بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 يناير 2021

سلسلة فتاوى الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان من الدروس العلمية واللقاءات المفتوحة

 

          

سلسلة فتاوى الشيخ الدكتور

صالح بن فوزان الفوزان

من الدروس العلمية واللقاءات المفتوحة

شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري

فتاوى الدرس الأول

من شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري

وعددها: (ثمان) فتاوى

س1: حَفِظَكُم الله تَعَالى وَبَارَكَ فِيكُم، ونفع بكم الإسلام والمسلمين، هَذا سائلٌ يقول: في هذه الأيام كثُر الكلام عن قضيةِ الخوارج (وهذا مهم) ولكن هناك مذهب  لم يُحذر منه وهو منتشر عند العوام وهو مذهب المرجئة، فنرجو منك يا فضيلة الشيخ التنبيه عليه وعقد الدروس فيه، بارك الله في علمكم!

ج1: بيّنا هذا كما سمعتم، بينّا هذا كما سمعتم، مذهب الخوارج يتشددون في الإيمان ويُكفِّرون بالكبيرة من الذنوب التي دون الشرك، يُكفِّرون بالكبيرة التي دون الشرك، عندهم الزاني يكفر، والسارق يكفر، آكل الربا يكفر عندهم يخرج من الملّة، هذا عند الخوارج. هذا غلو والعياذ بالله وتطرف!

بينما المرجئة يقولون أبدًا ما يضرّ مع الإيمان معصية، المعاصي لا تنقص الإيمان عندهم، الإيمان كامل عندهم، ولو زنا، ولو سرق، ولو... ما ينقص إيمانه، مؤمن كامل الإيمان؛ لأنهم لا يدخلون الأعمال في الإيمان، هذه نتيجة عدم إدخالهم الأعمال في الإيمان، يقولون: لا يضرّ مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، لا ينفع مع الكفر طاعة صحيح، لكن لا يضرّ مع الإيمان معصية ما هو بصحيح، المعصية تضرّ وتنقص الإيمان، نقصًا ظاهرًا: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن» يعني مؤمن كامل الإيمان، فالمعاصي تنقص الإيمان ولا تبطله، تنقصه خلافًا للمرجئة، ولا تبطله خلافًا للخوارج، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة، أن المعاصي إذا كانت كفرًا أو شركًا أكبر فهي تبطل الإيمان وإن كانت دون الكفر ودون الشرك فهي تنقص الإيمان ولا تبطله، تنقصه خلافًا للمرجئة، ولا تبطله خلافًا للخوارج، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] ما دون أيش؟ ما دون الشرك، والذي دون الشرك سائر المعاصي حتى الزنا والسرقة وشرب الخمر دون الشرك، {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]

فالمرتكب للكبيرة عند أهل السنة والجماعة معرّض للوعيد، ولكنه مؤمن ناقص الإيمان، معرّض للوعيد إن شاء الله غفر له وإن شاء عذّبه لكن لا يخلد في النار، إن شاء الله عذّبه خلافًا للمرجئة، لكن لا يخلد في  النار خلافًا للخوارج، فهذا مذهب أهل السنة والجماعة وهو الوسط بين مذهب الغلاة ومذهب الجفاة، فالغلاة هم الخوارج والجفاة هم المرجئة، مذهب أهل السنة وسط في ذلك مبني على الكتاب والسنة على الأدلة الصحيحة الصريحة في هذا، ينبغي أن يُعرف هذا. فإذا نهيت عن مذهب الخوارج تنهى أيضًا عن مذهب المرجئة، وتأمر بمذهب أهل السنة والجماعة وهو الوسط وتبيّنه للناس؛ ليسيروا عليه؛ لأن الخوارج لهم دعاة والمرجئة لهم دعاة، فلا بدّ أن يكون لأهل السنة والجماعة دعاة يبيّنون الحق من الباطل.

س2: أحسن الله إليكم! هَذا سائلٌ يقول: فضيلة الشيخ، كيف نجمع بين كون العمل من الإيمان، وبين قول: «إن الله يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان» وإن لم يعمل، والعلماء الذين يقولون بهذا القول: هذا هم من أهل السنة؟

ج2: أنت أجبت في سؤالك، تقول: يخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال حبة من إيمان، هذا مؤمن، هذا مؤمن، لكنه ضعيف الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، عذّبه الله في النار، ثم أخرجه منها، فهذا ما فيه إشكال! الحديث هذا ما فيه إشكال. وهذا يشهد لنا أن المؤمن يكون ناقص الإيمان وأنه يستحق العذاب إلا إن شاء الله غفر له.

س3: أحسن الله إليكم! وهَذا سَائِل يقول: هل يُشرع للمسلم المستقيم أن يُجالس ويوادّ وينبسط لأهل المعاصي ومن وقع في بدع غير مكفرة في غير وقت تلبسهم بهذه المعاصي؟ أم يلزم عليه هجرهم على كل الأحوال إلا أن ينكر عليهم حين لقائهم عرضًا دون قصدًا؟ أرجو التفصيل إن أمكن بارك الله فيكم!

ج3: الجواب في هذا أن مخالطة العصاة والمشركين والكفارة والمنافقين فيها تفصيل: إذا كان يخالطهم لأجل الدعوة إلى الله ونصيحتهم والبيان لعلهم يتوبون، لعلهم يرجعون، فهذا مأمور به، هذه هي الدعوة إلى الله.

