بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للعلامة صالح بن عبدالعزيز آلشيخ4



¦ الدرجة الأولى: واجبة على كل مُكَلَّف، ومن لم يأتِ بها فليس بموحّد، بل هو مشرك، وهو ما ذكرنا من الاعتقاد بأنَّ الله واحدٌ في ربوبيته؛ في أفعاله سبحانه، فهو الخالق وحده، وهو الرزّاق وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده U، وهو مُدَبِّرُ الأمور وحده، وهو خالق الخَلق وحده، إلى آخر أفراد ذلك، وهذه واجبة على كل أحد.
¦ الدرجة الثانية: وهي مرتبةٌ للخاصة وأهل العلم وهي شهود آثار الربوبية في خَلْق الله U، وهذه بحيث لا يَرَى غير الله U مُؤَثِراً في هذا الملكوت، ولو كان تأثير معلولات عن عِلَلْ، أو تأثير مُسَبَّبَاتْ عن أسباب، فإنّه يَرَى أنْ لا مؤثر في الحقيقة ولا خالق إلا الله U، وينظر لذلك في الملكوت متفكراً، متدبراً.
وهذه حال الخاصة وهي مستحبة، وهي لأهل العلم ولأهل الإيمان، وليست واجبة على كل أحد، كما قال سبحانه ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(190)الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾[آل عمران:190-191]، وكما وصف الله U بعض عباده بالتفكر والنظر والتدبر في خلق الله U، بل أمر بذلك في بعض الآيات بقوله ﴿قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾[يونس:101]، وكقوله ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا﴾[الأعراف:184]، وكقوله U ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا﴾[سبإ:46]، فهذا التَّفَكُرْ في ربوبية الله U، في خلق الله يدل على توحيده في الربوبية، وهو حال الخاصة، كما قال الحسن البصري /(عاملنا القلوبَ بالتفكر فأورثها التذكر، فرجعنا بالتذكر على التفكر، وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار)[1].
وهذه عند أهل البدع وأهل الكلام مطلوبة وواجبة لمن كان أهلاً لها.
فيوجِبُونَ النظر، ويوجبون التفكر، ولا يصح إيمان أحدٍ – عند طائفة منهم- ممن كان أهلا للنظر إلا بالنظر.
فلو مات المتأهل للنظر من غير نَظَرٍ لم يكن مؤمنا بربوبية الله U، وإنْ كانت تجري عليه أحكام أهل الإسلام في الدنيا فإنهم لا ُيجرُونَ عليه أحكام أهل الإسلام في الآخرة على تفصيل مذهب أهل الكلام في ذلك.
d النوع الثاني من أنواع نفي الشريك في قوله (لا شريك له) نفي الشريك لله في إلهيته ـ:
والإلهية معناها العبادة، يعني لا شريك له في عبادته، كما دلت عليها كلمة التوحيد (لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
فيعتقد أنَّ الله U ليس معه إله يستحق العبادة، وأنّ كل من أُدُّعِيَ فيه الإلهية وأنه يُعْبَدْ، فإنما عُبِدَ بالبغي والظلم والعدوان والتعدي.
وكل من أشرك بالله U فهو ظالمٌ أبشع الظلم وأكبر الظلم؛ لأنه سبحانه توعَّد أهل الشرك بالنار، بل أوجب لهم النار في قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ[2] وكما قال المسيح عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72].
لبيان هذا التوحيد وما يتصل به كتب توحيد العبادة المعروفة ومن أعظمها وأشملها كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب /.
d النوع الثالث من أنواع نفي الشريك في قوله (لا شريك له) نفي الشريك لله في الأسماء والصفات:
 وذلك بأنْ يعتقد أنَّ الله U لا شريك له في كيفية اتصافه بالصفات.
يعني لا مُماثِلَ له، ولا مشابه له في كيفية اتصافه بالصفات.
وأنه سبحانه لا شريك له في المعنى المطْلَقْ لصفاته سبحانه ولأسمائه، ولا مُشَابِهَ له في المعنى المطلق لأسمائه وصفاته.
وأنَّ اشتراك بعض خلقه معه سبحانه في الصفات إنما هو اشتراك في مطلق المعنى وفي أصله لا في المعنى المطلق ولا في كماله ولا في الكيفية.
فيعتقد أنَّهُ لا شريك له في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله سبحانه، بل ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11].
لأجل هذا المعنى العام، عَطَفَ عليها المصنف بقوله (ولا شيء مثله ولا شيء يعجزه ولا إله غيره) كما سيأتي تفصيل الكلام على هذه المسائل في ذكر معنى هذه الجُمل الثلاث.
إذاً هذا إجمالٌ لمعنى التوحيد ونفي الشريك، ويأتي تفصيلها مع بيان كل مسألة:
توحيد الربوبية وأبحاثه، توحيد الأسماء والصفات وأبحاثه، توحيد الإلهية وأبحاث توحيد الإلهية.
بَقِيَ أن نقول: إنَّ في قوله (نقُولُ في تَوحيدِ الله مُعتَقدينَ بتوفيق الله إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) إنَّ هذه العبارة (لا شريكَ لَهُ) تفسيرها على طريقة أهل السنة ذكرناها.
وأمَّا أهل البدع فيقولون في تفسير (واحدٌ لا شريكَ لَهُ) عبارات مختلفة تجدونها في التفاسير، ويُكْثِرُ منها أهل البدع.
فيقولون في تفسير (واحدٌ):
واحد في ذاته لا قسيم له، وواحدٌ في صفاته لا شريك له، وواحدٌ في أفعاله لا نِدَّ له.
وفي قولهم في أوَّلِهَا (واحد في ذاته لا قسيم له) هذه من التعبيرات المحدثة، وإن كان يمكن أن تَحْتَمِلَ معنَىً صحيحاً؛ لكن التوحيد والأَحَدِيَة تُفسَّرُ بواحديته سبحانه وأحديته في ربوبيته وإلهيته وفي أسمائه وصفاته.
وأهل البدع في التوحيد اختلفت عباراتهم؛ وسبب اختلاف عباراتهم في التوحيد أنهم نظروا في تعريف التوحيد إلى حال النصارى وأهل الملل، فَفَسَّرُوا التوحيد بما يخالِفُ ما عليه بعض الطوائف.
فقالوا (واحدٌ في ذاته لا قسيم له) يعني نفيا للأقانيم الثلاثة التي هي صُوَرْ لله U مختلفة كما هو اعتقاد النصارى أو طائفة من النصارى، وكذلك اعتقاد السِّنَوِيَّة والذين يقولون أنَّ ثَمَّ إلهين، هو إله واحد لكن له أُقنومان شيءٌ للخير وشيءٌ للشر.
والله ـ واحد في ذاته وأسمائه وصفاته، واحدٌ في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ـ.
سيأتي إن شاء الله مزيد بيان لقول المخالفين في تفسير الربوبية والألوهية والأسماء والصفات فيما نستقبل إن شاء الله تعالى.
نكتفي الليلة بهذا القدر، ونسأل الله سبحانه أنْ يوفقكم لما يحب ويرضى، وأن يزيدني وإياكم من العلم النافع والعمل الصالح، وأن يختم لنا برضاه، وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الأسئلة
س1/ قد يُفهم من الدرجة الثانية من توحيد الربوبية نفي الأسباب أو آثارها؟
ج/ لا يُفْهَم ذلك؛ لأنَّ المقصود أن يرى، أن يشهد آثار الأسماء والصفات، وشُهود آثار الأسماء والصفات، هذا ليس نفياً للأسباب، بل هو جعل الأسباب أسباباً، وعدم مجاوزتها لكونها أسباباً، فيرى أنّ الفاعل هو الله U، وأنه سبحانه أجرى الأسباب بجعلها أسباباً، وأنْتَجَ سبحانه وتعالى عنها مسبباتها، وأنَّ العِلَلْ تُنْتِجُ معلولاتها، وأنَّ المؤثرات تنتج الآثار، إلى غير ذلك مما هو معلوم من اعتقاد أهل التوحيد.
س2/ ما نكاد نقرأ كتابا من كتب السنة، كالسنة لعبد الله، واللالكائي، والإبانة إلا ونجد فصلاً أو بابا في طعن الأئمة في أبي حنيفة فما هو السبب؟ وما موقفنا من هذه الآثار؟
ج/ هذا كان في ذلك الزمان لأنَّ أبا حنيفة / خالف السنة والآثار في مسائل كثيرة جداً، ورَدَّ عليه أهل السنة والحديث حتى لا يأخذ الناس بكلامه في ذلك، فالتآليف هذه لأجل انتشار مذهب الحنفية في البلاد، فكتبوا ذلك تحذيراً من اتِّبَاعِهِ فيما أخطأ فيه، لكن لمَّا استَقَرَّتْ المذاهب، واستقرت الفرق، وصار أبو حنيفة / أحد الأئمة الأعلام الذين يشار إليهم، والذين يُتَّبعون في مسائل الفقه، ترك أهل السنة إيراد ذلك بعد نهاية القرن الخامس، واجتمعوا على عدم ذكرها، بل عَدُّوهُ من الأئمة الأعلام كما عَقَدَ ذلك شيخ الإسلام في كتابه المعروف (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وذكر منهم أبا حنيفة /.
فأخطأ هو في مسائل، وخالف السنة في مسائل، وعُدَّ من مرجئة الفقهاء، لكن ما ورد في تلك الكتب من شتمه ولعنه وسبه أو نحو ذلك، هذا تَرَكَهُ أهل السنة؛ فلم يَصِرْ من شعار أهل السنة أن يُفعَلَ ذلك، كما قرَّرَهُ الأئمة وفي كتبهم وتركوه في مؤلفاتهم بعد نهاية القرن الخامس.
س3/ بعض أهل العلم يقسّم التوحيد إلى أربعة أقسام: توحيد الإلهية، توحيد الربوبية، توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الحاكمية فهل هذا التقسيم صحيح أم لا؟
ج/توحيد الحاكمية داخِلٌ إما في توحيد الربوبية أو في توحيد الإلهية أو فيهما معاً؛ لأنَّ الله U جعل الحكم إليه سبحانه بقوله ﴿إِن الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ[3]، وقال U ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾[الشورى:10]، ونحو ذلك من الآيات، وكقوله ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾[غافر:12].
فالحاكمية من جهة تحاكم الناس هذا فِعْلُ العبد، وفِعْلُ العبد داخلٌ في توحيد الإلهية، ولهذا أَدْخَلَ إمام الدعوة مباحث هذا النوع من التوحيد في (كتاب التوحيد) فعَقَدَ عدة أبواب في بيان هذه المسألة العظيمة المهمة، ولهذا نقول إنَّ إفراده بالذكر لا يصلح؛ لدخوله في توحيد الإلهية، فهو من ضمن مسائله الكثيرة.
لكن قد يُقْسَمْ التوحيد عند طائفة من أهل العلم إلى أربعة أقسام ويجعلون الرابع توحيد المتابعة؛ يعني متابعة النبي ﷺ، وهم يقصدون بهذا التقسيم ما دلَّتْ عليه الشهادتان.
فإذا قالوا (توحيد الله) قالوا ينقسم إلى ثلاثة أقسام.
وإذا قالوا (التوحيد) بدون الإضافة إلى الله U، جعلوه أربعة أقسام؛ ثلاثة مختصة بالله U، والرابع هو توحيد المتابعة للنبي ﷺ، لأنْ لا يُتَّبَعَ في التشريع غير المصطفى ﷺ.
˜˜¹



[1]  يأتي ذكره (446)
[2] سورة النساء في الآيتين:48 و116.
[3] الأنعام:57، يوسف:40، يوسف:67.