بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للعلامة صالح بن عبدالعزيز آلشيخ5



نَقُولُ فِي تَوْحِيدِ  اللَّهِ -مُعْتَقِدِينَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ- أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ مِثْلُهُ، وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ. 
قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ  دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ.
هذه الجمل الثلاث وهي قوله(وَلا شيءَ مِثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ) تفصيلٌ لما يعتقده في توحيد الله U.
والتوحيد -كما ذكرنا- منقَسِمٌ إلى الأقسام الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات،    وتوحيد الإلهية.
فذَكَرَ هذه الأقسام الثلاث في قوله(وَلا شيءَ مثْلُهُ، وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ، وَلا إلهَ غَيْرُهُ).
فقوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) راجِعٌ إلى توحيد الأسماء والصفات والأفعال.
وقوله(وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) راجع أو مُثْبِتٌ لتوحيد الربوبية.
وقوله(وَلا إلهَ غَيْرُهُ) مثبتٌ لتوحيد العبادة والألوهية.
وقدَّمَ / ما يدل على توحيد الأسماء والصفات بعد ذِكْرِ توحيد الإلهية في قوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ)؛ لأنَّ النزاع كائنٌ في توحيد الإلهية وفي توحيد الأسماء والصفات.
فَمَعَ أهل الشرك النزاع في توحيد الإلهية، وهو الذي كان النزاع فيه ما بين الرسل وبين أقوامهم.
ولهذا قَدَّمَ ما يعتقده بقوله (إنَّ الله واحدٌ لا شريكَ لَهُ) لأنَّ هذا هو حقيقة النزاع بين الرسل وبين أقوامهم.
ثم قال (وَلا شيءَ مثْلُهُ) لأن هذا هو حقيقة النزاع ما بين أهل السنة والجماعة وما بين مخالفيهم من المبتدعة على أصنافهم من المجسمة والمعطلة والنفاة وأشباه هؤلاء.
وأيضا قَرَنَ بينهما لأنَّ البدع بريد الشرك، فإنَّ تَرْكَ تنزيه الله U عن مماثلة المخلوقين تؤدي إلى الشرك به U، ولهذا قال من قال من السلف (المعطِّل يعبد عدما والممثل يعبد صنما)[1].
فالتمثيل ثَمَّ اقترانٌ بينه وبين الشرك؛ لأنَّ الممثل اتَخَذَ صورَةً جَعَلَهَا على صفات معينة فصارت صنماً له، كما أنَّ المشركين عبدوا الأصنام واتخذوها آلهة.
وأما قوله (وَلا شَيْءَ يُعْجزُهُ) فهو توحيد الربوبية كما سيأتي ذلك مفصلا.
إذاً فترتيب المصنف الطحاوي / لهذه الجمل الأربع ترتيبٌ مناسب، وهو مَتَنَقِلٌ بِفَهْمٍ في أمور الاعتقاد وموقف أهل السنة وأهل الإسلام من مخالفيهم.
والجملة الأولى في هذا اليوم هي قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) والكلام عليها يكون في مسائل:
$ المسألة الأولى:
أنَّ قوله (وَلا شيءَ مثْلُهُ) مأخوذٌ من قول الله U ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، ومن قوله U ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾[الإخلاص:4]، ومن قوله U ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾[مريم:65]، ومن قوله سبحانه ﴿فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَال َإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[النحل:74]، وأشباه هذه الأدلة التي تدل على أنَّ الله سبحانه لا يماثله شيء من مخلوقاته.
$ المسألة الثانية:
أنَّ قوله(لا شيءَ مثْلُهُ) راجِعٌ لنفي المماثلة.
وهذا هو الذي جاء في الكتاب والسنة أنْ يُنْفَى عن الله U أن يُمَاثِلَ أحداً أو شيئاً من خلقه، وكذلك يُنْفَى عن المخلوق أن يكون مُمَاثِلَاً لله U.
وإذا كان كذلك، فالمماثلة أو التمثيل أو المِثلِيَّة تُعَرَّفُ بأنها المساواة في الكيف والوصف:
r  والمساواة في الكيفية راجعة إلى أَنْ يكون اتصافه بالصفة من جهة الكيفية مُمَاثِلٌ لاتصاف المخلوق، كقولهم: يد الله كأيدينا وسمعه كأسماعنا وأشباه ذلك.
r    وأما المماثلة في الصفات فهي أن يكون معنى الصفة بكماله التام في الخالق كما هو في المخلوق.
إذا تِقِرَّرَ ذلك، فإنَّ اعتقاد المماثلة في الكيفية أو في الصفات على النحو الذي ذكرتُ هذا تمثيل يَكْفُر صاحبه.
ولهذا كَفَّرَ أهلُ السنة النصارى، وكَفَّرَ أهلُ السنة المُجَسِّمَة؛ لأنَّ النصارى شَبَّهُوا المخلوق بالخالق، وشَبَّهُوا عيسى بالله U، والمُجَسِّمَة شَبَّهُوا الله U ومثَّلُوه بخلقه.
$ المسألة الثالثة:
الفرق ما بين المماثلة والمثلية وبين التشبيه.
ولتقرير ذلك تنتبه إلى أنَّ الذي جاء نفيه في الكتاب والسنة إنما هو نفي المماثلة.
أما نفي المشابهة؛ -مشابهة الله لخلقه- فإنها لم تُنْفَ في الكتاب والسنة؛ لأنَّ المشابهة تحتملُ أن تكون مشابهةً تامة، ويحتمل أن تكون مشابهةً ناقصة.
فإذا كان المراد المشابهة التامة فإنَّ هذه المشابهة هي التمثيل وهي المماثلة، وذلك منفِيٌ، لقوله تعالى﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾[الشورى:11].
فإذن لفظ المشابهة ينقسم:
r    إلى مُوَافِقٍ للمماثلة، الشَبِيهْ موافِقٌ للمثيل وللمِثِلْ.
r    وإلى غير موافق.
 يعني قد يشترك معنى الشبيه والمثيل ويكون المعنى واحداً، إذا أُريْدَ بالمشابهة المشابهة التامة في الكيفية وفي تمام معنى الصفة.
وأمَّا إذا كان المراد بالمشابهة المشابهة الناقصة وهي الاشتراك في أصل معنى الاتصاف، فإنَّ هذا ليس هو التمثيل المنفي، فلا يُنْفَى هذا المعنى الثاني، وهو أن يكون ثَمَّ مشابهة بمعنى أن يكون ثَمَّ اشتراك في     أصل المعنى.
وإذا كان كذلك فإنَّ لفظ الشبيه والمثيل بينهما فرق -كما قَرَّرْتُ لك- ولفظ المشابهة لفظ مجمل لا يُنْفَى  ولا يُثْبَتْ.
وأهل السنة والجماعة إذا قالوا: إنَّ الله U لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء يعنون بالمشابهة المماثلة.
أما المشابهة التي هي الاشتراك في المعنى فنعلم قَطْعَاً أنَّ الله U لم ينفها؛ لأنه سبحانه سَمَّى نفسه بالملك ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾[الفاتحة:4]، ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ[2]وسَمَّى بعض خلقه بالمَلِكْ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ[3]وأشباه ذلك من الآيات، وكذلك سَمَّى نفسه بالعزيز، وسَمَّى بعض خلقه بالعزيز، وكذلك جَعَلَ نفسه سبحانه سميعاً، وأخبرنا بصفة السمع له، والبصر، والقوّة، والقدرة، والكلام، والاستواء، والرحمة، والغضب، والرضا وأشباه ذلك، وأثبت هذه الأشياء للإنسانِ فيما يناسبه منها.
فَدَلَّ على أَنَّ الاشتراك في اللفظ وفي بعض المعنى ليس هو التمثيل الممتنِع؛ لأنَّ كلام الله U حق وبعضه يفسر بعضاً.
فَنَفَى المماثلة سبحانه بقوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[الشورى:11]، وأثبت اشتراكاً في الصفة.
وإذا قلتُ اشتراكَاً ليس معنى ذلك أنها من الأسماء المُشْتَرَكَة في الصفات، ولكن أثْبَتَ اشتراكاً في الوصف يعني شَرِكَةً فيه، فإنَّ الإنسان له مُلْكْ والله U له الملك، والإنسان له سمع والله U له سمع، والإنسان له بصر والله U له بصر، وهذا الإثبات فيه قَدْرٌ من المشابهة، لكنَّهَا مُشَابَهَةٌ في أصل المعنى، وليست مشابهة في تمام المعنى ولا في الكيفية.
فتحَصَّلَ من ذلك أنَّ المشابهة ثلاثة أقسام:
Å الأول: مشابهة في الكيفية، وهذا ممتنع.
Å الثاني: مشابهةٌ في تمام الاتصاف ودلالة الألفاظ على المعنى لكمالها، وهذا ممتنع.
Å الثالث: مشابهة في معنى الصفة - في أصل المعنى - وهو مطلق المعنى وهذا ليس بمنفي.
ولهذا صار لفظ التمثيل، ونفي التمثيل، ونفي المِثْلِيَّة شرعياً؛ لأنه واضح، دلالته غير مجملة.
وأما لفظ المشابهة فإنَّ دلالته مجملة فلم يأتِ نفيه.
ونحن نقول إنَّ الله U لا يماثله شيء ولا يشابهه شيء I.
ونعني بقولنا (لا يشابهه شيء) معنى المماثلة في الكيفية أو المماثلة في تمام الاتصاف بالصفة وتمام دلالة اللفظ على كمال معناه.


[1] مجموع الفتاوى (5/196)/ الصواعق المرسلة (1/148)
[2] طه:114، المؤمنون:116.
[3] يوسف:43، 50، 54.