساء : 97 ـ 99] ))

(1/91)


الشرح : والهجرة فريضة على هذه الأمة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وهي باقية حتى تقوم الساعة ، حتى قال بعض الأئمة كالإمام مالك : ( إذا كان الإنسان يوجد في بلد يُسب فيه السلف الصالح ولا يستطيع منعهم وجب عليه الهجرة من ذلك المكان ، أي لو أبتلي فردٌ مسلم يعيش بين أعداء أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام والتابعين ويسبونهم علناً وهو لا يستطيع معارضتهم ومنعهم لا يجوز البقاء بينهم بل يجب عليه أن يغادر ويهاجر من ذلك المكان إلى مكان آخر نص على هذا الإمام مالك رحمه الله ، والدليل على وجوب الهجرة قوله تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض ……. الآية ( هذه الآية كما قال الإمام البغوي وغيره من أهل العلم نزلت في قوم نطقوا بالإسلام ولم يهاجروا ، نطقوا بكلمة الإسلام أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ولكنهم لم يهاجروا مع رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله بل بقوا بين المشركين بمكة وكانت الهجرة في ذلك الوقت شرطٌ لقبول الإسلام ، من اعتنق الإسلام يجب عليه أن يلحق برسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يجوز له البقاء بمكة ، هؤلاء لم يخرجوا ولما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم ليقاتلوا المسلمين معهم فقتلوا وفيهم نزلت هذه الآية ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض …..الآية ( ، وظالمي أنفسهم حال أي حال كونهم ظالمين أنفسهم وظالمي أنفسهم في البقاء بين المشركين بعد أن نطقوا بكلمة الإسلام أو ظالمي أنفسهم بالشرك حيث لم يقبل منهم إسلامهم ونطقهم بكلمة الإسلام واعتبروا من المشركين فالملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ويقولون لهم فيما كنتم في أي فريق كنتم هل كنتم مع المسلمين أو كنتم مع المشركين فيما كنتم في أي شيء كنتم في الإسلام أو في الشرك ؟ استفهام تقريعي وتوبيخ وتعيير ، قالوا وهم يعتذرون :

(1/92)


( كنا مستضعفين في الأرض ( علم الله بأن هذا العذر باطل لم يقبل منهم هذا العذر ( قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ( يدخل في أرض الله دخولاً أولياً المدينة أرض الله الواسعة وفي مقدمتها المدينة النبوية لماذا لم تهاجروا إليها ؟ ( فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ( وهذا دليل أن الله لم يقبل عذرهم وأن عذرهم باطل وتعليلٌ غير مقبول ولذلك عذر الله من علم صحة عذرهم فقال الرب سبحانه : ( إلا المستضعفين من الرجال والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً ( هؤلاء عذرهم الله من كان من الرجال والنساء والأطفال العاجزين عن الهجرة وهم باقون بين المشركين عذرهم الله سبحانه وتعالى فقال : ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً ( يقول عبد الله بن عباس هو وأمه من هؤلاء المعذورين من المستضعفين الذين قبل الله عذرهم هكذا إذا كان الإنسان صادقاً مع الله وعلم الله عذره وعجزه وأنه لاحيلة له ، يقبل الله عذره ويعفو عنه ، هذه قاعدة في كل شيء ، الله سبحانه وتعالى لا تنطلي عليه الأمور لاكما يفعله بعض الناس الآن يلوذون باسم الإسلام وينادون باسم الإسلام ويتشدقون باسم الإسلام إذا اشتدت بهم الأمور وهم دعاة ضد الإسلام ومعادون للإسلام وعلمانيون لا إسلام لهم ، ولكن إثارة للنفوس قد يعتذرون بالإسلام فالله سبحانه وتعالى لا تنطلي عليه الأمور ، يجب أن يصدق العبد مع الله من كان صادقاً في عذره وفي إسلامه وفي تمسكه بدين الله قبل الله عذره ومن لا فلا ، هؤلاء الأولون منهم اعتذروا ( قالوا كنا مستضعفين في الأرض ( لم يقبل الله عذرهم لأنهم غير صادقين ولكن عذر العاجزين فقال في حقهم ( فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ( وعسى من الله واجب ليس للرجاء ( وكان الله عفواً غفوراً ( .

(1/93)


كذلك مما يذكر هنا إذا أوجب الله شيئاً أو حرم شيئاً لابد حكمة منه ورحمة للعباد أن يستثني ، أوجب الله الهجرة على كل من آمن بحيث لا يقبل عذره ولا يقبل إسلامه حتى يهاجر ذلك قبل فتح مكة ، وانقطعت هذه الهجرة وهذا الوجوب بفتح مكة ، وقبل ذلك لا يقبل من أحدٍ إسلام حتى يهاجر هذه كانت كقاعدة ومع ذلك استثنى الله المستضعفين والمضطرين إلى البقاء الذين لا يجدون حيلة في السفر ، لما حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير استثنى المضطرين إلى أكل الميتة وأكل لحم الخنزير وأكل الدم رحمة منه سبحانه وتعالى ، لاتجد لو تتبعت واستقرأت الكتاب والسنة قاعدة كهذه إلا وتجد الاستثناء وذلك الاستثناء قاعدة قعد منها الأصوليون ، قالوا الضرورات تبيح المحظورات ، بهذه المناسبة كان يوم بدر تبع رسول الله ( رجلٌ مشرك فقال : يا رسول الله أريد أن أتبعك فأصيب معك ما تصيب فقال له : { هل تؤمن بالله ورسوله ؟ } فقال : لا قال ارجع لن نستعين بالمشركين أنا لا أستعين بمشرك أرجع فرده فتبعه مرة ثانية قال له أريد أن أتبعك لأنال مما تنال قال له : { هل تؤمن بالله ورسوله } قال : لا قال : { ارجع لن أستعين بمشرك } ولحقه مرة ثالثة فقال : ما قال في المرة الأولى والثانية فقال له النبي عليه الصلاة والسلام : { هل تؤمن بالله ورسوله ؟ } قال : نعم قال : { أنطلق }فجاهد معه ، هذا الحديث اختلف أهل العلم في توجيهه ، فمنهم من قال : إنما فعل رسول الله ( ذلك لأنه علم بأن هذا الرجل سوف يسلم إذا رده مرة أو مرتين يدخل في الإسلام علم ذلك بالوحي لذلك رده في المرة الأولى والثانية حتى أسلم وأكرمه الله بالإسلام نتبع رسول الله ( وجاهد معه ، ومن يذهب هذا المذهب منهم الإمام أبو حنيفة وأصحابه وكثيرٌ من أهل العلم يرون جواز الاستعانة بالمشرك على المشرك لأن هذا الحديث لم يكن الغرض منه التحريم ، ولكن الغرض منه ترغيب الرجل بالإسلام بدليل أن رسول الله ( استعان بصفوان