أما مخالطتهم من أجل الأنس بهم وانشراح الصدر معهم ولا يُنكر عليهم ولا ينهاهم فهذا لا يجوز، هذه طريقة بني إسرائيل الذين لعنهم الله، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 78، 79] هذا هو السبب، فلا يكن الإنسان سلبيًا مع الناس إذا رأى معاصي، «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه»  فإذا أنكرت بقلبك لا تجالسهم، ابتعد عنهم، فإذا جالستهم فأنت لم تنكر بقلبك، فالحاصل أن مخالطة العصاة وغيرهم من أهل المخالفات فيها تفصيل، من كان في مخالطته مصلحة دينية بأن ينصحه ويُبين له ويدعوه إلى الله فهذا واجب، أما من يسالمهم ويؤاكلهم ويشاربهم وينبسط معهم فهذا ملعون على لسان داود وعيسى ابن مريم ومحمد صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرًا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم»

ولا بد من التنبيه أن الدعوة إلى الله ودعوة العصاة والمشركين والكفار لا بد لها من العلم، أما الجاهل فلا يصلح يخالطهم؛ لأن ما عندهم علم ليبين وينصح، أو يمكن يدعو إلى الله على جهل ويزيدهم شرّاً فلا بد يكون عند الإنسان علم بحيث يستطيع يأمر على بصيرة وينهى على بصيرة ويعلم ويدعو إلى الله على بصيرة، تنبهوا لهذا! الذي ما عنده علم لا يدخل الميدان هذا ويبعد.

س4: أحسن الله إليكم! وهَذا سائلٌ يقول:  في الحديث: «وليس وراء ذلك مقدار حبة خردل من إيمان» معناه أن الذي لا يُنكر المنكر لا يكون في قلبه إيمان؟

ج4: الذي لا ينكر المنكر بقلبه، آخر شيء الإنكار بالقلب، فالذي لا يُنكر بقلبه معناه موافقا لأهل المعاصي فيكون مثلهم.

س5: أحسن الله إليكم! وهَذا سائلٌ يقول: هل هذا حديث: قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» وما هو شرحه؟

ج5: نعم هذا ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: نحن ما نكمل أنفسنا، يقول صلى الله عليه وسلم: نحن لا نزكِّ أنفسنا ولا نكمل أنفسنا، لسنا أولى بالشك من إبراهيم أي بأن نعتبر أننا بحاجة إلى العلم بحاجة إلى زيادة الإيمان واليقين.

س6: أحسن الله إليكم، وهَذا سائلٌ يقول: هل في الكفار أحد اليوم من أهل الفترة؟

ج6: الله أعلم، الذين ما بلغتهم الدعوة ولا سمعوا القرآن ولا عن بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغهم شيء، فهؤلاء يكونون من أهل الفترة، لكن أين الذين ما بلغتهم الدعوة الآن؟ أين الذين ما سمعوا القرآن؟ أين الذين ما سمعوا الإسلام؟ انتشر الإسلام، انتشر الإسلام في المشارق والمغارب بواسطة الجهاد في سبيل الله ثم بواسطة وسائل الإعلام المعاصرة واختلاط العالم بعضه ببعض وتقارب البلدان وتقارب الأقطار، ما هنا أحد ما بلغه الإسلام، لكن لو فرض أن هناك من هو منعزل عن العالم لم يبلغه شيء فهذا يكون من أصحاب الفترة.

س7: أحسن الله إليكم! وهَذا سائلٌ يقول:  هل يصح قولنا: ((جنس العمل هو لفظ مبتدع لم يرد عن السلف وهو لفظ مبهم محتمل الأفضل تركه))؟ بارك الله فيكم ونفع بكم!

ج7: ما عرفنا هذا في كلام علمائنا وعلماء السلف ما عرفنا التفريق بين جنس العمل وغيره، العمل، تقول: العمل ما تقول جنس العمل، تقول: العمل، العمل من الإيمان، الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح، ولم يقولوا جنس العمل بالجوارح، فهذه لفظة ما لها أصل، هذه لفظة لا أصل لها، ولعلها جاءت من المرجئة، لعلها جاءت من قبل المرجئة.

س8: أحسن الله إليكم! وهَذا سائلٌ يقول: حفظكم الله تعالى ونفعنا بعلمكم، نشكركم كثيرًا على حضوركم في مدينة جدة لنستفيد من علمكم أثابكم الله بكل خطوة عظيم الدرجات! السؤال: هناك من يطعن في السنة وكتب الصحيح نرجو منكم الرد عليهم حتى يتنبه الناس لذلك وجزاكم الله خيرًا.

ج8: الذي يطعن في السنة طاعن في الإسلام، هذا يطعن في الإسلام، يطعن في الإسلام إذًا يطعن في القرآن أيضًا! الذي يطعن في السنة يطعن في القرآن؛ لأن القرآن أحالنا على السنّة سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وَكَل إلى نبيه صلى الله عليه  وسلم بيان القرآن {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وقال الله جل وعلا في القرآن: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]

والقرآن أمر باتباع السنّة وتلقيها عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسنّة تفسر القرآن، تبين القرآن وتوضحه وتدل عليه، فالقرآن فيه أمور مجملة بينتها السنّة، مثلًا: الله أمر بالصلاة في القرآن، لكن هل بيّن عدد الصلوات؟ عدد الركعات؟ من الذي بينها؟ السنّة، الرسول صلى الله عليه وسلم بيّنها.

الزكاة، أمر الله بالزكاة في القرآن {وآتوا الزكاة} لكن هل في القرآن بيان شروط وجوب الزكاة؟ مضي الحول؟ بلوغ النصاب؟ تفصيل ما تجب فيه الزكاة من النقدين وبهيمة الأنعام وعروض التجارة؟ هذا بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسنّة، فالسنّة توضح القرآن وتفسره وتفصل مجمله.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



ليست هناك تعليقات: