بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 25 يناير 2014

نقلا من كتاب : الردود السلفية على شبهات الحاكمية. المؤلف: أ.د. طلعت عبد الرازق زهران4

الشبهة الرابعة: الإجماع الذي ذكره إسحاق


سؤال: الإجماع، الذي نقله ابن عبد البر، رحمه الله، عن إسحاق، رحمه الله تعالى، يخالف مفهوم رواية ابن عباس؛ إذ قال فيه:
(وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله، أنه كافر)  ا.هـ وليس معنى الدفع هنا الجحود، أو الاستحلال؛ لقوله رحمه الله: " مقر بما أنزل الله".
فمعنى أنه مقر بما أنزل الله، أي أنه إن كان حكم الله بالوجوب، فإقراره ينافي جحوده.
وإن كان حكم الله بالحرمة، فإقراره يعني عدم استحلاله، فيبقى معنى الدفع، وهو " الرد والامتناع عن القبول". فيقول الجصاص، رحمه الله، في قوله تعالى: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم...... الآية }:(في هذه الآية دلالة على أن من يرد شيئاً، من أوامر الله، أو أوامر رسوله، صلى الله عليه وسلم، أنه خارج عن دائرة الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة " ترك القبول والامتناع عن التسليم") أ.هـ

الرد عليها

في الحقيقة هذا تحريف لمقولة الإمام إسحاق بن راهويه، فإنه يجب أخذ كلامه بتمامه، من نقل تلميذه الذي اختص به وأكثر عنه، وهو الإمام محمد بن نصر المروزي، في كتابه "تعظيم قدر الصلاة"، ولفظه: "ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد؛ فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً، أو أعان على قتله، وإن كان مقراً، ويقول: قتلُ الأنبياء محرم، فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أو رد عليه قوله من غير تقيَّة ولا خوف، ألا ترى إلى ما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم،: "حين أعطى الأعرابي، ثم قال له: أحسنتُ، قال: لا، ولا أجملت، فغضب أصحابه رضي الله عنهم، حتى هموا بقتله، فأشار إليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، بالكف، وقال للأعرابي: "تأتيناه". فجاءه في بيته، فأعطاه وزاده، ثم قال له: أحسنتُ؟ قال: أي والله وأجملت..

ففي هذا تصديق أنه يكفر بالرد على النبي، صلى الله عليه وسلم. ولكن كل من كان كفره من جهة الجهل وغير الاستهانة، رفق به. لأنه كفر دون كفر" أ.هـ.

فأنت ترى أن إطلاق كلمة الكفر عليه من إسحاق ابن راهويه لا يعني أنه قد خرج من ملة الإسلام؛ لأنَّ الكفر، إذا نسب إلى المؤمنين، حُمل على التشديد والتغليظ. ويذكر هذا بقول الأنصاري، الذي خاصم الزبير، عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله،صلى الله عليه وسلم، للزبير: "اسق يا زبيرُ ثم أرسل الماء إلى جارك"، فغضب الأنصاري، ثم قال: "أن كان ابن عمتك؟!... الحديث.
ولم يحكم النبي، صلى الله عليه وسلم، على الأنصاري بالردَّة، مع أنَّ كلَّ من اتهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحكم فهو كافر مرتد، وإنما عفا عنه؛ لعلمه أن ما قاله فلتة من فلتات اللسان، وزلة من الشيطان، تمكن بها منه، عند ثورة الغضب، فإطلاق الكفر عليه لا يكون إلا بقصده سب النبي، صلى الله عليه وسلم، أو استحلاله لما حرم الله.
كما رفق النبي، صلى الله عليه وسلم، بالأعرابي..). انتهى كلام الإمام المروزي.
فهذا الأعرابي كان مقرّاً لكل ما أنزل الله على رسوله، صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يرض بحكم النبي، صلى الله عليه وسلم،، بل دفعه وردَّه، ومع ذلك لم يكفره صلى الله عليه وسلم، ولم يخرجه من ملة الإسلام ودائرة الإيمان، بل أقال عثرته، وأعطاه وزاده؛ لعلمه أنه لم يردَّ حكمه عن استهانة أو بغض أو استكبار.
والحاصل-كما يقول العنبري- من ذلك كله، أن الردَّ أو الدفعَ لما أنزل الله، إذا كان عن عنادٍ أو استكبارٍ أو استهانة،ٍ كان كفراً أكبر مخرجاً من الملة، حتى وإن صاحَبَهُ تصديق أو إقرار، وهذا هو كفر العناد، نحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله له بالسجود، فإن الله باشره بالخطاب، وإنما ردَّه، ولم ينقد له إباءاً واستكباراً.
ما أشبهه بالأخطل التغلبي، معاندا مستكبرا؛ إذ يقول:


فلست بصائم رمضان عمري.... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عـيسا ركـوبا....
إلى بطـحـاء مكة للنــجاح
ولـسـت بـقــائم كالــعير يدعو....
قبيل الصبح حي على الفلاح
ولـكنـي سـأشـربـهـا شـمولا....
وأسجد عند منبلج الصباح

وإذا كان الردُّ أو الدفع لما أنزل الله، لا عن استهانة أو عنادٍ أو إباءٍ، بل عن خوف أو هوى، لم يكن من الكفر في شيء، نحو رد الأعرابي في الحديث السابق. وإلى هذا يشير ابنُ راهويه بقوله: "وكذلك من شتم نبياً، أو ردَّ عليه قوله من غير تقية ولا خوف" وقوله: "يكفر بالرد على النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن كل من كان كفره من جهة الجهل وغير الاستهانة، رفق به حتى يرجع إلى ما أنكره".
وبذلك لا يبقى للخصم متعلَّقٌ بكلمة ابن راهويه، إن كان منصفاً.


__________________________________________________ ____ (التمهيد لابن عبد البر ج: 4 ص: 226)
 
تمام الحديث: عن أبي هريرة، رضي الله عنه: "أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينه في شيء قال عكرمة : أراه قال : في دم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ قال الأعرابي : لا
ولا أجملت. فغضب بعض المسلمين، وهموا أن يقوموا إليه ، فأشار رسول الله إليهم : أن كفوا . فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ، دعا الأعرابي إلى البيت ، فقال له : إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت . فزاده رسول الله شيئا ، وقال : أحسنت إليك ؟ فقال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل عشيرة خيرا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت ، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء ، فإذاجئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب عن صدورهم . قال : نعم . فلما جاءالأعرابي قال : إن صاحبكم كان جاءنا فسألنا فأعطيناه ، فقال ما قال ، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، كذلك يا أعرابي ؟ قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل عشيرة خيرا".
وهو ضعيف، رواه ابن كثير في التفسير (4/179)، والعراقي في تخريج الإحياء - 2/466)

ليست هناك تعليقات: