بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للعلامة صالح بن عبدالعزيز آلشيخ9



المسألة الرابعة:
في إعراب كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).
(لا) نافية للجنس.
(إله) هو اسمها مبني على الفتح.
و(لا) النافية للجنس مع اسمها: في محل رفع مبتدأ.
 وحق: هو الخبر؛ وحق المحذوف هو خبر، والعامل فيه هو الابتداء أو العامل فيه (لا) النافية للجنس على الاختلاف بين النحويين في العمل.
و(إلا الله)
(إلا) استثناء؛ أداة استثناء.
(الله) مرفوع، وهو بدل من الخبر، لا من المبتدأ؛ لأنه لم يدخل في الآلهة حتى يُخرَج منها؛ لأن المنفي هي الآلهة الباطلة، فلا يَدخل فيها -كما يقوله من لم يفهم- حتى يكون بدلا من اسم لا النافية للجنس، بل هو بدل من الخبر.
وكون الخبر مرفوعا والاسم هذا مرفوعا، يُبيِّنُ ذلك أن التابع مع المتبوع في الإعراب والنفي والإثبات واحد.
وهنا تَنْتَبِهْ إلى أن الخبر لما قُدِّرَ بـ(حق) صار المُثبَتْ هو استحقاق الله U للعبادة.
ومعلوم أنّ الإثبات بعد النفي أعظم دلالة في الإثبات من إثباتٍ مجرد بلا نفي.
ولهذا صار قوله (لا إله إلا الله) وقول (لا إله غير الله) هذا أبلغ في الإثبات من قول: الله إله واحد، لأن هذا قد ينفي التقسيم و لكن لا ينفي استحقاق غيره للعبادة.
ولهذا صار قوله U ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾[البقرة:163]، وقول القائل (لا إله إلا الله) بل قوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾[الصافات:35] جمعت بين النفي والإثبات، وهذا يسمى الحصر والقصر، ففي الآية حصر وقصر.
وبعض أهل العلم يعبر عنها بالاستثناء المفرّغ وهذا ليس بجيد، بل الصواب فيها أن يقال هذا حصر وقصر، فجاءت (لا) نافية وجاءت (إلا) مثبتة ليكون ثَمَّ حصرٌ وقصرٌ لاستحقاق العبادة في الله U دون غيره.
وهذا عند علماء المعاني في البلاغة يفيد الحصر والقصر والتخصيص، يعني أنَّهُ فيه لا في غيره.
وهذا أعظم دلالة فيما اشتمل عليه النفي والإثبات.
ومعنى كلمة التوحيد وتفصيل الكلام عليها ترجعون إليه في موضعه من كلام أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى.
$ المسألة الخامسة:
على قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ) أنَّ هذه الكلمة فيها إثبات توحيد العبادة لله U كما ذكرنا.
 وتوحيد العبادة لله U لا يستقيم إلا بشيئين كما ذكرنا: بنفي وبإثبات.
فالنفي وحده لا يكون به المرء موحداً، والإثبات وحده لا يكون به المرء موحداً، حتى يجمع ما بين النفي والإثبات.
نفي استحقاق العبادة لأحد من هذه الآلهة الباطلة، وإثبات استحقاق العبادة الحقة لله U وحده دون ما سواه.
وهذا هو معنى الإيمان بالله والكفر بالطاغوت، فلا يستقيم توحيد أحد حتى يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله.
ومن كان إيمانه بالله صحيحا كان كفره بالطاغوت صحيحا، إذ ثَمَّ ملازمة ما بين هذا وهذا.
وإثبات توحيد الإلهية على هذا المعنى بين النفي والإثبات يتضمن إثبات توحيد الربوبية؛ لأنَّ كل موحد لله في الإلهية موحد لله U في الربوبية، وكذلك مستلزم لإثبات صفات الكمال لله U؛ لأنه لا يُعبد إلا من كان متصفا بصفات الكمال.
هذا خلاصة ما يشتمل عليه قوله (وَلا إلهَ غَيْرُهُ).
في هذا القدر كفاية وأسأل؛ الله U لي ولكم النور في الدنيا وفي الآخرة والإهتداء التام والأمن التام إنه كريم جواد سميع الدعاء، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الأسئلة
س1/الكلام على مسألة التشبيه من حيث الكيفية والمعنى، والأصل نرجوا توضيحها والتمثيل عليها؟
ج/هذه المسألة كما هو معلوم بسطها أهل السنة وخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه، وكذلك هو في شروح الواسطية المطولة تذكر هذه المسألة:
التشبيه من حيث الكيفية هو التمثيل كقول المجسمة: إن الله جسم كأجسامنا، ويده كأيدينا، وقدمه كأقدامنا، واستوائه كاستوائنا، في كيفية الاستواء مماثل لنا ومشابه لنا. فهذا تشبيه من حيث الكيفية.
وتشبيه من حيث تمام المعنى كأن يقول معنى استواء الله هو معنى استوائنا تماما، المعنى في هذا هو هذا، معنى سمع الله هو معنى سمعنا تماما، لا فرق بين هذا وهذا، وهذا أيضا تشبيه مذموم باطل.