(1/94)


بن أمية في غزوة حنين وهو مشرك وأقر الرجل الذي علم بوحي من الله بأنه كافر ومن أهل النار في بعض الوقائع ( في واقعة أحد ) كان يقاتل قتالاً مريراً وقتل كثيراً فأعجب به الصحابة فكان رسول الله ( يقول إنه من أهل النار اندهش الصحابة من هذا الخبر رجلٌ يبلي بلاً حسناً كهذا بين يدي رسول الله ( فيقول فيه الرسول عليه الصلاة والسلام إنه من أهل النار اتبعه أحد الصحابة ليعرف مصيره وفي النهاية جرح الرجل جرحاً شديداً فلم يصبر اتكأ على سيفه فقتل نفسه ، فأُخبر النبي عليه الصلاة والسلام بما جرى فقال : { أشهد أني رسول الله } ،ثم قال : { إن الله لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر } ومع ذلك لم يمنعه الرسول ( من المشاركة في الجهاد في القتال من ذهب هذا المذهب يرون جواز الاستعانة بالكافر على الكافر ، ومن ذهبون مذهباً آخر يأخذون ظاهر حديث عائشة عند مسلم في قصة بدر التي ذكرنا الآن ، الذي يتابع الرسول عليه الصلاة والسلام مرتين من يأخذونه على ظاهره بدون نظر إلى هذا الفقه الدقيق يقولون لا يجوز الاستعانة بالكافر إلا عند الحاجة ، نص الإمام الشافعي رحمه الله كراهة الاستعانة بهم إلا عند الحاجة ، وبعد هل [ يفرق ] بين الحاجة والاضطرار ؟ ما الفرق بين الحاجة وبين الضرورة ؟ الضرورة التي هي الاضطرار وبينهما فرق كبير إذا كان يكره الاستعانة بهم عند بعضهم عند الحاجة ، وأما عند الضرورة والاضطرار يكون الاستعانة بهم إما جائز أو واجباً كأكل الميتة ، فأكل الميتة قد يكون جائزاً وقد يكون واجباً ، إذا كنت محتاجاً إلى أكل الميتة فجائز وإذا كنت مضطراً فواجب ، الفرق بين الحاجة وبين الضرورة إذا كنت ظمأن ترغب في شرب الماء ولكن لو لم تشرب لا يلحقك ضرر هذه تسمى حاجة ، وأما إذا كنت مضطراً إلى شرب الماء بحيث لو لم تشرب يلحقك الضرر والهلاك يجب إن تشرب وكذلك في أكل الميتة وفي مسألة الاستعانة بالكفار كذلك ، إن كانت المسألة مسالة اضطرار كأن

(1/95)


خفت على نفسك ودينك ومقدساتك وبلدك وامتك مالم تستعن بعد الله بالكافر وتطلب منه المساعدة في مثل هذا الاضطرار ، الاستعانة بهم واجبة وفي دون الاضطرار عند الحاجة العادية الاستعانة بهم جائزة ، هذا على رأي الطائفة التي ترى عدم الجواز في الأصل ، أما الذين ذهبوا المذهب الأول يرون أن ذلك جائز مطلقاً وانما منع النبي ( الرجل أن يتبعه لما ذكرنا مما كان لعلمه انه سوف يسلم ، ويذهب الحافظ ابن حجر مذهباً آخر وهو أن الاستعانة كانت ممنوعة بدليل ذلك الحديث ثم أبيحت بدليل قصة صفوان وعلى كلٍ القاعدة الفقهية التي ينبغي أن يفقهها طلاب العلم ( إذا حرم الله شيئاً وأكد في تحريمه نجد أنه يستثني حالات الاضطرار ) منها ما نحن بصدده الآن .
قوله : (( وقوله تعالى : ( ياعبادي الذين ءامنوا إن أرضي واسعة فأيى فا عبدون ( [ العنكبوت : 65 ] ))
الشرح : ومن أدلة الهجرة أي وجوب الهجرة قوله تعالى : ( قل يا عبادي الذين ءامنوا إن أرضي واسعة فإيي فاعبدون ( لستم مضطرين لأن تبقوا تحت الاضطرار والإضتهاد ، أخرجوا من أرض الكفر إلى دار الإسلام فاعبدوا الله هناك ، أو من دار الخوف والقلق إلى دار الأمن والاستقرار فاعبدوا الله تعالى هناك ، الهجرة هكذا تكون واجبةٌ بهذه الآيات إلا أن فتحت مكة ، ولكن بقي وجوب الهجرة من محل الشرك والإضتهاد والإساءة إلى المسلمين وإلى الإسلام إلى محل لاتسمع فيه كل ذلك .
قوله : (( قال البغوي رحمه الله : ( سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجروا ، ناداهم الله باسم الإيمان ) ))

(1/96)


الشرح : قال البغوي رحمه الله : ( سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين بمكة لم يهاجورا نا داهم الله باسم الإيمان ) يعني المؤلف بهذه الآية من سورة العنكبوت لا آية النساء ، أما آية النساء تقدم سبب نزولها وإنقسام الناس فيها إلى قسمين : إلى قسم عذر وقسم لم يعذر فالآية التي يشير إليها المؤلف الآية الأخيرة آية سورة العنكبوت .
قوله : (( والدليل على الهجرة من السنة قوله ( : { لا تنقطع الهجرة حتى ينقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها } ))
الشرح : والدليل على الهجرة من السنة قوله ( : { لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ـ أي يغلق باب التوبة ـ ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها } وهذه الهجرة التي لا تنقطع ليست تلك الهجرة التي كانت واجبة من مكة إلى المدينة ، تلك إنقطعت بفتحمكة ، ولكن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام كما تقدم الشرح .
قوله : (( فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ،والأذان ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ))

(1/97)


