بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 21 يناير 2014

التقريع مع التنكيل لمن اعتبر ةلاة الأمر غير شرعيين



  من أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد ................ كان الله تعالى له .
    إلى أخيه ...............................  وفقه الله وسدده .

سلام عليكم

 ،،، أما بعد ،،،

    إن مما يشيعه الحزبيون في صفوف أتباعهم([1]) وينفثون به في عقولهم، القول بأن ولاة أمور المسلمين- في هذه الأزمان- ولاة غير شرعيين، والبعض إذا ما تكلم في مسألة تنصيب الولاة يذكر طريقتين، ويكتم الثالثة- كفعل يهود-
    وما نحن بصدده هو الكلام على اعتبار الغلبة في تولي الولاية العامة، ووجوب السمع والطاعة للوالي المتغلب؛ حفظاً لبيضة الإسلام، وحقناً لدماء المسلمين- وهي محترمة- ورعاية لجانب تغليب المصلحة الراجحة .

    وأيضاً : الوقوف على مسألة حكم تعدد الولاة؛ لتعدد الأقطار وتباينها، في النظر الشرعي، مع ذكر كلام أهل العلم فيها .

    راجياً بذا رفع حرج عن كثير، ودفع شبه المناوئين، ورد تلبيسات الحزبيين وافتراءاتهم .



((( أولاً : مبحث :  ثبوت ولاية من تغلب، واستتب له الأمر )))


    أما عن الأولى- أي : ثبوت ولاية من تغلب واستتب له الأمر- فقد قال العلامة الشنقيطي- رحمه الله تعالى- وهو يعدد طرق تنصيب الولاة ، فذكر منها :

    " أن يتغلب على الناس بسيفه، وينزع الخلافة بالقوة حتى يستتب له الأمر، وتدين له الناس؛ لما في الخروج عليه حينئذ من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم .

    قال العلماء : ومن هذا القبيل، قيام عبد الملك بن مروان على عبد الله بن الزبير وقتله إياه في مكة على يد الحجاج بن يوسف، فاستتب الأمر له، كما قاله ابن قدامة في المغني" "أضواء البيان..." للعلامة الشنقيطي(1/60)

    قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : " ومن غلب عليهم- يعني : الولاة- بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الأخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً"

    واحتج الإمام أحمد بما ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنه- أنه قال : " وأصلي وراء من غلب" "الأحكام السلطانية" للقاضي أبي يعلى ص (23) والنقل بواسطة"معاملة الحكام" للدكتور عبد السلام برجس ص(25)

    وفي "الاعتصام" للشاطبي – رحمه الله تعالى : " أن يحيى بن يحيى قيل له : البيعة مكروهة ؟
    قال : لا .
    قيل له : فإن كانوا أئمة جور ؟
    فقال : قد بايع ابن عمر – رضي الله تعالى عنهما- لعبد الملك بن مروان، وبالسيف أخذ الملك، أخبرني بذلك مالك عنه والبيعة خير من الفرقة" "الاعتصام" للشاطبي (2/626) ت : الهلالي – زاده الله تعالى توفيقا .

    وروى الإمام البيهقي – رحمه الله تعالى- "سمعت الشافعي – رحمه الله تعالى- يقول : كل من غلب على الخلافة بالسيف، حتى يسمى خليفة، ويجمع الناس عليه، فهو خليفة" "مناقب الشافعي"(1/448):

    وقد حكى الإجماع على ذلك الحافظ ابن حجر- رحمه الله تعالى- في "الفتح" فقال : " وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه" "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"(13/7)

    وحكاه أيضاً شيخ الإسلام في عصره الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى كما في "الدرر السنية"(7/239) وانظر كذلك "مجموعة الرسائل والمسائل"(3/168) أو"معاملة الحكام"(28-29)

    وما قالوه بالنسبة للخليفة العام يدخل فيه ولاة أمر هذه الزمان لما سيأتي



(((  وأما المبحث الثاني : اعتبار تعدد الأئمة ؛ للعجز والحاجة  )))

    "قال الإمام ابن حزم- رحمه الله تعالى :
" واتفقوا أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان، لا في مكانين ولا في مكان واحد" "مراتب الإجماع" ص(144)

    وقال الإمام الماوردي - رحمه الله تعالى :
"إذا عقدت الإمامة لإمامين في بلدين : لم تنعقد إمامتهما؛ لأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان؛ في وقت واحد، وإن شذّ قوم فجوّزوه" "الأحكام السلطانية"ص(9)

    وقال القاضي أبو يعلى - رحمه الله تعالى :
"ولا يجوز عقد الإمامة في بلدين في حالة واحدة، إن عقد لاثنين وجدت فيهما الشرائط؛ نظرت:
    فإن كانا في عقد واحد: فالعقد باطل فيهما .
    وإن كان العقد لكل واحد منهما على انفراد؛ نظرت :
    فإن علم السابق منهما بطل العقد الثاني .
    وإن جهل من السابق منهما: يخرّج على الروايتين :
    أحدهما : بطلان العقد فيهما .
    والثانية : استعمال القرعة" "الأحكام السلطانية"ص(25)

 أقول :

فهذه أقوال بعض الأئمة والعلماء- قديماً وحديثاً- في عدم جواز تعدد الأئمة .. لكن : للعلماء في ذلك إبانة زائدة مفيدة للغاية؛ تقيد الإطلاق السابق :

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- تعقيباً على كلام الإمام ابن حزم - رحمه الله تعالى- السابق :
" قلت : النزاع في ذلك معروف بين المتكلمين في هذه المسألة- كأهل الكلام والنظر- فمذهب الكرّاميّة وغيرهم جواز ذلك وأن علياً كان إماماً، ومعاوية كان إماماً .

    وأما أئمة الفقهاء : فمذهبهم أن كلا منهما ينفذ حكمه في أهل ولايته، كما ينفذ حكم الإمام الواحد .

    وأما جواز العقد لهما ابتداءً، فهذا لا يفعل مع اتفاق الأمة .

    وأما مع فرقتها؛ فلم يعقد كل من الطائفتين لإمامين، ولكن كل طائفة إما أن تسالم الأخرى وإما أن تحاربها
    والمسالمة خير من محاربة يزيد ضررها على ضرر المسالمة، وهذا مما تختلف فيه الآراء والأهواء" "نقد مراتب الإجماع"ص(216)

    وقال الإمام الشوكاني- رحمه الله تعالى- بعد أن أشار إلى واقع المسلمين في عهد النبوة وعصر الخلفاء- بعده  في الوحدة واتحاد الكلمة :

    "   ثم استمر المسلمون على هذه الطريقة حيث كان السلطان واحداً، وأمر الأمة مجتمعاً .

    ثم لمّا اتسعت أقطار الإسلام، ووقع الاختلاف بين أهله، واستولى على كل قطر من الأقطار سلطان : اتفق أهله على أنه إذا مات بادروا بنصب من يقوم مقامه . وهذا معلوم لا يخالف فيه أحد، بل هو إجماع المسلمين أجمعين منذ قبض رسول- صلى الله عليه وسلم- إلى هذه الغاية " "السيل الجرار"(4/504)

   وقال العلامة المحقق صديق حسن خان القنوجي- رحمه الله تعالى :
"إذا كانت الإمامة الإسلامية مختصة بواحد، والأمور راجعة إليه، مربوطة به- كما كان في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم- فحكم الشرع في الثاني الذي جاء بعد ثبوت ولاية الأول أن يقتل إذا لم يتب عن المنازعة .

    وأما إذا بايع كل واحد منهما جماعة في وقت واحد، فليس أحدهما أولى من الآخر، بل يجب على أهل الحَلّ والعَقد أن يأخذوا على أيديهما حتى يجعل الأمر في أحدهما .

    فإن استمروا على التخالف كان على أهل الحل والعقد أن يختاروا منهما من هو أصلح للمسلمين، ولا تخفى وجوه الترجيح على المتأهلين لذلك .

    أما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته، وتباعد أطرافه؛ فمعلوم أنه قد صار في كل قطر- أو أقطار- الولاية إلى إمام، أو سلطان، وفي القطر الآخر- أو الأقطار- كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في غير قطره- أو أقطاره التي رجعت إلى ولايته- فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي تنفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر .

     فإذا قام من ينازعه في القطر الذي ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله  كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب، ولا يجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار؛ فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها ولا يدرى من قام منهم أو مات! فالتكليف بالطاعة- والحال هذه- تكليف بما لا يطاق .

    وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد؛ فإن أهل الصين والهند لا يدرون بمن له الولاية في أرض المغرب، فضلاً عن أن يتمكنوا من طاعته، وهكذا العكس وكذلك أهل ما وراء النهر لا يدرون بمن له الولاية في اليمن وهكذا العكس .

    فاعرف هذا، فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته؛ فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار!

    ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة؛ لأنه لا يعقلها " "الروضة الندية"(2/774) وأقره العلامة الألباني-رحمه الله تعالى- في "التعليقات الرضية" (3/504)

    وقال الشيخ محمد رشيد رضا- رحمه الله تعالى- تعقيباً على كلام المواردي- المذكور قبل :
    " وأقول : إنما جوّزه من جوّزه حال تعذر الوحدة، وهذا هو الخلاف الذي نقله العضد في"المواقف" إذ قال : "ولا يجوز العقد لإمامين في صقع متضايق الأقطار، أما في متسعهابحيث لا يسع الواحد تدبيره- فهو محل الاجتهاد"

    قال شارحه السيد الجرجاني : لوقوع الخلاف .. واعتمد الجواز محشّيه الفناري- وهو من أشهر علماء الروم أو الترك
    وأما في حال إمكان الوحدة، فلا نعلم أن أحداً من العلماء - الذين لعلمهم قيمة- قال بجواز التعدد .
 
    وقول من قال بالتعدد- للضرورة- أقوى من قول الجمهور بإمامة المتغلب للضرورة، إذا كان كل من الإمامين- أو الأئمة- مستجمعاً للشروط، مقيماً للعدل([2]) فإن كان في هذه تفرق فهو في غير عدوان ولا عداوة، وفي تلك بغي وجور ربما يفسد الدين والدنيا معاً، بل أفسدهما بالفعل" "الخلافة"ص(56)

    وقال العلامة الصنعاني- رحمه الله تعالى- عند شرح حديث الإمام مسلم برقم (1848) عن أبي هريرة- رضي الله تعالى "من خرج عن الطاعة، وفارق الجماعة ومات؛ فميتته جاهلية"

    " قوله "عن الطاعة" أي : طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، وكأن المراد: خليفة أي قطر من الأقطار، إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية .

    بل استقل أهل كل إقليم بقائم أمورهم، إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لقلت فائدته .  

    وقوله "وفارق الجماعة" أي : خرج عن طاعة الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم ، واجتمعت به كلمتهم، وحاطهم من عدوهم" أهـ "سبل السلام"(3/499) والنقل عن "مسائل علمية "ص(75-84)

    يقول شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى :
" والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه . فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك؛ لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق" "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"(35/175)


نقل الإجماع – بل جمع الإجماعات- على ما تقدم

    الإمام محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله تعالى- بقوله :
"الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء، ولولا هذا ما استقامت الدنيا؛ لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم" "الدرر السنية"(7/239)


    هذا ما تيسر إيراده وفيه الكفاية، والحمد لله تعالى واهب الهداية .

وصلي اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

كتبه
الفقير إلى رحمة مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد حسونة
في 23/7/1424هـ 20/9/2003م


([1]) ظللت دهراً مضمراً الخطاب، مؤملا بمستور العتاب المآب، غير أن هؤلاء يأبون إلا العناد، ويعانقون اللجاج، والآن أقول :
    لقد كرر أبو إسحاق الحويني- هداه الله تعالى- القول الجائر، بأنه لا يوجد حاكم شرعي على وجه الأرض!!! وهذا قول فاسد مفسد، ووافقه على ذلك مواطأطة : ربعه - هداهم الله تعالى .
    نعم .. رجعوا عن بعض مفردات مناهجهم، وردّ بعضهم على بعض في البعض، مما يبشر بعودة، نسأل الله تعالى الخير لنا ولهم
([2] ) وهذا الشرط مبناه : الاستحباب لا الإيجاب، كما هو مذهب أهل الحق، والأدلة مستفيضة على تقريره، والله تعالى المسؤول أن يوفق الحكام والمحكومين لم فيه رضاه .

ليست هناك تعليقات: