بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 21 يناير 2014

تنوير الأفهام بخطر التقليد الأعمي للمشايخ والأفكار علي الأنام



من أبي عبد الله محمد بن عبد الحميد
إلى أخيه ............................. أحسن الله له المثوبة ووفقه وسدده..أمين.

سلام عليكم
     
 ،،، أما بعد ،،،

    لما وجدنا البعض عن الحق الواضح كابح ، وعن النور الساطع نافر راتع، بسبب ما لُبّس عليهم من قِبل القطبيين وأضرابهم بزخرف القول وغروره – شأنهم في ذا شأن كل حزبي . وما رسّخوهوا في نفوسهم من أقوال أئمتهم - في الضلال والانحراف - على كونه هو الصواب، وأوهموهم كما أوهموا غيرهم بأنها هي عين الحقائق وكبد المسلمات، وأنها أصل الصواب وفصل الخطاب .

   فصدقوهم – وما كان ينبغي له ذلك قبل النظر أو مطالبتهم التدليل- وهم المساكين ، وعبّدوا-  ذلّوا - لهم – طوعاً واختياراً - وهم المكرمون الأحرار، وإنا إذ نذكر هذا نذكر معه القول المأثور – وما أصدقه- " الحزبية رق بلا ثمن" .

    وهكذا انتصرت منكرات الأفكار، وقدمت الأقوال على الآثار، ونظر إلى القائل لا إلى المقال ، فكان الضلال

    ونظرت فرأيت أن آفة هؤلاء إنما هو التقليد الأعمى .

    والعلاج مصاحبة الدليل ، بل استصحباه - المبالغة في تلمسه.

    لذا وغيره رأيت التنبيه على خطر هذا الداء بكلمات مختصرات ، دالات في مجملها على المراد .

    المرجو - من إيرادها – القبول مع القربى من رب العباد، والأجر من الكريم الجواد، وأيضاً التوفيق لإخواننا والسداد والرشاد، والعيش في رغد الوئام ، أخوة متحابين متعاونين على البّر ، وبه يتواصون ويتواصون.

تعريف التقليد :

    التقليد لغة : جعل القلادة في العنق، القلادة معروفة : هي ما تضعه المرأة في عنقها " "انظر"المصباح المنير" ص(512)

    قلت: والمناسبة: إن التقليد متابعة مع إلزام، كمتابعة المرأة زوجها وإلزامها ذلك، وهن عوان-أسيرات. وأيضاً شبه ضعف إدراك المقلد عن إدراك ما يصلحه، بضعف رأي المرأة ومن ثم تبعيتها لزوجها.

    فيه الإيماء إلى ضرورة التحرر من هاتيك القلادة، وذلكم الطوق؛ شأن الرجال خلافاً للنساء، فهو مطابق لطبيعتنهن . والله أعلم.

    وفي الأمر برجوع المقلدة لأهل العلم، والصدور عنهم، موافقة لأمر القوامة في يد الرجل دون المرأة "الرجال قوامون على النساء"

    التقليد اصطلاحاً : وقد عرّف العلماء التقليد بأنه " العمل بقول الغير من غير حجة " " إرشاد الفحول" ص(265)

حكم التقليد :

فأقول:  اعلم أخي- رحمك الله تعالى- أن التقليد من حيث الأصل فهو جائز، والتحريم متجه إلى التقليد في الباطل : وعليه ، فقد قسموا التقليد إلى جائز وغير جائز .

    ولو قلنا أن التقليد تعتريه الأحكام الخمسة بالنظر لم يكتنفه من أحوال، ما كان ذلك بعيداً ، بيان ذلك :
أما كونه جائز ، فقد

    قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : " الذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد، ولا يحرمون التقليد على كل أحد ، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد " "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (20/203-204)

    ويقول العلامة أبو محمد بن حزم – رحمه الله تعالى : " نحن لا ننكر فتيا العلماء للمستفتين، وإنما أنكرنا أن يؤخذ بها بلا برهان يعضدها، ودون رد لها إلى نصّ القرآن والسنة؛ لأن ذلك يوجب الأخذ بالخطأ...فوجب بذلك أن ضرورة أن نتحفظ من فتيا كل مفت ما لم تستند فتياه إلى القرآن والسنة والإجماع " " الإحكام في أصول الأحكام" (6/1076)  

    وقال العلامة الشوكاني – رحمه الله تعالى- مبيناً حال سلف الأمة : " كان المقصّر منهم ، يسأل العالم عن المسألة التي تعرض له ، فيفتيه بالنصوص التي يعرفها من الكتاب والسنة" "إرشاد الفحول" ص(248)

وأما كونه واجب أو مستحب:

   فالواجب: إن اجتهد في مسألة خالف فيها اجتهاد السلطان – سواء بنفسه أو بغيره- فيترك – ساعتئذ - اجتهاده لاجتهاده .

    فالمستحب: لمجتهد ضاق وقته أو فقد ورقه عن الاجتهاد في نازلة  وكان إماماً يصدر عن رأيه ، فليقلد – والحالة هذه- غيره ممن هو مثله أو فوقه ، والله أعلم.

    أما ما نحن بصدده : حكم التقليد بالباطل ((( التقليد المحرم ))) :

    إن الله تعالى قد ذم التقليد بالباطل، وعليه بين العلماء أن الأصل فيه التحريم ، استدلوا لذلك بقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون، قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } سورة "الزخرف" الآية (23-24)

    التقليد المحرم ثلاثة أنواع:

    ذكرها العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى:

    أحدها: الإعراض عما أنزل ، وعدم الالتفات إليه اكتفاءًا بتقليد الآباء .

    الثاني : تقليد ما لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله .

    الثالث : التقليد بعد الحجة وظهور الدليل على خلاف قول المقلد" انظر "إعلام الموقعين"(2/187)"

    وقد ذم الله هذه الأنواع من التقليد في غير موضع من كتابه،كما سبق بيانه.

 

ذكر أقوال أهل العلم في أن  المقلد خارج عن  زمرة العلماء


    قال الإمام الطحاوي – رحمه الله تعالى : " لا يقلد إلا جاهل أو غبي "

    قال العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى : " ولا خلاف بين الناس: أن التقليد ليس بعلم، وأن المقلد لا يطلق عليه اسم عالم " " إعلام الموقعين" (1/51)

    وقال السيوطي – رحمه الله تعالى : " إن المقلد لا يسمى عالماً" انظر "حاشية السندي على سنن ابن ماجه"(1/70) وأقره، والنقل عن " الجماعات الإسلامية "للهلالي ص(239)

    وجزم به الشوكاني – رحمه الله تعالى : " إن التقليد جهل، وليس علم " "إرشاد الفحول" ص(236)

    كما ألمحوا إلى صور يجوز  فيها للعالم أن يقلد، وللتقليد وضوابطه مباحث ليس هذا المحل محلها، تلمسوها في مظانها .

    كما ذكروا أن من بين مرتبتي الاجتهاد والتقليد تأتي مرتبة "الاتباع"  فهي المرتبة الوسطى بين الاجتهاد-من أهله- المطلوب ، والتقليد المذموم . فلينتبه .

    وفي بيان ما تقدم يقول حافظ المغرب أبو عمر ابن عبد البر- رحمه الله تعالى : "

    والتقليد أن تقول بقول – المقلد – وأنت لا تعرفه ، ولا وجه القول ، ولا معناه وتأبى من سواه ، أو أن يتبين لك خطأه ، فتتبعه مهابة خلافه وأنت قد بان لك فساد قوله ، وهذا محرم القول به في دين الله سبحانه " " جامع بيان العلم وفضله " (2/37)

