بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 24 أبريل 2014

أحسن طرق تفسير القرآن العظيم


أحسن طرق تفسير القرآن العظيم


أن أصح الطرق لتفسير القرآن الكريم أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد بسط في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له. بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي -رحمه الله تعالى-: كل ما حكم به رسول الله فهو مما فهمه من القرآن، قال الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ [النساء:105].
وقال تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل:64]، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل:44].
ولهذا قال رسول الله : (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) يعني السنة، والسنة أيضاً تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن.
وقد استدل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
السنة وحي من الله، والسنة نوعان:
النوع الأول: الأحاديث القدسية التي يضيفها النبي إلى ربه ويقول فيها: (قال الله)، فهذا من كلام الله لفظاً ومعنى كالقرآن، فالقرآن كلام الله لفظاً ومعنى خلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس، وخلافاً للمعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق.
وهذا كفر وضلال، ولهذا كفر الأئمة والعلماء من قال: القرآن مخلوق، وتكفيرهم لقائل ذلك هو على وجه العموم، أما الشخص المعين فلا بد من أن تقوم عليه الحجة، فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر.
والأشاعرة يقولون: القرآن كلام الله، وكلام الله معنى قائم بنفسه ليس بحرف ولا صوت، أما الحروف والأصوات فهي مخلوقة، وليس في المصحف شيء من كلام الله؛ لأن كلام الله معنى قائم بنفسه، وما في المصحف هو عبارة عن كلام الله، وهذا الذي ذهب إليه الأشاعرة يوافق المعتزلة في نصف مذهبهم؛ لأن المعتزلة يقولون: القرآن لفظه ومعناه مخلوق.
والأشاعرة يقولون: لفظه مخلوق ومعناه قائم بنفسه تعالى ليس بمخلوق، وهذا من أبطل الباطل، فالقرآن كلام الله لفظه ومعناه.
فيجب على كل مسلم أن يعتني بهذا القرآن العظيم، فإنه سعادة الأمة وفلاحها ونجاحها.
فالنوع الأول من السنة؛ هو الأحاديث القدسية التي يقول فيها النبي : (قال الله)، كحديث أبي ذر عن النبي فيما يرويه عن ربه أنه قال: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).
فهذا كلام الله لفظه ومعناه وهو كالقرآن، إلا أنه يختلف عن القرآن في الأحكام، فالقرآن يتعبد بتلاوته، والحديث القدسي لا يتعبد بتلاوته، والقرآن لا يمسه إلا المتوضئ، والأحاديث القدسية يمسها غير المتوضئ، والقرآن معجز في لفظه ومعناه، والحديث القدسي ليس كذلك.
والنوع الثاني: الأحاديث النبوية التي ليست قدسية، وهذه الأحاديث معناها وحي من الله تعالى، ولفظها من النبي ، ولهذا تنسب إلى الرسول، مثل قول الرسول : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، ومعناها من الله؛ لأنها وحي ثان، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النجم:3-4].
وما ذكره بعض مؤلفي كتب علوم القرآن كـالسيوطي في الإتقان وغيره من أن الحديث القدسي لفظه من النبي ومعناه من الله فإنه خطأ يتمشى على مذهب الأشاعرة، والسيوطي -رحمه الله- ليس عنده تحقيق في هذا، فهذا قد يشكل على بعض الطلبة إذا وجده في الإتقان للسيوطي وفي غيره من كتب أصول التفسير، فمن وجد ذلك فليعلم أن هذا يتمشى على مذهب الأشاعرة.
والصواب أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله كالقرآن، إلا أن الأحكام تختلف كما تقدم. وما قاله النبي في شئون الحياة العادية لا يعتبر من الوحي، كأن ينزل في المكان الفلاني، ويبول في المكان الفلاني، ويجلس في المكان الفلاني، ونحو ذلك.
فالصواب في هذه المسألة: أن هذه من الأمور العادية، ولا يشرع الاقتداء به فيها، وقد كان ابن عمر -ا- يتتبع الأماكن التي يتنزل فيها النبي اجتهاداً منه، فكان ينزل في المكان الذي كان ينزل فيه النبي ، وقد ذكر البخاري شيئاً من هذا، فقال: كان ابن عمر يتتبع أماكن كثيرة.
ولكنه خالف في هذا كبار الصحابة كـالصديق وعمر وغيرهم؛ فإنهم لم يتتبعوا النبي في هذه الأماكن، ولهذا لما رأى عمر -- قوماً يأتوا إلى الشجرة التي بايع عندها النبي أصحابه أمر بقطعها.
والمقصود أن الأمور العادية التي كان يفعلها النبي على سبيل العادة ليست من التشريع. وأما ما كان يفعله مع زوجاته فإنه ينظر فيه، فإن كان على سبيل التشريع فإنه يقتدى به فيه، مثل معاملته لزوجاته ونحو ذلك، ومثله ما كان يفعله في البيت من الطهارة والغسل ونحو ذلك مما نقله إلينا أزواجه . وكلام الله في القرآن يتفاضل، هذا هو الصواب.
فسورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ تعدل ثلث القرآن، وآية الكرسي أفضل آية في كتاب الله، والفاتحة أفضل سورة في كتاب الله، فكلام الله يتفاضل، وبعضه أفضل من بعض، وإذا كان القرآن كلام الله يتفاضل فالحديث القدسي كذلك يتفاضل.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة. فأول طريقة من طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن.

تفسير القرآن بأقوال الصحابة
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: (فبم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله في صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله).
وهذا الحديث في المسند والسنن بإسناد جيد كما هو مقرر في موضعه. هذا الحديث سنده جيد كما ذكر المؤلف -رحمه الله-، وجود سنده كذلك شيخ الإسلام وابن القيم، وفيه أن الإنسان يعمل بكتاب الله، فإن لم يجد فإنه يعمل بالسنة، فإن لم يجد فإنه يجتهد، ولما بعث النبي معاذاً قال له: (بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ...).
وأما نحن فإننا إذا بحثنا ولم نجد في السنة دليلاً فإننا نأخذ بأقوال الصحابة إذا لم تتعارض، فقول الصحابي إذا لم يعارضه قول صحابي آخر يؤخذ به، فإن عارضه قول صحابي آخر تساقطا، فحينئذٍ يرجع إلى أصول الشريعة وقواعدها.

ذكر بعض أئمة التفسير من الصحابة
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وحينئذ إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك؛ لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح والعمل الصالح، لاسيما علماءهم وكبراءهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين المهديين وعبد الله بن مسعود --.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا جابر بن نوح حدثنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال: قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: والذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.
هذا من حرص الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- على العلم، فـعبدالله بن مسعود -- يحلف أنه ما من آية إلا وهو يعلم أين نزلت وفيم نزلت وفيمن نزلت، يقول: ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه حتى أتعلم منه وأستفيد منه.
وجابر بن عبد الله -كما ذكر البخاري في صحيحه- رحل إلى عبدالله بن أنيس من المدينة إلى الشام في طلب حديث واحد، واشترى لهذه المهمة بعيراً، وكانت المسافة شهراً كاملاً.
فهذا هو حرص الصحابة الكرام، ولهذا بلغوا تلك المنزلة، فجابر يشتري لهذه المهمة بعيراً مع قلة ذات اليد، والآن الكتب كلها موجودة، والصحاح والسنن كلها مدونة، والحمد لله، وكل شيء الآن متوفر، والمهم هو الحرص والعناية والتفهم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقال الأعمش -أيضاً- عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئونا أنهم كانوا يستقرئون من النبي ، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً.
وبهذا فضلوا على من بعدهم، فتعلموا العلم والعمل جميعاً، ونحن الآن ينقصنا العمل والتطبيق.

ابن عباس ترجمان القرآن
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ومنهم الحبر البحر عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله وترجمان القرآن ببركة دعاء رسول الله له حيث قال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار وحدثنا وكيع حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم قال عبد الله -يعني ابن مسعود-: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. ثم رواه عن يحيى بن داود، عن إسحاق الأزرق، عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس. مسلم بن صبيح هو غير الربيع بن صبيح.
ومسلم بن صبيح يروي عن أبي الضحى، وأبو الضحى يروي، عن مسروق، عن ابن مسعود، وفي بعض الطرق: (عن أبي الضحى عن ابن مسعود) وهذا إسناد منقطع؛ لأن أبا الضحى لم يسمع من ابن مسعود، بل بينهما واسطة.
وقوله: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس هذه شهادة من ابن مسعود لابن عباس -ا-.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: ثم رواه عن بندار عن جعفر بن عون عن الأعمش به كذلك، فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة، وقد مات ابن مسعود -- في سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، وعمر بعده عبد الله بن عباس ستاً وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟!
يعني: إذا كان ابن مسعود شهد لابن عباس بقوله: نعم ترجمان القرآن ابن عباس في حياته ثم توفي وعاش بعده ابن عباس ستاً وثلاثين عاماً وهو يتعلم ويجتهد فكيف سيكون علمه؟!
وقد كان عند النبي وهو صغير، لكنه كان حريصاً على العلم، وقد أخذ من الصحابة، وكان له زميل من الأنصار في أول الطلب، فقال زميله من الأنصار: يا ابن عباس! تظن الناس يحتاجون إلينا! فتركه ابن عباس وانصرف الأنصاري، وقال: الناس ليسوا بحاجة إلينا، والصحابة كثيرون.
فشمر ابن عباس في طلب العلم، فكان يأتي إلى الصحابة في بيوتهم، وكان إذا بلغه حديث عن بعض الصحابة أو أراد أن يأخذ العلم منه أتى إلى بابه، ثم توسد ذراعه ونام تحت الباب حتى يخرج، فإذا خرج قال: ما لك يا ابن عم رسول الله؟ ألا أخبرتني؟ ألا طرقت علي فأخرج؟ وما زال يجتهد ويحرص ويجد ويجتهد ويستغل الوقت في الأخذ عن الصحابة حتى بلغ شأناً عظيماً في العلم، ومات كثير من الصحابة وبقي، فصار مرجع الناس في العلم، وصار الناس يأتون إليه من كل مكان، وكان يجلس للناس بعد صلاة الفجر، فيأتيه أهل التفسير، ثم يأتيه أهل الحديث، ثم يأتيه أهل اللغة، ثم يأتيه جميع أصحاب الفنون حتى يرتفع الضحى.
وذلك الأنصاري الذي تركه لم يكن عنده شيء من العلم، فلما رأى حال ابن عباس ورأى ما أوتي من العلم ومجيء الناس إليه قال لبعض أصحابه: هذا أعقل مني يعني ابن عباس؛ لأنه بقي في طلب العلم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم، فخطب الناس فقرأ في خطبته سورة البقرة -وفي رواية سورة النور- ففسرها تفسيراً لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا، ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين: عبد الله بن مسعود وابن عباس.
السدي الكبير ثقة يروي عن ابن عباس وعن ابن مسعود، فهو يروي عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، ويروي عن عروة عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب النبي ، هذا هو سند السدي الكبير.
وقوله: استخلف علي عبد الله بن عباس على الموسم أي: جعل ابن عباس أميراً على الحج في خلافته.
نقلا عن  ملتقى أهل الإسناد