بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

تزويد الخلان بالإجماع المنقول في فساد الصوم بإنزال المني بسبب مس أو مباشرة أو تقبيل للنسوان

«الورقات - الدمام»: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن هذا الجزء قد استللته من رسالة لي كتبتها قبل سنوات، وهي بعنوان: "الأشياء التي تعود على الصوم بالفساد في القديم والحديث". وأسأل الله أن ينفع به الكاتب والقارئ والناشر إنه جواد كريم. وسيكون الكلام في هذا الجزء في مسائل:
المسألة الأولى: عن الإجماع المنقول في فساد الصوم بإنزال المني بسبب القبلة أو المس أو المباشرة.
ودونكم بعض من نقله أو أشار إليه:

أولاً: قال أبو الحسن الماوردي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الحاوي الكبير"(3/436): أما إن وطئ دون الْفرج أو قَبَّلَ أَو باشر فلَم يُنْزل فهو على صومه لا قَضاء عليه، ولا كَفارةَ وإن أَنْزَلَ فقد أفطر، ولزمه القضاء إجماعاً.اهـ

ثانياً: قال الحسين بن مسعود البغوي ـ رحمه الله ـ في كتابه "شرح السنة"(6/278): وإذا أنزل بقبلة أو مباشرة فسد صومه بالاتفاق.اهـ

ثالثاً: قال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(6/349): إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها، فإن أنزل المني بطل صومه وإلا فلا، لما ذكره المصنف، ونقل صاحب "الحاوي" وغيره الإجماع على بطلان صوم من قبل أو باشر دون الفرج فأنزل.اهـ
وقال ـ رحمه الله ـ أيضاً في "شرح صحيح مسلم"(7/223)عن القبلة: ولا خلاف أنها لا تبطل الصوم إلا أن ينزل المنى بالقبلة.اهـ

رابعاً: قال ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الاستذكار"(10/58): وكلهم يقول من قبل فأمنى فليس عليه غير القضاء.اهـ

خامساً: قال أبو بكر الجصاص ـ رحمه الله ـ في كتابه "شرح مختصر الطحاوي"(2/429-430): ولأنا لا نعلم خلافاً بين أهل العلم أن القبلة لا تفسد الصوم ما لم يحدث عنها إنزال.اهـ

سادساً: قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في كتابه "بداية المجتهد"(2/153): فكلهم يقولون: إن من قبل فأمنى، فقد أفطر، وإن أمذى فلم يفطر إلا مالك.اهـ

سابعاً: قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه "المغني"(4/361): الفصل الرابع: إذا قبل فأمني أو أمذى، ولا يخلو المقبل من ثلاثة أحوال: الحال الثاني: أن يمني فيفطر، بغير خلاف نعلمه.اهـ

ثامناً: قال عبد الرحمن بن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه"حاشية الروض المربع"(3/426) معلقاً على ما جاء في "الروض المربع" في شأن القبلة للصائم [ وتحرم إن ظن إنزالاً ]: قال المجد: بغير خلاف، لتعريضه للفطر، ثم إن أنزل أفطر، وتقدم، وإن لم ينزل، لم يفطر، ذكره ابن عبد البر إجماعاً.اهـ

المسألة الثانية: عن الاتفاق المنقول عن المذاهب الأربعة في هذه المسألة.

ودونكم بعض من ذكره:

أولاً: قال ابن هبيرة ـ رحمه الله ـ في كتابه"الإفصاح"(1/394): واتفقوا على أن من أنزل في يوم من رمضان بمباشرة دون الفرج فسد صومه ووجب عليه القضاء.اهـ.

ثانياً: قال ابن مفلح ـ رحمه الله ـ في كتابه "الفروع"(3/49): وإن قَبَّلَ أو لَمس أو باشر دون الفرج فإن لم يخرج منه شيء فيأتي فيما يكره للصائم وإن أَمْنَى أفطر ( و ).اهـ ، والواو: تعني موافقة المذاهب الثلاثة لمذهب أحمد في المسألة.

ثالثاً: قال ابن قاسم ـ رحمه الله ـ في كتابه"حاشية الروض المربع"(3/396) معلقاً على ما جاء في "الروض المربع" في شأن القبلة للصائم [ أو استمنى فأمنى أو أمذى أو باشر دون الفرج أو قبل أو لمس فأمنى أو أمذى]: فسد صومه، أما الإمناء فوفاقاً، لمشابهته الإمناء بجماع، لأنه إنزال بمباشرة.اهـ

المسألة الثالثة: عن قول التابعي جابر بن زيد ـ رحمه الله ـ (( إن نظر فأمنى يتم صومه )) وهل يخرق الإجماع المذكور.

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في "مصنفه"(9480): حدثنا يزيد بن هارون عن حبيب عن عمرو بن هرم قال: سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر قال: (( لا، ويتم صومه )). وإسناد رجال ابن أبي شيبة ثقات، غير حبيب، وهو ابن أبي حبيب يزيد الجرمي، وقد قال عنه المزي ـ رحمه الله في "تهذيب الكمال"( 1081 ): وسمع منه يحيى بن سعيد القطان ولم يحدث عنه، قال صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد عن حبيب بن أبي حبيب صاحب عمرو بن هرم، قلت: كتبت عنه شيئاً؟ قال: نعم أتيته بكتابه فقرأه علي فرميت به، ثم قال: كان رجلاً من التجار، ولم يكن في الحديث بذاك.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عنه فقال: هو كذا وكذا، وكان ابن مهدي يحدث عنه، وذكر أبو بكر الأثرم أن أحمد بن حنبل سئل عنه فقال: ما أعلم بحبيب بن أبي ثابت بأساً.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: كان معنا كتاب حبيب بن أبي حبيب عن داود بن شبيب فنهانا يحيى بن معين أن نسمعه من داود بن شبيب.
وقال أبو جعفر العقيلي عن محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ عن الحسن بن علي الحلواني: سألت عبد الصمد بن عبد الوارث عن أمر حبيب بن أبي حبيب، قال: وقع إلي كتاب وكتبته، وإنما كان في كتابه: وسئل، وسئل، فحدثني، وقال: حبيب ـ يعني جابر بن زيد ـ ثم بلغني بعد أنه كتبه نسخة أخرى: سئل جابر بن زيد، فأتيته فسألته عن ذلك، فقال: التنوري أمرني بهذا، فكتبت أيضاً مرة أخرى على هذه النسخة: سئل جابر بن زيد، فسمعت أنا وداود بن شبيب.

وقال عبد الصمد: كل شيء من الفرائض والمناسك فهو عن عمرو بن هرم ليس عن جابر بن زيد، قال عبد الصمد: قلت لحبيب: عمرو بن هرم لم يرو عنه أحد غير أبي بشر، فكيف رويت أنت عنه كل هذا؟ فقال: كنت جاراً له، وكان رجلاً شريفا، وكان له عطاء، وكنت موسراً، فكنت أسلفه إلى أن يتيسر عطاؤه، فقال لي مرة: والله ما أدري ما أكافئك إلا أن عندي كتابا أمله عليك، فأخرج إلي هذا الكتاب فأمله علي.
وقال أبو أحمد بن عدي: أرجو أنه لا بأس به. روى له البخاري في "أفعال العباد" ومسلم والنسائي وبن ماجة.اهـ
وقال ابن شاهين: صالح، وذكره ابن حبان في كتابه "الثقات" وقال الذهبي: فيه لين، وقال ابن حجر: صدوق يخطئ.
وقد ذكر البخاري ـ رحمه الله ـ أثره في "صحيحه" معلقاً مجزوماً به فقال: (( وقال جابر بن زيد: إن نظر فأمنى يتم صومه )).

قلت:
وهذا الأثر لا تعارض بينه وبين الإجماع المتقدم، لأنه في من أمنى بسبب النظر، والإجماع فيمن أمنى بسبب المس أو التقبيل أو المباشرة. وللعلماء كلام واختلاف مشهور في الإنزال بسبب النظر، وبسبب تكراره، ودونكم بعضه:

أولاً: قال الحسين بن مسعود البغوي ـ رحمه الله ـ في كتابه "شرح السنة"(6/292): ومن نظر فأمنى لا يفسد صومه، قاله جابر بن زيد، وهو قول عامة العلماء.اهـ

ثانياً: قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في كتابه "المغني"(4/363): الفصل الخامس: إذا كرر النظر فأنزل، ولتكرار النظر أيضا ثلاثة أحوال:

أحدها: أن لا يقترن به إنزال فلا يفسد الصوم بغير اختلاف.
الثاني: أن يقترن به إنزال المني فيفسد الصوم في قول إمامنا وعطاء والحسن البصري ومالك والحسن بن صالح، وقال جابر بن زيد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وابن المنذر: لا يفسد، لأنه إنزال عن غيره مباشرة، أشبه الإنزال بالفكر، ولنا أنه إنزال بفعل يتلذذ به، ويمكن التحرز منه، فأفسد الصوم، كالإنزال باللمس، والفكر لا يمكن التحرز منه بخلاف تكرار النظر.اهـ

ثالثاً: قال ابن المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الإشراف"(3/122-123): فإن جابر بن زيد وسفيان الثوري والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي يقولون: لا قضاء عليه ولا كفارة.
وقال عطاء: عليه القضاء.
وروينا عن الحسن البصري أنه قالب: هو بمنزلة الذي غشي عليه في رمضان، وكذلك قال مالك.
وفيه قول رابع: وهو أن عليه كفارة الظهار، هذا قول الحسن بن صالح.
وقال مالك: إن لم يتابع النظر فعليه القضاء ولا كفارة.
قال أبو بكر: لا شيء عليه، ولو احتاط فصام يوماً كان حسناً.اهـ

رابعاً: قال النووي ـ رحمه الله في كتابه "المجموع"(6/349-350): إذا نظر إلى امرأة ونحوه وتلذذ فأنزل بذلك لم يفطر، سواء كرر النظر أم لا، وهذا لا خلاف فيه عندنا إلا وجها شاذاً حكاه السرخسي في "الأمالي": أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه، والمذهب الأول، وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري هو كالجماع، فيجب القضاء والكفارة، ونحوه عن الحسن بن صالح، وعن مالك روايتان. إحداها: كالحسن، والثانية: إن تابع النظر فعليه القضاء والكفارة، وإلا فالقضاء. قال ابن المنذر: لا شيء عليه، ولو احتاط فقضى يوماً فحسن.
قال صاحب "الحاوي": أما إذا فكر بقلبه من غير نظر فتلذذ فأنزل فلا قضاء عليه ولا كفارة بالإجماع، قال: وإذا كرر النظر فأنزل أثم، وإن لم يجب القضاء.اهـ

خامساً: قال ابن هبيرة ـ رحمه الله ـ في كتابه الإفصاح"(1/407): واختلفوا فيما إذا نظر فأنزل:
فقال أبو حنيفة والشافعي: صومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، وقال مالك: عليه القضاء ولا كفارة، وقال أحمد مثله.
واختلفوا فيما إذا كرر النظر حتى أنزل: فقال أبو حنيفة والشافعي: صومه صحيح ولا قضاء عليه ولا كفارة، وقال مالك: عليه القضاء والكفارة وصومه فاسد، وعن أحمد روايتان إحداهما: صومه فاسد وعليه القضاء فقط، واختارها الخرقي، والأخرى كمذهب مالك.اهـ

وكتبه:
عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد

المصدر: موقع ميراث الأنبياء [من هنا].