بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

سلسلة المعتقدات الخاطئة (1)

سلسلة المعتقدات الخاطئة
(1)
النسائم
في مدح التفاؤل
وذم التشاؤم
تأليف
أبي عبد الله محمد بن العفيفي

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
مقدمة المؤلف
الحمد لله وحده ، والصلاةُ والسلام ُعلى من لا نبيَّ بعده ، وعلى آله وصحبه ؛
أما بعد :
فهذه رسالة ٌمهمة ٌأحببتُ أن أُذكِّر بها إخوانى وأحبابى من المسلمين والمسلمات فى أرجاء المعمورة فى قضية خطيرة من قضايا التوحيد والاعتقاد ؛ ألا وهى قضية » التشاؤم « ؛ ذلكم الداءُ الخطير الذى دمَّر الكثيرين من أفراد هذه الأمةِ الميمونة0
فأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الكتيِّب نافعاً صالحاً ، وخالصاً لوجهه الكريم ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمّد وآله0 والحمد لله رب العالمين0
وكتبه / أبو عبد الله محمد بن العفيفى
ت/ 0160396639
0182596691

﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
تمهيد
إن صحة العقيدة أساسُ قبول ِالأعمال والأقوال ؛ فالأقوالُ والأعمالُ إنما تصحُّ وتقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، أما إذا كانت العقيدةُ غيْرَ صحيحة فسد وبطل ما يتفرع عنها من أقوال وأعمال0
• قال تعالى : ﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِن َالْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة:5]0
• وقال تعالى : ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام:88]0
• وقال تعالى : ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً ﴾[الفرقان:23]0
• بل لقد قال الله تعالى لإمام الموحدين وسيد المتقين نبينا محمد – صلى الله عليه و سلم - : ﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر:65]0
◘ فمهما قدَّم العبد من أعمال ؛ من صلاة وصيام وزكاة وحج وجهاد وبِرٍّ وصله وهو مشركٌ بالله في عمله ؛ فإن هذه الأعمال تُردُّ عليه ولا تقبل ؛ بل ويجعلها الله هباءً منثوراً ، لا قيمة لها ولا كرامة !!
فربما يفعل العبد كثيراً من القربات والطاعات ؛ لكنه ارتكب خصالاً شركية نسفت هذه الخصال دينه بالكلية ؛ قال تعالى : ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴾ [يوسف:106]0
فيجب على العبد أن يحذر الشرك كلَّه ؛ صغيره وكبيره ، كما يجب عليه أن يتعلم الإيمان ؛ كما قال جندب بن عبد الله البجلى – رضى الله عنه - : » تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً «10
◘ فالإيمانُ يجب أن يكون قبل كل شىء وقبل أى خطوة0 والحياة لا تقوم إلا على أساس الاعتقاد الصحيح في الله في تصيير الأموركلها له تبارك وتعالى ؛ فالأمر أمره ، والملك ملكه ، والتدبير تدبيره ، والتصريف تصريفه ، لا فاعل إلا هو ، منتهى الأمور كلها إليه ، وأزمَّةُ الأمور كلها بيديه ، يقلب القلوب والأبصار بتقليب الليل والنهار0
يا من ألـوذُ به فيمـا أؤمـلــــه و أستجــــــــــــير به مما أحـــــــــــــاذره
لا يجبر الناسُ عظمًا أنت كاسره ولا يهيضون عظمًا أنت جابـره(1)
» قُل إن الأمر كله لله « » إليه يرجع الأمر كله « » وأن إلى ربك المنتهى «0
◘ فالعقيدة هي أساس القضايا باتفاق ، وأهم القضايا على الإِطلاق0
لذا علَّم النبى – صلى الله عليه و سلم – العقيدة لغلامٍ صغيرٍ ؛ ألا وهو عبد الله بن عباس - رضى الله عنهما – فى كلماتٍ مضيئة نيرة يسيرة ، يحفظها كلُّ مسلم ومسلمة ، ويتعلمها الصغير والكبير ؛ فقال له :
» يا غلام : إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام ، وجفت الصحف «(1)0
◘ فلا يجوز لأحد أن يصرف العبادة بجميع أنواعها وصورها لغير مستحقها ووليها وهو الله جلّ علاه0
فلا نذر إلا لله ، ولا ذبح إلا لله ، ولا استغاثة إلا بالله ، ولا توكل إلا على الله ، ولا حلف إلا بالله 00 قال جَلَّ علاه : ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:162-163] ، وقال تعالى : ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر:2]0
فالذبح والنذر والاستعانة والاستغاثة وطلب المدد والشفاء إلى غير ذلك لا يكون إلا مختصًّا بالله تعالى 0 لا يُصرف لنبي ، ولا لولىٍّ ، ولا لملك ، ولا لأىِّ أحد ؛ فالذى يملك النفع والضر ، والموت والحياة ، والرزق هو الله وحده ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ﴾ [الأنعام:17]0
• وقال تعالى لنبيه محمد - صلى الله عليه و سلم - : ﴿ قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:188]0
فصحح عقيدتك أخي وحبيبي في الله ، وصححي إيمانك أيتها المسلمة الفاضلة0
• وقال تعالى : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5] ؛ فقولُه (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ؛ أي : مفردين له الطاعة والعبادة0
◘ قال القاسمىُّ في » تفسيره« (1):
» فمن لم يُخلص لله فى عبادته ،لم يفعل ما أمر به ، بل الذى
أتى به شىءٌ غير المأمور ، فلا يقبل منه «0
وروى مسلمٌ(1)وغيره عن أبى هريرة - رضى الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم – : » يقول الله : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه « ا0هـ
◘ وبعد هذه المقدمة المهمة في باب التوحيد أسأل الله أن يتوفانا جميعاً عليه ، وأن يلحقنا بإمام الموحدين في جنات النعيم00 إنه ولىُّ ذلك والقادر عليه0
○ أقول : إن صحة العقيدة تسلِّم أصحابها من الأمراض ، وتنجيهم من الهلاك والشقاء ؛ بل وتسدد لهم الآراء ، وتحفظهم - بلا شك – من الشك والامتراء0
أما أصحاب العقيدة السقيمة الضعيفة الواهية ؛ فإن الأمراض والعلل والأسقام تحيط بهم من كل جانب ؛ فتراهم في قلق مستمر، وخوف مستقر ؛ بل وشقاء ودمار ، وهلاك وبوار في الدنيا والآخرة – عياذاً بالله تعالى !!
من أجل ذلك جاء الإسـلام الحنيف والدين القويم بإبطـال
كلِّ معتقد سقيم يُضعفُ الرأي والبدن والدين0
◘ ومن تلك المعتقدات الفاسدة الكاسدة السائدة التي قَلَّما يخلو منها قلب امرىءٍ ؛ سواء كان رجلاً أوامرأة ، أوشيخًا أو شابًّا0
إنه مرضٌ فتاك ، وداء مرير ، ومعتقد فاسدٌ ضارٌّ مستطير0
إنه يضادُّ التوكل ، وينافى الإيمان0
إنه دليلٌ على قلة العقل ، وسوء الظن بالله0
إنه يؤدى إلى اضطراب النفس ، وبلبلة الفكر0
إنه يؤدى إلى الفشل فى الحياة ، وتعطيل المصالح ، وترك
السعى0
إنه اعتقاد فى غير الله ، ودعوةٌ صريحةٌ للكفر بالقضاء
والقدر0
إنه لا يجلب للعبد محبوباً ، ولا يدفع عنه مكروهاً0
أتدرون ما هو هذا الداء العضال ؟
أتدرون ما هو هذا المعتقد الضار؟
أتدرون ما هو المرض الخطير الذي وقع – وبكثرة – وسرى في جسد أمة البشير النذير - صلى الله عليه و سلم ؟
إنه مرضُ » التطير و التشاؤم «
فما هو التطيرُ لغةً واصطلاحاً ؟
وما هي أضراره ؟
وما هو حكمه ؟
وأخيراً : ما العلاج ؟
هذا ما سنتعرف عليه – بإيجاز– في هذه الرسالة التي أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينفع بها أهل الإسلام ؛ إنه ولىُّ ذلك ومولاه0









○ أحبتي في الله 000
▪ التطير في اللغة : التشاؤم (1) ؛ كما قال ابن منظور وغيرهُ0 والطائر : الحظ وهو الذي تسميه العرب البخْت(2)0
▪ واصطلاحاً : هو التشاؤم بما يُرى من مجىء الطير ونحوه جهة الشمال ؛ أو بما يُسمع من صوت طائر 00 هذا هو التطير عند العرب0
◘ والمعنى الأعم والأشمل للطيرة :
أنها بمعنى التشاؤم :
بمرئي : كأن يرى أحدهم طيراً فيتشاءم لكونه موحشاً !! أو أن يرى أحدهم أعور أو أعرج ؛ أو شيخاً مهزولاً أو عجوزاً شمطاء0
أو بمسموع : كأن يسمع أحداً يقول لآخر : يا خسران أو يا شقي أو يا خائب أو يا ممحوق ، فيتشاءم 00 !! وكان الرجل إذا سمع عِطاساً من آخر يتشاءم به0وكـان تشاؤمهم بالعطسـةِ
الشديدة أشد (1)0
أو بمعلوم : كالتشاؤم ببعض الأيام والشهور والسنين(2)0
هذا هو المعنى الأشمل للتطير ؛ وإن كان أصله ؛ كما قال الحافظ ابن حجر(3) وغيره : أن أهل الجاهلية كانوا يعتمدون على الطَّير في قضاء حوائجهم وفى أسفارهم(4)0فإذا خرج أحدهم لأمر؛ فإذا رأى الطير طار يمنةً تيمَّن به واستمر وأقبل على حاجته ، وإن رآه طار ذات اليسار تشاءم به ورجع وأحجم عن سفره 00!!
وكان أحدهم يُهيِّج الطير ويزجرها ويثيرها وهو ما يسمى بالعيافة0يهيج أحدهم الطير ليطير ؛ فيعتمد على ذلك ؛ فأبطل الشرع ذلك ، ونهى عنه 00 إذ لا نُطْقَ للطير ولا تمييز له حتى يُستدلَّ بفعله على مضمون معنىً فيه ، وطلب العلم من غير مظانِّه
جهل من فاعله" ا0هـ بتصرف0
نعم 000كان العرب يفعلون هذا ، وكان هذا مسلَّماً به عندهم ، ومن قواعدهم ، وأساسيات حياتهم 00!! كانوا يعتقدون في اتجاه حركة الطائر 00 وهذا ضلالٌ واضحٌ فاضحٌ مزرٍ بأصحابه !!
إذ كيف يُعقل أن يعلق أحدهم أمر الحياة وحاجاتها بطائرٍ يذهب يمنةً أو يسرةً ؛ بل وينسب الخير والشر إليه0
◘ وقد بين الله تعالى ضلالَ هذا الاعتقاد الفاسد في آياتٍ كريماتٍ ، وبينه نبيه – صلى الله عليه و سلم – في أحاديثَ واضحات بيِّنات0
• قال تعالى :
﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهمْ يذَّكَّرُونَ ۝ فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ ﴾ 000 (أي : الخصب والسعة والعافية) ﴿ُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ ﴾ 00 (أي : نحن الجديرون بذلك ؛ المستحقون لذلك) ﴿ِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ ﴾ 00 (يعنى : منذ جاءنا موسى ذهب الرخاء والخصب والعافية ، وجاء البلاء والجدب والقحط 00 فهذا من موسى وأصحابه) ، فردَّ الله عليهم ؛ وأبطل هذه العقيدة العوجاء بقوله تعالى : ﴿ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ ﴾00 (أي : أن ما يصيبهم من الجدب والقحط ليس من موسى وقومه ، ولكنه أمر قدَّره الله وقضاه ، لا علاقة لموسى وقومه به 00 بل الأمر يقتضى أن موسى وقومه سببٌ للخير والبركة والسعادة والفلاح 00 ولكن هؤلاء لبَّسوا على العوام وأوهموا الناس خلاف الواقع والحقيقة 00 !! فالذي يدبر الأمور كلَّها هو الله 00 فما أصابهم فليس من موسى وإنما ﴿ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف:130-131] أكثرهم في جهلٍ وعمى)(1)0
• وقال تعالى في قصة ثمود وتشاؤمهم بنبيهم صالح – عليه السلام : ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ۝ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ۝ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ﴾[النمل:45- 47]؛ أي: تشاءمنا بك وبمن معك ممن أجابك
ودخل في دينك ، وذلك لأنه أصـابهم قحطٌ فتشـاءموا بصالح
عليه السلام (1)0
• وقال تعالى في قصة أصحاب القرية من سورة يس وقولهم للمرسلين : ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ﴾ 00 (أي : تشاءمنا بكم) ﴿ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۝ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [يس:18-19] (أي : شؤمكم معكم – وهو كفرهم – مصاحبٌ لكم وملازم0فما يحصل لكم ، فإنه منكم وبسببكم وبسبب أعمالكم ، فأنتم المتسببون في ذلك0وأعمالكم تستلزم وقوعه عليكم ، ولزومه بكم ؛ فالشؤم يقع على من يتشاءم ، جعل الله من ذلك عقوبةً له فى الدنيا لسوء ظنه بالله0
• كما قال تعالى : ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم:41] ؛ فهم السبب ، والمقدِّرُ له في الحقيقة هو الله ؛كما قال تعالى : ﴿ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهِ ﴾0
○ فانظر إلى هذا التشاؤم المزرى بأصحابه 00 كيف أوصلهم إلى حد التشاؤم بصفوة الخلق من الأنبياء والمرسلين 00 ؟!!
فلا غرْو أن ترى إنساناً إن رأى رجلاً صالحاً تشاءم منه ، أو أغمض عينيه عن رؤيته ، وإن ألقى عليه أخوه السلام ربما لا يرد، وإن ردَّ السلام ردَّ على مضض 00 وهذا واقع ملموس0فإن كان هذا التشاؤم من هؤلاء في حق خير الخلق ، فتشاؤمهم بمن دونهم من باب أولى00!!
وكما سبق فإن العرب كانوا أكثر الناس طيرة ، وأشقاهم بها0
◘ قال الطبرىُّ في » تفسيره «(1)عند قوله تعالى : ﴿ وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ
مَنشُوراً﴾ [الإسراء :13]:
» لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها ، فأعلمهم جلّ ثناؤه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه نحساً كان ذلك الذى ألزمه من الطائر، وشقاء يورده سعيراً ، أوكان سعداً يورده جنات عدن 00
فكل إنسانٍ منكم يا معشر بنى آدم ألزمناه نحسه وسعده ، وشقاءه وسعادته بما سبق له فى علمنا أنه صائرٌ إليه ، وعامل من الخير والشر في عنقه ، فلا يجاوز فى شىء من أعماله ما قضينا عليه أنه عامله ، وما كتبنا له أنه صائرٌ إليه« 0
◘ قال الثعالبي في »تفسيره«(1):
» كانت العرب تعتقد أن تلك الطيرة قاضية بما يلقى الإنسان من خير وشر ، فأخبرهم الله تعالى فى هذه الآية بأوجز لفظ ، وأبلغ إشارة أن جميع ما يلقى الإنسان من خير وشر قد سبق به القضاء وألزم حظه وعمله وتكسبه في عنقه00« 0

التشاؤم 00 شؤمه و قبحه
إن التشاؤم شرٌ وضلالٌ ، وهَمٌّ وغمٌّ ، وقلقٌ وخوفٌ0
◘ قال ابن القيم فى » مفتاح دار السعادة «(1):
» الطيرة بابٌ من أبواب الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته !!
وهذا يعظُم شأنه على من أتبعها نفسه ، واشتغل بها ، وأكثر العناية بها ، فتكون إليه أسرع من السيل إلى مُنْحِدره ، وتفتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويُعطاه0ويفتح له الشيطان بسببها ما يفسد عليه دينه وينكد عليه عيشه0 فإذا رأى "ياسمينًا" أو سمع اسمه تطيَّر به ، وقال » يأسٌ ومَيْنٌ « !! وإذا خرج من داره فاستقبله أعورُ أو أشلُّ أو أعمى أو صاحب آفة تطيَّر به ، وتشاءم بيومه ، وعلى هذا فإن المتطير مُتْعَبُ القلب ، مُنَكَّدُ الصدر ، كاسفُ البال ، سيىء الخُلُق 00 يتخوف من كل ما يراه ويسمعه ، فيصيرُ أشدَّ الناس وجلاً ، وأنكدهم عيشاً ، وأضيقهم صدراً ، وأحزنهم قلباً ، وكم قد حرم نفسه بذلك من حــظ ،
ومنعها من رزق ، وقطع عليها من فائدة" !!
○ ومن بديع ما قال ابن عثيمين رحمه الله(1):
» المتطير لا يخلو من حالين :
الأول : أن يحجم ويستجيب لهذه الطيرة ويدع العمل ، وهذا من أعظم التطير والتشاؤم0
الثانى : أن يمضى لكن في قلقٍ وهمٍّ وغمٍّ يخشى من تأثير هذا المتطير به ، وهو أهون0
وكلا الأمرين نقصٌ في التوحيد ، وضررٌ على العبيد «0
وأما من لم يلتفت إليها – يعنى : الطيرة – ولم يُلق إليها باله ، ولم يشغل نفسه بها ولا فكره ، فإن ذلك يذهب عنه ويضمحل0
وقد شفى النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته فى الطيرة لما سُئل عنها ، فقال:» ذاك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم «(2) ؛ أى : فلا يصرفنه عن حاجته(3)0
◘ قال النووي(1): » معناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة ، ولكن لا تلتفتوا إليه ، ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا «0
○ نعم أيها الأحبه 00
فالإنسان إذا فتح على نفسه باب التشاؤم ، ضاقت عليه الدنيا ، وصار يتخيلُ كُلَّ شىءٍ أنه شؤم0
● إن رأى إنساناً بعينٍ واحده تشاءم وقال : اليوم يوم سوء00!! وأغلق دكانه وأوقف تجارته ، وترك بيعه وشراءه 00 إنه شقاء فى الدنيا والآخرة 00!!
● وترى آخر يتشاءم بيوم الجمعه وهو خير يوم طلعت فيه الشمس أو بيوم الأربعاء زاعماً أن فيهما ساعة نحسٍ وشؤم !! وهذا سبٌّ محرمٌّ للزمان ؛ ففي » الصحيحين «(2) من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه - قال : قال رسول الله– صلى الله عليه وسلم – : قال الله عزَّ وجل : » يؤذينى ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدى الأمر أقلب الليل والنهار « وفى رواية : » يؤذينى ابن آدم يقول : يا خيبة الدهر ؛ فلا يقول أحدكم : يا خيبة الدهر؛ فإنى أنا الدهر أقلب ليله ونهاره ؛ فإذا شئت قبضتهما «0
وقوله تعالى : » وأنا الدهر « أى : المدبر للأمور ، أو صاحب الدهر أو مقلب الدهر ، لذلك عقبه بقوله : » بيدى الأمر أقلب الليل والنهار «0وراجع » الفتح « (8/575)0
فالدهر لا دخل له في الحوادث ؛ بل المقدر هو الله ، ورب الدهر هو المعطى المانع ، الخافض الرافع ، المعز المذل ، والدهر ليس له من الأمر شىء ؛ فمسبتهم للدهر مسبة لله جلَّ علاه!
● بل الأعجب من ذلك أنه ربما يتشاءم المرءُ من المصحف، إن فتحه فوافق آيةَ بشارة كقوله تعالى - مثلاً- ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة:25] استبشر وتيمَّن وفرح0وإن فتحه فوافق قوله تعالى- مثلاً- ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [الزمر:71] تشاءم - ولا حول ولا قوة إلا بالله - والقرآن كلُّه خير وهدى ونور وبصائر ؛ فكيف يُسوِّغ هؤلاء لأنفسهم أن يتعاملوا مع كتاب الله المجيد بهذه الطريقة الخاسرة0
○ وحُكِى أن الوليد بن يزيد بن عبد الملك تفاءل يوماً في المصحف ، فخرج له قوله تعالى : ﴿ وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ [إبراهيم:15] ؛ فمزق المصحف ، وأنشأ يقول :
أتُوعِدُ كل جبـــــار عنيـــــد فها أنا ذاك جبــــار عنيـــــد
إذا ما جئت ربك يوم حشر فقل يارب مزقنى الوليد
فلم يلبث إلا أياماً حتى قتل شر قتله ، وصلب رأسه على قصره ، ثم على سور بلده ، نعوذ بالله من البغى ومصارعه ، والشيطان ومصايده ، وهو حسبنا وعليه توكلنا ، وإليه ننيب(1)0
● ومنهم من كان يتشاءم بشهر شوال لاسيما في أمر الزواج ؛ فقد قيل : إن طاعوناً وقع فى شوال فى سنةٍ من السنين ، فمات فيه كثير من العرائس0فتشاءم أهل الجاهلية بذلك ؛ لكن أم المؤمنين عائشة – رضى الله عنها – نقضت هذا المعتقد الذى كان موجوداً فى الجاهلية ؛ ففى » صحيح « مسلم(1) عن عائشة – رضى الله عنها – قالت : » تزوجنى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في شوال ، وبنى بي في شوال ؛ فأىُّ نساء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان أحظى عنده منى ؟!! « - لا أحد0وكانت عائشة – رضى الله عنها – تستحب أن تدخل نساءها فى شوال0
● ومنهم من كان يتشاءم بشهر صفر ويقول : إنه شهر مشؤوم ؛ قال ابن رجب فى » اللطائف« (2): » وكثير من الجهال يتشاءم بصفر ، وربما ينهى عن السفر فيه ، والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهى عنها « فأبطل النبى– صلى الله عليه وسلم – ذلك0
○ ففى » الصحيحين «(3) من حديث أبى هريرة– رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : » لا عدوى ولا طيرة
ولا هامة ولا صفر «0
فهذه الأشياء المذكورة والتى كان الجاهليون يعانونها ويمارسونها أمورٌ باطلة 00 وأنه لا تأثير لها0
◘ قال صاحب » فتح المجيد «(1):
» وقد اختلف العلماء فى معنى ذلك ، وأحسن ما قيل فيه ؛ قول البيهقى وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم أن قوله : » لا عدوى « على الوجه الذى يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى ، وأن هذه الأمور تُعدى بطبعها ، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح مَنْ به شىءٌ من الأمراض سبباً لحدوث ذلك ، ولهذا قال : » وفر من المجذوم كما تفر من الأسد « ، وقال : » لا يورد ممرض على مصح « ، وقال فى الطاعون : » من سمع به فى أرض فلا يقدم عليها « وذلك بتقدير الله تعالى0
● وقوله : » ولا طيرة « نهى عن التشاؤم بالطيرة0وقيل : هو نفىٌ ؛ والنفى أبلغ من النهى هنا لأن النفى يدل على بطلان ذلك
وعدم تأثيره ، والنهى إنما يدل على المنع منه0
● وقوله : » ولا هامة «(1) بتخفيف الميم على الصحيح ، قال الفراء : الهامة ، طير من طيور الليل كأنه يعنى البومة0
● وقوله » لا صفر « بفتح الفاء ، روى أبو عبيدة فى » غريب الحديث « عن رؤبة أنه قال : هى حية تكون فى البطن تصيب الماشية والناس ، وهى أعدى من الجرب عند العرب0وقال آخرون : المراد به شهر صفر ، والنفى لما كان أهل الجاهلية يفعلونه من النسىء وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه0 وقيل(2) : إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ، ويقولون : إنه شهرٌ مشؤوم ؛ فأبطل النبى – صلى الله عليه وسلم – ذلك « ا0هـ0
● وربما يتشاءم أحدهم بمولود وُلِدَ فى وقت معين أو ظروف معينة0كما حصل لصلاح الدين الأيوبى حين وُلِدَ ؛ فلما طردهم الملك من القلعة ، وفى ليلة خروجهم من البلدة تشاءم أبوه منه ، لفقده بلده ووطنه0فقال له بعض الناس : قد نرى ما أنت فيه من التشاؤم بهذا المولود ، فما يؤمنك أن يكون هذا المولود ملكاً عظيماً له صيت0فكان كما قالوا(1)0
● ومنهم من يتشاءم من ذكر كلمة » الموت « !! أو من رفيف العين أو من كثرة الضحك أوصفير الأذن !!0
● ومن الناس من إذا حاول الأمر مرة بعد مرة تشاءم بأنه لن ينجح فيه0إذا شرع أحدهم في عملٍ ما ثم حصل له في أوله تعثر تركه 00 !! والذي ينبغي على المسلم أن يحاول ويجاهد في ما يراه مصلحة ، وما دام يعلم أن في هذا الأمر خيراً حتى يفتح الله عليه وألا يدعه تشاؤماً أو تقاعساً أو يأساً 00 فلا يجعل للتشاؤم عليه سلطاناً0وكم من إنسان لم يوفق في العمل أول مرة ، فلما حاول وكابد واجتهد فُتِحَ عليه0
فهذا الكِسائي – إمام النحو– طلب علم النحو عدة مرات ، لكنه لم يُوفق ؛ فبينما هو في يوم من الأيام إذ رأى نملة تحمل نواة تمر ، فتصعد بها إلى الجدار ، فتسقط حتى كررت ذلك عدة مرات ؛ لم تيأس ، حتى صعدت بها بعد محاولات إلى الجدار وتجاوزته0فقال : سبحان الله !! هذه النملة تُكابد هذه النواة حتى نجحت ، فلأكابدنَّ علم النحو حتى أنجح ؛ فكابد وصابر ؛ حتى صار إمام أهل الكوفة فى النحو(1)0
○ نعم 00 من جد وجد ؛ ومن لازم وصل ، ومن صبر ظفر ؛ وحُسْن الصبر طليعة الظفر0
لا تيأسن و إن طالت مطالبة 000
إذا استعنت بصبر أن ترى فَرَجَا
فأخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته 000
و مدمن القرع للأبـواب أن يَلِجَا (2)
○ نعم 00 لكل مجتهد نصيب 00 وأجرك قدْر نَصَبِك ؛ فلابد أن تبذل ، ولا تتقاعس ولا تتكاسل ولا تتشاءم0
لا تقل : لقد حاولت كثيراً أن أسلك طريق الهداية فلم أنجح0بل أنا شاعر بالفشل دائماً 00!! لا بل صابر وجاهد وألح على الله وتضرع إليه0فمن داوم الطرق على باب الملك فتح له 00 فالله يريد منك أن تلح عليه ، وأن تناجيه بقلبٍ تائبٍ أواهٍ منيبٍ ، وأن تقول بلسان الحال والمقال :
بك أسـتجير ومن يجير سـواك فأجر ضعيفاً يحتمى بحمـاكا
إنى ضعيفٌ أستعين على قوى ذنبى ومعصيتى ببعض قواكا
أذنبت يــارب و قادتنى ذنـوب مالهــــــا من غـــــــافـــــر إلاكا
لــو أن قلبى شك لم يـك مؤمناً بكريم عفوك ماعصى وغواكا
رباه هاأنذا خُلِّصت من الهوى واســتقبل القلب الخلىُّ هداكا
رباه قلبٌ تائبٌ ناجاكا
أتردُّه وتردُّ صــــــــــادق توبتي حاشاك ترفض تائبـاً حاشاكا
فليرض عني الناس أو فليسـ خطوا أنالم أعدأسعى لغير رضاكا
فلا تيأس ولا تقنط ؛ فالقنوط سبيله الفشل والضياع والهلاك؛ فلا تجعل للقنوط ولا للتشاؤم عليك سبيلاً ؛ لأنه منكد للعيش ؛ منغس للحياة ؛ قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ
هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر:53]0
ترى المتشائم يرجو واليأس عليه أغلب0
ويأمل والخوف إليه أقرب0
فإذا عاقه القضاء وخانه الرجاء0
جعل الطيرة عُذْر خيبته0
وغفل عن قضاء الله ومشيئته(1)0
◘ والإسلام جاء بإغلاق باب التطير أمام العبد:
فروى مسلم(2) عن سمرة بن جندب – رضى الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم– قال : » لا تسمِّين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح ؛ فإنك تقول : أَثَمَّ هو؟ فلا يكون فيقول : لا « ؛ لأنه ربما كان طريقاً إلى التشاؤم(3)0
◘ قال البغويُّ في » شرح السنة «(1):
» معنى هذا أن الناس إنما يقصدون بهذه الأسماء التفاؤل بحسن ألفاظها ومعانيها ، وربما ينقلب عليهم ما قصدوه إلى الضد إذا سألوا وقالوا : أثم يسار أو نجيح ؛ فقيل : لا ؛ فتطيروا بنفيه وأضمروا الإياس من اليسر والنجاح ، فنهاهم عن السبب الذى يجلب سوء الظن ، والإياس من الخير «0
◘ ومن هذا الباب - أعنى : إغلاق باب التطير - ؛ ما أخرجه أحمد فى » مسنده « وأبو داود فى » السنن « وغيرهما بسندٍ صحيح(2) من حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – قال: » إن النبى – صلى الله عليه وسلم – نهى عن قتل أربع من الدواب : النملة والنحلة والهدهد والصرد «0
○ والصرد : طائر فوق العصفور ، ضخم الرأس والمنقار ، له ريش عظيم ، نصفه أبيض ، ونصفه أسود(3)0وهو الواق0
◘ قال ابن العربى :
» إنما نهى النبى – صلى الله عليه وسلم – عن قتله ( يعنى : الصرد) لأن العرب كانت تتشاءم به ؛ وتتطير بصوته وشخصه ؛ فنهى عن
قتله ليزول ما فى قلوبهم من اعتقاد التشاؤم (1) 0
◘ قال الماوردىُّ(2):
» اعلم أنه ليس شىءٌ أضرَّ بالرأى ، ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة ، ومن ظن أن خُوار بقرة أو صوت غراب يردُّ قضاء ، أو يدفع مقدوراً فقد جهل «0
○ولكن الأمر لا يقتصر على مجرد الوقوع فى الجهل فقط ؛ ولكن الأمر أخطر من ذلك بكثير ؛ فما حكم التشاؤم والتطير؟!!





حكم التشاؤم و التطير
◘ جاء في بعض الآثار أن هذا الاعتقاد من قبيل السحر ، وهو من نفث الشيطان وإضلاله حتى يصرف الناس عن الواحد الأحد0
000 وذلك لأن الإنسان حين يتطاير فإنه يعتمد على أمر لا حقيقة له ، وليس أمراً حسيًّا ولا شرعيَّا ولا معقولاً ؛ ومن اعتمد على أمر خفي لا حقيقة له ، عدَّ ذلك من السحر ؛ لأن السحر شىءٌ وأمرٌ خفي ، لا يجوز الاعتماد عليه ، والطير يجرى بقدر0
◘ وفى الحديث وسنده ضعيف(1) : » إن العيافة – وهو زجر الطير – والطيرة والطَّرْقُ – وهو الخط فى الرمل – من الجبت « ؛ أى : من أعمال السحر ، وقيل من الشيطان وكما أن السحر حرام فهذه الأشياء كذلك0
فالتطير ينافى التوحيد ، ولا يلتقى معه ؛ فلقد اعتمد المتطير على غير الله ، وربط قلبه بغير الله ، وهذا ضدُّ التوكل ، والله يقول : ﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود:123]0
لقد تعلق المتطير بأمر لا حقيقة له ؛ أشبه بالخيال بل هو الوهم والخيال ؛ فأى رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل له 00؟!! وهذا قادحٌ فى التوحيد0والتوحيد عبادة واستعانة ، وقد قال سبحانه : ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة:5](1)0
◘ فمن صدَّهُ التطير والتشاؤم عن مقصده وعن القيام بحاجته وعن الإقدام على سفره فقد وقع فى الشرك المنافى للتوحيد ؛ إذ إنه لا تأثير لهذا المتطاير به فى جلب نفع أو دفع ضر، ومن اعتقد أن هذا الشىء يجلب نفعاً أو يدفع ضرًّا فقد أشرك بالله سبحانه0
◘ قال الحافظ فى "الفتح"(1):
» وإنما جعل ذلك شركاً لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعاً أو يدفع ضراً ؛ فكأنهم أشركوه مع الله تعالى «0
• وفى »سنن « الترمذى وأبى داود وابن ماجه وغيرهم(2) من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : » الطيرة شرك « قالها ثلاثاً0قال ابن مسعود : » وما منا إلا 00 ولكن الله يُذهبهُ بالتوكل « 00 أى : وما منا إلا وقع في قلبه شىء من ذلك ويعتريه التطير ، وحذف تتمة الكلام لما يتضمنه الكلام من الحالة المكروهة ، وهذا من أدب الكلام0» ولكن الله يذهبه بالتوكل « 00أى : حين يتوكل العبد على الله ويسلم الأمر إليه ولم يعمل بذلك الخاطر، بل وتسبق إلى قلبه الكراهة يُذهب الله عنه ذلك ولا يؤاخذه به0(3)
● قال ابن عثيمين رحمه الله (4):
» ما منا إنسان يسلم من التطير ؛ فالإنسان يسمع شيئاً فيتشاءم ؛ أو يبدأ فى فعلٍ فيجد أوله ليس بالسهل ، فيتشاءم ويتركه0والتوكل صدق الاعتماد على الله في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة بالله «0
● وفى » المعجم الكبير « للطبرانى و» مسند « البزار(1)بإسنادٍ فيه مقال من حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – :» ليس منا من تطير أو تطير له« ؛ فهذا المتطير تبرأ منه رسول الله – صلى الله عليه وسلم !!
○ فالطيرة أمرها فاسدٌ باطلٌ ، ووهم وخيال وشرك وضلال ليس فيها علامة ولا دلالة ، وليست قائمة على سبب مُحقَّق0
○ أيها المتشائم 00 لا تخف ، ولا تقلق ، ولا تحزن ، بل اطمئن واهـدأ ، وسكن النفس ، وهدأ البال ، واجعل ثقتـك
وتوكلك على الكبير المتعال0
أخى الحبيب 00اقطع علائق الشرك من القلب ، ووحِّد بقلبك الرب ، ولا تتلبس بعملٍ من أعمال أهل النار00واعلم أن التشاؤم والتطير من عقائد الضُلَّال التائهين الذين يتسببون في جلب الخوف والذعر والقلق لقلوبهم000
لكن من استمسك بعروة التوحيد الوثقى ، واعتصم بحبل الله المتين ، وتوكل على الحى القيوم ، قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها ، وبادر خواطرها من قبل استمكانها(1)0
● قال عكرمة – رحمه الله :
» كنا جلوساً عند ابن عباس ؛ فمر طائر فصاح ؛ فقال رجل من القوم : خير خير0فقال له ابن عباس : لا خير ولا شر «(2)0
فبادر ابن عباس بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثير الطائر في الخير والشر0
● وخرج طاوس مع صاحبٍ له في سفر ؛ فصاح غراب ، فقال الرجل : خير ؛ فقال طاوس : وأى خير أو شر عند هذا ؟!!
لا تصحبنى0(1)
○ نعم 00اقطع دابر الطيرة 00 ولا تشغل قلبك وعقلك بها ؛ فليس فيها ما تحب وليس فيها ما تخاف 00!!