الشرح : فلما استقر النبي (بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام ، وكان التركيز في مكة على العقيدة ،على تصحيح العقيدة وبناء العقيدة وتصحيحها ، ولما استقر هاجر إلى المدينة واستقر في المدينة أقر بشرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والحج والجهاد والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات الإسلام التي إستهان بها كثيرٌ من الناس ، جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير موجود في أكثر أرض الله اليوم باسم الحرية قضي على الجهاد فنسأل الله تعالى أن يقويه وغير ذلك من شرائع الإسلام ، وأما الجهاد فعند كثير من الناس شعارٌ أجوف يرفعون الشعار فإذا جد الجد لاجهاد اعتذروا أو جهاد مقلوب بمعنى معكوس غير الجهاد الإسلامي ، أما الجهاد الإسلامي لإعلاء كلمة الله قليل جداً من يجاهدون هذا الجهاد دون جعجعة ، ولكن في صمت وإخلاص لله تعالى ، وقد كشف الجهاد الأفغاني كثيراً من الجهات التي كانت تنادي وتتخذ الجهاد شعاراً أجوف كشفهم ففضحهم ، ولما قام الجهاد اعتذروا ، وأما الذين ينادون الآن بالجهاد الجهاد وهم ممن يجاهدُ فيهم ليسوا ممن يجاهدون في سبيل الله والقضية معكوسة فليفهم شباب الإسلام وطلاب العلم معنى قوله ( : { أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً } وقد استشكل الصحابة قوله : { أنصر أخاك ظالماً } كون تنصره مظلوماً واضح ولكن كيف تنصر أخاك ظالماً ؟ لهذا الحديث مفهومان ، مفهومٌ إسلامي ، ومفهومٌ جاهلي ، المفهوم الإسلامي هو الذي بينه النبي عليه الصلاة والسلام وهو أن تكلف أخاك الظالم من الظلم وتمنعه من الظلم وتحول بينه وبين الظلم تكون بذلك قد نصرته ، أما المفهوم الجاهلي أن تنظم إليه في ظلمه فتظلم معه وتؤيده وتصفق له حتى يتمادى في الظلم بسبب تشجيعك وتصفيقك وهذا ما يجري الآن للأسف بين الغوغائيين المنتسبين إلى الإسلام الذين لا يفهمون من الإسلام إلا هذه الكلمة الجوفاء والله

(1/98)


المستعان .
قوله : ((أخذ على هذا عشر سنين ))
الشرح : أخذ على هذا رسول الله ( يدعو إلى هذا التشريع السماوي في المدينة عشر سنين .
قوله : (( وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باقٍ ، لا خير إلا دل الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه ، والخير الذي دل عليه : التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، والشر الذي حذر عنه : الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه ))
الشرح : توفي صلوات الله وسلامه عليه ودينه باقٍ ، لم يمت دينه معه ، بل بقي لأن الدين دين الله الذي أنزله هو رب العالمين الحي الذي لا يموت فرسول الله ( بلغ دين الله ونشر العقيدة والتوحيد والشرائع بعد أن ثبت الله الإسلام والمسلمين وفهموا ما جاء به النبي ( قبضه إليه ، ولكن لم يقبضه إليه إلا بعد أن بلغ البلاغ النهائي فأكمل الله له دينه إشارة إلى قرب أجله عليه الصلاة والسلام كأن الله أعلمه في حجة الوداع في خطبة يوم عرفة وفي خطبة يوم النحر خاطب الصحابة فقال لهم أنتم مسؤولون عني ماذا أنتم قائلون بعد أن خطب فيهم وبين لهم كل شيء قالوا نشهد بأنك بلغت ونصحت ونحن نشهد معه أنه عليه الصلاة والسلام بلغ ونصح فرفع الرسول (إصبعه كان يرفعها وينفثها عليهم ويقول:{ اللهم أشهد اللهم أشهد }وسميت تلك الحجة حجه الوداع التي جرى فيها هذا الكلام لأنه بعد أن رجع من الحج لم يمكث في هذه الدنيا وفي هذه المدينة إلا ثمانين يوماً وألتحق بالرفيق الأعلى ( بعد أن بلغ ونصح لأمته عليه الصلاة والسلام وقال عليه الصلاة والسلام للصحابة : { ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم } كل هذا دليل على أنه بلغ البلاغ المبين فبقي دينه إلى هذا يشير الشيخ بقوله رحمه الله لا خير إلادل الأمة عليه ولا شر إلا وحذرها عنه ، فأكمل الله له الدين وفي مقدمة ذلك التوحيد ، أي إفراد الله تعالى بالعبادة فإذا أطلقالتوحيد المراد به توحيد

(1/99)


العبادة وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، لأن الطاعات بريد التوحيد وتثبت التوحيد وتصدق التوحيد ، والشر الذي حذرها عنه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه المعاصي بريد الشرك وتدعوا إلى الشرك وتزين الشرك للناس .
قوله : (( بعثه الله إلى الناس كافة وأفترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والأنس ))
الشرح : بعثه الله إلى الناس كافة لا إلى العرب فقط ولا إلى الأنس فقط بل إلى الثقلين وافترض الله طاعته على جميع الثقلين الجن والأنس الطاعة المطلقة فقد فرض الله طاعته الطاعة المطلقة التي لا مراجعة فيها التي لاتتةقف على وجود مثلها على ودود مثل المأمور به والمنهي عنه بالكتاب ، هذا معنى الطاعة المطلقة لرسول الله عليه الصلاة والسلام الطاعة المطلقة ولا يوجد في المخلوق أحد من له الطاعة المطلقة ألا رسول الله ( .
قوله : (( والدليل قوله تعالى : ( قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ([ الأعراف : 158 ] ))
الشرح : والدليل قوله تعالى : ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ( هذا بالنسبة للإنس والجن داخلون أيضاً .
قوله : ((وأكمل الله به الدين ، والدليل قوله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ( [ المائدة : 2 ] ))
الشرح : وكمل الله به الدين الشيء الكامل لا يقبل الزيادة ، الدين كامل حيث قال الله تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم ( أي في هذا اليوم الحاضر في حجة الوداع ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ( هكذا كمل الله لنا ديننا سبحانه وتعالى ، والدين الكامل والشيء الكامل لا يقبل الزيادة لذلك كل من أحدث في هذا الدين فمحدثة يعتبر بدعة مردودة { من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } لأن الدين تم وكمل وعلى المرء الإتباع فقط .

(1/100)


قوله : (( والدليل قوله تعالى : ( ليجزي الذين أساءوا والدليل على موته ( قوله تعالى : ( إنك ميتٌ وإنهم ميتون ( ثم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( [ الزمر : 30 ـ 31 ] ))
الشرح : قال المؤلف رحمه الله : والدليل على موته ( قوله تعالى : ( إنك ميتٌ وإنهم ميتون ( ثم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ( كثيرٌ من الغلاة الذين يدّعون تعظيم رسول الله ( وتبجيله إذا قلت إن النبي ( ميت يغضب انظروا إلى الجهل يصل المرء إلى أي درجة ، يغضب من قولك أن النبي ( مات أو ميت ، كيف تقول ميت ؟ الله هو الذي قال ، لا يدري ماذا قال الله ، ولكن يحتكم إلى العاطفة ، لا يجوز عنده أن تطلق لفظة ميت أو مات على رسول الله ( ، بينما أثبت الله ذلك وأقره بدون تردد أحب الناس إليه آبو بكر الصديق عندما قال له عند وفاته: ( طبت حياً وميتاً يا رسول الله ( ) ولا ينبغي للمسلم أن يكون عاطفياً إلى هذه الدرجة حتى توقعه العاطفة في تكذيب خبر الله وخبر رسول الله ( .
قوله : ((والناس إذا ماتوا يُبعثون والدليل قوله تعالى : ( منها خلقناقم وفها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى ( [ طه : 55 ] ))
الشرح :والناس إذا ماتوا يبعثون ، أي من الأصول التي يجب الإيمان بها البعث بعد الموت ، والدليل قوله تعالى : (منها خلقنا قم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى ( أي من الأرض ، والشاهد ( ومنها نخرجكم تارةً أخرى ( هذا هو دليل البعث .
قوله : ((وقوله تعالى : ( والله أنبتكم من الأرض نباتاً ( ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً ( [ نوح : 17 ـ 18 ] ))
الشرح : وقوله تعالى : ( والله أنبتكم من الأرض نباتاً (أي إنباتاً، نباتاً اسم مصدر ، والمصدر انبات والله أنبتكم من الأرض إنباتاً هذا هو المصدر ، ونباتاً اسم مصدر كتوضأ وضوءاً أي توضأ ( ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجاً ( ، ومحل الشاهد من الآية قوله : ( ويخرجكم إخراجاً ( .
قوله : ((وبعد البعث محاسبون ، ومجزيون بأعمالهم ))

(1/101)


الشرح : وبعد البعث الناس محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، بعد البعث هناك ورود الحوض ، وهناك الميزان ، وهناك الحساب ، وعرض الأعمال ، اختلف أهل العلم في الترتيب بين هذه الأشياء ، ولكن بعضهم يميل على أن أول شيء ورود الحوض لأن المقام يقتضي ذلك لأن الناس يبعثون من قبورهم وهم عطاش بحاجةٍ إلى الماء لذلك منّ الله على أمة محمد (? بالحوض المورود ، الحوض العظيم الذي يشرب منه أهل الجنة ، يرد المؤمنون هذا الحوض العظيم ورسول الله ( ينتظرهم هناك وهم فرط أمته إلى الحوض ومنبره على حوضه وهذا الحوض العظيم الذي الناس بحاجةٍ ماسةٍ ‘إلى الشرب منه وهم بعثوا من قبورهم من شدة العطش ، ولكن بعض الناس يردون ويطردون من الحوض ورسول الله ( لا يدري عن سبب طردهم 1لذلك طردهم لذلك يقول يا رب أمتي أمتي أو أصحابي أصحابي ، فيقال لهم : لا تدري ما أحدثوا بعدك أن هؤلاء غيروا بدلوا بعدك فيقول النبي ( سحقاً لمن بدل وغي) ، استدل أهل العلم بهذا الحديث بأن رسول الله (?? لا يدري ما يحدث بعده من التغيير والتبديل والردة والإبتداع في هذا الدين ، لا يدري عن ذلك لأن علم الغيب العام لله وحده ، والأنبياء لا يعلمون في حياتهم إلا بإعلام الله إياهم بعض الأمور ، يتعارض هذا الحديث مع حديث ورد أن الأعمال تعرض على رسول الله ( أعمال أمته ورد في ذلك الحديث إن رأى خيراً حمد الله ، وإن راى غير ذلك استغفر الله لأمته ، قال أهل العلم في التوفيق بين الحديثين : أن حديث عرض الأعمال غير صحيح ، وعلى فرض صحته ، يعلم بالجملة لا بالتفصيل ، أما بالتفصيل أن فلان هو الذي غير وهو الذي بدل وهو الذي ارتد لا يعلم ذلك للتوفيق بين هذا الحديث وبين حديث العرض على الحوض ، وطرد بعض الناس من الحوض ، وعلى كلٍ ، يقال أن أول ما يحصل بعد البعث ورود الحوض ثم الميزان ثم الحساب والعرض ، والمراد بالحساب المناقشة { من نوقش الحساب عذب } ، والعرض عرض الأعمال وعرض الكتب وبعد ذلك

(1/102)


الناس مجزيون بأعمالهم ، وعند الجزاء من الناس من يكون جزاءهم لكثرة أعمالهم الحسنة والشدة وإخلاصهم وتحقيقهم التوحيد من يثابون بعدم دخول النار بل ليس عليهم حساب ولا عقاب ويدخلون الجنة من أول وهلة ، أولئك الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون) ، بعد ذلك من الناس من تتساوى سيئاتهم وحسناتهم فيشفع فيهم رسول الله ( أو غيره لأن هذه من الشفاعة العامة فيدخلون الجنة قبل أن يدخلوا النار ومن الناس من يؤمرون بدخول النار لكثرة أعمالهم السيئة وقلة أعمالهم الحسنة وبعد الأمر بهم إلى النار يشفع فيهم رسول الله ( بإذن ربه فيحولون إلى الجنة ومن الناس من لا تسعفهم الشفاعات قبل دخول النار فيدخلون النار فيشفع فيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام وغيره من الشافعين وقد يكونون من أصحاب الكبائر فيخرجون من النار بشفاعة الشافعين إلى هذا يشير رسول الله ( بقوله : { شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي })وفي النهاية ينظر من في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرةٍ من إيمان يخرجون من النار ويطرحون في نهر الحياة) وينبتون كما ينبت البقل أي بعد التطهير والنظافة يدخلون الجنة ، لأن الجنة دار الطيبين لا يدخلها إلا الطيبون ، الخلاصة من عقيدة أهل السنة والجماعة : اعتقاد أنه لا يخلد في النار من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان ، وفي لفظ من خير المراد الإيمان سواءً كان ذلك بشفاعة الشافعين أو برحمة رب العالمين سبحانه وتعالى هكذا الناس مجزيون بأعمالهم وقد يسعفهم الله سبحانه وتعالى كما [ سبق ] بشفاعة الشافعين من غيرعمل أي بعد أن عجزت أعمالهم .

(1/103)


قوله : ((والدليل قوله تعالى ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( [ النجم : 31 ] والدليل قوله تعالى ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( [ النجم : 31 ] )) والدليل قوله تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا (دون زيادة وهذا من فضل الله وكرمه ( ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ( بل كثرٌ منهم يجزون بالحسنى وزيادة ، الحسنى الجنة ، والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى بالنسبة إلى المؤمنين الذين يؤمنون بصفة الوجه ، أما الذين ينكرون وجه الله الكريم فهؤلاء جديرون وقمنون بأن يحرموا النظر إلى وجه الله تعالى لأنهم لم يؤمنوا به .
قوله : ((ومن كذب بالبعث فقد كفر ، والدليل قوله تعالى : ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم وذلك على الله يسير ( [ التغابن : 7 ] ))
الشرح : ومن كذب بالبعث كفر ، التكذيب بالبعث كفرٌ بالله لأنه تكذيب بخبر الله وخبر رسول الله??(، ومن كذب خبر الله سواء كان في البعث ، أو في بعض صفاته أو في الأحكام والعبادات أو أي خبر ، ومن كذب خبر الله وخبر رسوله عليه الصلاة والسلام يرتد وذلك من نواقض الإسلام والدليل قوله تعالى : ( زعم الذي كفروا أن لن يبعثوا (?وصفهم بأنهم كفروا ( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم وذلك على الله يسير ( الذين أوجدكم من لاشيء لا يعجز من أن يبعثكم بعد الموت لأن من الناحية النظرية العقلية الإبتداء أصعب من الإعادة ليس على الله شيء صعب .
قوله : (( وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ( [ النساء : 165 ] ))

(1/104)


الشرح : وأرسل الله جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، هذا فيه بيان لوظائف الرسل ، وظيفتهم التبشير للمؤمنين والإنذار للعصاة والدليل قوله تعالى : ( رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الناس حجة بعد الرسل ( لايقولوا ما بعثت إلينا رسلاً ولا أنزلت إلينا كتباً ، أما بعد إرسال الرسل وإنزال الكتب والبيان من الرسل ومن اتباع الرسل لا حجة للناس على الله ، هنا لنا وقفة ، وهل إرسال الرسل وإنزال الكتب إن لم يكن هناك بيان أو حال بين بعض الناس وبين هذه الحجة ، حجة الله في الأرض كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام إن وجدت شبه حالت بينهم وبين فهم كتاب الله أو بعبارة أخرى بينهم وبين فهم ما جاء به رسول الله ( هل يعذرون أم لا ؟ ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم () لتبين لابد من البيان إذا بين الرسول ( وقد بين بالفعل بياناً شافياً لكن حصل أحياناً شبه وضلالات حالت بين الناس وبين فهم ذلك البيان كالذي حصل بعد أن نشأ علم الكلام بين المسلمين من عهد العباسيين إلى عهدنا هذا ، التبس الأمر عند كثير من الناس في باب الأسماء والصفات ، ثم دخلت التصوف ووحدة الوجود بين المسلمين ، وألتبس الأمر على كثير من الناس في باب العبادة ، حصل خلطٌ وعدم التفريق بين حق الله تعالى وحق رسوله عليه الصلاة والسلام وحقوق الصالحين ، وأنحرف كثيرٌ من الناس في باب العقيدة ، وفي باب العبادة ، وفي باب الأحكام ، عن الجادة بسبب كثرة الشبهات حتى جهلوا ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام هل هؤلاء يعذرون حتى يتبين لهم الحق ؟ أم أنه يكفي مجرد إرسال الرسل وإنزال الكتب وإن حصل ما حصل من الشبه التي حالت بين كثير من الناس وبين فهم ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يليق بعدل الله تعالى والذي فهمه أهل التحقيق من علماء المسلمين ، أن من حصل له شيء من ذلك يعذر ، أما من تبين له الحق ، وتبين له الهدى ، وأبى إلا أن يتبع غير

(1/105)


سبيل المؤمنين بعد تبين الحق عناداً أو تعصباً لمألوفاته وتقاليده هؤلاء لا يعذرون ، وأما قبل أن يتبين لهم الهدى ، ويحسبون أن ما هم عليه هو الهدى من الشرك والضلال ونفي الصفات ، فهولاء يعذرون لمعرفة هذه النقطة المهمة عليكم أن ترجعوا إلى كتب شيخ الإسلام أو كتاب الشيخ أبن عثيمين ( القواعد المثلى ) ، بعد هذه المسألة ، وذكر المراجع من كتب شيخ الإسلام لتتأكدوا من صحة هذا المذهب وأنه المذهب الحق إن شاء الله ، وإن الناس يعذرون في أصول الدين وفروع الدين على حدٍ سواء مالم يتبين لهم الهدى ويتبعوا بعد ذلك غير سبيل المؤمنين والله أعلم ، ولقد لخصت كذلك هذا المعنى في كتاب الصفات الألهية في الباب الخامس لتنقلوا منه إلى المراجع المذكورة هناك .
قوله : ((وأولهم نوح عليه السلام ))
الشرح : وأولهم نوح عليه السلام ،أول الرسل وهي مسألة خلافية أولهم نوح أو آدم الذي عليه أكثر أهل العلم أولهم نوح لأنه إنما وقع الشرك في قومه ، ولم يقع الشرك قبل ذلك ولكن نؤكد على ذلك بعض الأثار التي تشير إلى آدم نبيٌ رسول ، وعلى كلٍ الآثار التي جاءت في هذه المسألة تحتاج إلى مراجعة وإلى تحقيق . (
قوله : (( وأخرهم محمد ( ))
الشرح : وأولهم نوح عليه السلام وآخرها محمد عليه الصلاة والسلام ، وهو خاتم النبيين من أنكر كونه خاتم النبيين وادعى النبوة بعده سواءٌ لنفيه أو لغيره فهو مرتد ، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( هذه الآية التي استدل بها المؤلف وقبله غير واحدٍ من أهل العلم يعترض بعضهم على دلا لتها على المراد وأنها ليست نصاً في أن أول الرسل نوح ولكنها ظاهر وفرق بين النص وبين الظاهر ، الظاهر ما يحتمل معنيين ، والنص مالا يحتمل إلا معنى واحداً والآية ظاهرة ليست بنص في المسألة . والله أعلم

(1/106)


قوله : (( والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام ، قوله تعالى : ( إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ( [ النساء : 163 ] ، وكل أمةٍ بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ، بأمرهم بعبادة الله وحده ، وينهاهم عن عبادة الطاغوت ، والدليل قوله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ( [ النحل : 36 ] ))
الشرح : وكل أمةٍ بعث الله إليهم رسولاً من نوح إلى محمد عليهما الصلاة والسلام ، يأمرهم بعبادة الله وحده وينهاهم عن عبادة الطاغوت أي يفتتح دعوته بالدعوة إلى عبادة الله ما من نبيٍ أرسل إلا وجعل مفتاح دعوته : أعبدوا الله ما لكم من إله غيره ، هذا مفتاح دعوة الرسل جميعاً ، والدليل قوله تعالى : ( ولقد بعثنا في كل أمةٍ رسولاً أن اعبدوا الله و اجتنبوا الطاغوت (? والآية تفسير معنى لا إله إلا الله ، لأن كما تقدم لا إله إلا الله تفسيرها في القرآن ذكر هناك عدة آيات منها هذه الآية ، وإن كان بالنسبة لنظم كلمة التوحيد ليست على ترتيبها ولكن أعبدوا الله يساوي إلا الله ، واجتنبوا الطاغوت يساوي لا إله إلاالله تأتي الآية بعد هذه على ترتيب لا إله إلا الله .
قوله : ((وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله ))
الشرح : وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله وحده مالم يكفر الإنسان بالطواغيت لاينفعه ولا يجديه أي لا بد من الجمع بين الكفر و الإيمان كما جمعت كلمة التوحيد بينهما ، كلمت التوحيد جمعت بين الكفر والإيمان ، وأن شئت بين النفي والإثبات ، لا إله نفيٌ وكفرٌ بما يعبد وبمن يعبد من دون الله إلا الله إثبات العبادة لله وحده .
قوله : (( قال أبن القيم رحمه الله : ( الطاغوت : ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوعٍ أو مطاع ) ))

(1/107)


الشرح : الطاغوت ، معنى الطاغوت : مأخوذ من الطغيان ، والطغيان مجاوزة الحد ،طغى الماء، طغى فلان أي تجاوز حده ، الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبودٍ أو متبوعٍ أو مطاع ، حد العبد ما هو ؟ عبادة الله وحده لكونه عبداً يعبد ربه الذي خلقه فإذا تجاوز هذا الحد، وصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله تجاوز الحد وصار ذلك طغيان من تجاوز به هذا الحد متبوعٍ اتبعه في المعصية في التحليل والتحريم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله ، معبودٍ عَبَده تذلل له وخضع له وأحبه كما يحب الله هذا المعبود لأن العبادة غاية الذل مع غاية الحب ، من أحب غير الله مع الله وخضع له وتذلل له عبد ذلك الغير وتجاوز به حده من هنا [ تعلم ] ليست العبادة مجرد الصلاة والصيام والزكاة والحج أي أركان الإسلام ، العبادات أنواع وحقيقتها غاية الذل مع غاية الحب بما في ذلك الدعاء لذلك صار الدعاء مخ العبادة لأن فيه تذلل ورجاء وطمع هذا المعنى هو العبادة . المتبوع من يقلده ويتبعه ويحلل له ويحرم له كالذين يتبعون الأحبار والرهبان وكذلك المطاع هما إما مترادفان أو متقاربان ، شخصٌ أطاعك في غير شريعة الله أو مخالفاً بذلك شريعة الله في التحليل والتحريم يقال له مطاع ، ويقال له متبوع هذا هو الطاغوت طبق هذا على واقع الناس تجد كثيراً وكثيراً جداً من الذين يطاعون في نفي صفات الله تعالى من الذين يطاعون في عبادة غير الله ، من الذين يطاعون في التحليل والتحريم ، وفي الأحكام الدستورية ما أكثر ذلك الذين يطيعون ويتبعون رجال التشريع الذين يُسمون رجال التشريع ، والتسمية نفسها جريمة تسمية بني آدم أنهم رجال التشريع جريمة التشريع والمشرع هو الله وحده والذي يبلغ شريعة الله محمد ( ومن قبله من الرسل ، وأتباعه منفذون ومطبقون الملوك والرؤساء والأمراء والعلماء منفذون ومطبقون وليسوا بمشرعين ، التشريع لله ، ويطلق على الرسول ( بأنه مشرع ، ولكن المشرع

(1/108)


الحقيقي هو الله إنما يطلق على الرسول (? لأنه له الطاعة المطلقة ، وقد يأتي بأحكام غير موجودة في القرآن ، كتحريم الحمر الأهلية يوم خيبر وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها زيادة على ما في القرآن ، له الطاعة المطلقة بهذا الإعتبار يطلق عليه بأنه مشرع عليه الصلاة والسلام ، وباعتبار أنه مبلغ عن الله تشريع الله ، وإلا المشرع الحقيقي هو الله ، وإطلاق رجال التشريع على أولئك الدكاترة الذين يتخرجون من كليات الحقوق المستشار فلان من رجال التشريع ، يا ليت شعري ما يخجل هذا الإنسان عندما يقال له أنت من رجال التشريع ، أنت تشرع من أين لك التشريع ؟ معنى ذلك تجعل نفسك كأنك الله رب العالمين أو رسول الله ( ليس لك حق في التشريع ، والتسمية نفسها غلط ومن الجاهليات الذين ألفها كثيرٌ من الناس ، فأصبحت من السهولة بمكان أن يطلقوا رجال التشريع على كثير من المتعلمين الذين يتخرجون من كليات الحقوق .
قوله : (( والطواغيت كثيرة ، ورؤسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راضٍ ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ))

(1/109)


الشرح : والطواغيت كثيرة ـ وربما اليوم أكثر ـ ورؤسهم خمسة : إبليس لعنه الله ، ومن عبد وهو راضٍ ، ومن عبد وإن لم يدعو الناس إلى عبادة نفسه ، لكن رأى الناس يعبدونه فرضى واستراح إلى تلك العبادة ، منصب كبير ، الناس تسجد له ، وتركع له ، وتذبح له ، ورضى بذلك هذا من الطواغيت ، أو من دعى الناس إلى عبادة نفسه يزين للناس عبادة نفسه فيقول : أنا من آل فلان ، من آل البيت ، أنا كذا وكذا ، ونحن لنا الحق بأن يستغاث بنا ، وتجعل لنا النذور ، هكذا يزينون للناس عباده أنفسهم ، والناس عاطفيون في الغالب الكثير ، الرجل الذي من آل البيت وينتسب إلى بيت النبوة خصوصاً في البلدان الأعجمية ، بأدنى إشارة يُعبد ، وإذا أشار إليهم أدنى إشارة إلى عبادة نفسه والتذلل له عبدوه وبالغوا فيه ، ولو حاول أن يتخلص بعد ذلك فقال : لا ، يقولون إنما يقول لا من باب التواضع لأنه من المتواضعين ويزدادون في عبادته هذا هو واقع كثير من الناس للأسف .
قوله : (( ومن ادعى شيئاً من علم الغيب ))

(1/110)


الشرح : ومن ادعى شيئاً من علم الغيب كالكاهن والعراف والساحر والمنجم وصاحب الكف وصاحب الفنجان وصاحب الرمل والتراب الذين يكتبون ويخططون في الرمل والتراب ويخبر الناس علم الغيب من تلك الخطوط ويقرا في الفنجان ، وأنت لاترى في الفنجان شيئاً وهو يزعم أنه يقرأ في هذا الفنجان الذي تشرب به القهوه فيخبر منها الغيب وينظر في الكف فيقرأ في الكف فيخبر بالغيب ويدعي أنه يعرف مكان الضالة ، الناقة التي ضلت في المكان الفلاني والسيارة التي سُرقت في الشعب الفلاني في الجراش الفلاني ، وهكذا ، هؤلاء كلهم كفرة ، ومن الطواغيت ، ومن رؤساء الطواغيت ، لأنهم كلهم زعموا أنهم يعلمون الغيب لذلك قال النبي ( : { من أتى كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل علي محمد } ، لأن الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام هو القرآن ، والقرآن يقول : ( قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ( ، ومن ادعى علم الغيب بأي وسيلة من الوسائل خصوصاً هذه الوسائل الوهمية التي لا حقيقة لها كافر مرتد ورئيس من رؤساء الطواغيت ، ولكثرة انتشار هذه الأمور الجاهلية في صفوف المسلمين في كثير من الأقطار ، يجب على طلاب العلم مكافحة ذلك ودعوة الناس إلى الكفر بهم ، مكافحة هؤلاء لا تقل درجةٌ عن مكافحة المخدرات بل مكافحة هؤلاء أشد وجوباً من مكافحة المخدرات التي تخدر الأعصاب والأعضاء هؤلاء يخدرون الإيمان ويفسدون الإيمان ويقعون الناس في الكفر بالله تعالى .
قوله : ((ومن حكم بغير ما أنزل الله ))

(1/111)


الشرح : من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن ذلك الذي حكم به مثل الذي أنزل الله أو أحسن وأليق ، وهذا يشمل أولئك الذين يستوردون القوانين الوضعية من الخارج ويحكمون بها ويشمل أولئك البدو الذين يحكمون بالسواليف والتقاليد في التحريم والتحليل كل ذلك داخل من حكم بغير ما أنزل الله سواءً كان قانوناً مقنناً أو سواليف وعادات وتقاليد موروثة كل حكم في التحليل والتحريم بغير ما أنزل الله معتقداً أن ذلك مثل الذي أنزل الله أو أحسن وأليق وأنسب للناس فهو كافرٌ مرتد من رؤساء الطواغيت .
وأما من حكم بغير ما أنزل الله معتقداً أن ما أنزل الله أحسن وأحق وأنه مخظئٌ عندما يحكم بغير ما أنزل الله ، هذا كفره كفرٌ دون كفر ، لا يخرج من الملة مثل الذي يعصي الله بمعاصي بارتكاب المحرمات والكبائر وهو غير مستحل ، كالذي يسرق والذي يشرب [ الخمر ] ويعتقد أنه عاصٍ ومخالف لم يستحل السرقة والخمر ، كفر هؤلاء كفرٌ دون كفر ، ويذكرون قسماً ثالثاً وهو من اجتهد ليحكم بما أنزل الله ، ولكنه وقع في إصدار الحكم بغير ما أنزل الله مجتهداً مخطأ هذا له أجر الاجتهاد ويعفى له عن خطأه والله أعلم .
وهذا الذي ذكر أهل العلم عند هذه الآية ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( وأقرب مرجع ترجعون إليه لتحقيق هذه المسألة شرح الطحاوية عند هذه الآية .
قوله : ((والدليل قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ( [ البقرة : 256 ] ))

(1/112)


الشرح : والدليل قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( معنى الإكراه في الدين : ليس معنا ذلك أنك لا تدعو إلى الدين ، لا إكراه في الدين ، لا تدخل الدين على الناس بالإكراه ، أنت عليك البيان ، وعليك الهداية ، وعليك الإرشاد ، وأما القلوب فلا يملكها إلا الله لا تدخل الإيمان في قلوب الناس بالإكراه لك الظاهر ، تدعو وتبين الحق من الباطل وهذه وظيفة الدعاة .
( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها( هذه الآية العظيمة حتى في وضعها موضوعة على الترتيب لا إله إلا الله تماماً ، لأن قوله تعالى : ( فمن يكفر بالطاغوت ( يقابل لا إله ، وقوله تعالى : ( ويؤمن بالله ( يقابل إلا الله ، من أدق الآيات في تفسير لا إله إلا الله ، هذه الآية وهذا معنى قول لا إله إلا الله .
قوله : ((وهذا معنى لاإله إلا الله ، وفي الحديث { رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ))

(1/113)


الشرح : رأس الأمر الإسلام الذي هو الاستسلام والانقياد كما تقدم ، وعموده الصلاة ، لا يقوم الإسلام إلا بالصلاة وإلا فهو بناءٌ غير قائم وغير ثابت ، وفي هذا المعنى يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( من ترك الصلاة فلا حظ له في الإسلام ) وهو يفسر قوله عليه الصلاة والسلام : { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر } يتهاون كثيرٌ وكثيرٌ من العوام بالصلاة بدعوى أن الإيمان بالقلب إذا دعوتهم إلى الصلاة يقولون ( ما عليش ) الإيمان بالقلب ، لو صح إيمان القلب لصح إيمان الجوارح ، وإيمان اللسان ، هذا هو الإرجاء المنتشر بين المسلمين ، الإرجاء معناه تأخير الأعمال عن مسمى الإيمان ، وأن الإيمان هو التصديق بالقلب فقط أو التصديق والنطق معاً هذا هو الإرجاء المنتشر بين المسلمين كثيراًوهم لا يشعرون ، الإيمان تصديق بالقلب وذلك التصديق يحتاج إلى تصديق، الذي يصدق ذلك التصديق النطق باللسان والعمل بالجوارح يتكون الإيمان من كل ذلك .
قوله : ((وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ))

(1/114)


الشرح : {وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله } ، ذروة سنامه أعلى مكاناً في الإسلام الجهاد في سبيل الله لماذا ؟ لأن في الجهاد في سبيل الله يقوي الإسلام ويظهر الإسلام ويكتسب المؤمنون قوة ومنعة وفي ترك الجهاد ضياع للإسلام وضياع وضعف للمسلمين ، وذله ومهانة وهذا ما وقع فيه المسلمون بعد أن تركوا الجهاد ، وربما جهل كثيرٌ من الناس معنى الجهاد أخيراً فظنوا أن كل قتال جهاد ، الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام هو الجهاد لإعلاء كلمة الله ، لإظهار دين الله ، وللمحافظة على دين الله ، والدفاع عن دين الله ، وعن عقيدة الإسلام ، وشريعة الإسلام ، هذا هو الجهاد في سبيل الله ، وفي الآونة الأخيرة كثر القتال ، تصديقاً لخبر رسول الله ( عندما أخبر عن أمارات الساعة ( كثرة الهرج ) قيل وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : { كثرة القتال } إذا وضع فيهم السيف لن يرفع ‘إلى يوم القيامة ، تسمعون وتقرءون اندلاع الحروب من مكان إلى مكان كالنار تتنقل هنا إلى هنا بين المسلمين على أتفه الأمور يختلفون على شريط صغير في الحدود فيشتبكون سنوات تراق الدماء ، وأخيراً إن كثير من المنتسبين إلى الإسلام كفروا بالإسلام وأعلنوا أنهم علمانيون ولعل لا يعلمون معتى العلمانية صغار طلبة العلم .

(1/115)


العلمانية عدم الإيمان بأي دين ، التجرد عن الدين ، كثرت العلمانية وكثيراً ماينادون مغلطة أنهم يجاهدون للإسلام وهم يقاتلون المسلمين ويقتلون ويحاولون القضاء على الإسلام لو استطاعوا لكنهم يعملون أسلوب المغالطة الجهاد في سبيل الله والدفاع عن المسلمين والدفاع عن الحرمين مغالطة ما أفضعها وما أكذبها استغلوا السذج من الشباب فصاروا يصفقون ويؤيدون العلمانيين ضد المؤمنين ، العلمانيون الذين أعلنوا عن علمانيتهم ويعتزون بعلمانيتهم ، هؤلاء أشد كفراً من اليهود والنصارى ، فإذا كان الله جعل موالاة اليهود والنصارى ومن يواليهم ويحبهم ويناصرهم أنه منهم فما بال الذين يوالون العلمانيين والماركسيين والوثنيين ، أشد لأن الله جعل لأهل الكتاب اعتبارات احتراما لكتابهم الأول وإن نسخ ، يجوز للمسلم أن يأكل من ذبيحة أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) ، ويجوز أن يتزوج نساءهم المحصنات من نسائهم وإن كان الأفضل عدم العدول إلى نسائهم مع وجود المؤمنات ، لكنه جائز أما المرتد وأما المجوسي وأما الوثني والهندوكي والبوذي هؤلاء جميعاً والعلمانيون من المرتدين ، العلماني مرتد لأنه كان مسلماً ثم أعتنق العلمانية ، هذه الملة الخبيثة أخبث من اليهودية والنصرانية ، مناصرة هؤلاء أشد كفراً من مناصرة اليهود والنصارى يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ( الموالاة المحبة المناصرة ، من أحب اليهود والنصارى وناصرهم وأضمر له الحب والود كأولياء الله يكفر ، لأنه لا تجتمع محبة الله ومحبة أعداء الله ، ولكن قال في الأخرين في الكفار عام : ( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ( جميع الكفار كما قلت هؤلاء العلمانيين أشد كفراً من اليهود والنصارى ، وموالاة الجميع غير جائزة ، قد تصل إلى حد الكفر ، والموالاة المناصرة ، من يناصر العلمانيين

(1/116)


ويظاهرهم ويؤيدهم ضد المسلمين وضد المؤمنين قد والاهم ، فصار منهم ، كل من يناصر العلمانيين ويؤازرهم ويظاهرهم ضد المسلمين يخرب بيوت المسلمين وأوطانهم وليعتدوا على النسلمين قد والى هؤلاءالكفار ، فلينتبه لنفسه فكثير من المنتسبين إلى الإسلام وللأسف يسمون أنفسهم بالإسلاميين أصبحوا في هذا الوقت في تناقض شديد يتعاونون مع القوميين والشيوعيين لمناصرة العلمانيين ضد المؤمنين كما تسمعون في كثير من الأقطار مظاهرات من الذين يسّمون أنفسهم بالإسلاميين متعاونين مع القوميين والشيوعيين لمناصرة العلمانيين ضد المؤمنين هؤلاء يقعون في ورطة في إيمانهم من حيث لا يشعرون لأن محبتهم أي العلمانيين ومناصرتهم ومؤازرتهم ومعاونتهم على المؤمنين وعلى الاعتداء على المؤمنين على أرضهم وأعراضهم كفرٌ بالله . ننصح كثيراً من شبابنا في كل مكان الذين ينخدعون بالخطب الرنانة وبتلك المظاهرات وبأولئك الذين سموا أنفسهم بالإسلاميين وهم يناصرون العلمانيين ، ننصحهم بأن يتوبوا إلى الله ويرجعوا من قريب ، وإلا الموقف خطير لستم بقادرين على الجهاد كما زعمتم ، ولكن تريدون أن تجعلوا الجهاد شعاراً ترفعونه ولستم بعاملين بشيء ، ولكن تضرون إيمانكم من حيث لا تشعرون ، لذلك نصيحتنا لهؤلاء فليفهموا معنى الجهاد في سبيل الله ، الجهاد في سبيل الله أن تخرج بنفسك ومالك إن استطعت لنصرة الله ولنصرة دين الله بعد أن تفهم معنى الدين ومعنى الإسلام ، وأما على جهل وأنت غير فاهم تعلم أولاً العلم قبل القول والعمل ، حتى تعلم من المجاهد ، وأين الحق وأين الباطل وكونك تصرخ مع كل من يصرخ وأنت لا تدري أين الحق وأين الباطل وما هو ؟ وما هو الحق ؟ تشرق وتغرب وراء الناس تجري ناسياً دينك وإيمانك وموقفك بين يدي الله يوم القيامة لا تهلك أية الشاب ، ارجع وتعلم واعرف الحق من الباطل ثم جاهد في سبيل الله وبالله التوفيق .

(1/117)