   نعم " فمن استمطر ديم – المطر الذي ليس فيه رعد ولا برق – الهداية من الوحيين على فهم السلف الصالح لهما (4)
ومن تمعن كلام الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله تعالى – السالف الذكر ، يدرك أن المقلد في هذا الزمان لا يخرج عن هذه الأوصاف :
    إما أنه يأخذ رأي الغير فيطير به وهو لا يعرف معناه ، ولا من أين أخذه . وإن قوبل بقول آخر يخالف ما تمسك به ردّه ويأباه ، مع أنه مسكين ليس له القبان – ميزان – الذي يكشف به الراجح من المرجوح والمقبول من المطروح .
    وإما أن يظهر له خطأ القول الذي تبنّاه لمصادمته نصاً صحيحاً ، صلدا مبناه ، وقال به السلف أصحاب الوزن والجاه ، فيتركه ولا يرضى القول به خشية أن يخالف من جعله وساطة بينه وبين الله ولعمري لهذه زلة عظيمة ، وسمة مشينة في جبين المقلد المتعصب الذي قلب الموازين بعقله النضب المعين ، إذ أنه لا يعقل أن يجعل الأصل الدليل تابعا والفرع متبوعا ، ومن ظن هذا فقد خاب وخسر" مقدمة كتاب"الطريقة المثلى في الإرشاد إلى ترك التقليد" لعبد الحميد بن أحمد لعربي الأثري ص(19)
    فأهل التحزب الممقوت المذموم المخذول، والفرق النارية الساقطة الهالكة، كل فرقة تنصر رأسها ، وتدعو إليه، وتذم من خالفه(1) ولو كان الحق رائده، والنصح قائده، وإرادة الخير مطلبه، يقولون : كتبنا وكتبهم ، ومشايخنا ومشايخهم .
     قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : " الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين(2) والواجب على الخلق إتباع المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " ... فعلى أقواله وأحواله وأفعاله توزن جميع الأحوال والأقوال والأفعال (3) " " مختصر الفتاوى المصرية " ص(76)
هذا .. وقد بيّن الله تعالى حال ومآل من أعرض عن هديه ، واتباع ما جاءت به أنبياؤه – عليهم السلام – وأطاعوا سادتهم وكبرائهم ، فقال الله تعالى " إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرؤوا منا كذلك يريهم الله حسرات عليهم وما هم بخارجين م النار" سورة " البقرة " الآية (166- 167)

وقال تعالى " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان للإنسان خذولا " سورة " الأحزاب " الآية(27-29) وقال تعالى " يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا " سورة " الأحزاب " الآية (66-68)

     قال العلامة الشوكاني – رحمه الله تعالى : " والمراد بالسادة والكبراء هم الرؤساء والقادة الذين كانوا يمتثلون أمرهم في الدنيا ويقتدون بهم ، وفي هذا زجر عن التقليد شديد ، وكم في الكتاب العزيز من التنبيه على هذا ، والتحذير منه والتنفير عنه " " فتح القدير " (4/306)

ومن الأحاديث التي يحتج بها العلماء على فساد لتقليد والتنفير منه :       

حديث عدي بن حاتم – رضي الله تعالى عنه – قال : " أتيت النبي  r وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : اطرح هذا الوثن من عنقك .
 قال : فطرحته .
قال : وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة ، وقرأ هذه الآية" اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله  
قال : قلت يا رسول الله : إنا لسنا نعبدهم .
فقال : أليس يحرمون ما أحل الله ، فتحرمونه . ويحلون ما حرم الله ، فتستحلونه ؟
قال : قلت بلى .
قال : فتلك عبادتهم " " صحيح سنن الترمذي " للعلامة الألباني (3/56) وغيره.

ومن الآثار السلفية في التغليظ مع التنفير من التقليد دون دليل :

في اثر ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – والذي صار من شهرته عند صغار الطلبة كالمثل السائد عند العامة : " يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول الله r وتقولون قال أبو بكر وعمر ؟ !! " " جامع بيان العلم وفضله " للحافظ ابن عبد البر (2/196)

    قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى - معقبا : رحم الله ابن عباس ، كيف لو رأى قوماً يعارضون قول رسول الله - r - بقول أرسطو وأفلاطون وابن سينا والفارابي وجهم ابن صفوان وبشر المريسي وأبي الهزيل العلاف ، وأضربهم " " مختصر الصواعق المرسلة " (1/224)

    نقل الإمام الآجري عن الأوزاعي – رحمهما الله تعالى – قوله : " عليك بآثار من سلف ، وإن رفضك الناس ، وإياك وآراء الرجال ، وإن زخرفوا لك القول " انظر " نشر الصحيفة " ص (30)

    وقال الشعبي– رحمه الله تعالى– ونظر إلى أصحاب الرأي: " ما حدثك هؤلاء عن أصحاب النبي r  فاقبله وما خبروك به عن رأيهم ، فارم به في الحش" " تأويل مختلف الأحاديث " ص(40) والدرامي في "سننه" (1/78)   

    وقال الإمام مالك – رحمه الله تعالى : " ليس كل ما قال رجل قولاً ، وان كان له فضل ، يتبع عليه ؛ لقول الله تعالى " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" سورة" لزمر" الآية(18) والنقل عن "الاعتصام" للشاطبي (2/362)

    قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى : " ... وأنه لا يلزم قول بكل حال ، إلا بكتاب الله أو سنة رسوله r  وان ما سواهما تبع لهما " " جماع العلم " ص(11)

     وقال - رحمه الله تعالى – أيضاً : " أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله r لم يكن له إن يدعها لقول أحد " " إعلام الموقعين " (2/361)

    وعليه فلا غرو إن يخبرنا الإمام العلم أبو محمد ابن حزم – رحمه الله تعالى – عن معنى الشاذ هو الذي يخالف الكتاب والسنة ، أما الذي يتمسك بالكتاب والسنة ، فلو كان واحدا لا يعتبر شاذا "

    قال العلامة الوادعي : " صدق أبو محمد ابن حزم " " فضائح ونصائح " للعلامة الوادعي ص (218)

    وقيل للإمام أحمد – رحمه الله تعالى : " إن قوماً يدعون الحديث ، ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره ،
فقال : أعجب لقوم عرفوا الإسناد وصحته ، يدعونه ، ويذهبون إلى سفيان وغيره ، قال الله تعالى " فليحذر الذين يخالفون عن أمره إن تصيبه فتنة أو يصيبهم عذاب أليم "  أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة : الشرك ، لعله إذا ردّ بعض قوله أن يقع في قلبه شئ من الزيغ ، فيهلك " " الإبانة " لابن بطة (1/260)

   قلت : فكيف لو رأى هؤلاء السادة ما نحن عليه في أيامنا !!!

     كيف لو سمعوا الناس وهم يردون النصوص ويطرحون قول الكبار انتصارا لروبيضة جاهل !!!

    ولا أطيل في هذا المقام المقال ؛ إذ :

رأيت الإمام الشوكاني أجدر مني في استيفاء المقام وأجدر على البيان ، فقد قال – رحمه الله تعالى :
" ... وانظر إن كنت ممن يعتبر ما ابتليت به هذه الأمة ... وليتها وقفت عند عدم القبول والرضى ، لكنها
تجاوزت ذلك على الحطّ على سائر علماء المسلمين ، والوضع من شأنهم ، وتضليلهم وتبديعهم ، والتنفير عنهم ، ثم تجاوزوا ذلك على التفسيق والتكفير ، ثم زادوا الشر حتى صار أهل كل مذهب كأهل كل ملة مستقلة ، لهم نبي مستقل . وهو ذلك العالم الذي قلدوه ، فليس الشرع إلا ما قال به دون غيره ، وبالغوا وغلو ، فجعلوا قوله مقدماً على قول الله ، وهل بعد هذه الفتنة والمحنة شئ من الفتن والمحن" " الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحد" (28-29 )

    و " لا ينتهي الأمر عند مجرد التقليد والتعصب للمشايخ والأئمة والمتبوعين ، وإنما يتعداه إلى المفاخرة والتباهي بمن ينتسب إليه والطعن والازدراء والتنفير من الآخرين ، وهذا كله من فعل أهل البدع والأهواء الذين فرّقوا الأمة شيعاً وأحزاباً ، كل حزب بما لديهم فرحون " " ظاهرة الغلو " لعبود الدرع ص (175)

    وفي "الاعتصام " للإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى: " والتقليد للأشخاص لمجرد حسن الاعتقاد فيهم بلا بينة ولا دليل ولا حجة ، وأن يجعل فعلهم وقولهم حجة ويقتدي بهم على الإطلاق ، ولا سيما في مجال الاعتقاد والتعبد : هو الضلال بعينه ، وهو السبب الذي أوقع اكثر المتأخرين في الابتداع في دين الله " انظر الاعتصام لشاطبي (2/182) والنقل عن " ظاهرة الغلو" للدرع ص(175)

بقي أن نقول :

    إن التقليد والغلو في تعظيم الشيخ هو صبغة قوم ضلوا وأضلوا عن سواء السبيل :

في قوله تعالى " وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم " سورة " البقرة " الآية (91)

    يقول شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى : " فوصف اليهود : أنهم يعرفون الحق قبل ظهور الناطق به والداعي إليه ، فلما جاءهم الناطق به من غير طائفة يهوونا ، لم ينقادوا له ،  وأنهم لا يقبلون الحق إلا من الطائفة التي هم منتسبون إليها ، مع أنهم لا يتبعون ما لزمهم في اعتقادهم، وهذا يبتلى به كثير من المنتسبين إلى طائفة معينة في العلم ، أو الدين من المتفقهة ، أو المتصوفة، أو غيرهم" "اقتضاء الصراط المستقيم"(1/73-74)

    ويقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى : " وهكذا شأن جميع أرباب المقالات والمذاهب ، يرى أحدهم في كلام متبوعه ومن يقلده ما هو باطل ، وهو يتوقف عن ردّ ذلك لاعتقاده أن إمامه وشيخه اكمل منه علماً ، وأوفر عقلاً ، هذا مع علمه وعلم العقلاء أن متبوعه وشيخه ليس بمعصوم من  الخطأ " " الصواعق المرسلة " (3/836) والنقل عن " ظاهرة الغلو " للدرع ص(176)

    ويقول العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: " فإن الغضب والتعصب لواحد معين من الأئمة وصف مذموم من جنس فعل الرافضة " " الاتباع " ص(25) والنقل عن " ظاهرة الغلو " ص(176)

   مصداق ذلك : قال قائلهم– هو القشيري– في رسالته ص(181) : " وأن لا يخالف شيخه في كل ما يشير عليه

    وقال الغزالي في "إحيائه " (3/75) " ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعليم فيقلده ، وليدع رأيه ، فإن خطأ مرشده انفع له من صوابه في نفسه .

    وقال في (3/76) " فليتمسك به تمسك الأعمى على شاطئ النهر بالقائد ، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية ... وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ اكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب .

    وقال علي وفا في " الأنوار القدسية " (1/187) " المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسّله ؛ لا كلام ، ولا حركة ولا يقدر أن ينطق بين يديه من هيبته ، ولا يدخل ، ولا يخرج ، ولا يخالط أحداً ، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه .

    وقال ابن عربي - النكرة " الفتوحات المكية " (1/5) : " أحسن الظن ولا تنتقد بل اعتقد ، وللناس في هذا المعنى كلام كثير ، والتسليم أسلم ، والله بكلام أوليائه أعلم .

    ويقول أيضاً في " فتوحاته " (باب 181) : "ما حرمه الشيخ إلا حرمه الله     فقم بها أدبا لله مع الله

    ويقول محمد أمين الكردي في " تنوير القلوب " ص(528) "... ومنه أن لا يعترض عليه فيما فعله ، ولو كان ظاهره حراماً ، ولا يقول : لم فعل كذا ؟
    لأن من قال لشيخه: لم؟ لا يفلح أبدا ، فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن "

    وقال على المرصفي " وإذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه فلا يجوز لأحد تصديقه(1) إنه في حال
تهمة ؛ لارتداده عن طريق شيخه " " الطبقات الكبرى " (2/128)

    وصفوة القول:

أن التقليد والتعصب ينفيان تجريد المتابعة للنبي r ويمنعان من قبول الهدى والحق

    وأكرر في الختام :                            

" لقد كان التعصب للمشايخ والأشخاص ، والإعراض عن الحجة والدليل ، سببا لضلال كثير من الأقوام ، وخرجوا بسبب ذلك عما كان عليه سلف الأمة وخيرتها : من الصحابة والتابعين ،

    وقد ذكر الشاطبي – رحمه الله تعالى – عشرة أمثلة لذلك ، وبعد أن ذكر الأمثلة العشرة للمخالفين لهدي سلف الأمة بسبب التقليد التعصب ، قال : " فالحاصل مما تقدم أن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعاً ، ضلال ، وما توفيقي إلا بالله " انظر " الاعتصام " للشاطبي(/347-355)

وبهذه النتيجة والتذييل والتي واافقها بحثي وناصرها قولي : أختم.

    والله تعالى المسؤول أن يرزقنا وإياكم وإخواننا تعظيم الأمر والنهي ، وأن يمتعنا بسلوك سبيل السلف الصالح متبعين غير مبتدعين ما حيينا .. آمين ..

 

وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين


والحمد لله رب العالمين
كتبه
الفقير إلى عفو مولاه
أبو عبد الله
محمد بن عبد الحميد بن محمد حسونة
في 11/5/1424هـ - 11/5/2003 م



(4) قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى – في اعتبار هذا القيد ، وبيان أنه صمام الأمان ، وسبيل النجاة ، وهو كذلك الرائد إلى الوسطية والاعتدال ، إذ يقول : " فمتابعة الآثار : فيها الاعتدال والائتلاف والتوسط الذي هو أفضل الأمور " " القواعد النورانية " ص (47)

    وقال أيضاً :"وانظر في عموم كلام الله ورسوله لفظاً ومعنى، حتى تعطيه حقه، وأحسن ما تستدل به على معناه : أثار الصحابة الذين كانوا أعلم بمقاصده ، فإن ضبط ذلك يوجب توافق أصول الشريعة ، وحربها على الأصول الثابتة المذكورة في قوله تعالى " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " سورة الأعراف الآية (107) " القواعد النورانية الفقهية " لشيخ الإسلام . تحقيق: د. أحمد بن محمد الخليل- دار ابن الجوزي ص (223)

(1) ويشتد عجبي من أناس يدعون نصرة الدين، وعزا للمسلمين ، وهم مع هذا يخالفون الدين في أصل الاجتماع ، ونبذ الفرقة والاختلاف ، وبهذا الذي ذكرت أشار الخبر الصادق عن الصادق ، فإليكموه :
قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم " وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري " "الفتح " (6/98)

(2) انظر أخي – أرشدك الله تعالى- إلى هذا العالم التحرير، إذ يخبرك أن لزوم الجماعة ونبذ الفرقة أصل ، ولا تخفى عليك الأدلة المتكاثرة في إثباته ، ومع ذلك فقد اتفقت كلمة "القطبيين التكفيريين " على جواز تعدد الفرق الإسلامية إلى"إخوانية " و "تبليغية" و "تحريرية " إلخ .

    هذا مع فتوى كبار العلماء : الألباني وابن باز وابن عثيمين والفوزان وابن قعود وابن غديان والعباد واللحيدان والوادعي والربيع والجابري والنجمي والسحيمي وغيرهم من الأماجد الأفاضل كثير ، بل وحتى بكر وابن جبرين –رحم الله تعالى الجميع .

 والسؤال المطروح ما حكم هذا الاختلاف منهم ، وهم صغار على فتوى العلماء الكبار ؟ !! وما دليلهم -إن كان هناك دليل ، إذ لا دليل ؟ وما وراء هذا الاعتراض والتشغيب ؟ !!

هذا ما ستكشفه لكم الأيام ، والإيام حبلى . أما حقيقته : فهي عندنا -والله - نهار ، والحمد لله العزيز الغفار .

(3) وقال العلامة مقبل الوادعي- رحمه الله تعالى - قد أورد العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه "إعلام الموقعين " اعتراضاً وأجاب عليه ، وهو :
" أن كثير من الآيات في ذم التقليد وردت في ذم التقليد على الكفر .
 قال : ولكنه يؤخذ منها ذم التقليد من حيث هو ، أو بهذا المعنى "  " فضائح ونصائح " للعلامة الوادعي ص (222)

    وقال - رحمه الله تعالى - في "نشر الصحيفة" ص(15-16) : فان قال قائل : إن هذه الآيات في ذم التقليد على الكفر .

    فالجواب : أنه يؤخذ منها ذم التقليد في الدين وتحريمه ، فالتقليد الذي هو اتباع من ليس بحجة بدون حجة جعل حاجزا بين كثير من المسلمين الذي انتهى بكثير من المسلمين أن يقلدوا أعداء الإسلام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل ... اللهم إنا نبرأ إليك من التقليد الذي شتت شمل المسلمين وحال بين كثير منهم وبين كتاب ربهم وسنة نبيهم وسهل عليهم اتباع أعداء الإسلام ...

    فإن قلت : أيهما أضرّ على الدين : المذاهب أم الحزبية ؟

    فالجواب : الحزبية ؛ لأنها مستوردة من قبل أعداء الإسلام؛ لهدم الدين ، كما أوضحنا ذلك في كتبنا : "إجابة السائل عن أهم المسائل" و"الفواكه الجنية" و"المصارعة" و"القول الآمين في بيان فضائح المذبذبين" و"قمع المعاند" وكل هذه مطبوعة منشورة ، وكذا في "غارة الأشرطة على أهل الجهل والسفسطة" وكذا في "فضائح ونصائح"

    وفي قوله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون على الخير " سورة "آل عمران" الآية (104) قال أحدهم : المقلد لا يدري أيدعو إلى خير أم لا يدعو إلى خير " " فضائح ونصائح " للعلامة الوادعي  ص (216)

    ويقول الشيخ الدكتور صالح السحيمي – وفقه الله تعالى – في "تنبيه أولي الأبصار" ص (142) : " وبسبب هذا التقليد أو التعصب انتشرت البدع بين الناس ، وفشت في أوساطهم ، وحالت بينهم وبين سماع الحق والهدى ، وتركوا بسببها المنهج الرباني العظيم ، والهدى النبوي القويم "

(1) وفيما تقدم يشير الشيخ الحبيب المبارك صاحب "القطبية هي الفتنة فاعرفوها " ص(180) تحت فصل " تربية صوفية رافضية" : " للصوفية مبادئ في تربية الشيخ لمريده ، وتعليمات يتقيد بها المريد بين يدي شيخه ، منها :

قولهم كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي غاسله

وللرافضة مبدأ مشابه لهذا المبدأ ، وهو قولهم : إذا قال لك الإمام إن الشمس غائبة وهي في كبد السماء ، فقل : غائبة .
وقد سلك هؤلاء السياسيون مع اتباعهم هذين المبدأين ، حيث غرسوا في أذهان أتباعهم ومريديهم : بأن المشايخ معهم . قائلين لهم ألم تروا كيف أثنوا علينا ، وأطرونا ، ولقبونا بالعلماء والدعاة ؟ !
ولكن حينما أوقوفنا ومنعونا من الخطابة ، والتدريس ، والمحاضرات ، إنما كان ذلك بسبب الضغوط الواقعة عليهم من قبل الحكومة "
وهذا أشبه بما كان يقوله جهيمان " واتباعه ، حيث كانوا يطلقون على أنفسهم " أهل الحديث " وكانوا يقولون لمن تبعهم أو خالفهم إن الشيخ عبد العزيز بن باز معنا ومنا وفينا ، فمن شك في ذلك فما عليه إلا أن يذهب إلى الشيخ قائلا له :
يا شيخ ما تكون في أهل الحديث ؟ !! فانه سيثنى علينا خيرا .
قلت : سبحان الله ، ما أخبث هذه التربية الصوفية الرافضية .
أليس في هذا القول ، وتلك المقولة طعن في تدين وصدق وبرهة مشايخنا ؟ !!
بل إن فيها من إظهار الباطل ، ونصرته وتأييده ، وطمس الحق ومحاربته وكتمانه إليهم .
فسبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم إنا نبرأ إليك مما يقول هؤلاء ، ومما قالوا أولئك " أهـ

ليست هناك تعليقات: