بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

بركـة البكـور لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله -

بركـة البكـور

لفضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله -

[من شرح الأدب المفرد / ش88]

[للتحميل]

ثم أورد الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- هذا الحديث عن طارق بن أشيم الأشجعي -رضي الله عنه-، قال: "كُنَّا نَغْدُو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَتَجِيءُ الْمَرْأَةُ". (1)
الغُدُو: هو الوقت الباكر في أول النهار ما بين طلوع الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس، فهذا يقال له: الغَداة، ويقال له: الغُدو. وهو باكورة اليوم وأول اليوم.

وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في هذا الوقت بالبركة؛ كما جاء في الحديث:
«بورك لأمتي في بكورها» (2) فدعا -عليه الصلاة والسلام- لأمته أن يُبارَك لها في هذا الوقت.
ولهذا؛ فهو وقتٌ ثمين ووقت نفيس.
فينبغي للمسلم ألا يُضيِّعه في الكسل أو في غير ذلك؛ بل الذي ينبغي عليه أن يحفظه في الذكر والطاعة لله -عز وجل- والأمور التي ترتفع بها درجاته عند الله
-تبارك وتعالى-، فهو وقتٌ مبارك.

وما يكون من الإنسان في أول اليوم ينسحب على بقية اليوم؛ إِنْ نشاطٌ فنشاط وإِنْ كسلا فكسل، ولهذا قال بعض السلف:
"يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره" أي إذا حفظتَ أول اليوم فإنَّ بقية اليوم يحفظ لك.
ولهذا
؛ جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أنه أخذ يُسبِّح الله -تبارك وتعالى- حتى طلعت الشمس، فلما طلعت قال: "الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، ولم يؤاخذنا بذنوبنا"، قال: "الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا" مع أنه في أول اليوم ! لكن لما يَسَّر الله له حفظ أول اليوم قال: "الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا" مع أنه في أول اليوم وفي بدايته! وهذا فيه شاهد إلى أنَّ العبد إذا حفظ أول اليوم بالذكر والطاعة سَلِم له يومه كاملا، وحُفِظ له يومه كاملا، وهذا معنى قول بعض السلف: "يومك مثل جملك إن أمسكت أوله تبعك آخره".
ولهذا؛ يقول بعض العلماء كلامًا لطيفًا في هذا الباب:
"أول اليوم شبابه وآخر اليوم شيخوخته ومن شبَّ على شيءٍ شابَ عليه"، فإذا شبَّ الإنسان في أول اليوم على الذِّكر بقي اليوم محفوظًا، وإذا كان في خلاف ذلك؛ في الكسل أو في النوم أو في الفتور.. أو في غير ذلك من الأمور؛ فإنه يشبُّ عليها ويأتي عليه آخِر اليوم وهو كذلك.

قوله: "كُنَّا نَغْدُو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَتَجِيءُ الْمَرْأَةُ" ؛ فيه عناية السلف بالبكور والغدوة وحفظهم لها؛ في الخير والعلم والفائدة، هذه حالهم، ولهذا قال: "كُنَّا نَغْدُو" ؛ أي كانت هذه طريقتنا، "نَغْدُو" أي نذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل والمرأة في الغداة أي في الوقت الباكر، وهذا فيه تحري البركة والتماسها التي جُعِلت في هذا الوقت المبارك.

فهذا شأن السلف -رحمهم الله تعالى- مع هذا الوقت المبارك، فما هو شأن الناس -ولا سيما في هذا الزمان- مع هذا الوقت، الذي هو بعد طلوع الفجر إلى ما قبل طلوع الشمس؟!

هذا الوقت يُعدُّ عند الناس في زماننا أفضل وقت للنوم، ولا يمكن أن يُساوَم في تفويت النوم في هذا الوقت.

مع أنّ السلف -رحمهم الله- ما كانوا ينامون في هذا الوقت حتى في شدة التعب، حتى ذكر ابن القيم - رحمه الله - عنهم أنهم إذا كانوا في سفر في الليل وأخذ بهم التعب مأخذًا شديدًا وصلَّوا الفجر لا ينامون، مع شدة التعب لا ينامون حتى تطلع الشمس رغبةً في عدم تفويت بركة هذا الوقت على أنفسهم فيبقون ذاكرين لله عز وجل، مستغفرين، حامدين شاكرين إلى أن تطلع الشمس ثم ينامون لما هُم عليه من تعب ونصب بسبب السفر والجهد الذي هم عليه.

_____________________
(1) بَابُ : دُعَاءِ الرَّجُلِ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أشيمَ الأَشْجَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: "كُنَّا نَغْدُو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَجِيءُ الرَّجُلُ وَتَجِيءُ الْمَرْأَةُ، فَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ أَقُولُ إِذَا صَلَّيْتُ ؟ فَيَقُولُ:
«قُلِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، فَقَدْ جَمَعَتْ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ». حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، وَلَمْ يَذْكُرْ: إِذَا صَلَّيْتَ. وَتَابَعَهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ، وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ.
(2)
رواه الطبراني في الأوسط (771)، صححه الألباني في صحيح الجامع ( 2841).