بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 26 يناير 2014

وقفة مع مقولة ( لا يَجُوزُ لِطُلَّاب العِلم الرد على العُلُماء الكبار )

إِن الْحَمد لله نحمده، ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ، ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا اله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:01] .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فلما كان سبيل إنكار الحجة و السعي في إفسدها أسهل عند أهل الباطل من سبيل المعارضة والرد بمثلها ؛ ألزم الله –عزَّ وجلَّ- كل مشكك في هذا القرآن وجاحد له يأتي بمثله ، فلا سبيل لهم ولا لغيرهم إلى ذلك إلا السعي في إفساده- وأنَّى لهم ذلك- بضربٍ من الشُّبه المزخرفة ؛ قال سبحانه : {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}[البقرة:23].
و قال سبحانه أيضاً :{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [ هود:13 ].
وقال تعالى : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص:49-50].
و قال الله سبحانه مخبراً عن إبراهيم-صلَّى الله عليه وسلَّم- حين ناظره مدَّعي الربوبية:{فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}[البقرة:258] .
فقد ظهر في هذا العصر (أصحاب سياسة التعاون والمعذرة)!!! وأعني بذلك كلاّ من أبي الحسن المأربي-عامله الله بعدله- حيث قال في "السراج الوهاج"(ص/81-الفقرة201) : ((فلا يشنع على أهل الحق في ذلك ، لكن يجب أن يكون التجريح من أهل العلم والحلم ، والتجرد لرب العالمين ، لا لكل من هبَّ ودبَّ...))اهـ
فتعقبه العلامة ربيع المدخلي بقوله: ((ثم إذا كان طلاب العلم من أهل السنة قد تلقوا النقد الصحيح من العلماء الناصحين ، فحذروا من أهل البدع ؛ فلا ضير عليهم.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل و الفتاوى"(13/274). و له -أبو الحسن- من الشطحات في هذا كثير، من نبز طلاب العلم من أهل السنة بالألقاب القبيحة والطعونة الشديدة المبثوثة في مقالاته وكلماته ، فتارة يلقبهم بالأقزام؟!! ، وتارة بأنهم قواط صلصة؟!! وتارة...و تارة.. والله المستعان.
و منهم الحلبي -أيضاً-في كتابه المسمى-كذباً وزوراً- "منهج السلف" حيث نزَل على طلاب العلم بالسِّباب و الشتائم و نعتهم بأقبح الأوصاف بل و شبههم بأقبح البهائهم فتارة يقول بأنهم "مصاصو دماء"؟!! و تارة يشبهم بالذباب؟!! و الخنزير؟!! و غير ذلك و ما ذنبهم عنده إلا أنهم ردوا على أهل الأهواء والبدع الذين ما زال-إلى اليوم- ينافح عنهم بكل ما أوتي من قوة وكتابه هذا أعظم شاهد على ذلك .
و القصد من وارء هذا كله أن يخرس ألسنة طلاب العلم المتبصرين بحبائله وفتنته وانحرافاته ولا حول ولاقوة إلا بالله العظيم.
و من الذين يحقرون جهود طلاب العلم-أيضاً- الضال المنحرف مشهور حسن آل سلمان، حيث قال عن أخينا الفاضل أبي عبد الرحمن بن حسن الكردي -حفظه الله- الذي رد عليه في "صعقة المنصور" (ص/05) ؛ قال مشهور: ((أريت في الدنيا أن تضرب بعوضة؟!! بصاروخ!!)).
و قال أيضا المنحرف الضال مشهور: ((إن صاحب الكتاب-صعقة المنصور- أخذ كتابه إلى ما يقارب ثلاثين شيخاً ، كلهم طردوه ، ولم يقبلوا أن يقدموا له ، وأمَّا النجمي فيقدم لكل واحد، تحمس فقدم له، كما قدَّم سابقاً لطفل آخر !!لما ردَّ على العبَّاد))اهـ.
وأيضاً - محمد بن عبد الله الريمي الملقب بالإمام حيث أصل في كتابه" الإبانة" قال في( ص/194): ((لايقبل جرح المجرح الصغير غالباً في العالم الكبير))اهـ وقبله قال –أصلحه الله- : (( وأما إذا جاء الرد على العالم من قبل طلاب العلم ، فالغالب عليهم أنهم ليسوا أهلاً للرد ، ولهذا تجد في ردودهم تجاوزات ومجازفات وتعديات..)).
وعلى هذا النحو سعى كثير من أهل الباطل في هذا الزمان-الذي قلَّ في النَّاصحون وكثر فيه الغاشُّون- إلى هدم جهود طلاب العلم في ردهم على مسالك المبطلين،و تحقيرهم والتقليل من شأنهم ، و ذلك بوضع بعض القواعد التي ظاهرها الرحمة و باطنها من قبلها العذاب.
فمن تلك اللهجات التمييعية المبهرجة التي ملؤوا بها الدنيا صراخاً قولهم بأنه ((لا يجوز لطالب العلم أن يرد على العالم!!!)) على اختلاف لفظي بينهم في تقرير هذه القاعدة التمييعية ،و العبرة عند المحققين-كا هو معلوم- بالمعاني لا بالأسماء والمباني فتدبَّر.
فلا ضير-إن شاء الله- على طلاب العلم ، و ما أصَّله هؤلاء الحزبيون من أن طالب العلم لا يجوز له أن يرد على العالم إذا أخطئ و لا أن يتكلم بما يعلم مع مراعاة الضوابط الشرعية و القواعد السلفية والتحلي بالآداب الجلية، فإنه أصل باطل مردود محجوج بما سبق ذكره وبما سيأتي بيانه .
يقول الله سبحانه: { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104].
قال الإمام ابن كثير –رحمه الله- : ((وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ([1])قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَده، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ)). وَفِي رِوَايَةٍ:(وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)([2]).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِه لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ)).
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ عَمْرو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ([3]) وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعَ الْآيَاتِ الْكَرِيمَةِ كَمَا سَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا فِي أَمَاكِنِهَا.))اهـ
و في الصحيحين عن عبادة بن الصامت-رضي الله عنه- قال:(بايعنارسول الله-صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.)).
و عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً : ((ألا لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه)) [أخرجه الترمذي (2 / 30) وابن ماجه (4007) و صححه الإمام الألباني في"الصحيحة" (رقم168)].
و بناء على هذه الأدلة قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- :(وَلِهَذَا وَجَبَ بَيَانُ حَالِ مَنْ يَغْلَطُ فِي الْحَدِيثِ وَالرِّوَايَةِ وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الرَّأْيِ وَالْفُتْيَا وَمَنْ يَغْلَطُ فِي الزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ؛ وَإِنْ كَانَ الْمُخْطِئُ الْمُجْتَهِدُ مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ وَهُوَ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ. فَبَيَانُ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاجِبٌ؛ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ وَعَمَلِهِ.)اهـ."مجموع الفتاوى" (28/233).
وقال الإمام المحقق ابن القيم – رحمه الله -: ( وها هنا أصل يجب اعتماده ، وهو أن الله سبحانه عصم هذه الأمة ، أن تجتمع على ضلالة ولم يعصم آحادها من الخطأ لا صديقا ولا غيره لكن إذا وقع في بعضها خطأ فلا بد أن يقيم الله فيها من يكون على الصواب ؛ لأن هذه الأمة شهداء الله في الأرض ، وهم شهداء على الناس يوم القيامة ، وهم خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ؛ فلابد أن تأمر بكل معروف وتنهى عن كل منكر ؛فإذا كان فيها من يأمر بمنكر متأولاً فلابد أن يقيم الله فيها من يأمر بذلك المعروف.)اهـ"كشف الغطاء عن حكم سماع الغناء (ص/210)".
و من الحجج الداحضة و البراهين الدامغة على أن التفاوت في السنّ أو العلم و التقدم في الزمن ليس هو ميزان التمييز بين الحق والباطل ، بل أمر محدث لم يكن معروفاً عند الصحابة-رضوان الله عليهم- و من تبعهم بإحسان بل هو مما قرره أهل الأهواء والشبهات لإقصاء رد الصغير على الكبير ، و نسف جهود طلاب العلم و الدعاة إلى الله الذين جرَّدوا أقلامهم للذب عن الحق وأهله ، وكشف الباطل وجزبه.
و كما قال الإمام ابن القيم-رحمه الله-: ((ولولا أن حق الحق أوجب من حق الخلق لكان في الإمساك فُسْحَةٌ ومُتَّسَعٌ.))اهـ." مدارج السالكين ( 2/ 44)".
الدليل الأول:
قال الله تعالى مخبراً عن الهدهد الموحِّد و كيف صال بحجته على سليمان-عليه السلام- بما علمه و خفي على نبي الله سليمان و جنوده فقال: {فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ}[النمل:22].
قال البقاعي-رحمه الله- : ((وفي هذه المكافحة التنبيه على أن أضعف الخلق قد يؤتي ما لا يصل إليه أقواهم([7]) لتتحاقر إلى العلماء علومهم ويردوا العلم في كل شيء إلى الله ))اهـ . "نظم الدرر" (14/150).
و قال القرطبي –رحمه الله-: ((وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّغِيرَ يَقُولُ لِلْكَبِيرِ وَالْمُتَعَلِّمَ لِلْعَالِمِ عِنْدِي مَا لَيْسَ عِنْدَكَ إِذَا تَحَقَّقَ ذَلِكَ وَتَيَقَّنَهُ.))اهـ."الجامع لأحكام القرآن" له.
قلت : فكم بين الهدهد وبين نبي الله سليمان-عليه السلام-؟ و هو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ}، فليس العالم الذي بَيَّن خطأه هذا الطَّالب بأعَلَمَ من نبيّ الله سليمان ،ولا المعترض عليه(طالب العلم) بأجهل من الهدهد!!.وفي هذا يذكر الإمام ابن القيم –رحمه الله – حكاية مشهورة ، وهي((أن بعض أهل الْعلم سُئِلَ عَن مسألة فَقَالَ : لَا اعلمها، فَقَالَ أحدُ تلامذته: أنا أعْلَم هَذِه الْمَسْأَلَة ، فَغَضب الأستاذ وهمَّ بِهِ ، فَقَالَ لَهُ: أيها الأستاد لست أعْلَم من سُلَيْمَان بن دَاوُد وَلَو بلغت فِي الْعلم مَا بلغت ، وَلستُ أنا أجهل من الهدهد وَقد قَالَ لِسُلَيْمَان: { أحطت بِمَا لم تحط بِهِ} فَلم يعتب عَلَيْهِ وَلم يعنفه))اهـ."مفتاح دار السعادة"(1/173)
و لا يفهم من هذا أن طالب العلم يكون أفضل من العالم مطلقاً إذا رد عليه و بيَّن وجه خطئه في بعض المسائل ؛ إنما غاية ما في الأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- : ((ليس من شرط الْأَفْضَلِ أَنْ لَا يُنَبِّهَهُ الْمَفْضُولُ لِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ))اهـ."منهاج السنة"(6/77).
و عملاً-أيضاً- بما قرره أهل العلم من أن((الحق لا يعلق بالرجال ؛(ولكن)اعرف الحق تعرف أهله)).
الدليل الثاني:
وجاء في "صحيح البخاري " برقم(4970)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ» قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا} حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي، أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ، فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا. قَالَ عُمَرُ: ((مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ)).
قال ريحانة الأندلس وعالمها ابن عبد البر –رحمه الله-: ((وَاسْتَشْهَدَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُسْتَفْتَى وَهُوَ صَغِيرٌ، وَأَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ وَعَتَّابَ بْنَ أُسَيْدٍ كَانَا يُفْتِيَانِ وَهُمَا صَغِيرَا السِّنِّ، وَوَلَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِلَايَاتِ مَعَ صِغَرِ أَسْنَانِهِمَا، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْعُلَمَاءِ كَثِيرٌ.))اهـ."جامع بيان العلم وفضله"(1/618).
الدليل الرابع:
و قال رحمه الله -أيضاً- بعد ذكر قصة ابن عباس مع أبي سلمة ابن عبد الرحمن في اخْتَلَافَهِماَ فِي الْمَرْأَةِ تُنْفَسُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ؛ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ:(( إِذَا وَضَعَتْ مَا فِي بَطْنِهَا، فَقَدْ حَلَّتْ))، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: آخِرَ الْأَجَلَيْنِ، فَجَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَ: ((أَنَا مَعَ ابْنِ أَخِي يَعْنِي أَبَا سَلَمَةَ)) فَبَعَثُوا كُرَيْبًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهَا عَنْ ذَلِكَ، فَجَاءَهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهَا قَالَتْ: ولدت سُبَيْعَةُ الْأَسْلَمِيَّةُ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ((قَدْ حَلَلْتِ فَانْكِحِي مَنْ شِئْتِ)).
قال ابن عبد البر: ((فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَزَالُوا يَتَنَاظَرُونَ وَلَمْ يَزَلْ مِنْهُمُ الْكَبِيرُ لَا يَرْتَفِعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلَا يَمْنَعُونَ الصَّغِيرَ إِذَا عَلِمَ أَنْ يَنْطِقَ بِمَا عَلِمَ وَرُبَّ صَغِيرٍ فِي السِّنِّ كَبِيرٌ فِي عِلْمِهِ وَاللَّهُ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ بِحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ.))اهـ. "التمهيد" (23/151).
الدليل الخامس:
و في"صحيح البخاري" (برقم4538) أيضًا أن عمراً –رضي الله عنه- قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِيمَ تَرَوْنَ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ:{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}[البقرة: 266] ؟ قَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ: «قُولُوا نَعْلَمُ أَوْ لاَ نَعْلَمُ» ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ عُمَرُ: «يَا ابْنَ أَخِي قُلْ وَلاَ تَحْقِرْ نَفْسَكَ» ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «أَيُّ عَمَلٍ؟» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ: «لِرَجُلٍ غَنِيٍّ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ الشَّيْطَانَ ، فَعَمِلَ بِالْمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ أَعْمَالَهُ».
قال الحافظ-رحمه الله-: (وَفِي الحَدِيث قُوَّة فهم ابن عَبَّاسٍ وَقُرْبِ مَنْزِلَتِهِ مِنْ عُمَرَ وَتَقْدِيمُهُ لَهُ مِع صِغَرِهِ وَتَحْرِيضُ الْعَالِمِ تِلْمِيذَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِحَضْرَةِ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْهُ إِذَا عَرَفَ فِيهِ الْأَهْلِيَّةَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْشِيطِهِ وَبَسْطِ نَفسه وترغيبه فِي الْعلم.)اهـ. "الفتح "(8/202).
الدليل السادس :
و في صحيح البخاري عن ابن عباس-رضي الله عنهما- قال: ((...كَانَ القُرَّاءُ أصْحابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولاً كانُوا أوْ شَبَاباً وَكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتابِ الله عَزَّ وجَلَّ.))اهـ.

قال العيني-رحمه الله- : ( (وَكَانَ الْقُرَّاء أَي الْعلمَاء)، وَكَانَ اصْطِلَاح الصَّدْر الأول أَنهم كَانُوا يطلقون الْقُرَّاء على الْعلمَاء. قَوْله: (كهولاً كَانُوا أَو شبَابًا) يَعْنِي: كَانَ يعْتَبر الْعلم لَا السن والشباب.)اهـ. "عمدة القاري" (25/80).

قلت: بل و ربما من الصحابة من أنكر صغيرهم على كبيرهم إذا علم مخالفته للدليل.
ففي الصحيحين عَن عبيد بن عُمَيْر: أَن أَبَا مُوسَى اسْتَأْذن على عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، ثَلَاثًا، فَكَأَنَّهُ وجده مَشْغُولًا فَرجع، فَقَالَ عمر: ألم تسمع صَوت عبد الله بن قيس؟ أيذنوا لَهُ، فدعي فَقَالَ: مَا حملك على مَا صنعت؟ قَالَ: إِنَّا كُنَّا نؤمر بِهَذَا، قَالَ: لتقيمن على هَذَا بَيِّنَة أَو لَأَفْعَلَنَّ. فَخرج فَانْطَلق إِلَى مجْلِس من الْأَنْصَار، فَقَالُوا: لَا يشْهد لَك على هَذَا إلاَّ أصغرنا. فَقَامَ أَبُو سعيد، فَقَالَ: كُنَّا نؤمر بِهَذَا. فَقَالَ عمر: أُخْفِي عَليّ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ألهاني عَنهُ الصفق بالأسواق).
فقبول قول طالب العلم المؤهل و الأخذ عنه و الرجوع إلى قوله إذا أقام الأدلة والبراهين عليه هو المعتبر عند سلفنا الصالح-رضوان الله عليهم- ، وليست العبرة بالسن!! والتقدم في الزمن!!.و لكن العبرة عندهم إقامة حجة الله على الخلق .
قال الإمام أبو محمد بن تميم الحنبلي – رحمه الله – وهو يصف إمام أهل السنة أحمد بن حنبل – رحمه الله -: ( وكان يأمر بإظهار العلم . وقال في الحبس ، وهو مهدد بالضرب والقتل : إذا سكت الجاهل لجهله ، وأمسك العالم تَقيَّة ، فمتى تقوم لله حُجَّة ؟ )اهـ.
(عقيدة الإمام أحمد بن حنبل لأبي محمد بن تميم الحنبلي – الملحق بـ"طبقات الحنابلة"(2/279) لابن أبي يعلى-) .

كلام أهل العلم و الفضل في قبول الحق من كل من قام به صغيراً كان أو كبيراً وترغيبهم في الذب عن حياض الدين :

قال ابن رجب –رحمه الله- : ((وكذلك المشايخ والعارفون كانوا يوصون بقبول الحق من كل من قال الحق صغيراً كان أو كبيراً وينقادون لقوله.))اهـ "الحِكَم الجديرة بالإذاعة" (ص/126).
و قال رحمه الله-أيضاً- و هو يحكي طريقة السلف-رحمهم الله تعالى- : ((وقد بالغ الأئمة الوَرِعون في إنكار مقالات ضعيفة لبعض العلماء وردِّها أبلغ الردِّ كما كان الإمام أحمد ينكر على أبي ثور وغيره مقالات ضعيفة تفردوا بها ويبالغ في ردها عليهم هذا كله حكم الظاهر.
وأما في باطن الأمر: فإن كان مقصوده في ذلك مجرد تبيين الحق ولئلا يغتر الناس بمقالات من أخطأ في مقالاته فلا ريب أنه مثاب على قصده ودخل بفعله هذا بهذه النية في النصح لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم.
وسواء كان الذي بين الخطأ صغيراً أو كبيراً فله أسوة بمن رد من العلماء مقالات ابن عباس التي يشذ بها وأُنكرت عليه من العلماء مثل المتعة والصرف والعمرتين وغير ذلك...))اهـ."الفرق بين النصيحة و التعيير-مجموع رسائله (2/406)-".
و قال -أيضاً- : ((فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم.))اهـ.
* * * *
قال الشيخ إسحاق ابن غاثم العلثي-رحمه الله- في نصيحته لابن الجوزي: ((ولو كَانَ لا ينكر من قل علمه عَلَى من كثر علمه إِذَا لتعطل الأمر بالمعروف، وصرنا كبني إسرائيل حيث قَالَ تَعَالَى:{كانوُا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ}.؟[المائدة: 134]، بَل ينكر المفضول عَلَى الفاضل ...))اهـ."ذيل طبقات الحنابلة"لابن رجب(4/206).

* * * *
و قال ابن مفلح-رحمه الله- : ((فصل:في أخذ العلم من أهله وإن كانوا صغاراً))"الآداب الشرعية" (ص/364).
* * * *
و قال العلامة أبو الطيّب صديق بن حسن خان-رحمه الله-: ((قلت : وَأما الشَّيْخ فَقَالَ الرَّاغِب أَصله من طعن فِي السن ثمَّ عبروا بِهِ عَن كل أستاذ كَامِل وَلَو كَانَ شَابًّا لِأَن شَأْن الشَّيْخ أَن تكْثر معارفه وتجاربه وَمن زعم أَن المُرَاد هُنَا من هُوَ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ من نَحْو خمسين إِلَى ثَمَانِينَ فقد أبعد وتكلف وَالْتزم الْمَشْي على القَوْل المزيف لِأَن الصَّحِيح أَن مدَار التحديث على تأهل الْمُحدث.
حدث البُخَارِيّ وَمَا فِي وَجهه شعر([4]) حَتَّى أَنه رد على بعض مشايخه غَلطاً وَقع لَهُ فِي سَنَده وَقد حدث مَالك وَهُوَ ابْن سَبْعَة عشر وَالشَّافِعِيّ وَهُوَ فِي حَدَاثَة السن وَالْحق أَن الْكَرَامَة والفضيلة إِنَّمَا هِيَ بِالْعلمِ وَالْعقل دون الْعُمر وَالْكبر فكم من شيخ فِي سنّ يسن فِيهِ التحديث وَهُوَ لَا يَهْتَدِي إِلَى تَمْيِيز الطّيب من الْخَبيث([5]) .
(وَعند الشَّيْخ أَجزَاء كبار ... مجلدة وَلَكِن مَا قراها)
وَكم من طِفْل صَغِير يفوق الشَّيْخ الْكَبِير فِي الدِّرَايَة وملكة التَّحْرِير وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء.))اهـ. "الحطَّة في ذكر الصحاح الستة"(ص/253-254).
* * * *
قال الإمام ابن باز -رحمه الله تعالى-: ((ثم طالب العلم بعد ذلك حريص جداً على أن لا يكتم شيئاً مما علم حريص على بيان الحق و الرد على الخصوم لدين الإسلام و لا يتساهل و لا ينزوي فهو بارز في الميدان دائماً حسب طاقته.
ولا يتساهل و لا يقول هذه لها غيري بل يقول أنا لها أنا لها ولو كان هناك أئمة آخرون
.
يخشى أن تفُوت المسألة فهو بارز أبداً لا ينزوي بل يبرز في الوقت المناسب لنصرة الحق و الرد على خصوم الإسلام وهو أيضاً لا يكتم ما عنده من العلم بل يكتب و يخطب و يتكلم و يرد على أهل البدع و على غيرهم من خصوم الإسلام..))اهـ."مسؤولية طالب العلم في المجتمع" (ص/13).
* * * *
قال الإمام ابن عثيمين –رحمه الله- :(واجب على طلاب العلم أن يبيِّنُوا هذا المنهج الخبيث ، منهج الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وكفُّوا عن دماء المشركين ، وأن هؤلاء إمَّا جاهلون وإمَّا سفهاء وإمَّا حاقدون؛ فهم جاهلون لأنهم لا يعرفون الشرع لأن الشرع يأمر بالوفاء بالعهد وأوفى ديناً بالعهد هو دين الإسلام و هم سفهاء-أيضاً- لأنه يترتب عن هذه الحادثة ما لا يعلمه إلا الله -عزَّ و جلَّ- فهذه ليست وسيلة إصلاح حتى يقولوا نحن مصلحون، بل هم المفسدون في الواقع، أو حادقدون على هذه البلاد وأهلاها ...))اهـ. "شريط بعنوان "الحادث العجيب في البلد الحبيب" .
و حين سئل رحمه الله أيضا عمن يقول((إذا حَكمتَ حُكمتَ!!وإذا دعوة أجرْتَ ))
فقال : "إذا دعوت أجرت" هذا صحيح لكن ما ذا يريد بإذا حَكمت حُكمت .
السائل: هو ربما يقصد في هذا أنك إذاحكمت على أشخاص فسوف تُحكم هذا ربما قصده من هذا الكلام.
الشيخ: إذا كان يريد أن يخوفكم من الرد على أهل البدع فلا يهمنَّكم.)).

* * * *
و قال الإمام مقبل الوادعي-رحمه الله تعالى- : ((و الذي أنصح به طلاب العلم أن لا يصغوا إلى كلام أولئك المفتونين الزائغين و أن يقبلوا على تعلم الكتاب و السنَّة و أن يبيِّنوا لنَّاس أحوال أولئك الزائغين و يحذروهم منهم و من كتبهم ومجلاتهم وندواتهم.))اهـ."ردود أهل العلم على الطاعنين في حديث السحر" (ص/03).
و قال –رحمه الله- في "إجابة السائل" (ص396): ((اكتبوا يا طلبة العلم، وبينوا ضرر هذه القوانين وأنها غزت بلاد المسلمين.))اهـ
وقال أيضًا (ص397): (( وأنا أناشد طلبة العلم أن يبينوا المفاسد الموجودة في المجتمع، فإن استطاعوا أن يبينوها بأنفسهم، ويبرزوا أنفسهم على صفحات الكتاب حتى ولو هرب إلى أمريكا، وإن كان يمكن أن يلحقوه، ويغتالوه، فأنت شهيد يا أخي:(وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
وقال أيضًا: (( ... العاطل عن العمل هو الذي لا يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعمل، أما طالب العلم فهو بحمد الله في خدمة الدين والإسلام.)) اهـ."قمع المعاند" (ص/590).
* * * *
وسئل العلامة زيد المدخلي –حفظه الله ورعاه- : هل لطلبة العلم بيان حال المنحرفين إذا اقتضى الحال البيان أم هو مختص بالعلماء؟.
فأجاب: ((من عرف الحق وجب عليه بيانه عند اقتضاء الحال لذلك و عند لزوم الأمر وعند التقيد بمنهج الدعوة الصحيح، و من عرف الباطل كذلك وجب بيانه ولكن بالضوابط الشرعية وبآداب الدعوة السلفية))اهـ."العقد المنضد الجديد في الإجابة عن مسائل الفقه والمناهج والتوحيد" (1/154).
و قد سئل العلامة ربيع ابن هادي المدخلي –حفظه الله- : الجرح و التعديل في الأشخاص هل هو خاص بالعلماء فقط أو حتى الشباب عندهم معرفة و ماذا يشترط في المعرفة؟.
فأجاب : الجرح والتعديل، لابد فيه من صحة العقيدة كما أشار إلى ذلك الخطيب البغدادي ، و لابد فيه من العلم بأسباب الجرح ، لابد أن يعلم ، ولابد فيه من التقوى و الورع.
فإذا كان هذا الذي ينتقد عنده علم بالجرح والتعديل ، وعنده ورع وتقوى ؛ فله أن يجرح.))اهـ. "مجموع الكتب والرسائل و الفتاوى" (14/262-263).
و سئل حفظه الله ورعاه –أيضاً- :إن كان المخالف للمنهج السلفي كبيراً في السنّ وله سبق علم ، و المنتقد له أصغرمنه سناً ولكن تبيَّنت له الحجَّة و قال بها ، هل عليه ملامة؟.
فأجاب-حفظه الله- : ((نعم ينصح هذا الكبير بأدبٍ، وإن كان يدعو إلى الضلال يحذر منه، يعني الأخذ والدعوة إلى الحق و إنقاد الخلق من الباطل والضلال ، الحق أكبر من هذا الإنسان، وعُمُر الحق هذا منذ خلق آدم إلى اليوم و عمر الحق هذا آلاف السنين ، فكم عمر هذا الانسان الذي يضيع الحق أو يمنمعه من الأخذ منه.))اهـ."مجموع الكتب و الرسائل والفتاوى" (14/268-269).
و أجاب –كان الله له- عن سؤال نصه : يظن كثير من الناس أن الردَّ على أهل البدع والأهواء قاضٍ على المسلك العلمي الذي اختطّه الطالب في سيره إلى الله، فهل هذا مفهوم صحيح؟.
فكان من جوابه : هذا مفهوم باطل ، وهذه أساليب أهل الباطل و أهل البدع ليخرسوا ألسنة أهل السنَّة ... [ثم ذكر-حفظه الله- بعض الآيات التي تحث على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأنه من العمل بالعلم ، وذكر ما يترب على تارك ذلك من الوعيد الشديد.] ثم قال-حفظه الله- : ... إذا كان يرى أن البدعة تنتشر ولها دعاتها و لها الذابون عنها ولها المحاربون لأهل السنَّة فكيف يسكت؟؟!! وقولهم : إن هذا يقضي على العلم : هذا كذب ، هذا من العلم والتطبيق للعلم.
و على كل حال ؛ فطالب العلم لا بد ان يخصص أوقاتاً للتحصيل ، ولابد أن يكون جاداً في التحصيل ، ولا يستطيع أن يواجه المنكرات إلا بالعلم ، فعلى كل حال يحصل العلم و في نفس الوقت يطبّق ، والله تعالى يبارك لهذا المتعلم العامل في علمه.
و قد تنزع البركة لما يرى المنكرات قدامه يقول: لا،لا ،لما أطلب العلم !! يرى الضلالات و اهل الباطل يرفعون شعارات الباطل ، ويدعون الناس إليها و يضلون الناس فيقول : لا، لا ما أشتغل بهذه الأشياء ، أنا سأشتغل بالعلم!!! يعني يتدرب على المداهنة.))اهـ"أجوبة على أسئلة أبي رواحة المنهجية"(ص/34-35).
بل ذكر حفظه الله و رعاه عم الذين يسعون في إسكات طلاب العلم و تخذيلهم وإلقام الحجر في أفواههم ،أن فعلهم يعتبر إرهاباً.
فقد سئل عن (بعض الناس يبالغون في إسكات المحذرين من المبتدعة ويقولون أن هذا عمل العلماء؟ .
فأجاب-حفظه الله- : ((على كل حال هؤلاء بالغوا في إسكات طالب العلم غلوا جداً، كلام فيه إرهاب ، و إلقام الشباب أحجار في أفواههم ليمنعوهم من قول الحق في أهل البدع ، بالغوا في هذه الأشياء .
ثم قال : أقول إن هؤلاء يريدون أن يسكتوا الشباب السلفي خاصة لأن أكثر الناس إنكاراً للمنكر ووقوفاً في وجه الباطل هم الشباب السلفي رأيتم السياسيون يتعاطفون مع الروافض مع الخوارج مع أهل البدع كلهم لا يريدون أن تجرح مشاعرهم قيأتون يمثل هذا الكلام يقولون(ما يتكلم به إلاَّ العلماء)، حتى الأطفال يتكلمون حتى الذي ما يحسن الفاتحة يتكلم و يبالغون في تشويه الشباب السلفي ، كل هذه محاماة على أهل البدع و صد عن سبيل الله و إرهاب الشباب السلفي الذي يتصدى للدعوة إلى الله و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.))اهـ."عون الباري ببيان ما تضمنته شرح السنة للإمام البربهاري"(1/423-424).
_________________________
1- و هذا وهم من الإمام ابن كثير –رحمه الله- فإنه من حديث أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- برقم(49).
2- من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- عند "مسلم".
3- ووافقه الإمام الألباني-رحمه الله- كما في"صحيح الجامع"(2/1189).
4- قال السبكي: (( حدَّث البخاري بالحجاز والعراق وخراسان و ما وراء النهر وكَتَبَ عنه المحدثون وما في وجهه شعرة.))اهـ. "طبقات الشافعية الكبرى" (2/215).
5- وفي زماننا كم من فتنة ظهرت قرنها فانبرى لها طلاب العلم بالردود العلميةو القصائد النقدية - بتوجيهات من علماء الدعوة السلفية - حتى كسروا قرنها ووَجِبَ جنبها واستراح كثير من الناس من شرارها، و في المقابل تجد كثير ممن يدعي العلم و المشيخة!! مازال يتخبط فيها خبط عشواء بلا برهان ولا نور فاللهم رحماك رحماك 

أبويوسف عبدالله الصبحي
شبكة الآمين السلفية
 أبو يوسف عبدالله الصبحي غير متواجد حالياً

ليست هناك تعليقات: