بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 1 يوليو 2014

المسائل الحسان في بيان فضل قراءة القرآن

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله وعليه وسلم وبعد:
المسائل الحسان في بيان فضل قراءة القرآن
تلاوة القرآن من أجل وأعظم القربات التي تقربك الى الله جل جلاله ،ففيه الأوامر والنواهي والحلال والحرام والجنة والنار والأخبار عن المغيبات التي توجب التصديق ، ففيه شفاء من كل مرض معنوي وحسي ومن أسباب الرحمة للمؤمنين .
قال ابن تيمية في المجموع (7/283-284): فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ تُورِثُ الْقَلْبَ الْإِيمَانَ الْعَظِيمَ وَتَزِيدُهُ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَشِفَاءً . وَقَالَ تَعَالَى : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إلَّا خَسَارًا } وَقَالَ تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } وَقَالَ تَعَالَى { هُدًى لِلْمُتَّقِينَ } وَقَالَ تَعَالَى : { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } . وَهَذَا مِمَّا يَجِدُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ ؛ فَالشَّيْطَانُ يُرِيدُ بِوَسَاوِسِهِ أَنْ يَشْغَلَ الْقَلْبَ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقُرْآنِ ؛ فَأَمَرَ اللَّهُ الْقَارِئَ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } { إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } { إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } فَإِنَّ الْمُسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مُسْتَجِيرٌ بِهِ لَاجِئٌ إلَيْهِ مُسْتَغِيثٌ بِهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ؛ فَالْعَائِذُ بِغَيْرِهِ مُسْتَجِيرٌ بِهِ ؛ فَإِذَا عَاذَ الْعَبْدُ بِرَبِّهِ كَانَ مُسْتَجِيرًا بِهِ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ فَيُعِيذُهُ اللَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ وَيُجِيرُهُ مِنْهُ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } { وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } . وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ عِنْدَ طَلَبِ الْعَبْدِ الْخَيْرَ لِئَلَّا يَعُوقَهُ الشَّيْطَانُ عَنْهُ ؛ وَعِنْدَ مَا يَعْرِضُ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرِّ لِيَدْفَعَهُ عَنْهُ عِنْدَ إرَادَةِ الْعَبْدِ لِلْحَسَنَاتِ ؛ وَعِنْدَ مَا يَأْمُرُهُ الشَّيْطَانُ بِالسَّيِّئَاتِ .ففيه إطمئنان القلوب والسكينة والانشراح قال تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.فالمقصود من تلاوة القرآن العمل به والتدبر والتأمل ، فمن عمل به فلا يضل ولا يشقى قال تعالى { فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى } قال ابن عباس: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ومن أسباب الشقاء ترك العمل به والاعراض عنه .اللهم ارزقنا تلاوته آناء الليل والنهار لعلك ترضى.
فضل قرأءة القرآن من الكتاب:
قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30.
قال البغوي في تفسيره (3/694): قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ، يعني قرأوا القرآن، وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ، لن تفسد ولن تهلك، والمرادة من التجارة ما وعد اللّه من الثواب، قال الفراء: قوله يرجون جواب لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ.
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ، جزاء أعمالهم بالثواب، وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، قال ابن عباس: يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ، قال ابن عباس: يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم.
قال الطبري في تفسيره (20/464): قتادة قال: كان مطرف إذا مر بهذه الآية( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ) يقول: هذه آية القراء.
فضل قرأءة القرآن من السنة:
1- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف .رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب،صححه الالباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم/1416.
قال صاحب تحفة الاحوذي (8/182): قوله ( من قرأ حرفا من كتاب الله ) أي القرآن ( والحسنة بعشر أمثالها ) أي مضاعفة بالعشر وهو أقل التضاعف الموعود بقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء والحرف يطلق على حرف الهجاء والمعاني والجملة المفيدة والكلمة المختلف في قراءتها وعلى مطلق الكلمة.
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده . رواه مسلم وأبو داود وغيرهما، نفس المصدر السابق برقم/ 1417.
قال صاحب الاحوذي (9/225) : قال وفي هذا دليل لفضل الاجتماع على تلاوة القرآن في المسجد وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقال في مالك يكره وتأوله بعض أصحابه ويلتحق بالمسجد في تحصيل هذه الفضيلة الاجتماع في مدرسة ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى.
قال الشيخ العباد في شرحه لسنن ابي داود: قوله: [ (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) ] بيوت الله هي المساجد، قيل: ويلحق بها دور العلم والأماكن التي تخصص للعلم ونشر العلم. قوله: [ (ويتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم) ] يعني: يقرءون كتاب الله، سواءٌ أكانت هذه القراءة بأن يقوم شخص ويقرأ ويفسر أو غيره يفسر، أم أنهم يجتمعون بحيث يقرأ واحد منهم مقداراً من القرآن ويستمع الباقون، ويكون هناك شخص يصوب قراءته ويبين ما عليه من ملاحظات، كل ذلك يدخل تحت التدارس، وكذلك تأملُ ما فيه ومعرفةُ ما فيه وتدبرُ ما فيه. قوله: [ (إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة) ] يعني أن الملائكة تحضر مجالس العلم ومجالس الذكر. قوله: [ (وذكرهم الله فيمن عنده) ] يعني: يذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة في الملأ الأعلى. إذاً: فالملائكة تحف بهم والله تعالى يذكرهم عند الملائكة المقربين، وهذا من أعظم الثواب وحصول الرضا من الله سبحانه وتعالى.
مسألة: أقسام الناس في القرآن
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر. وفي رواية مثل الفاجر بدل المنافق . رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه، صححه الالباني في صحيح الترغيب والترهيب.
قال ابن عثيمين في رياض الصالحين : بيان أحوال الناس بالنسبة للقرآن أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة للمؤمن والمنافق المؤمن إما أن يكون قارئا للقرآن أو غير قارئ فإن كان قارئا له فمثله كمثل الأترجة يعني الثمرة ريحها طيب وطعمها طيب فهذا المؤمن الذي يقرأ القرآن لأن نفسه طيبة وقلب طيب وفيه خيره لغيره الجلسة معه خير وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح كمثل حامل المسك إما أن يبيعه أو تجد منه رائحة طيبة فالمؤمن الذي يقرأ القرآن كله خير في ذاته وفي غيره فهو كالأترجة لها رائحة طيبة ذكية وطعمها طيب أما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فهو كمثل التمرة طعمها حلو ولكن ليس لها رائحة ذكية كرائحة الأترجة ونفى النبي صلى الله عليه وسلم ريحها لأنه ليس بريح طيب وإن كان كل شيء له رائحة لكن ليست رائحتها ذكية لكنها حلوة طيبة هذا المؤمن الذي لا يقرأ القرآن إذا فالمؤمن القارئ للقرآن أفضل بكثير من الذي لا يقرأ القرآن ومعنى لا يقرؤه يعني لا يعرفه ولم يتعلمه ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة لها رائحة طيبة لكن طعمها مر لأن المنافق في ذاته خبيث لا خير فيه والمنافق هو الذي يظهر أنه مسلم ولكن قلبه كافر والعياذ بالله هو الذي قال الله فيه ومن الناس يقول آمنا بالله وباليوم الأخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون يوجد منافقون يقرءون القرآن قراءة طيبة مرتلة مجودة لكنهم منافقون والعياذ بالله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج يقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم هؤلاء والعياذ بالله ضرب لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثلا بالريحانة ريحها طيب وذلك لما معهم من القرآن وطعمها مر وذلك لخبث طويتهم وفساد نيتهم والمنافق الذي لا يقرأ القرآن ضرب النبي صلى الله عليه وسلم له مثلا بالحنظلة طعمها مر وليست لها ريح هذا المنافق الذي لا يقرأ القرآن لا خير فيه طعمه مر وليس معه قرآن ينتفع الناس به هذه أقسام الناس بالنسبة لكتاب الله عز وجل فاحرص أخي المسلم على أن تكون من المؤمنين الذين يقرءون القرآن ويتلونه حق تلاوته حتى تكون كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها حلو والله الموفق.
مسالة: استحباب قراءة القرآن على أهل الفضل والحذاق فيه:
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لأبي ان الله أمرني أن أقرأ عليك قال آلله سماني لك قال الله سماك لي فجعل أبي يبكي. رواه مسلم.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (6/86): وفي الحديث فوائد كثيرة منها استحباب قراءة القرآن على الحذاق فيه وأهل العلم به والفضل وان كان القارئ أفضل من المقروء عليه ومنها المنقبة الشريفة لأبي بقراءة النبي صلى الله عليه و سلم عليه ولا يعلم أحد من الناس شاركه في هذا ومنها منقبة أخرى له بذكر الله تعالى له ونصه عليه في هذه المنزلة الرفيعة ومنها البكاء للسرور والفرح مما يبشر الإنسان به ويعطاه من معالي الأمور.
مسألة:قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
قال الطبري في تفسيره (4/475): ابن جريج، قوله:"الذين يذكرون الله قيامًا وقعودًا" الآية، قال: هو ذكر الله في الصلاة وفي غير الصلاة، وقراءة القرآن.
( كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يتكئ في حجرى وأنا حائض فيقرأ القرآن )رواه مسلم.
قال النووي في مسلم (3/211): فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة والله أعلم.
مسألة: أيهما أفضل الصلاة أم قراءة القرآن أم الذكر والتسبيح والدعاء ؟.
قال النووي على مسلم (8/315): فالقرآن أفضل وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل المطلق فأما المأثور فى وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل والله أعلم.
قال شيخ الاسلام أبن تيمية في المجموع (7/652): وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّلَاةَ آكَدُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَمَعْلُومٌ أَيْضًا أَنَّ الذِّكْرَ فِي فِعْلِهِ الْخَاصِّ : كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَأَنَّ الذِّكْرَ وَالْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا خَيْرٌ مِنْ الصَّلَاةِ.
مسألة: الانصات لقارئ القرآن سواء كان في الصلاة او في غيرها
الاستماع والانصات لقارئ القرآن من أسباب الرحمة، وَقَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } . قال ابن كثير في تفسيره (3/536): لما ذكر تعالى أن القرآن بصائر للناس وهدى ورحمة، أمر تعالى بالإنصات عند تلاوته إعظامًا له واحترامًا، لا كما كان يعتمده كفار قريش المشركون في قولهم: { لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ] ولكن يتأكد ذلك في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة كما ورد الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه، من حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا"
قال شيخ الاسلام في المجموع (3/426): وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ وَالْبَاقِي يَسْتَمِعُونَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ذَكِّرْنَا رَبَّنَا . فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ { وَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ ؛ فَجَعَلَ يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى : مَرَرْت بِك الْبَارِحَةَ فَجَعَلْت أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِك فَقَالَ : لَوْ عَلِمْت لَحَبَّرْتُهُ لَك تَحْبِيرًا.
س : بعض المأمومين يتابعون الإمام في المصحف أثناء قراءته ، فهل في ذلك حرج ؟
ج : الذي يظهر لي أنه لا ينبغي هذا والأولى الإقبال على الصلاة والخشوع ووضع اليدين على الصدر متدبرين لما يقرأه الإمام لقول الله عز وجل : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } وقوله سبحانه : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } { الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ } ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ».مجموع الفتاوى ابن باز(11/342).
مسألة: النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود
قوله صلى الله عليه و سلم ( نهيت أن اقرأ القرآن راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ).رواه مسلم
قال النووي على مسلم (4/197): فيه النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود وإنما وظيفة الركوع التسبيح ووظيفة السجود التسبيح والدعاء.
مسألة: أيهما أفضل قراءة القرآن أم الاستماع إلى أحد القراء عبر الأشرطة المسجلة؟
ج : الأفضل أن يعمل بما هو أصلح لقلبه وأكثر تأثيرا فيه من القراءة أو الاستماع ؛ لأن المقصود من القراءة هو التدبر والفهم للمعنى والعمل بما يدل عليه كتاب الله عز وجل كما قال الله سبحانه : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } وقال عز وجل { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } الآية. وقال سبحانه { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ }.مجموع الفتاوى لابن باز(11/364).
مسألة: أيهما أفضل القراءة في المصحف أم القراءة عن ظهر غيب؟
قال الحافظ في الفتح (9/78): وقال ابن كثير: إن كان البخاري أراد بهذا الحديث الدلالة على أن تلاوة القرآن عن ظهر قلب أفضل من تلاوته نظرا من المصحف ففيه نظر، لأنها قضية عين فيحتمل أن يكون الرجل كان لا يحسن الكتابة وعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا يدل ذلك على أن التلاوة عن ظهر قلب أفضل في حق من يحسن ومن لا يحسن، وأيضا فإن سياق هذا الحديث إنما هو لاستثبات أنه يحفظ تلك السور عن ظهر قلب ليتمكن من تعليمه لزوجته، وليس المراد أن هذا أفضل من التلاوة نظرا ولا عدمه. قلت: ولا يرد على البخاري شيء مما ذكر، لأن المراد بقوله:" باب القراءة عن ظهر قلب" مشروعيتها أو استحبابها، والحديث مطابق لما ترجم به، ولم يتعرض لكونها أفضل من القراءة نظرا. وقد صرح كثير من العلماء بأن القراءة من المصحف نظرا أفضل من القراءة عن ظهر قلب.
قال الحافظ في الفتح (9/79): ومن حيث المعنى أن القراءة في المصحف أسلم من الغلط، لكن القراءة عن ظهر قلب أبعد من الرياء وأمكن للخشوع. والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
قال النووي في الاذكار(1/151): قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي اللّه عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارىء من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف.
مسألة: أستحباب تحسين الصوت
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ. رواه البخاري.
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ يُرِيدُ يَجْهَرُ بِهِ"رواه البخاري.
قال المناوي في فيض القدير(5/387): ( ليس منا ) أي من العاملين بسنتنا الجارين على طريقتنا ( من لم يتغن بالقرآن ) يعني لم يحسن صوته به لأن التطريب [ ص 388 ] به أوقع في النفوس وأدعى للاستماع والإصغاء وهي كالحلاوة التي تجعل في الدواء لتنفيذه إلى أمكنة الداء وكالأفاوية التي يطيب بها الطعام ليكون الطبع أدعى قبولا له لكن شرطه أن لا يغير اللفظ ولا يخل بالنظم ولا يخفي حرفا ولا يزيد حرفا وإلا حرم إجماعا كما مر قال ابن أبي مليكة : فإن لم يكن حسن الصوت حسنه ما استطاع.
قال النووي في الأذكار(1/151):
ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط حتى زاد حرفاً أو أخفى حرفاً هو حرام.
قال الحافظ في الفتح (9/92): نقل الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن.
مسألة: هل تجوز القراءة بالالحان؟
قال النووي على مسلم (6/80): واختلفوا في القراءة بالألحان فكرهها مالك والجمهور لخروجها عما جاء القرآن له من الخشوع والتفهم وأبحاهما أبو حنيفة وجماعة من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقة وإثارة الخشية واقبال النفوس على إستماعه قلت قال الشافعي في موضع أكره القراءة بالألحان وقال في موضع لا أكرهها قال أصحابنا ليس له فيها خلاف وإنما هو اختلاف حالين فحيث كرهها أراد إذا مطط وأخرج الكلام عن موضعه بزيادة أو نقص أو مد غير ممدود وادغام ما لا يجوز إدغامه ونحو ذلك وحيث أباحها أراد إذا لم يكن فيها تغير لموضوع الكلام والله أعلم.
وقد ذكر ابن القيم في " الزاد " أقوال الفريقين المبيحين للقراءة بالألحان والمانعين
(1/191 - 195) ، ثم قال :
" وفصل النزاع أن يقال : التطريب والتغنِّي على وجهين :
أحدهما : ما اقتضته الطبيعة ، وسمحت به من غير تكلُّف ، ولا تمرين وتعليم ؛ بل
إذا خُلِّيَ وطَبْعَه ، واسترسلت طبيعته ؛ جاءت بذلك التطريب والتلحين ، فذلك جائز ،
وإن أعان طبيعتَه فضلُ تزيين وتحسين ؛ كما قال أبو موسى للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لو علمتُ أنك
تسمع ؛ لحبّرتُه لك تحبيراً .
والحزين ، ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين
والتطريب في القراءة ، ولكن النفوس تقبله ، وتستحليه ؛ لموافقته الطبع ، وعدم التكلف ،والتصنع ؛ فهو مطبوع لا متطبع ، وكَلِف لا متكلِّف .
فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستمعونه ؛ وهو التغني الممدوح المحمود ، وهو
الذي يتأثر به السامع والتالي ، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب هذا القول كلها .
الوجه الثاني : ما كان من ذلك صناعة من الصنائع ، وليس في الطبع السماحة به ،
بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن ؛ كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة
والمركبة على إيقاعات مخصوصة ، وأوزان مخترعة ، لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف ؛
فهذه هي التي كرهها السلف ، وعابوها ، وذموها ، ومنعوا القراءة بها ، وأنكروا على من قرأ
بها .
قال الالباني في أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (2/590): وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه . وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ، ويتبين الصواب من غيره ، وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برآء من القراءة
بألحان الموسيقى المتكلفة ؛ التي هي إيقاع ، وحركات موزونة معدودة محدودة ، وأنهم
أتقى لله من أن يقرؤوا بها ويُسَوِّغوها ، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرؤون بالتحزين والتطريب ،
ويَحَسِّنون أصواتهم بالقرآن ، ويقرؤونه بشجى تارة ، وبطرب تارة ، وبشوق تارة ، وهذا أمر
[ مركوز ] في الطباع تقاضيه ، ولم يَنْهَ عنه الشارع ، مع شدة تقاضي الطباع له ؛ بل أرشد
إليه ، وندب إليه ، وأخبر عن استماع الله لمن قرأ به " . وقال :
" قالوا : ولا بدَّ للنفس من طرب واشتياق إلى الغناء ؛ فعُوِّضَت عن طرب الغناء
بطرب القرآن ، كما عُوِّضت عن كل محرم ومكروه بما هو خير لها منه ؛ كما عُوِّضت عن
الاستقسام بالأزلام بالاستخارة ؛ التي هي محض التوحيد والتوكل ، وعن السِّفاح
بالنكاح ، وعن القمار بالمراهنة بالنِّصَال وسباق الخيل ، وعن السماع الشيطاني بالسماع
الرحماني القرآني ، ونظائره كثيرة جداً "
مسألة: معنى لاتهذوه كهذ الشعر
قال الحافظ في الفتح (9/89): كأنه يشير إلى أن استحباب الترتيل لا يستلزم كراهة الإسراع، وإنما الذي يكره الهذ وهو الإسراع المفرط بحيث يخفى كثير من الحروف أو لا تخرج من مخارجها. وقد ذكر في الباب إنكار ابن مسعود على من يهذ القراءة كهذ الشعر.
وقال ايضا :قال ابن عباس {فَرَقْنَاهُ} فصلناه" وصله ابن جريج من طريق، علي بن أبي طلحة عنه، وعند أبي عبيد من طريق مجاهد أن رجلا سأله عن رجل قرأ البقرة وآل عمران ورجل قرأ البقرة فقط قيامهما واحد ركوعهما واحد وسجودهما واحد، فقال: الذي قرأ البقرة فقط أفضل. ثم تلا : {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} ومن طريق أبي حمزة" قلت لابن عباس إني سريع القراءة، وإني لأقرأ القرآن في ثلاث فقال: لأن أقرأ البقرة أرتلها فأتدبرها خير من أن أقرأ كما تقول" وعند ابن أبي داود من طريق أخرى عن أبي حمزة" قلت لابن عباس: إني رجل سريع القراءة، إني أقرأ القرآن في ليلة. فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة أحب إلي. إن كنت لا بد فاعلا فاقرأ قراءة تسمعها أذنيك ويوعها قلبك" والتحقيق أن لكل من الإسراع والترتيل جهة فضل، بشرط أن يكون المسرع لا يخل بشيء من الحروف والحركات والسكون الواجبات، فلا يمتنع أن يفضل أحدهما الآخر وأن يستويا، فإن من رتل وتأمل كمن تصدق بجوهرة واحدة مثمنة، ومن أسرع كمن تصدق بعدة جواهر لكن قيمة الواحدة، وقد تكون قيمة الواحدة أكثر من قيمة الأخريات، وقد يكون بالعكس.
مسألة:آداب قارئ القرآن
قال الاجري في أخلاق حملة القرآن: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللهُ : وَأَحِبُّ لِمَنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نِهَارٍ أَنْ يَتَطَهَّرَ ، وَأَنْ يَسَتَاكَ ، وَذَلِكَ لِتَعْظِيمِ الْقُرْآنِ ، لأَنَّهُ يَتْلُو كَلامَ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَدْنُو مِنْهُ عِنْدَ تِلاوَتِهِ لِلْقُرْآنِ ، وَيَدْنُو مِنْهُ الْمَلَكُ ، فَإِنْ كَانَ مُتَسَوِّكَاً وَضَعَ فَاهُ عَلِى فِيهِ ، فَكُلَمَّا قَرَأَ آيَةً أَخَذَهَا الْمَلَكُ بِفِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَسَوَّكَ تَبَاعَدَ عَنْهُ .
فَلا يَنْبَغِي لَكُمْ يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ أَنْ تُبَاعِدُوا مِنْكُمْ الْمَلَكَ : فَاسْتَعْمِلُوا الأَدَبَ ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَهُوَ يَكْرَهُ ؛ إِذَا لَمْ يَتَسَوَّكْ أَنْ يُجَالِسَ إِخْوَانَهُ .
وَأَحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ الْقِرَاءَةَ مِنْ الْمُصْحَفِ ، لِفَضْلِ مَنْ قَرَأَ فِي الْمُصْحَفِ .
وَلا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْمِلَ الْمُصْحَفَ إِلا وَهُوَ طَاهِرٌ . فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ، فَلا بَأْسَ بِهِ ، وَلَكِنْ لا يَمَسَّهُ ، وَلَكِنْ يَصَّفَحُ الْمُصْحَفَ بِشَيْءٍ ، وَلا يَمَسَّهُ إِلا طَاهِرَاً .
وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ إِذَا كَانَ يَقْرَأُ ، فَخَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ ؛ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِي الرِّيحُ ، ثُمَّ إِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَقْرَأَ طَاهِرَاً ، فَهُو أفْضَلُ ، وَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلا بَأْسَ بِهِ ، وَإِذَا تَثَاءَبَ وَهُوَ يَقْرَأُ ، أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنْهُ التَّثَاؤبُ .
وَلا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلا الْحَائِضُ الْقُرْآنَ ، وَلا آيَةً ، وَلا حَرْفَاً وَاحِدَاً ، وَإِنْ سَبَّحَ ، أَوْ حَمِدَ ، أَوْ كَبَّرَ ، أو أذَّنَ ، فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَأُحِبُّ لِلْقَارِئِ أَنْ يَأْخَذَ نَفْسَهُ بِسُجُودِ الْقُرْآنِ ، كُلَمَّا مَرَّ بِسَجْدَةٍ سَجَدَ فِيهَا . وَفِي الْقُرْآنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً ، وَقِيلَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وَقِيلَ إِحْدَى عَشْرَةَ .
وَالَّذِي أَخْتَارُ أَنْ يَسْجُدَ كُلَّمَا مَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ ، فَإِنَّهُ يُرْضِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُغِيظُ عَدُوَّهُ الشَّيْطَانَ .
وَرُوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ ، فَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي ، يَقُولُ : يَا وَيْلَهُ ؛ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ ، فَلَهُ الْجَنَّةُ ، وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ ، فَلِي النَّارُ » .
وَأُحِبُّ لِمَنْ يَدْرُسُ وَهُوَ مَاشٍ فِي طَرِيقٍ ، فَمَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ، وَيُومِئَ بِرَأْسِهِ بِالسُّجُودِ ، وَهَكَذَا إِنْ كَانَ رَاكِبَاً فَدَرَسَ ، فَمَرَّتْ بِهِ سَجْدَةٌ سَجَدَ ، يُومِئُ نَحْوَ الْقِبْلَةَ ، إِذَا أَمْكَنَهُ .
وَأُحِبُّ لِمَنْ كَانَ جَالِسَاً يَقْرَأُ ، أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ ، إِذَا أَمْكَنَهُ . ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةُ » .صححه الالباني وقد ورد بلفظ آخروعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل شيء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة رواه الطبراني بإسناد حسن، صحيح الترغيب والترهيب.
وَأُحِبُّ لِمَنْ تَلا الْقُرْآنَ أَنْ يَقْرَأَهُ بِحُزْنٍ وَيَبْكِي ؛ إِنْ قَدَرَ ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَبَاكَى .
وَأُحِبُّ لَهُ أَنْ يَتَفَكَّرَ فِي قِرَاءَتِهِ ، وَيَتَدَبَّرَ مَا يَتْلُوهُ ، وَيَسْتَعْمِلَ غَضَّ الطَّرْفِ عَمَّا يُلْهِي الْقُلُوبَ . وَإِنْ يَتْرُكْ كُلَّ شُغْلٍ حَتَّى يَنْقَضِي دَرْسُهُ ، كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ ، لِيَحْضُرَ فَهْمُهُ ، وَلا يَشْتَغِلَ بِغَيْرِ كَلامِ مَوْلاهُ .
وَأُحِبُّ إِذَا دَرَسَ ، فَمَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ ، سَأَلَ مَوْلاهُ الْكَرِيْمَ ، وَإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ اسْتَعَاذَ باِللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ النَّارِ ، وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ للهِ _ تَعَالَى عَمَّا قَالَهُ أَهْلُ الْكُفْرِ _ سبَّحَ اللهَ تَعَالَى _ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ _ وَعَظَّمَهُ .
فَإِذَا كَانَ يَقْرَأُ ، فَأَدْرَكَهُ النُّعَاسُ ، فَحُكْمُهُ أَنْ يَقْطَعَ الْقِرَاءَةَ وَيَرْقُدَ ، حَتَّي يَقْرَأَ وَهُوَ يَعْقِلُ مَا يَتْلُوهُ . وراجعوا ان شئتم بداية تفسير القرطبي، والتبيان في حملة القرآن للشافعي.
مسألة: انواع هجر القران
قال ابن القيم في الفوائد هجر القرآن أنواع (48):
أحدهما: هجر سماعه والايمان به والاصغاء اليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وان قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم اليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين,, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم.
والرابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به, زكل هذا داخل في قوله :{ وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} الفرقان 30. وان كان بعض الهجر أهون من بعض.
أسأل الله العظيم ان يجعل ما كتبته خالصا لوجهك الكريم وان ينفعني به بعد موتي.
كتبه نورس الهاشمي