بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 16 فبراير 2014

إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل للعلامة صالح بن عبدالعزيز آلشيخ2



$ المسألة الثانية:
قوله (أهلُ السنَّة والجماعة) أهل السنة والجماعة، هذا لفظٌ أُطْلِقَ في أواخر القرن الثاني الهجري على أتْبَاعِ الأثر والمخالفين للفِرَقْ المختلفة الذين خرجوا عن طريقة الصحابة والتابعين.
وأول من استعمله بعض مشايخ البخاري - رحمهم الله تعالى - وجَمَعَ بين لفظين، بين (السنة) و(الجماعة)؛ لأنَّ هناك من يدَّعِي اتّباع السنة ولكنه لا يكون مع الجماعة، وهناك من يدعو إلى الجماعة بلا اتِّبَاعِ سنة.
فصارت طريقة أهل الحديث والأثر أتباع السلف الصالح مشتملة على شيئين: اتِّبَاعْ السنة والجماعة.
وكلٌ منهما في الحقيقة لازمٌ للآخر، فاتّباع السنة هو اتّباع الجماعة، واتّباع الجماعة هو اتّباع السنة، وذلك لأنَّ النبي ﷺ صَحَّ عنه في الحديث الذي في السنن أنه قال (وَسَتَفْتَرِقُ هذه الأمَّة عَلَى ثلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً. كُلّهَا فِي النّارِ, إِلاّ وَاحِدَةً. وَهِيَ الْجَمَاعَةُ)[1].
فصارت الفِرَقْ في النار؛ يعني مُتَوَعَّدَةْ بدخولها في النار، والناجية فرقة واحدة هي الجماعة، وهم المتبعون للسنة الممتثلون لقول النبي ﷺ (عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الْخُلفَاء الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيين مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكوا بها، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)[2]... الحديث.
وإذا أُفْرِدَ أهل السنة فقد يُطْلَقُ ويُرَادُ بهم ما يقابل الرافضة والشيعة.
لأنَّ لفظ (أهل السنة) يطلق ويراد به ما يخالف التَّشيُّع، ويُطلق ويراد به أهل الحديث والأثر.
ولهذا زادوا على السنة (الجماعة)، مع أنَّ كلاً منهما ملازمٌ للآخر لأجل أن يكون هناك تحديد في الإطلاق، فيكون المراد بالإطلاق ما يخالف الفرق كلها: الرافضة والخوارج والجهمية، المرجئة والقدرية، والجبرية إلى آخر أصول الفرق.
وقد ذكرنا لكم في أول شرح الواسطية تفصيل معنى أهل السنة والجماعة، ومعنى الجماعة؛ وجماعة الدين وجماعة الأبدان بما يُرجع في ذلك إليه.
$ المسألة الثالثة:
أنّ هذه العقيدة التي ذكرها الطحاوي - / - بُنيت على مذهب فقهاء الملة:
أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن.
وهؤلاء عند أهل الحديث والأثر وافقوا السنة والجماعة في أكثر المسائل، لكنَّهُم خالفوهم في أصلٍ عظيمٍ من أصول الدين ألا وهو الإيمان، ولهذا أُطْلِقَ عليهم مرجئة الفقهاء.
فهُم مرجئة لأنَّ كلامهم في الإيمان كلام المرجئة لأنهم أرجَؤُوا العمل عن مسمى الإيمان، وقالوا (إنّ أهله في أصله سواء)، وقيل لهم مرجئة الفقهاء؛ لأنهم فقهاء، اشتهروا بذلك.
فإذن يظهر من هذا التقديم أنَّ هذا المُؤَلَّفْ مبنِيٌّ على كلام أهل السّنة والجماعة بعامة، وعلى مذهب مرجئة الفقهاء في الإيمان بخاصة.
وهذا هو الواقع فِعلاً؛ فإنَّ كلامه في الإيمان هو كلام المرجئة.
فإذن قوله (أهل السنة والجماعة) يُدخِل فيهم المرجئة؛ مرجئة الفقهاء.
وهذا منه يدل على أنَّ مدلول (أهل السنة والجماعة) يشمل أهل الحديث والأثر ويشمل الماتُريدية والأشاعرة، وهذا باطل.
وهذا القول صَرَّحَ به بعض الشُّرَّاحْ من المتقدمين ومن المتأخرين كالسَّفَّاريني في (لوامع الأنوار)([3]) حيث قال في فصلٍ له (اعلم أنَّ أهل السنة والجماعة ثلاث طوائف؛ أهل الحديث والأثر والأشاعرة والماترودية).
وهذا باطِلٌ؛ لأنَّ أهل السنة والجماعة هم الذين أخذوا بالسنة والجماعة في كل أصول المسائل.
وأعظم المسائل التي حصل فيها الاختلاف أولاً هي مسألة الإيمان ومسائل الأسماء والأحكام، فخالَفَ فيها الخوارج، كما هو معلوم، ثم تَبِعَ ذلك ظهور المرجئة إلى آخر ما حصل.
فإذاً هذه المسألة -مسألة الإيمان- من مسائل الأصول العظيمة فلا يكون من نفاها –يعني من نفى دخول العمل في مسمى الإيمان- على طريقة أهل السنة والجماعة أتباع الحديث والأثر؛ لمخالفة قولهم للنصوص الكثيرة الدالة على أنَّ العمل من الإيمان كما سيأتي تقريره في موضعه إن شاء الله تعالى.


[1] أبو داوود (4596)/ الترمذي (2640)/ ابن ماجه (3993)
[2] أبو داوود (4607)/ الترمذي (2676)/ ابن ماجه (42)
[3]  لوائح الأنوار البهية. كما في المنجد في اللغة والأعلام.