ولكن المشابهة التي لا تُنفى هي ما كان من جهة الاشتراك في أصل المعنى؛ لأن المعنى كما هو معلوم يوجد كليا في الأذهان، وأما في الخارج فيكون مختلفا بحسب الإضافة والتخصيص، فإذا كان المعنى الكلي هذا له جهتان:
-    جهةُ مطلق المعنى، أقل درجات المعنى، فهذه هي، أو هذا هو القدر المشترك بين كل من اتصف بالصفة، فمثلا في السمع: البعوضة لها سمع، والذباب له سمع، والضأن له سمع، والنمل له سمع، والإنسان له سمع، هؤلاء اشتركوا في أصل معنى السمع؛ لكنهم يتفاوتون فيه بقدر ما هم عليه، بقدر ما يناسب ذواتهم، بقدر ما يناسب أبدانهم، بقدر ما يناسب استعداداتهم التي جعلها الله U لهم، فسمع البعوض ليس هو كسمع الإنسان، وسمع النمل ليس كسمع الإنسان، لكن أصل معنى السمع مشترك بين هذه المخلوقات، فكذلك جنس المخلوقات التي لها سمع نُثبت لها أصل السمع كما هي عليه؛ ولكن سمع الله U يناسب ذاته، كما أن ما بين الإنسان وما بين النمل في السمع قدر مشترك في هذا المعنى؛ معنى السمع ومعنى البصر، فما بين المخلوق وبين الله U هو قدر مشترك في أصل المعنى.
-     أما في تمام المعنى فكل له ما يناسبه؛ فالله U يناسب ذاته العلية العظيمة الجليلة الاتصاف بالصفات الكاملة المطلقة؛ الكمال المطلق الذي لا يعتريه نقص في وجه من الوجوه، والمخلوق له ما يناسب ذاته من نقص وحال. فهذا معنى الكيفية تمام المعنى أصل الاتصاف بالصفات.
س2/ كيف نفرق بين الكيفية وتمام المعنى ؟
تمام المعنى غير مضاف كلي والكيفية تمثيل:
فإذا قلت السمع هو كالسمع صار هذا تمثيلا.
وإذا قلت سمعه U أو بصره في كيفية الاتصاف هو ككيفية اتصاف المخلوق بالسمع والبصر صار هذا تكييفا.
فإذا قلت السمع والسمع صار هذا تمثيلا، تمثيلا في المعنى.
وإذا قلت اتصف بالسمع بكيفية اتصافنا بالسمع، واتصف بالبصر بكيفية اتصافنا بالبصر، صار تجسيما أو صار هذا من جهة الكيفية.
لأنَّ السمع إدراك المسموعات، أنت تدرك المسموعات بواسطة أذن وطبلة إلى آخره، والله U إدراكه للمسموعات ليس بكيفية إدراك المخلوق للمسموعات، كذلك البصر؛ عين الله U ليست كعين المخلوق في الكيفية، نثبت لله عيناً كما يليق بجلاله وعظمته؛ لكن لا نقول عينه سبحانه كعين الإنسان في الكيفية؛ فيها سواد، بياض، أو لها حدقة، شبكية إلى آخره.
فإثبات المعنى هذا كمال المعنى لله U، والكيفية التمثيل فيها هذا تجسيم وهو من المكفرات، لأنه تمثيل للمخلوق بالخالق.
س2/ما رأيك في كتاب المنحة الإلهية في تعريف شرح الطحاوية؟
ج/ ما شفت الكتاب هذا.
س3/قولك المنفي جنس الآلهة التي تستحق العبادة؟
ج/المقصود بقول تستحق العبادة في ظن العابدين وإلاّ (لا إله حق) فنفت كلمة التوحيد أحقية الآلهة في العبادة، المقصود بحسب ظنهم، أو نقول المنفي جنس استحقاق الآلهة للعبادة.
س4/هذا سؤال في الأصول ومتعلق بكلمة الكاف في ﴿كَمِثْلِهِ﴾ ؟
ج/والجواب عليها تقسيم الألفاظ إلى شرعي ووضعي وعرفي ونقص وزيادة ونقل واستعارة [.....]([1]) وكازدياد الكاف في (كَمِثْلِه). هذا البحث فيه معروف لكن هذا يحتاج إلى بسط آخر.
س5/قال أهل السنة كما ذكرتم قاعدة أهل السنة: أن النفي مجمل والإثبات مفصل، وأنَّ أهل البدع عكس لأهل السنة، فما القول عندما يقول أحد من أهل البدع (املأ الكون نفيا ولا تقل بإثبات) فيكون الإثبات عندهم والإثبات مجمل؟
ج/ أنا ما أفهم الكلام -املأ الكون نفيا يعني انْفِ كما تريد ( ولا تقل بإثبات) يعني لا تفصل، هذا موافق لقولهم إن النفي مفصل والإثبات مجمل.
نكتفي بهذا القدر وصل اللهم وبارك على نبينا محمد. ([2])
˜˜¹









[1]  كلام لم أفهمه.
[2] انتهى الوجه الأول من الشريط الثاني.