قال لبيدٌ الشاعر :
لعمرك ما تدرى الضوارب بالحصى و لا زاجراتُ الطير ما الله صانع(2)




○ مسألة فى حكم الطيرة ○
س : هل الطيرة شرك مخرج من الملة أم شرك أصغر؟
أجاب على ذلك ابن عثيمين - رحمه الله - فى » القول المفيد « (1/461 و462) ؛ فقال : » هى نوعٌ من أنواع الشرك – لكن ليست شركاً مخرجاً من الملة ؛ وإلا لقال : » الطيرة الشرك « بـ (أل) المعرفة أو الدالة على الاستغراق0
قال : فإذا تطير إنسان بشىءٍ رآه أو سمعه ؛ فإنه لا يُعد مشركاً شركاً يخرجه من الملة ، لكن أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذى لم يجعله الله سبباً ، وهذا يُضعف التوكل على الله ويوهن العزيمة ؛ وبذلك يعتبر شركاً من هذه الناحية ، والقاعدة : » إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سبباً ؛ فإنه مشركٌ شركاً أصغر « وهذا نوعٌ من الإشراك مع الله؛ إما فى التشريع إن كان هذا السبب شرعيًّا(1) ، وإما فى التقدير إن كان السبب كونيًّا(2) ، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله ؛ فهو مشركٌ شركاً أكبر ؛ لأنه جعل لله شريكاً فى الخلق والإيجاد «0وقرَّرَ هذا المعنى النووىُّ -رحمه الله - فى » شرحه لمسلم « (14/219)0
فليعلم العبد أن قضاء الله عليه غالب ، وأن رزقه له طالب ، والحركة والسعى سبب ، فليمض فى عزائمه ، واثقاً بربه وخالقه إن أُعطى ، وراضياً به وإن مُنع0










فرقٌ مهمٌ 00 و توضيحٌ بالغٌ
• ثبت فى » الصحيحين «(1) من حديث ابن عمر– رضى الله عنهما – قال : ذكروا الشؤم عند النبى – صلى الله عليه و سلم – ؛ فقال : » إن كان الشؤم فى شىء ، ففى الدار والمرأة والفرس «0
○ وفى رواية(2) : » لا عدوى ولا طيرة ، وإنما الشؤم فى ثلاثة : المرأة والفرس والدار «0
○ وفى رواية أخرى(3): » إن يكن من الشؤم شىء حقٌّ ، ففى الفرس والمرأة والدار «0
◘ قال الطحاوىُّ فى » شرح معانى الآثار «(4):
» أى : لو كانت -يعنى الطـيرة- تكون فى شىء لكانت فى هؤلاء ، فإذا لم تكن فى هؤلاء الثلاثة فليست فى شىء «0
◘ وقال ابن القيم رحمه الله(1):
» إخباره صلى الله عليه وسلم بالشؤم فى هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التى نفاها الله سبحانه ؛ وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعياناً مشؤومة على من قاربها وساكنها ؛ وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر ، وهذا كما يعطى الله سبحانه الوالدين ولداً مباركاً يريان الخير على وجهه ، ويعطى غيرهما ولداً مشؤوماً يريان الشر على وجهه0وكذلك ما يُعطاه العبد من ولاية أو غيرها ، فكذلك الدار والمرأة والفرس 00 والله خالق الخير والشر والسعود والنحوس ، فيخلق الله بعض هذه الأعيان سعوداً مباركة ، ويقضى بسعادة من قاربها وحصول اليُمن والبركة له 00 ويجعل بعضها نحوساً يتنحَّسُ بها من قاربها ، وكل ذلك بقضائه وقدره كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة ، كما خلق المسك وغيره من الأرواح الطيبة ، ولذذ بها من قاربها من الناس وخلق ضدها وجعلها سبباً
لألم من قاربها من الناس0
والفرق بين هذين النوعين مُدْرَكٌ بالحِسِّ ؛ فكذلك في الديار والنساء والخيل ؛ فهذا لونٌ والطيرة الشركية لون آخر «(1)0 ا0هـ
◘ قال ابن القيم رحمه الله(2):
» فأبطل النبى – صلى الله عليه و سلم – الطيرة وقال إن الفأل منها ، ولكنه خير منها0ففصل بين الفأل والطيرة لما بينهما من الامتياز والتضاد ، ونفع أحدهما ومضرة الآخر0ونظير هذا : منعه صلى الله عليه و سلم من الرقى بالشرك ، ولكنه أذن في الرقية إذا لم يكن فيها شرك لما فيها من المنفعة الخالية من المفسدة «0
○ فالطيرة من الفأل الردىء وليس الحسن (1)0















علاجُ التشاؤم
○ أن يجدد العبدُ ثقتَهُ فى ربِّه وتوحيدَهُ وإيمانَهُ ، وأن يصحح عقيدته ، وأن يعلم أن مُدَبِرَ الكون كلَّه هو الله ، وألا يعتقد فى حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو حيوان أو طير0
وعلى العبد أن يُحْسِنَ الظن بالله ولا يتوقع وقوع البلاء لحدوث حادث أو لطيران طائر ، فهذا من الشرك0وإذا ما وقع العبد فى ذلك ؛ فليحول قلبه عن ذلك ، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم0
● وقد تقدم قول ابن مسعود- رضى الله عنه- : » ولكن الله يذهبه بالتوكل «0
● وفى » المصنف « لابن أبى شيبة ، و » سنن « أبى داود بإسناد لا يصح(1) عن عروة بن عامر قال : ذكرت الطيرة عند النبى – صلى الله عليه و سلم – ؛ فقال :» أحسنها الفأل0ولا ترد مسلماً، فإذا رأى أحدكم ما يكره ؛ فليقل : اللهم لا يأتى بالحسنات إلا أنت ، ولا يدفع السيئات إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بك «0
● وفى » مسند « أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة(1) من حديث عبد الله بن عمرو - رضى الله عنهما- قال : قال رسول الله – صلى الله عليه و سلم – : » من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك « قالوا : يا رسول الله : ما كفارة ذلك ؟ قال : » أن يقول أحدهم : اللهم لا خير إلا خيرك ، ولا طير إلا طيرك ، ولا إله غيرك «0
والظاهر الوقف ؛ فقد روى ابن وهب فى» جامعه « وابن أبى
شيبة فى » مصنفه «(1) عن عبد الله بن عمرو - رضى الله عنهما- موقوفاً فذكره0
● وفى زوائد » الزهد « لعبد الله و» مصنف « ابن أبى شيبة(2) عن ابن عباس - رضى الله عنهما- أنه كان إذا نعق الغراب قال : » لا طير إلا طيرك ، ولا خير إلا خيرك ، ولا إله غيرك «0
○ فتبرأ من حولك وقوتك و فوض أمرك إلى الله وحده ، وقل كما كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات :
أنا الفقـير إلى رب البريَّــات أنا المسكين فى مجموع حالاتى
أنا الظلوم لنفسى وهى ظالمـتى والخـير إن يأتنا من عنده يأتى
لا أستطيع لنفسى جلب منفعـة ولا عن النفس لى دفع المضرات
وليـس لى دونه مولى يدبـرنى ولا شفبع إذا حاطت خطيئاتـى
والفقر لى وصف ذات لازم أبداً كمـا الغـنى وصف له ذاتـى
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم وكلهـم عنـده عبـد له آتى
وكان إذا أثنى عليه فى وجهه يقول : » والله إنى إلى الآن أجدد إسلامى كل وقت ، وما أسلمت بعْدُ إسلاماً جيداً «(1)0
فالطيرة بنفسها لا تؤثر– لا تأتى بالحسنات ولا تدفع المكروهات – بل الله وحده هو القادر والمدبر والمُصَرِّف ، وهـو وحده الضار والنافع0
• قال تعالى : ﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً ۝ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً ﴾ [النساء:78 – 79]0
وبمقتضى هذه العقيدة يجب على العبد أن لا يسأل الحسنات أو لا يسأل دفع السيّئات إلا من الله تعالى0
• قال تعالى : ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء:83] ؛ فالعبد المؤمن لا يُعَلٍّقُ قلبه بغير الله فى جلب نفع أو دفع ضر 00 وهذا هو التوحيد ، وتلك هى العقيدة الصافية 000
يا صاحب الهمِّ إن الهمَّ منفرج أبشر بخــيٍر فإن الفارجَ الله
وإذا بُلِيتَ فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هوالله
الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الخـــالق الله
والله مالك غير الله من أحـدٍ فحسبك الله فى كلِّ لك الله(1)
● قال تعالى : ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴾ [الأنعام:17]0
○ نعم أيها الأحبه 000
الطيرة لا تجلب نفعاً ولا تدفع ضرًّا ، ومن اعتقدها كان سفيها منحرفاً عن سواء السبيل0
فإذا علَّق العبد قلبه بالله وحده ، ولم يلتفت إلى الطيرة ولا إلى أى شىء سواه ، كان ذلك صادراً حقًّا عن حقيقة التوكل على الله ، والتوكل وفقط هو أقوى الأسباب فى جلب الخيرات ، ودفع المكروهات0
إياك إياك أن تُعلق قلبك بطائرٍ أو زائرٍ 00 فالطير يجرى بقدر ،
ولن تصاب بمكروه إلا إذا أراد الله0فالطير كلُّها ملك لله ، لا تفعل شيئاً إلا بإذنه ؛ فهى مسخرة بإذن ربها 00 ألم تسمع قوله تعالى : ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النحل:79] ؛ فالله هو الذى يدبرها ويسخرها ويجعلها تذهب يميناً وشمالاً ، ولا علاقة لها بالحوادث ؛ فلا تتردد فى فعل شىء ، ولا تحجم عن سفر أو عمل شىء ؛ لشىء تشاءمت منه أو سمعت به0
فالعلاج أن تُعرض بقلبك عن هذا الخاطر والهاجس الذى وقع فى قلبك ، ولا تلتفت إليه0فإذا أعرضت كفَّر الله عنك ما وقع فى قلبك ابتداءً لزواله عن قلبك بهذا الدعاء – المتقدم - وإلا جعلت للشيطان عليك سبيلاً وجعلت له منك نصيبًا0
فالطيرة –كما سبق – لا تضر من كَرِهَهَا ومضى فى طريقه غير مكترثٍ بشىءٍ من ذلك 00 وأما من لم يخلص توكله على الله ، واسترسل مع الشيطان فى ذلك ، فربما عُوقب بالوقوع فيما يكره0
دع المقادير تجرى فى أعنتها 000
و لا تبيتنَّ إلا خالى البالِ
مابين طرفة عينٍ و انتباهتها 000
يغيِّرُ الله من حالٍ إلى حالِ(1)









○ الفأل و التفاؤل ○
○ الفأل ضد الطيرة(1) ؛ وهو أن يكون الرجل مريضاً فيسمع آخر يقول : يا سالم أو أن يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول : يا واجد ، فيقول تفاءلت بكذا ، ويتوجه له فى ظنه كما سمع أنه يبرأ من مرضه أو يجد ضالته(2)0
◘ قال الماوردىُّ(3):
» فأما الفأل ففيه تقوية للعزم ؛ وباعثٌ على الجد ، ومعونةٌ على الظفر؛ فقد تفاءل رسول الله– صلى الله عليه و سلم – فى غزواته وحروبه «0
• وفى » سنن « أبى داود و» مسند « أحمد(4)بإسنادٍ فيه مبهم عن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم– سمع كلمة فأعجبته فقال : » أخذنا فألك من فيك «0فينبغى لمن تفاءل أن يتأول الفأل بأحسن تأويلاته ، ولا يجعل لسوء الظن على نفسه سبيلاً0
• وفى » سنن « الترمذى(1) من حديث أنس - رضى الله عنه- أن النبى – صلى الله عليه و سلم – كان يعجبه إذا خرج لحاجته أن يسمع » يا راشد ، يا نجيح « وقد ساقه الترمذىُّ فى باب ما جاء فى الطيرة بعد حديث : (لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل)0
● والفأل شرعاً : الكلمةُ الصالحةُ الطيبةُ الحسنةُ0
لقد كان النبى – صلى الله عليه و سلم – يعجبه الفأل ، وفسر الفأل حين سأله الصحابة عنه ؛ فقال : » الكلمة الطيبة «0

• ففى » الصحيحين «(1) من حديث أبى هريرة - رضى الله عنه- قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يقول : » لا طيرة وخيرها الفأل « قيل يا رسول الله : وما الفأل؟ قال : » الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم «0
• وفى » الصحيحين «(2) من حديث أنس - رضى الله عنه- أن النبى – صلى الله عليه و سلم – قال : » لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبنى الفأل : الكلمة الحسنة ، الكلمة الطيبة «0
○ و في رواية : » وأحب الفأل الصالح «0
◘ قال ابن بطال(3):
» جعل الله في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة ، والأنس بها ، كما جعل فيهم الارتياح للبُشرى والمنظر الأنيق ، وقد يمر الرجل بالماء الصافى فيعجبه وهو لا يشربه ، وبالروضة المنثورة فتسره وهى لا تنفعه «0
فليس الفأل من الطيرة التى نهى عنها رسول الله – صلى الله عليه و
سلم – والمراد بالتفاؤل : انشراح صدر الإنسان ، وإحسانه الظن ، وتوقع الخير بما يسمعه من الكلم الصالح0
◘ قال ابن القيم رحمه الله(1):
» ليس فى الإعجاب بالفأل ومحبته شىءٌ من الشرك ؛ بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، وموجب الفطرة الإنسانية التى تميل إلى ما يوافقها ويلائمها0فرسول الله – صلى الله عليه و سلم – كان يحب الطِّيب والحلواء والعسل ويحب كذا وكذا0يحب كل كمال وخير وما يفضى إليهما 000 ولقد جعل الله فى غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه ، وجعل الارتياح والاستبشار والسرور باسم الفلاح ، والسلام ، والنجاح ، والتهنئة ، والبشرى ، والفوز 000 ونحو ذلك0فإذا قَرَعَتْ هذه الأسماءُ الأسماعَ ، استبشرت له النفوس ، وانشرح لها الصدر ، وقوى لها القلب 000 وإذا سمعت أضدادها ، أوجب لها ضد هذه الحال فأحزنها ذلك ، وأثار لها خوفاً وطيرة وانكماشاً وانقباضاً عما قصدت له وعزمت عليه فأورث لها ضرراً فى الدنيا، ونقصاً فى الإيمان ومقارفة الشرك ، واعتقدت فى غيره سبحانه «0
○ فالتفاؤل من طريق حسن الظن بالله ، والتشاؤم سوءُ ظن بالله بغير سبب مُحقَّق ، وكذا توقعٌ للبلاء ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله على فى كلِّ حال(1)0
○ و أُذَكِّرُ فأقول :
» الطيرة المحرمة : ما أمضاك أو ردَّك ؛ تلك التى يتفاعل العبد معها ؛ بل وتحمله على المضى على ما أراده ، وترده وتمنعه من المضى فيه كذلك0وأما الفأل الذى كان يحبه رسول الله – صلى الله عليه و سلم – فيه نوع بشارة ، فيُسَرُّ به العبد ، ولكنه فى الوقت نفسه لا يعتمد عليه – لأنه إن اعتمد عليه وكان سبباً لإقدامه ؛ فهذا حكمه حكم الطيرة0وإن لم يعتمد عليه ، لكنه فرح ونشط ، وازداد نشاطاً فى طلبه فهذا من الفأل المحمود(2) ، بخلاف الطيرة التى تمضيه وترده0فهذا الأخير للقلب عليه نوع اعتماد ؛ فافهم الفرق وفقنى الله وإيَّاك «(3)0
• قال الحافظ فى » الفتح «(1):
» الفأل الحسن شرطه : ألا يقصد إليه ، فإن قصد لم يكن حسناً ؛ بل يصير من الطيرة «0
◘ وقال ابن عثيمين رحمه الله :
» الفأل شبيهٌ بالطيرة من حيث » الإقدام «0فالفأل يشبه الطيرة من هذا الوجه أن الإنسان يزداد إقداماً وتوجهاً نحو ما يريد ، لكن الفرق الذى بينهما أن الطيرة توجب تعلق الإنسان بالمُتطيَّر به ، وتجعله يحجم عما همَّ بفعله من أجل ما رآه وسمعه أو علمه فالطيرة أثرت عليه وعلى قلبه ، وأضعفت توكله وثقته بربه ؛ لكن الفأل إنما يزيد الإنسان نشاطاً وثباتاً وقوة وهذا أمر محبوب «(2)0
◘ وقال أيضاً(3): » إن الكلمة الطيبة تدخل السرور على النفس ، وتشرح الصدر ، ومن ذلك : أن النبى– صلى الله عليه و سلم – كان فى غزوة الحديبية كانت قريش تراسله ، فأرسلوا إليه فى النهاية سهيل بن عمرو ، فلما أقبل قال النبى – صلى الله عليه و سلم –: هذا سهيل بن عمرو ، وما أراه إلا قد سهل أمركم ، أو كلمة نحوها ، فتفاءل بالاسم ، فالتفاؤل خير ؛ لأنه يشرح الصدر ، ويفرح القلب ، وينشط اللسان ، ويُعزِّم على الخير ، أما التشاؤم ؛ فإنه بخلاف ذلك «0
وليس من التفاؤل انطلاق الطير يميناً ، فهذا ليس تفاؤلاً صحيحاً ، لأنه لا وجه له ؛ إذ الطير إذا طار ، فإنه يذهب إلى الذى يرى أنه وجهته ، فإذا اعتمد العبد على حركة الطير فقد اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سبباً مشروعاً(1)0
فالكلمة الطيبة تعجبه – صلى الله عليه و سلم – لما فيها من إدخال السرور على النفس والانبساط والمضى قُدُماً لما يسعى إليه الإنسان0الكلمة الطيبة تشجعه وتزيده طمأنينة وإقداماً وإقبالاً0الكلمة الطيبة تجلب السعادة إلى النفس وإلى القلب 00 وهى ترويحٌ للمؤمن وسرورٌ له ؛ فهى تفتح القلب وتكون سبباً لخيراتٍ عظيمة0وتفسير الفأل بالكلمة الطيبة ، إنما هو على سبيل المثال لا على سبيل الحصر ، لأن الفأل أعم ، وهو كل ما يُنشطُ
الإنسان على شىء محمود من قول أو فعل مرئى أو مسموع(1)0
• روى أبو داود(2) من حديث بريدة – رضى الله عنه – » أن النبى – صلى الله عليه و سلم – كان لا يتطير من شىءٍ ، وكان إذا بعث عاملاً سأل عن اسمه ؛ فإذا أعجبه اسمه فرح به ورُئى بِشْرُ ذلك فى وجهه ، وإن كره اسمه رئى كراهية ذلك فى وجهه ، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها ؛ فإن أعجبه اسمها فرح بها ورُئى بِشْرُ ذلك فى وجهه ، وإن كره اسمها رُئى كراهة ذلك فى وجهه « ؛ فكان صلى الله عليه و سلم يتفاءل بالاسم الحسن0
• قال الإمام البغوىُّ رحمه الله(3):
» وينبغى للإنسان أن يختار لولده وخدمه الأسماء الحسنة ؛ فالأسماء المكروهة قد توافق القدر ؛ روى عن يحيي بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال لرجل : ما اسمك ؟ قال : جمرة قال : ابن من ؟ قال : ابن شهاب ، قال : ممن ؟ قال : من الحرقة ، قال : أين مسكنك ؟ قال : بحرة النار ، قال : بأيها ؟ قال : بذات لظى!! فقال عمر : أدرك أهلك ، فقد احترقوا ، فكان كما قال رضى الله عنه(1) ا0هـ
● قال عبد البر فى » الاستذكار « (8/514):
» لا أدرى ما أقول فى هذا إلا أنه قد ثبت عن النبى – صلى الله عليه و سلم – أنه قال :
» سيكون بعدى محدثون ، فإن يكن فعمر«(2)0
○ وأختم بهذه البشارة العظيمة لمن حقَّق التوكل الحقيقي ، ولم يلتفت إلى شىء من الطيرة والتشاؤم ؛ بل قطع هاجسها من قبل استقرارها ، وبادر خواطرها من قبل استمكانها ، أُهدي له هذا الحديث الرقراق الماتع الذى بشر به الإمام الأعظم ، والنبي الأكرم ، سيد المرسلين ، وإمام الموحدين ، وقدوة المتقين ، محمد صلى الله عليه و سلم :
• ففى » الصحيحين «(1) من حديث ابن عباس - رضى الله عنهما - قال : » خرج علينا النبى – صلى الله عليه و سلم – ؛ فقال : عرضت علىَّ الأمم ، فجعل يمرُّ النبى معه الرجل ، والنبى معه الرجلان ، والنبى معه الرهط ، والنبى ليس معه أحد ، ورأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق ، فرجوت أن تكون أمتى ؛ فقيل : هذا موسى وقومه ، ثم قيل لى : انظر ، فرأيت سواداً كثيراً سدَّ الأفق ، فقيل : هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، فتفرق الناس ولم يبين لهم ، فتذاكر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا أما نحن فولدنا في الشرك ولكنا آمنا بالله ورسوله ، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا ، فبلغ النبي-صلى الله عليه وسلم- فقال : هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عكاشة بن محصن فقال : أمنهم أنا يا رسول الله ؟ قال : نعم . فقام آخر فقال : أمنهـم
أنا ؟ فقال : سبقك بها عكاشة «0
○ فيا أيها الحبيب 00
خُذْ تلك النسائم ، وتفاءل ، ولا تتشاءم ، وفوِّض أمرك إلى خالقك ، واجعل ثقتك في رازقك ، ولا تقلق ، ولا تحزن ؛ فالأمور تجرى بمقادير ؛ فاعتصم بالله هو مولاك ، فنعم المولى ونعم النصير0
أسأل الله أن يجعل عملنا صالحاً ، ولوجهه خالصاً ، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً ، والحمد لله رب العالمين0
كتبه / أبو عبد الله محمد بن العفيفي
منية سمنود/ دقهلية/ مصر








فهرس
الموضوع الصفحة
مقدمة المؤلف….....…………………… 2
تمهيد…….…………………………. 3
معنى التطير لغةً واصطلاحاً ….....….……….. 11
تطير الأمم السابقة …..………………… 13
تطير آل فرعون بموسى ومن معه ….………… 13
ثمود وتطيرهم بصالح عليه السلام ……………... 14
تطير أصحاب القرية التى جاءها المرسلون …........ 15
ذكر أقوال بعض المفسرين فى الطيرة ….…..…… 16
التشاؤم .. شؤمه وقبحه ….…..…………… 18
صور من التطير فى الحياة اليومية ....…....……… 20
قصة عجيبة ......…..……………………. 22
نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن التطير .....…………. 29
حكم التشاؤم والتطير .....…………………..32
هل الطيرة شرك مخرج من الملة أم شرك أصغر؟….… 38
فرقٌ مهمٌ .. وتوضيحٌ بالغٌ ….…..…………... 40
علاج التشاؤم ………………………… 44
الفأل والتفاؤل ………………………… 51
الفأل شرعاً …………………………... 52
الفرق بين الفأل والطيرة.…...……..……..… 55
بشارة عظيمة ….....……………………. 60
فهرس ….…………………………… 62
رد مع اقتباس