بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 22 يونيو 2015

المدخل المعين إلى نصيحة شيخ الإسلام للمعلِّمين والمتعلِّمين

المدخل المعين إلى نصيحة شيخ الإسلام للمعلِّمين والمتعلِّمين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَنْ سار على نهجه إلى يوم الدِّين؛ أما بعد:
فإنَّ من أفضل الأعمال الصالحة عند الله عزَّ وجل، وأثقلها في ميزان العبد، وأعظمها في معرفة قدره ومنزلته في الدنيا والآخرة، وأحسن ما تبذل فيه الأوقات، هو طلب العلم وتعليمه، قال تعالى: ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ))، وقال سبحانه: ((يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ))، وقال: ((شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))، وقال عزَّ وجلَّ: ((وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ))، وقال تبارك وتعالى: ((وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالِمُونَ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))، وقال: ((مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ))، وقال: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ))، وقال: ((فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ، إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الخَيْرَ))، وقال: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وقال: ((مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا))، وقال: ((إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (تعلَّموا قبل أن يقبض العلم، فإنَّ قبض العلم قبض العلماء، وإنَّ العالم والمتعلِّم في الأجر سواء)، وقال وهب بن منبه رحمه الله تعالى: (مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة، لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنة أو ما بقي من عمره)، وقال أحد السلف: (ما من شيء إلا وقد علمتُ منه إلا أشياءَ صغاراً كنتُ أستحي أن يُرى مثلي يَسأل عن مثلها فبقى جهالتها فيَّ إلى الساعة)، وقال مجاهد رحمه الله تعالى: (لا يتعلمُ العلم مستحي ولا مستكبر)، وقال وكيع رحمه الله تعالى: (لا ينبل الرجل حتى يكتب عمَّن هو فوقه ومن هو مثله ومن هو دونه)، وقال الهلال بن العلاء رحمه الله: (طلب العلم شديد، وحفظه أشد من طلبه، والعمل به أشد من حفظه، والسلامة منه أشد من العمل به))، وقال عبدالله بن المبارك رحمه الله: (أول العلم النيَّة، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر)، وغيرها من الآيات والأحاديث والآثار في بيان فضل العلم والتعلم والتعليم، وهي كثيرة معلومة.

لكنَّ العلم نوعان، علم يُنتفع به وعلم لا ينتفع به، قال تعالى: ((وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((سَلوا اللهَ علماً نافعاً، وتعوَّذوا باللهِ من علمٍ لا ينفع)) رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه وابن حبان وغيرهم. وقد ضرب الله عزَّ وجل لنا مثلين في بيان مَنْ لم ينتفع بما يحمله من علم ومَنْ يعمل بخلاف علمه؛ فقال في الأول: ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا))، وقال في الثاني: ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث))، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص ببصره إلى السماء ثم قال: ((هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ العِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لاَ يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ)) فقال زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه: كيف يختلس العلم منا، وقد قرأنا القرآن؟! فوالله لنقرأنه ولنقرئنه نساءنا وأبناءنا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ، إِنْ كُنْتُ لأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ عِنْدَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ؟!))، ومعلوم أنَّ أوَّل مَنْ تسعَّر بهم النار ثلاثة أصناف من الناس، منهم: ((وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِى النَّارِ)).

والعلم النافع له ثماره وآثاره، قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: (قد كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشعه وهديه ولسانه وبصره وبره)، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في [مفتاح دار السعادة 1/169]: ((وللعلم ستُّ مراتب: أولها حسن السؤال، الثانية حسن الانصات والاستماع، الثالثة حسن الفهم، الرابعة الحفظ، الخامسة التعليم، السادسة وهي ثمرته: وهي العمل به ومراعاة حدوده)).
ومن ثمار العلم النافع:
- التعرف إلى الله عزَّ وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله وربوبيته وإلوهيته؛ قال تعالى: ((فاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)).
- خشية الله تبارك وتعالى وهي رأس العلم؛ قال تعالى: ((إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)).
 - الهداية إلى الصراط المستقم؛ قال تعالى: ((يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيَّاً)).
- معرفة الحق؛ قال تعالى: ((وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)).
- الخلاص من الشبهات؛ قال تعالى: ((فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)).
- النجاة من الفتن؛ قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)).
- الصبر عند الابتلاء؛ قال تعالى: ((وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)).

وتعلُّم هذا العلم النافع أو تعليمه قد يدخل فيه ما يفسده أو ينقصه؛ إما لخلل في التجرد والإخلاص أو لزلل في الفهم والإتباع، فتنشئ بسبب ذلك آثار سيئة وعواقب وخيمة، ويصبح هذا العلم وبالاً على أهله سواء كانوا معلِّمين أو متعلِّمين، ويحدث بينهم الاختلاف والفرقة، وتثار فيهم الفتنة والعداوة والبغضاء، وتتمزق الكلمة ويتصدَّع الصف، ويظهر التعصب والتحزب للأشخاص.
إنَّ الناظر في أحوال بعض طلبة العلم والدعاة المعاصرين وما يقومون به من تربية حزبية لأصحابهم وطلابهم من خلال عدم السماح للاعتراض عليهم إنْ غلطوا ولو كان الاعتراض بعلم وعدل وأدب، أو التسخط وعدم الرضى للرد عليهم أو انتقادهم في بعض كتاباتهم ومسالكهم المخالفة لمنهج السلف الصالح، أو عدم القبول لرفض بعض مواقفهم وأحكامهم المبنية على الأباطيل والظن وما تهوى الأنفس، أو قيام مبدأ الولاء والبراء من أجل شخوصهم وضد خصومهم، مَنْ يلاحظ ذلك يعلم يقيناً أنَّ هذا العلم لا ينفع صاحبه ولا ينتفع به طالبه.
وكم كان طلبة العلم الصادقين ولا زالوا يعانون من أمثال هؤلاء المعلِّمين والمتعلِّمين وآثارهم السيئة في الساحة الدعوية؟ بل يعلمون أنَّ أمثال هؤلاء لا يفرح بكثرتهم ولا بتكاثرهم حول مَنْ يعظِّمونهم لأنهم غثاء كغثاء السيل وجهودهم تذهب هباء لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يكون ضررهم أشد من ضرر المخالفين، لأنَّ هؤلاء يظهرون الدعوة السلفية بوجه قبيح مما يؤدي إلى نفرة الناس من أهل العلم والحق والصدق الذين يسعون إلى تربية الناس على تعظيم الدليل والانقياد إليه وعدم التعصب لأحد ولا التحزب على أحد.
لهذا كان السعي لإصلاح الخلل من داخل الصف الواحد والمنهج الواحد من أهم واجبات هذا الوقت، من أجل الحفاظ على صفاء هذه الدعوة ونقاء هذا المنهج على ما كان عليه في زمن السلف الصالح، وهذا لا يكون إلا من خلال توجيه نصيحة إلى هؤلاء المعلِّمين والمتعلِّمين أن يتقوا الله في أنفسهم ودعوتهم وإخوانهم، وأن يحرصوا غاية الحرص على لزوم الجماعة ونبذ الفرقة، وأن يكون تعليمهم لهذا العلم أو تعلمهم لوجه الله عزَّ وجلَّ لا يبتغون به رئاسة ولا صدارة ولا علواً ولا سمعة ولا رياء، ولا يريدون به شكراً ولا جزاء، ولا يطلبونه لمجارة العلماء أو مماراة السفهاء أو لصرف الناس إليهم، ولا يشترون به ثمناً قليلاً ولا متاعاً حقيراً، وإنما يطلبون العلم لإعلاء كلمة الله ونصرة دين الله ودعوة الناس إلى الحق الذي أنزل الله ودعا إليه الرسل، يطلبون العلم لإظهار التوحيد والسنة وقمع الشرك والبدعة، يطلبون العلم ليجاهدوا بألسنتهم وأقلامهم الذين يقولون ما لا يعلمون ويعملون ما لا يؤمرون، يطلبون العلم لينفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فهذه هي غايتهم في طلب العلم وتعليمه.
والنصائح والتوجيهات والرسائل في إصلاح هذا الخلل الواقع قديماً وحديثاً في صفوف المتعلمين كثيرة، لكن من أروع ما وقعت عليه عيني منذ زمن بعيد: جواب للشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموعه، ويعدُّ هذا الجواب من أحسن النصائح لهذه الفئة من الناس، الذي بصلاحها ينصلح الناس وبفسادها يفسدون، لأنهم الدعاة والمصلحون والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وهم أمل هذه الأمة - بعد الله عزَّ وجل -  في عودة عزها ومجدها وقوتها وتمكينها في الارض.
لهذا أحببتُ في هذه الرسالة الموجزة أن أنشر هذه النصيحة القيمة من هذا الإمام الرباني بطولها لما فيها من فوائد مهمة وتوجيهات جمَّة؛ لعلَّ طلبة العلم وطلابهم يتأملون فيها ويعملون بها، فيتغير هذا الواقع المؤلم الحاصل بينهم، فتتبدل الفرقة بالوحدة والاجتماع، والعداوة بالموالاة والألفة، والبغضاء بالمحبة والإخاء، والتحزب والتقاطع بالتعاون على الخير والتواصل في نصرة الحق، والتحاسد والبغي والظلم بالتنافس على الهدى والمسارعة في المعروف ونصرة المظلوم وردع الظالم، إلى غيرها من المعاني.
وهي نصيحة واضحة المعاني ظاهرة الفوائد لا تحتاج إلا إلى التنبيه والتذكير بها فحسب، والله تعالى يقول: ((وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ))، ويقول في موضع آخر: ((فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى)). 

نصيحة شيخ الإسلام رحمه الله إلى المعلِّمين والمتعلِّمين

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى سؤالاً مطولاً يشتمل على عدة مسائل كما في [المجموع 28/7-25]، وكان من ضمنها قول السائل:
((وَهَلْ يَحِلُّ لِلْأُسْتَاذِ الثَّانِي أَنْ يَقْبَلَ هَذَا الْمُنْتَقِلَ [الذي انتقل من المعلِّم الأول إلى الثاني] وَيُعَزِّرَهُ عَلَى جَحْدِهِ لِمُعَلِّمِهِ؟
وَإِذَا قَالَ الْمُنْتَقِلُ: أَنَا أَنْتَمِي إلَى فُلَانٍ تَعْلِيمًا وَتَخْرِيجًا، وَإِلَى فُلَانٍ إفَادَةً وَتَفْهِيمًا؛ هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
وَهَلْ لِلْمُبْتَدِئِ أَنْ يَقُومَ فِي وَسَطِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأُسْتَاذَيْنِ والمتعلِّمين وَيَقُولَ: يَا جَمَاعَةَ الْخَيْرِ؛ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَسْأَلُكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا فُلَانًا أَنْ يَقْبَلَنِي أَنْ أَكُونَ لَهُ أَخًا أَوْ رَفِيقًا أَوْ غُلَامًا أَوْ تِلْمِيذًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ فَيَقُومَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ فَيَأْخُذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ، وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَا يُرِيدُهُ، وَيَشُدَّ وَسَطَهُ بِمَنْدِيلِ أَوْ غَيْرِهِ: فَهَلْ يَسُوغُ هَذَا الْفِعْلُ أَمْ لَا؟ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَامَاةِ وَالْعَصَبِيَّةِ لِأُسْتَاذٍ؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ لِكُلِّ مِنْ الْأُسْتَاذَيْنِ إخْوَانٌ وَرُفَقَاءُ وَأَحْزَابٌ وَتَلَامِذَةٌ؛ يَقُومُونَ مَعَهُ إذَا قَامَ بِحَقِّ أَوْ بَاطِلٍ، وَيُعَادُونَ مَنْ عَادَاهُ وَيُوَالُونَ مَنْ وَالَاهُ)).
فأجاب رحمه الله تعالى جواباً مفصلاً مبسوطاً يُعدُّ من أفضل ما كتب في نصح المشايخ وطلبة العلم الذين يعلِّمون الناس دينهم، قال فيه:
((وَعَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يُحْسِنَ نِيَّتَهُ فِي ذَلِكَ وَيَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعَلَى الْمُعَلِّمِ أَنْ يَنْصَحَ لِلْمُتَعَلِّمِ وَيَجْتَهِدَ فِي تَعْلِيمِهِ.
وَعَلَى الْمُتَعَلِّمِ أَنْ يَعْرِفَ حُرْمَةَ أُسْتَاذِهِ وَيَشْكُرَ إحْسَانَهُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ، وَلَا يَجْحَدَ حَقَّهُ وَلَا يُنْكِرَ مَعْرُوفَهُ.
وَعَلَى الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يُسْلِمُهُ وَلَا يَظْلِمُهُ"، وَقَوْلِهِ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ"، وَقَوْلِهِ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ"، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا" وَهَذَا كُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ، وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ؛ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ"، وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا؛ إلَّا رَجُلًا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ؛ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا"، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ؛ يَلْتَقِيَانِ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ".
وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُعَلِّمِينَ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يُؤْذِيَهُ بِقَوْلِ وَلَا فِعْلٍ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا".
وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَاقِبَ أَحَدًا عَلَى غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا تَعَدِّي حَدٍّ وَلَا تَضْيِيعِ حَقٍّ، بَلْ لِأَجْلِ هَوَاهُ؛ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِيمَا رَوَى عَنْهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا".
وَإِذَا جَنَى شَخْصٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَاقَبَ بِغَيْرِ الْعُقُوبَةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُتَعَلِّمِينَ وَالْأُسْتَاذَيْنِ أَنْ يُعَاقِبَهُ بِمَا يَشَاء،ُ وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَاوِنَهُ وَلَا يُوَافِقَهُ عَلَى ذَلِكَ: مِثْلُ أَنْ يَأْمُرَ بِهَجْرِ شَخْصٍ فَيَهْجُرَهُ بِغَيْرِ ذَنْبٍ شَرْعِيٍّ، أَوْ يَقُولَ: أَقْعَدْته أَوْ أَهْدَرْته أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَفْعَلُهُ القساقسة وَالرُّهْبَانُ مَعَ النَّصَارَى، والحزابون مَعَ الْيَهُودِ، وَمِنْ جِنْسِ مَا يَفْعَلُهُ أَئِمَّةُ الضَّلَالَةِ وَالْغَوَايَةِ مَعَ أَتْبَاعِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الصِّدِّيقُ الَّذِي هُوَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ: "أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ فَإِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ"، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقِ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ"، وَقَالَ: "مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلَا تُطِيعُوهُ".
فَإِذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ أَوْ الْأُسْتَاذُ قَدْ أَمَرَ بِهَجْرِ شَخْصٍ أَوْ بِإِهْدَارِهِ وَإِسْقَاطِهِ وَإِبْعَادِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ نُظِرَ فِيهِ:
فَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ ذَنْبًا شَرْعِيًّا عُوقِبَ بِقَدْرِ ذَنْبِهِ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا شَرْعِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَاقَبَ بِشَيْءِ لِأَجْلِ غَرَضِ الْمُعَلِّمِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِينَ أَنْ يحزِّبوا النَّاسَ، وَيَفْعَلُوا مَا يُلْقِي بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ، بَلْ يَكُونُونَ مِثْلَ الْإِخْوَةِ الْمُتَعَاوِنِينَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى كَمَا قَالَ تَعَالَى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ".
وَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْهُمْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أَحَدٍ عَهْدًا بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى كُلِّ مَا يُرِيدُهُ، وَمُوَالَاةِ مَنْ يُوَالِيهِ، وَمُعَادَاةِ مَنْ يُعَادِيهِ، بَلْ مَنْ فَعَلَ هَذَا: كَانَ مَنْ جِنْسِ جنكيزخان وَأَمْثَالِهِ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَنْ وَافَقَهُمْ صَدِيقًا مُوَالِيًا وَمَنْ خَالَفَهُمْ عَدُوًّا بَاغِيًا.
بَلْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَتْبَاعِهِمْ عَهْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَفْعَلُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَرْعَوْا حُقُوقَ الْمُعَلِّمِينَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
فَإِنْ كَانَ أُسْتَاذُ أَحَدٍ مَظْلُومًا نَصَرَهُ، وَإِنْ كَانَ ظَالِمًا لَمْ يُعَاوِنْهُ عَلَى الظُّلْمِ؛ بَلْ يَمْنَعُهُ مِنْهُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟! قَالَ: "تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَذَلِكَ نَصْرُك إيَّاهُ".
وَإِذَا وَقَعَ بَيْنَ مُعَلِّمٍ وَمُعَلِّمٍ، أَوْ تِلْمِيذٍ وَتِلْمِيذٍ، أَوْ مُعَلِّمٍ وَتِلْمِيذٍ، خُصُومَةٌ وَمُشَاجَرَةٌ، لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِ أَنْ يُعِينَ أَحَدَهُمَا حَتَّى يَعْلَمَ الْحَقَّ، فَلَا يُعَاوِنُهُ بِجَهْلِ وَلَا بِهَوَى، بَلْ يَنْظُرُ فِي الْأَمْرِ:
فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ أَعَانَ الْمُحِقَّ مِنْهُمَا عَلَى الْمُبْطِلِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُحِقُّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ أَصْحَابِ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُبْطِلُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَوْ أَصْحَابِ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ: عِبَادَةَ اللَّهِ وَحْدَهُ وَطَاعَةَ رَسُولِه، وَاتِّبَاعَ الْحَقِّ وَالْقِيَامَ بِالْقِسْطِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا"، يُقَالُ: لَوَى يَلْوِي لِسَانَهُ: فَيُخْبِرُ بِالْكَذِبِ، وَالْإِعْرَاضُ: أَنْ يَكْتُمَ الْحَقَّ، فَإِنَّ السَّاكِتَ عَنْ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ.
وَمَنْ مَالَ مَعَ صَاحِبِهِ - سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ - فَقَدْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَخَرَجَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَنْ يَكُونُوا يَدًا وَاحِدَةً مَعَ الْمُحِقِّ عَلَى الْمُبْطِلِ، فَيَكُونَ الْمُعَظَّمُ عِنْدَهُمْ مَنْ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْمُقَدَّمُ عِنْدَهُمْ مَنْ قَدَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْمَحْبُوبُ عِنْدَهُمْ مَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَالْمُهَانُ عِنْدَهُمْ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، بِحَسَبِ مَا يُرْضِي اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا بِحَسَبِ الْأَهْوَاءِ، فَإِنَّهُ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا نَفْسَهُ، فَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي عَلَيْهِمْ اعْتِمَادُهُ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَفَرُّقِهِمْ وَتَشَيُّعِهِمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ"،  وَقَالَ تَعَالَى: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ".
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ قَدْ عَلَّمَهُ أُسْتَاذٌ عَرَفَ قَدْرَ إحْسَانِهِ إلَيْهِ وَشَكَرَهُ، وَلَا يَشُدُّ وَسَطَهُ لَا لِمُعَلِّمِهِ وَلَا لِغَيْرِ مُعَلِّمِهِ، فَإِنَّ شَدَّ الْوَسَطِ لِشَخْصِ مُعَيَّنٍ وَانْتِسَابَهُ إلَيْهِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ: مِنْ بِدَعِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْ جِنْسِ التَّحَالُفِ الَّذِي كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْعَلُونَهُ، وَمِنْ جِنْسِ تَفَرُّقِ قَيْسٍ وَيُمَنِّ.
فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهَذَا الشَّدِّ وَالِانْتِمَاءِ: التَّعَاوُنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى؛ فَهَذَا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِدُونِ هَذَا الشَّدِّ.
وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ: التَّعَاوُنَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ؛ فَهَذَا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
فَمَا قُصِدَ بِهَذَا مِنْ خَيْرٍ فَفِي أَمْرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ اسْتِغْنَاءٌ عَنْ أَمْرِ الْمُعَلِّمِينَ، وَمَا قُصِدَ بِهَذَا مِنْ شَرٍّ فَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
فَلَيْسَ لِمُعَلِّمِ أَنْ يُحَالِفَ تَلَامِذَتَهُ عَلَى هَذَا، وَلَا لِغَيْرِ الْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدًا مِنْ تَلَامِذَتِهِ لِيُنْسَبُوا إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْبِدْعِيِّ لَا ابْتِدَاءً وَلَا إفَادَةً، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْحَدَ حَقَّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ إفَادَةِ التَّعَلُّمِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلثَّانِي أَنْ يَقُولَ: شُدَّ لِي وَانْتَسِبْ لِي دُونَ مُعَلِّمِك الْأَوَّلِ.
بَلْ إنْ تَعَلَّمَ مِنْ اثْنَيْنِ: فَإِنَّهُ يُرَاعِي حَقَّ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا يَتَعَصَّبُ لَا لِلْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي، وَإِذَا كَانَ تَعْلِيمُ الْأَوَّلِ لَهُ أَكْثَرَ كَانَتْ رِعَايَتُهُ لِحَقِّهِ أَكْثَرَ.
وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَعَ أَحَدٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ بَلْ يَكُونُ كُلُّ شَخْصٍ مَعَ كُلِّ شَخْصٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَلَا يَكُونُونَ مَعَ أَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، بَلْ يَتَعَاوَنُونَ عَلَى الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَكُلِّ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَلَا يَتَعَاوَنُونَ لَا عَلَى ظُلْمٍ وَلَا عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ وَلَا اتِّبَاعِ الْهَوَى بِدُونِ هُدَى مِنْ اللَّهِ وَلَا تَفَرُّقٍ وَلَا اخْتِلَافٍ، وَلَا شَدِّ وَسَطٍ لِشَخْصِ لِيُتَابِعَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُحَالِفَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ.
وَحِينَئِذٍ فَلَا يَنْتَقِلُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ إلَى أَحَدٍ وَلَا يَنْتَمِي أَحَدٌ لَا لَقِيطًا وَلَا ثَقِيلًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ.
فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ إنَّمَا وَلَّدَهَا كَوْنُ الْأُسْتَاذِ يُرِيدُ أَنْ يُوَافِقَهُ تِلْمِيذُهُ عَلَى مَا يُرِيدُ؛ فَيُوَالِيَ مَنْ يُوَالِيهِ وَيُعَادِيَ مَنْ يُعَادِيهِ مُطْلَقًا، وَهَذَا حَرَامٌ، لَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ أَحَدًا، وَلَا يُجِيبَ عَلَيْهِ أَحَدًا، بَلْ تَجْمَعُهُمْ السُّنَّةُ وَتُفَرِّقُهُمْ الْبِدْعَةُ، يَجْمَعُهُمْ فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَتُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ أَهْلَ طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ أَهْلَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَلَا تَكُونُ الْعِبَادَةُ إلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا الطَّاعَةُ الْمُطْلَقَةُ إلَّا لَهُ سُبْحَانَهُ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا عَلَى عَادَتِهِمْ الْجَاهِلِيَّةِ - أَيْ مَنْ عَلَّمَهُ أُسْتَاذٌ كَانَ مُحَالِفًا لَهُ - كَانَ الْمُنْتَقِلُ عَنْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي ظَالِمًا بَاغِيًا، نَاقِضًا لِعَهْدِهِ غَيْرَ مَوْثُوقٍ بِعَقْدِهِ، وَهَذَا أَيْضًا حَرَامٌ وَإِثْمُ، هَذَا أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ مِثْلَ فِعْلِهِ، بَلْ مِثْلُ هَذَا إذَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِ أُسْتَاذِهِ وَحَالَفَهُ كَانَ قَدْ فَعَلَ حَرَامًا، فَيَكُونُ مِثْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ لَا بِعَهْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْفَى، وَلَا بِعَهْدِ الْأَوَّلِ؛ بَلْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَلَاعِبِ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا دِينَ لَهُ وَلَا وَفَاءَ.
وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُحَالِفُ الرَّجُلُ قَبِيلَةً، فَإِذَا وَجَدَ أَقْوَى مِنْهَا نَقَضَ عَهْدَ الْأُولَى وَحَالَفَ الثَّانِيَةَ؛ وَهُوَ شَبِيهٌ بِحَالِ هَؤُلَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: "وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ"، "وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، "وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَأْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَيَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، وَلَا يَدَعُوا بَيْنَهُمْ مَنْ يُظْهِرُ ظُلْمًا أَوْ فَاحِشَةً، وَلَا يَدَعُوا صَبِيًّا أَمْرَدَ يَتَبَرَّجُ أَوْ يُظْهِرُ مَا يَفْتِنُ بِهِ النَّاسَ، وَلَا أَنْ يُعَاشِرَ مَنْ يُتَّهَمُ بِعِشْرَتِهِ، وَلَا يُكْرَمَ لِغَرَضِ فَاسِدٍ.
وَمَنْ حَالَفَ شَخْصًا عَلَى أَنْ يُوَالِيَ مَنْ وَالَاهُ وَيُعَادِيَ مَنْ عَادَاهُ كَانَ مِنْ جِنْسِ التتر الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ، وَمِثْلُ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا مِنْ جُنْدِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ هَؤُلَاءِ مِنْ عَسْكَرِ الشَّيْطَانِ.
وَلَكِنْ يَحْسُنُ أَنْ يَقُولَ لِتِلْمِيذِهِ: عَلَيْك عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنْ تَوَالِيَ مَنْ وَالَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتُعَادِيَ مَنْ عَادَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَتُعَاوِنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلَا تُعَاوِنَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ مَعِي نَصَرْت الْحَقَّ، وَإِنْ كُنْتُ عَلَى الْبَاطِلِ لَمْ تَنْصُرْ الْبَاطِلَ، فَمَنْ الْتَزَمَ هَذَا كَانَ مِنْ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى؛ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
فَإِذَا كَانَ الْمُجَاهِدُ الَّذِي يُقَاتِلُ حَمِيَّةً لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ يُقَاتِلُ رِيَاءً لِلنَّاسِ لِيَمْدَحُوهُ أَوْ يُقَاتِلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّجَاعَةِ: لَا يَكُونُ قِتَالُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يُقَاتِلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا؛ فَكَيْفَ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلُ تَعَلُّمِهِ صِنَاعَةَ الْقِتَالِ مَبْنِيًّا عَلَى أَسَاسٍ فَاسِدٍ لِيُعَاوِنَ شَخْصًا مَخْلُوقًا عَلَى شَخْصٍ مَخْلُوقٍ؟! فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْجُهَلَاءِ، والتتر الْخَارِجِينَ عَنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ يَسْتَحِقُّونَ الْعُقُوبَةَ الْبَلِيغَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي تَزْجُرُهُمْ وَأَمْثَالَهُمْ عَنْ مِثْلِ هَذَا التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ؛ حَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَالطَّاعَةُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، يَكُونُونَ قَائِمِينَ بِالْقِسْطِ، يُوَالُونَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُحِبُّونَ لِلَّهِ وَيُبْغِضُونَ لِلَّهِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ... إلى أن قال:
وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَقْصُودُهُ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
وَجِمَاعُ الدِّينِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ تَعَالَى.
وَالثَّانِي: أَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَّعَ لَا نَعْبُدُهُ بِالْبِدَعِ.
 كَمَا قَالَ تَعَالَى: "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"، قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍ: "أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ"، قِيلَ لَهُ: مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: "إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ؛ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ"، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدِ فِيهِ شَيْئًا".
وَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَرْسَلَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ كُتُبَهُ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، فَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لَهُ كَانَ مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَتِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: "إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، وَمَنْ اسْتَسْلَمَ لِلَّهِ وَلِغَيْرِهِ كَانَ مُشْرِكًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: "إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ"... إلى أن قال:
فَالْحَلَالُ مَا حَلَّلَهُ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، فَلَيْسَ لِأَحَدِ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْمُلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَسَائِرِ الْخَلْقِ خُرُوجٌ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ أَنْ يَدِينُوا بِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رُسُلَهُ، وَيَدْخُلُوا بِهِ كُلُّهُمْ فِي دِينِ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ وَإِمَامِ الْمُتَّقِينَ خَيْرِ الْخَلْقِ وَأَكْرَمِهِمْ عَلَى اللَّهِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
وَكُلُّ مَنْ أَمَرَ بِأَمْرِ كَائِنًا مَنْ كَانَ عُرِضَ عَلَى كِتَابِ وَالسُّنَّةِ: فَإِنْ وَافَقَ ذَلِكَ قُبِلَ وَإِلَّا رُدَّ، كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ"، أَيْ: فَهُوَ مَرْدُودٌ.
فَإِذَا كَانَ الْمَشَايِخُ وَالْعُلَمَاءُ فِي أَحْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ - الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ وَالْهَدْيُ وَالضَّلَالُ وَالرَّشَادُ وَالْغَيُّ - عَلَيْهِمْ أَنْ يَرُدُّوا ذَلِكَ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ؛ فَيَقْبَلُوا مَا قَبِلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَرُدُّوا مَا رَدَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَكَيْفَ بِالْمُعَلِّمِينَ وَأَمْثَالِهِمْ؟! وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا"، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".
فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَهْدِيَنَا وَسَائِرَ إخْوَانِنَا إلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ؛ صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ)).
خاتمة:
فهذا آخر ما جاء في هذه النصيحة المفيدة، نسأل الله تعالى أن يعيننا على إدراكها والعمل بها والدعوة إليها، لعلَّ الله عزَّ وجلَّ يدفع عنا تحريش الشيطان وبطانة السوء وأهل الشر الذين يسعون بكل سبيل خبيث في إفساد ذات البين والتفريق بين المتحابين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِى جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِى التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ)) رواه مسلم وغيره، وقال صلى الله عليه ولم لأصحابه:  "أَفَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟" قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((الْمَشَّاؤُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ)) راوه أحمد والبزار والبخاري في الأدب المفرد، والله الموفِّق.
كتبـــه
أبو معاذ رائد آل طاهر

ما هو الموقفُ السلفي من تزكيةِ عالمٍ لشخصٍ ظهرت منه أشياءٌ بعد مخالفةٌ لما عليه السلفُ الصالح؟

ما هو الموقفُ السلفي من تزكيةِ عالمٍ لشخصٍ ظهرت منه أشياءٌ بعد مخالفةٌ لما عليه السلفُ الصالح؟


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فكثيرٌ ما يحتجُّ البعضُ بتزكية أحد أهل العلم لشخص على حسب ما يظهر له منه، ثم بعد فترة تظهر لهذا الشخص المزكَّى بعض المخالفات – سواء كانت ظاهرة أو خفية - في كتبه أو أشرطته، ويُنكِر عليه بعضُ المشايخ أو طلبة العلم، ويردون عليه بعلم وعدل وأدب، ومن خلال المصادر الموثَّقة والأدلة والبراهين البيِّنة؛ لئلا يغتر القارئ أو السامع له، ولئلا يستغل هذه المخالفات بعض المغرضين أو المبتدعين في نصرة باطلهم، فيسمع بهذا الرد بعضُ المتعصبين لذلك الشخص المزكَّى فلا يرد ويدافع عن متبوعه بعلم وعدل وأدب، وإنما يتعصَّب له، ولا يجد ما يدافع فيه عن شيخه إلا تلك التزكية!، ويظنُّ المسكين أنَّ هذا من الذبِّ عن أهل العلم، وأنَّ هذا هو سبيل السلف في نصرة أهل العلم.
لهذا أحببتُ أن أنقل لأمثال هؤلاء أقوال عالمين من علماء العصر في مسألة الاحتجاج بتزكيات العلماء لرد الأدلة والبراهين أو عدم قبول الجرح المفسَّر:

الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:
1- سُئل الشيخ ربيع حفظه الله السؤال الآتي: هل القاعدة التي تقول الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل المبهم مجمع عليها عند علماء الجرح والتعديل؟ وهل يمكن تطبيقها على الجماعات الإسلامية؟ حيث أنَّ بعض أهل العلم عدَّلوا هذه الجماعات، وبعضهم جرّحوها؛ فهل يقدّم المجرِّح على المعدِّل لإنَّ عنده زيادة علم؟
فكان جوابه حفظه الله: ((نعم هذا المنهج قائم ومستمر إلى يوم القيامة إن شاء الله؛ لأنه منهج إسلامي وصحيح تقوم عليه حياة المسلمين ويقوم عليها دينهم ويحمى به دينهم وتحمى به أعراضهم وتحمى به أموالهم، فهذا منهج عظيم لا يحط من شأنه إلا إنسان منحرف ساذج التصور والتفكير.
فنعم هذا المنهج ماشي الآن في الجماعات؛ فقد يزكي الرجل - وهو فاضل - بناء على الظاهر ولا يعرف حقيقة ما عليه القوم، فيأتي إنسان يدرس كتبهم ويدرس واقعهم فيجد أنَّ هذا الذي زكَّاهم قد وقع في خطأ من حيث لا يدري، فزكاهم بناء على هذا الظاهر، فهذا شيء حصل للأئمّة الكبار.
فكم من إنسان زكَّاه الإمام أحمد فقال تلاميذه الذين لا يصلون إلى شيء من فضله: عرفوا ما عند هؤلاء وما فيهم من قدح وما فيهم من جرح فأسقطوهم؛ وإن كان قد زكاهم أحمد رحمه الله؟
وزكَّى الشافعي أناساً وجرحهم آخرون؛ وقدّم جرح هؤلاء المفسر القائم على معرفة الحقيقة على أقوال الأئمة الذين زكوا بناء على ما ظهر لهم؟
لأنه قد يأتي إنسان يعني عنده طلب علم يتظاهر بالدين والنسك والأخلاق الطيبة ويلازمك أيام: فتبنيه على الظاهر.
أنا والله زكَّيتُ أناساً في هذا العام، والله لازموني، وما شاء الله تنسَّك، وكذا، وكذا، وكذا، ثم ظهر لي جرحهم، أنا إذا صلَّى معي وزكى وكذا وذكر الله وسافر معي وإلى آخره؛ أشهد بناء على ما رأيتُ، لا أزكي على الله أحداً، لكن يأتي إنسان آخر عرفه أكثر مني، كشف عنه أخطاء، وكشف عنده أشياء تقدح في عدالته، فيجرح، فيجرحه بعلم ويبرهن على جرحه بالأدلة ويفسِّر جرحه، فيُقدَّم جرحه على تعديلي، وأنا أستسلم صراحة، قَدَّم الأدلة على جرح هذا الإنسان أقول: خلاص الحق معك.
فجماعة جاؤوا عند عالم من العلماء، وقالوا: نحن ندعو إلى السنة، وندعوا إلى التوحيد، ونحارب الشرك، ونحارب القبورية، وكذا، وكذا، رأى فيهم الصلاح، كتب إلى مَنْ يعاونهم؛ فإنهم يدعون إلى السنة، ثم راح ناس معهم، خالطوهم وعاشروهم من طلابهم، فوجدوا أنَّ الحقيقة تختلف تماماً، وأنَّ هؤلاء أهل بدع، وأنه صوفيَّة، وأنهم خرافيون، فقَدَّم الأدلة على ما يقول، فيصدق، فيُقدَّم على تعديله، أو تعديل هذا العالم، هذه قاعدة مطردة مستمرة إن شاء الله للأفراد والجماعات إلى قيام الساعة؛ ما دام هذا الدين، نعم)).
2- وسُئل حفظه الله السؤال الآتي كما في [شريط "أسباب الإنحراف وتوجيهات منهجية"]: بعض الدعاة لا تُعرف لهم سلفية وقد حُذِّر منهم، وما زال هناك مَنْ يجالس أولئك بحجة أنه لم يجرح بجرح مفصَّل، وقد زُكُّوا من قبل الشيخ العباد وغيره، فانقسم الأخوة بين مجرح ومعدل بسبب أولئك الدعاة؛  فما قولكم لهم؟
فكان جوابه: ((يجب على الشخص الذي يختلف حوله الناس ولا يزكِّي نفسه بإبراز المنهج السلفي وإنما يعتمد على تزكية فلان وفلان!، وفلان وفلان ليسوا بمعصومين في تزكياتهم، فقد يزكُّون بناء على ظاهر حال الشخص الذي قد يتملَّقهم ويتظاهر لهم بأنه على سلفية وعلى منهج صحيح، وهو يبطن خلاف ما يظهر، ولو كان يبطن مثلما يظهر لظهر على فلتات لسانه وفي جلساته وفي دروسه ومجالسه، فإنَّ الإناء ينضح بما فيه، "وكل إناء بما فيه ينضح"، فإذا كان سلفياً فلو درَّس أي مادة ولو جغرافيا أو حساب لرأيت المنهج السلفي ينضح في دروسه وفي جلساته وغيرها.
فأنا أنصح هذا الإنسان الذي لا يُظهر سلفيته ويكتفي بالتزكيات أن يزكِّي نفسه بالصدع بهذا المنهج في دروسه، في أي مكان من الأمكنة، فإنَّ الأمة بأمس الحاجة إلى الدعوة الى هذا المنهج السلفي.
فإذا كان هذا الشخص من هذا النوع الذي قلته بأنه يعتمد على التزكيات، ولا يزكي نفسه؛ فإنَّ هذا يضر نفسه بكتمان العلم وكتمان العقيدة وكتمان هذا المنهج، وأخشى أن تصدق عليه هذه الآيات [يقصد الشيخ قوله تعالى: "إنَّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون"]، التي تلوناها عليكم، في كتمان العلم وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أعظم المنكرات وأقبحها وشرها عند الله البدع التي تتفشي في أوساط الأمة.
ثم كثير من الناس يعتمد على التزكيات ولا يواجه هذا الواقع المظلم بما عنده بما يزعمه أنه على المنهج السلفي.
وأنا مرة قلتُ للشيخ ابن باز رحمه الله كان تصدر منه بعض الكلمات تشبه تزكية لجماعة التبليغ - وإن كان إلى جانبها شيء من لفتات الأذكياء إلى ما عندهم من ضلال وجهل - فيستغل هؤلاء الكلمات التي فيها شيء من الثناء عليهم، ويخفي أو يخفون ما فيها من طعن خفي في عقيدتهم ومنهجهم، فيبرزون الثناء ويخفون الجرح، فجلستُ مع الشيخ رحمه الله جلسة فقلتُ له: يا شيخنا أنت الآن يمنزلة أحمد بن حنبل وابن تيمية رحم الله الجميع، لك منزلة عند الناس، إذا قلتَ كلمة تلقـفـوها على أنها حق، والآن أنت يصدر منك كلمات يعتبروها تزكيات لجماعة التبليغ، وإنْ كنت تتحفظ خلال كلامك، ولكنهم عندهم دهاء ومكر يستغلون التزكية والثناء ويدفنون ما تشير إليه وتلمح إليه من جهل وضلال، ودار الكلام بيني وبينه، إلى أن قلتُ له: يا شيخ، قال: نعم، قلتُ له: هل جاءك أحد من أهل الحديث من الهند وباكستان أو من أنصار السنة في مصر والسودان - ذاك الوقت كانوا على غاية الثبات على المنهج السلفي، ثم هبت أعاصير الفتن والسياسة دبت في الصفوف ووقعت شيء من الخللة - يطلب منك تزكية على أنهم على حق وعلى سنة، قال: لا، قلتُ: لماذا؟ قال: لماذا أنت؟ قلتُ: لأنَّ هؤلاء تشهد لهم أعمالهم وتزكيهم بأنهم على الحق، وأما جماعة التبليغ وأمثالهم فإنَّ أعمالهم لا تزكيهم؛ بل تدينهم بأنهم على ضلال وبدع، فضحك الشيخ رحمه الله.
فبعض الناس لا تزكيه أعماله ولا مواقفه، ولا تشهد له بأنه سلفي، فيلجأ إلى هذه الوسائل الدنيئة من الاحتيال على بعض الناس والتملق لهم حتى يحصلوا على التزكية، ويكتفون بهذا، ويذهبون، ليتهم يكفون بأسهم وشرهم عن أهل الحق والسنة، فيذهبون ويتصيدون أهل السنة بهذه التزكيات، فتكون مصيدة يضيعون بها شباباً كثيراً، ويحرفونهم عن المنهج السلفي، وأنا أعرف من هذا النوع كثير، وكثير الذي يسلك هذا المسلك السيء، نسأل الله العافية، وأن يوفِّقهم لأن يزكوا أنفسهم بأعمالهم، وأن يجعل من أعمالهم شاهداً لهم بالخير والصلاح وبالمنهج السلفي)).
 3- وسُئل حفظه الله كما في [التعليق على كتاب الجواب الكافي الشريط الثاني]: سؤال آخر يكثر تداوله عندنا في البداية عند الشباب، بخصوص سفر وسلمان، هؤلاء الشباب ممن لا يزالون يتأثرون بالفكر القطبي، يقولون: نحن الآن لا بد أن نبقى على العهد الأول؛ وهو استمساكهم بتزكـــية الألباني والشيخ ابن باز في سفر وسلمان، فإذا أنت قلتَ لهم: إنَّ علماءنا حذَّروا من هؤلاء، وهؤلاء هم سبب الفتنة في كثير من المواضيع، يقول لك: يا أخي ما عندنا كلام واضح في هؤلاء، فنرجو شيخ أن تقدموا لهم نصيحة - وهم طلبوا مني توجيه هذا السؤال إليكم - حتى الإنسان لا يسمعها بخصوص الرجلين؟
قال الشيخ ربيع حفظه الله: ((يعني الضعف العلمي يؤدي إلى مثل هذه التفاهات، قال فلان!، قال فلان!، عندنا منهج يُميَّز به أهل الحق وأهل الباطل، فلو أنَّ أحمد بن حنبل جاء الآن وزكَّى فلاناً وفلاناً، ثم وجدنا أنَّ هذا الإنسان لا يستحق هذه التزكية من أقواله وأعماله وكتاباته وأشرطته، هل يجوز لنا أن نتعلق بما زكَّـاه به ذلك الإمام ابن باز أو الألباني أو أحمد ابن حنبل أو غيرهم؟!
الجـــرح مقــدَّم على التعديل، الجرح المفسَّر مقدَّم على التعديل المبهم، هذه القواعد لا بد من تطبيقها في ميدان الجرح والتعديل، فمثلاً زكى الألباني يوماً من الأيام فلاناً، ثم تبين له أنه لا يستحق التزكية فقال عنه: خارجي، وابن باز في يوم من الأيام زكَّى فلاناً وفلاناً، وتبين له خطأهم فقال عنهم: دعاة باطل، يأتي أهل الباطل ويشيعون تزكيته ويدفنون الجــرح!.
لو فرضنا أنَّ ابن باز والألباني استمروا على التزكية إلى أن ماتوا؛ ما عندهم إلا هذه التزكية، هل يلزم الناس أن يأخذوا بتزكيتهم ويغمضون عيونهم ويقفلوا عقولهم عن أخطاء فلان وفلان الذين زكَّاهم الألباني أو ابن باز؛ الأخطاء واضحة، والجرح واضح؟!
فهل يجوز لمسلم أن يتعلق بتزكية فلان وفلان، والجرح واضح في هذا المزكَّى؟ الجرح واضح.
هؤلاء متعلِّقــون برؤوس أهل البدع - ومنهم سيد قطب - يوالون ويعادون من أجله وأجل أمثاله، ويؤلِّـبون الغوغاء والهمج والرعاع على محاولة مَنْ ينتقدهم ويبين ضلالهم، هذا جرح قاتل، وألَّفوا المناهج والكتب في تمجيد هؤلاء، هذا جرح خطير جداً.
لو كان هناك أهل سنة واعين؛ والله لو زكَّاهم ابن باز والألباني ما نفعهم هذا ما دام هم جرَّحوا أنفسهم بمواقفهم وبأفكارهم وبالمناهج الملتوية التي سلكوها في محاربة أهل السنة، فوقفوا لهم بالمرصاد، يشوِّهونهم ويؤلفون مناهج، ويجرؤون الشباب على الطعن والتشويه لمن ينتقد أئمة الضلال.
سيد قطب أمـــة في الضلال، فيه ناس تكون أمة في الهدى، وناس تكون أمة في الضلال، فسيد قطب أمـــة في الضلال، جمع ضلالات من أطراف شتى؛ من المعنزلة والخوارج والروافض والصوفية الغلاة أهل وحدة الوجود والاشتراكية، والضلالات، والضلالات التي ملأ بها كتبه وضيَّع بها شباب الأمة، فالذي يحامي عن هذا، ويوالي ويعادي من أجله، ويضع المناهج لحماية هذه النوعيات التي جمعت أصناف الضلال، كيف تنفعهم تزكية فلان وفلان؟!
يعني أين المقاييس الإسلامية؟
أين الموازين الإسلامية؟
فعليكم بالعلم يا إخوة، وعليكم بعلم السلف ومنهجهم، ومنهجهم في الجرح والتعديل.
وقد وجدنا يحيى بن معين وهو يقال من أشد الناس في الجرح، وجدنا فيه تساهلاً،  ووجدنا العلماء يخالفونه ممن هم أعلى منه وممن هم دونه، فكم جرَّح وخالفوه؟ وكم عـدَّل وخالفوه؟ وأحمد ابن حنبل جرَّح وعدَّل وخالفوه في التعديل والتجريح؟ لماذا؟ لأنه عندهم منهج.
والمنهج ليس فلان، كل عالم فهو مكلَّف بإتباع هذا المنهج، فإذا أخطأ وخالف هذا المنهج، يجب أن تحاكم أقواله بهذا المنهج، هذا ما كان من إجابة على هذا السؤال.
ولهذا يجب أن يُتعلَّم العلم الصحيح، ويعلموا مناهج السلف في الجرح والتعديل، ومتى ينتفع الإنسان من التزكية؟ ومتى لا تنفعه التزكية؟ بارك اللـــه فيــكم))
4- وقال الشيخ ربيع حفظه الله كما في [الشريط الثاني من تعليقه على كتاب "حادي الأرواح"]: ((قال محمد بن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا إبراهيم بن المختار عن ابن جريج عن عطاء عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}، وهذا إسناد فيه ابن حميد فيه كلام، "محمد بن حميد الرازي"، وفيه كلام عند المحدثين، يزكيه الإمام أحمد، وينتقده غيره وضعَّفه ويبالغ في تضعيفه، وممن يضعفه ابن خزيمة رحمه الله، فقيل له: إنَّ أحمد يُعدِّله أو يزكيه، فقال: لو عرفه أحمد كما عرفناه ما زكاه!.
 وهذا منهج يسير عليه أهل السنة والجماعة وأهل الحديث، وهو أنَّ مَنْ علم حجة على مَنْ لم يعلم، وأنَّ الجرح مقدَّم على التعديل، وأنه لا غضاضة في هذا ولا نقص من أي إمام يزكِّي رجلاً ثم يأتي من هو مثله أو دونه فيثبت بالحجة والبرهان الطعن في هذا الرجل الذي زكَّاه ذلكم الإمام.
لا ضير في هذا، ولا حرج، ولا يقال تنقص، ولا يقال مخالف، ولا يقال شيء، لماذا؟ لأنهم يدورون مع الحجج والبراهين، لا يريدون إلا الحق، ولا يريدون إلا وجه الله عز وجل، فلا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يقول: والله زكَّاه أحمد فلماذا أنا أجرحه؟! والله هذا غلط، ما يقولون هذا الكلام، بل يصدعون بالحق، ويتلقاه أئمة السنة كلهم بصدورٍ رحبة، لا يرون في ذلك حرجاً أبداً، لكن الآن نحن في عصر الظلمات، والجهل الكثيف، الذي شنَّه أهل البدع والأهواء على منهج أهل السنة والجماعة.
فالإمام أحمد إمام أهل السنة، ما قال أحد: أنَّ مخالفة ابن وارة وابن خزيمة وغيرهم ممن جرَّحوا "محمد بن حميد"؛ ما قالوا إنهم ينتقصون الإمام أحمد أو يخالفوه!، لا كلهم سلَّموا.
فتجد أصحاب أحمد وأصحاب الشافعي إذا كان الرجل مدحه أحمد وجرَّحه غيره والحجة معهم، يقبلون جرح صاحب الحجة، وكذلك أتباع الشافعي، إذا زكى مثل "إبراهيم بن أبي يحيى"، وجرحه غيره، تلقوا هذا الجرح بالقبول، وما قالوا: والله إمامنا، والله نتعصب له، لأنه زكَّى فلاناً، ونحن بهذه العصبية العمياء نثبت أركان هذا الرجل المجروح، وندفع بحجة إمامنا الحجة والبرهان؟! حاشاهم أن يقولوا هذا.
وهكذا يكون تربوا على هذا المنهج المبارك الطيب، ويجب ترك التعصب لأي شخصٍ كائن من كان!؛ إلا محمداً صلى الله عليه وسلم، فهو الذي لا ينتقد ولا تقبل مخالفته من أحد، فإنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم يدور مع الحق أين ما دار، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كذلك يدور معهم الحق أين ما داروا، ومن عداهم "فكل يؤخذ من قوله ويرد")).
تنبيه:
قال الإمام ابن حبان في المجروحين: ((سَمِعت إِبْرَاهِيم بن عبد الْوَاحِد الْبَغْدَادِيّ يَقُول قَالَ صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل: كنت يَوْمًا عِنْد أبي إِذْ دق علينا الْبَاب فَخرجت فَإِذا أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن مُسلم بن وارة يستأذنان على الشَّيْخ، فَدخلت وأخبرت، فَأذِن لَهُم، فَدَخَلُوا وسلموا عَلَيْهِ، فَأَما بن وارة فباس يَده فَلم يُنكر عَلَيْهِ ذَلِك، وَأما أَبُو زرْعَة فصافحة، فتحدثوا سَاعَة فَقَالَ بن وراة: يَا أَبَا عبدالله إِنِّي رَأَيْتُك تذكر حَدِيث أبي الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد، فَقَالَ نعم، حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم بن أبي الزِّنَاد عَن إِسْحَاق بن حَازِم عَن بن مقسم يَعْنِي عبيد الله بن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ فَقَالَ: "هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحَلَال ميتَته".. وَقَالَ: فَقَالُوا مَاله؟ قُلْتُ: شَكَّ فِي شَيْءٍ ثُمَّ خرج وَالْكِتَابُ فِي يَدِهِ فَقَالَ فِي كِتَابِي "مَيْتُهُ" بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، وَالنَّاسُ يَقُولُونَ :مَيْتَتُهُ". ثمَّ تحدثُوا سَاعَة فَقَالَ بن وارة: يَا أَبَا عبدالله رَأَيْت مُحَمَّد بن حميد؟ قَالَ: نعم. قَالَ: كَيفَ رَأَيْت حَدِيثه؟ قَالَ: إِذا حدث عَن الْعِرَاقِيّين يَأْتِي بأَشْيَاء مُسْتَقِيمَة، وَإِذا حدث عَن أهل بَلَده مثل إِبْرَاهِيم بن الْمُخْتَار وَغَيره أَتَى بأَشْيَاء لَا تعرف لَا تَدْرِي مَا هِيَ، فَقَالَ أَبُو زرْعَة وَابْن وارة: صَحَّ عندنَا أَنه يكذب، قَالَ: فَرَأَيْت أبي بعد ذَلِك إِذا ذُكِر ابن حميد نفض يَده)).
5- وفي نصيحة للشيخ ربيع حفظه الله تعالى للسلفيين في مصر قال فيها: ((ومما أحب التنبيه عليه: هو أنَّ بعض الناس يدَّعون تزكيات صدرت مني لهم، وربما نشروها في الناس، وأنا لا أذكر شيئاً من ذلكم، وإنما يزكي المرء عمله، فعلى كل مسلم أن يزكي نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الإسلامية العالية، وفقكم الله وسدد خطاكم وألَّف بين قلوبكم)).
6- وقال الشيخ ربيع حفظه الله في رسالته [موقف أبي الحسن من أخبار الآحاد] وهو يتكلَّم عن أحكام علماء الجرح والتعديل: ((لأنَّ أحكامهم قامت على دراسة واعية وعلم بأحوال الرواة؛ فتكون أحكامهم صائبة وعادلة، لأنها لم تقم على الظنون والأوهام، وقد يحصل من بعضهم تزكية لبعض الأشخاص بناء على ما يظهر له من حاله، ويكون الناقد من إخوانه أعلم بحاله: فيؤكِّد هذه التزكية، أو يأتي بما ينقضها)).    
7- وقال حفظه الله في كتابه [الحد الفاصل بين الحق والباطل]: ((ومعظم الناس لا يعرفون قواعد الجرح والتعديل، وأنَّ الجرح المفصَّل مقدَّم على التعديل؛ لأنَّ المعدِّل يبني على الظاهر وعلى حسن الظن، والجارح يبني على العلم والواقع، كما هو معلوم عند أئمة الجرح والتعديل)).
8- وقال في شريطه [المنهج التمييعي وقواعـده]: ((فإذا جرح عالم بصير شخصاً يـجـب قَبول هذا الجرح، فإذا عارضه عالم عدل متقن، فحينئذ يُدرَس ما قاله الطرفان ويُنظر في هذا الجرح وهذا التعديل، فإنْ كان الجرح مفسَّراً مبيَّناً: قُدم على التعديل؛ ولو كثر عدد المعدلين؛ إذا جاء عالم بجرح مفسَّر وخالفه عشرون،..، خمسون عالماً، ما عندهم أدلة؛ ما عندهم إلا حسن الظن والأخذ بالظاهر، وعنده الأدلة على جرح هذا الرجل: فإنه يُقدَّم الجرح؛ لأنَّ الجارح معه حجة، والحجة هي المقدَّمة، وأحياناً تقدَّم الحجة ولو خالفها ملء أهل الأرض؛ ملء الأرض خالفه والحجة معه فالحق معه)).
9- وقال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى كما في [شريط "التحذير الحسن من فتنة أبي الحسن" الوجه الأول]: ((علماء الجرح والتعديل وعلماء الشريعة الإسلامية فصلوا في هذا الأمر؛ منهم الحافظ ابن كثير في مختصر مقدمه ابن الصلاح:
إذا جرح عالم معتبر يعلم أسباب الجرح والتعديل والخلاف في هذه الأمور ولم يعارضه أحد في هذا الجرح: فإنه يقبل؛ بارك الله فيكم.
أما إذا عارضه عالم معتبر مثله بتزكية: فحينئذ يطلب من المجرح أن يقدم الأدلة على ثبوت جرحه وأسبابه، فإذا قدم الأدلة فلو عارضه مائة عالم من كبار العلماء وأبرزهم: لا قيمة لمعارضتهم لأنهم يعارضون الحجة والبرهان، وهم يعارضون بغير حجة ولا برهان، والله يقول: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، فالبرهان يسكت الألوف من الذين خلت أيديهم من الحجج ولو كانوا علماء.
فهذه قواعد يجب أن تعرف، وعليكم بمراجعة كتب علوم الحديث؛ ولا سيما الموسعة منها مثل: تدريب الراوي، ومثل فتح المغيث للسخاوي شرح ألفية العراقي، فهذه أمور بديهية عند أهل العلم، فالمنازعة فيها والكلام فيها بالباطل لا يجوز؛ لأنه يفسد العلوم الإسلامية ويخرب القواعد و...إلى آخره بمثل هذه الأساليب، فلا يجوز للمسلم أن يطرح للناس إلا الحق ويبتعد عن التلبيس والتحيل)).
وقال فيه:
((أؤكِّد أنه لو زكَّى أبا الحسن أحدٌ من الناس: فإننا نتعامل مع هذه التزكيات بمنهج الله الحق، ليتبين للناس الصواب من الخطأ، والله لو زكَّاه مثل أحمد بن حنبل وليس معه حجة: فإنَّ تزكيته لا يجوز قبولها أبداً، لأنَّ الجروح موجودة التي نادى بها أسلافنا الكرام وتعاملوا بها في دينهم وفي سنة نبيهم وفي رواة حديثهم وفي شهاداتهم وفي غيرها من أبواب دين الله وستردها الأدلة والبراهين، فلا يفرح أبو الحسن ولا يفرح غيره، فإنا رأينا القطبيين وعدنان عرعور والمغراوي يلجئون إلى هذه الوسائل التي لا تغني في دين الله وعند الله وعند أهل السنة لا تغني شيئاً)).

الشيخ عبيد الجابري حفظه الله تعالى:
1- قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في شريط [الحد الفاصل بين أهل الحق وأهل الباطل]: ((فإذا حذَّر عالم من رجل وأقام عليه الدليل بأنه من أهل الأهواء أو من الجهَّال الذين لا يستحقون الصدارة في العلم والتعليم، وكان هذا العالم معروفاً بين الناس بالسنة والاستقامة عليها، وتقوى الله سبحانه وتعالى: فإنا نقبل كلامه، ونَحذر مَنْ حذرنا منه وإن خالفه مئات؛ ما دام أنه أقام الدليل وأقام البينة على ما قاله في ذلكم المحذَّر منه، فهذا وسعنا، بل هو فرضنا والواجب علينا، وإلا ضاعت السنة.
فإنَّ كثيراً من أهل الأهواء يخفى أمرهم على جمهرة أهل العلم، ولا يتمكنون من كشف عوارهم وهتك أستارهم لأسباب منها:
- البطانة السيئة التي تحول بين هذا العالم الجليل السني القوي، وبين وصول ما يُهتك به ستر ذلك اللعَّاب الماكر الغشَّاش الدسَّاس.
البطانة السيئة؛ فلا يمكن أن يصل إليه شيء، حتى أنها تحول بينه وبين إخوانه الذين يحبهم في الله، فلا يستطيع أن يقرأ كل شيء.
- ومنها: أن يكون ذلك العالم ليس عنده وقت، بل وقته كله في العلم والتعليم.
- ومنها: أن يكون بعيداً عن هذه الساحة؛ يكون هذا الشخص مثلاً: في مصر، أو الشام، أو المغرب، أو مثلاً اليمن، وهذا العالم الذي في السعودية لا يدري عما يجري في تلك الساحة!، ما بلَّغه ثقةٌ بما يجري في تلك الساحة والساحات؛ فهو جاهل بحاله.
- ومنها: أن يكون هذا العالم قد نمى إلى علمه وتعلق في فكره أنَّ ذلك الرجل ثقة عنده، فما استطاع أن يصل إلى ما كشـفه غيره من أهل العلم؛ للأسباب المتقدِّمة وغيرها، لكن نمى إلى علمه سابقاً أنه صاحب سنة وأنه يدعو إلى الله، وكان أمامه يُظهر السنة وحب أهل السنة والدعوة إلى السنة، ويذكر قَصصاً من حياته ومصارعته للأفكار الفاسدة والمناهج الكاسدة، ويأتي له بكتب سليمة، وما درى عن دسـائسه، فإذاً ماذا نصنع؟
نعمل على كلام ذلك العالم الذي أقام الدليل وأقام البينة التي توجب الحذر من ذلك الرجل من كتبه ومن أشرطته ومن شخصه.
وأما ذلك العالم الجليل فهو على مكانته عندنا؛ لا نجرحه، ولا نحط من قدره، ولا نقلِّل من شأنه بل نعتذر له؛ نقول ما علم، لو علِمَ ما عَلِمنا لكان عليه مثلنا أو أشد منا)).
2- وقال الشيخ عـبيد الجابري حفظه الله في [شريط "فقه التعامل مع أهل السنة وأهل الباطل"]: ((إذا خفي عليكم أمر إنسان اشتهرت كتبه وأشرطته وذاع صيته، فاسألوا عنه ذوي الخبرة به والعارفين بحاله، فإنَّ السنة لا تخفى ولا يخفى أهلها؛ فالرجل تزكيه أعماله التي هي على السنة وتشهد عليه بذلك، ويذكره الناس بها حياً وميتاً.
وما تستَّر أحدٌ بالسنة وغرَّر الناسَ به حتى التفوا حوله وارتبطوا به وأصبحوا يعوِّلون عليه ويقبلون كل ما يصدر عنه إلا فضحه الله سبحانه وتعالى وهتك ستره، وكشف للخاصة والعامة ما كان يخفي وما كان يُكِنُّ من الغش والتلبيس والمكر والمخادعة، يهيأ الله رجالاً فضلاء فـطناء حكماء أقوياء جهابذة ذوي علم وكِياسة وفقه في الدين، يكشف الله بهم ستر ذلكم اللعَّاب الملبِّس الغشَّاش.
فعليكم إذا بُيِّن لكم حال ذلك الإنسان الذي قد ذاع صيته وطبَّق الآفاق وأصبح مرموقاً يشار إليه بالبنان: أصبح عليكم واجباً الحذر منه؛ ما دام أنه حذَّر منه أهل العلم والإيمان، والذين هم على السنة، فإنهم سيكشفون لكم بالدليل.
ولا مانع من استكشاف حال ذلك الإنسان الذي حذَّر منه عالم أو علماء بأدب وحسن أسلوب، فإنَّ ذلك العالم سيقول لك: رأيتُ فيه كذا وكذا، وفي الكتاب الفلاني كذا، وفي الشريط الفلاني كذا، وإذا هي أدلة واضحة تكشف لك ما كان يخفيه، وأنَّ ذلكم الذي طـبَّق صيته الآفاق وأصبح حديثه مستساغاً يخفي من البدع والمكر ما لا يُظهره من السنة)).
وفي الخاتمة أقول:
إذا كانت أقوال العلماء هذه في نقض مَنْ يحتج بتزكية العلماء في مقابل الجرح المفسَّر؛ فكيف إذا كان بعض الناس يرفع هذه التزكيات في وجه مَنْ يخطِّئ شيخه الذي يتعصَّب له ويرد عليه في بعض المسائل من غير تجريح له ولا طعن ولا ذم؟!
نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا جميعاً إلى نصرة الحق وأهله، والرد على الباطل وكشف أهله.
كتبـــه
أبو معاذ رائد آل طاهر

فتاوى العلماء الثقات في سيد قطب وكتبه

فتاوى العلماء الثقات في سيد قطب وكتبه

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد: فهذه أحكام أهل العلم الأكابر في سيد قطب وعقيدته ومؤلفاته:

1- العلامة الفقيه فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
سئل رحمه الله تعالى عن قول سيد قطب في كتابه "التصوير الفني في القرآن" ص200: (لنأخذ موسى إنه مثال للزعيم المندفع العصبي المزاج.....)؟ فقال سماحة الشيخ معلقاً على هذا الكلام: ((الاستهزاء بالأنبياء ردَّة مستقلة!!)) في [درس لسماحته في منزله بالرياض سنة 1413ﻫ، وانظر شريط أقوال العلماء في مؤلفات سيد قطب: تسجيلات منهاج السنة السمعية بالرياض].
وسئل عن قول سيد قطب في كتابه "كتب وشخصيات" ص242:(إنَّ معاوية وزميله عَمْراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب. ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع. وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك عليٌ أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح)؟ فقال الشيخ رحمه الله معلقاً على هذا الكلام:((كلامٌ قبيح, هذا كلامٌ قبيح, سب لمعاوية, وسب لعمرو بن العاص، كل هذا كلام قبيح، وكلام منكر)). وقال السائل: ألا ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام؟ فقال الشيخ رحمه الله تعالى:(( ينبغي أن تمزق!!))، ثم قال الشيخ: ((هذا في جريدة؟)) قال السائل: في كتاب أحسن الله إليك. فقال الشيخ:(( لمن؟ )) فقال السائل: لسيد قطب!! فقال الشيخ:((هذا كلام قبيح!!)). (المرجع السابق).
وسئل عن تفسير سيد قطب للاستواء بقوله (الظلال 6/ 3408 الطبعة 12):(أما الاستواء على العرش فنملك أن نقول: إنَّه كناية عن الهيمنة على هذا الخلق)، فقال الشيخ رحمه الله تعالى:((هذا كله كلام فاسد؛ هذا معناه الهيمنة!!، ما أثبت الاستواء المعروف؛ وهو العلو على العرش، وهذا باطل يدل على أنَّه مسكين ضايع في التفسير!!!)) قال له أحد الحاضرين في المجلس: البعض يوصي بقراءة هذا الكتاب دائماً؟ فقال الشيخ:(الذي يقوله غلط، لا غلط، الذي يقوله: غلط، سوف نكتب عليه إن شاء الله) (المرجع السابق).

2- مجدد العصر العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى:
يقول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ معلقاً على خاتمة كتاب الشيخ ربيع "العواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم": (( كل ما رددته على سيد قطب حق وصواب، ومنه يتبين لكل قارئ مسلم على شيء من الثقافة الإسلامية أن سيد قطب لم يكن على معرفة بالإسلام بأصوله وفروعه!!، فجزاك الله خير الجزاء أيّها الأخ الربيع على قيامك بواجب البيان والكشف عن جهله وانحرافه عن الإسلام)).
وفي شريط "من هو الكافر ومن هو المبتدع؟"
قال رحمه الله تعالى: ((إذن ما ينبغي أن نتصور إن سيد قطب وقع في وحدة الوجود - مثلاً كما نحن نعتقد أنه -  قاصدها وعقد القلب عليها مثل ابن عربي - هذا الذي أضل ملايين من المسلمين الصوفية إلى آخره -؛ ربما هذه سانحة فكرية صوفية وهو سجين خطرت في باله، ما أحاط بالمسألة علماُ، وكتب تلك العبارة التي كنت أنا أول من انتقدتها؛ فنحكم عليه بالكفر، لأننا ما ندري أنعقد الكفر في قلبه؟ ثم هل أقيمت الحجة عليه؟ وخاصة وهو في سجنه أنى له ذلك، ولهذا لا نربط بين كون المسلم وقع في الكفر وبين كونه كافر))اهـ. 
ولما كشف الألباني أنَّ سيد قطب يقول بوحدة الوجود، اتهمه عبدالله عزام بأنَّه بهذا يكفِّر سيداً، فرده الألباني في حواره معه، وقال: ((فالذي يأخذ إنَّ سيد قطب كفَّره الألباني مثل الذي يأخذ إنَّه – والله – الشيخ الألباني أثنى على سيد قطب في مكان معين!!، هؤلاء أهل الأهواء!!!، يا أخي هؤلاء لا سبيل لنا أن نقف في طريقهم إلا أن ندعو الله لهم فقط!!، "أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" )) [من شريط بعنوان "مفاهيم يجب أن تصحح" ].

3- العلامة الأصولي فضيلة الشيخ  محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
فقد سئل فضيلته في لقاءه بطلبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عن صاحب كتاب " في ظلال القرآن "، ومنهجه في التفسير فأجاب:((أنه كثر الحديث حول هذا الرجل وكتابه، وفي كتب التفاسير الأخرى "كتفسير ابن كثير" و" تفسير ابن سعدي" و"تفسير القرطبي" - على مافية من التساهل في الحديث -  الغنى والكفاية  ألف مرة عن هذا الكتاب، وقد ذكر بعض الكُتَّاب كالدويش والألباني الملاحظات على هذا الكتاب وهي مدونة وموجودة، ولم أطلع على هذا الكتاب بكامله وإنما قرأت تفسيره لسورة الإخلاص وقد قال قولاً عظيماً فيها مخالفاً لما عليه أهل السنة والجماعة حيث أن تفسيره لها يدل على أنه يقول بوحدة الوجود!!، وكذلك تفسيره للاستواء بأنه الهيمنة والسيطرة، علماً بأنَّ هذا الكتاب ليس كتاب تفسير؛ وقد ذكر ذلك صاحبه فقال " في ظلال القرآن " الخ)) [ مجلة الدعوة عدد1591 في 9/ 1/ 1418هـ].
وسئل الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: ما رأيكم فيمن يقول: (لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن)؟! [قاله سيد قطب في كتابه "معركة الأسلام والرأسمالية " ص 61]؟ فقال الشيخ رحمه الله تعالى مجيباً: ((نقول له: إنَّ المسيحية دين مبدل مغير من جهة أحبارهم ورهبانهم، والشيوعية دين باطل لا أصل له في الأديان السماوية، والدين الإسلامي دين من الله عز وجل منزل من عنده لم يبدل ولله الحمد، قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ومن قال: إن الإسلام مزيج من هذا وهذا: فهو إما جاهل بالإسلام!!، وإما مغرور بما عليه الأمم الكافرة من النصارى والشيوعيين!!) [كتاب العواصم للشيخ ربيع بن هادي حفظه الله ص22].
وسئل: هل كان سيد قطب ممن يقول بوحدة الوجود؟ فقال الشيخ: ((مطالعتي لكتب سيد قطب قليلة، ولا أعلم عن حال الرجل، لكن قد كتب العلماء فيما يتعلق بمؤلفه في التفسير "ظلال القرآن" كتبوا ملاحظات عليه؛ مثل ما كتبه الشيخ عبدالله الدويش رحمه الله، وكتب أخونا الشيخ ربيع المدخلي ملاحظات عليه؛ على سيد قطب في التفسير وفي غيره، فمن أحب فليراجعها)) [من شريط "اللقاء المفتوح الثاني بين الشيخين العثيمين والمدخلي" بجدة، ثم وقع عليها الشيخ العثيمين بتاريخ 24/ 2/ 1421].

4- العلامة فضيلة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري رحمه الله تعالى:
سئل العلامة الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري في يوم الأحد 12/ 11/  1414هـ عن مقالة سيد قطب:(لا بد للإسلام أن يحكم لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغ من المسيحية والشيوعية معا مزيجاً كاملا يتضمن أهدافهما ويزيد عليهما بالتناسق والاعتدال والتوازن)؟! فقال مجيباً: ((بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد: فإنَّ كلمة ذلك المدعي المذكور؛ كلمة تدعو إلى وحدة الأديان وإلى التقريب بينها!!، وقد رد أئمة العلماء على القائل بها في كتبهم المعتبرة...)).                                 
وسئل الشيخ حماد بن محمد الأنصاري في ليلة الأحد الموافق 3 من شهر محرم عام 1415 هـ عن هذه المقالة فأجاب:(إن كان قائل هذا الكلام حياً فيجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل مرتداً!!، وإن كان قد مات فيجب أن يبين أن هذا كلام باطل، ولا نكفره لأننا لم نقم عليه الحجة).

5- فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو لجنة الإفتاء وهيئة كبار العلماء في بلاد نجد والحجاز:
سؤال: يقول صاحب هذه القواعد - وهو عدنان عرور!! - : (ومع ذلك لا يلام الإمام أحمد في تكفير تارك الصلاة، لماذا؟، لأنَّ المسلمين صاروا 90% منهم على مذهب أحمد كفار!!، فلماذا يلام سيد قطب رحمه الله إذا صدر منه بعض العبارات العامة؛ ونقول هذا يكفر المجتمعات!!، ولا يلام الإمام أحمد وقد حكم على هذه الشعوب كلها بالكفر – أي لأنَّ أكثر الناس من التاركين للصلاة - ؟!!)
أجاب الشيخ صالح الفوزان: ((الإمام أحمد عالم وحبر يعرف الأدلة وطرق الاستدلال، وسيد قطب جاهل ما عنده علم ولا عنده معرفة ولا عنده أدلة على ما يقول!!، أما التسوية بين الإمام أحمد وسيد قطب فهذا ظلم)) [من شريط " أقوال العلماء في إبطال قواعد ومقالات عدنان عرعور" في 24/ 2/ 1421ﻫ].
وسئل عن قول سيد قطب في تفسير سورة التوبة: ((]وَفي الرِّقابِ[: وذلك حين كان الرق نظاماً عالمياً تجري المعاملة فيه على المثل في استرقاق الأسرى بين المسلمين وأعدائهم، ولم يكن للإسلام بدٌّ من المعاملة بالمثل، حتى يتعارف العالم على نظام آخر غير الاسترقاق)) الظلال (3/ 1669)، وفي البقرة (1/ 230)، وفي سورة محمد (6/ 3285)، وفي المؤمنون (4/ 2455)؟!.
فأجاب بقوله: ((هذا كلام باطل – والعياذ بالله – رغم أنَّه يردده كثير من الكتاب المفكرين ولا نقول العلماء، بل نقول المفكرين كما يسمونهم، ومع الأسف يقولون عنهم الدعاة أيضاً!!، وهو موجود في تفسير سيد قطب في "ظلال القرآن"  يقول هذا القول: إن الإسلام لا يقر الرق وإنما أبقاه خوفاً من صولة الناس واستنكار الناس لأنَّهم ألفوا الرق، فهو أبقاه من باب المجاملة يعني كأن الله يجامل الناس، وأشار إلى رفعه بالتدريج حتى ينتهي؛ هذا كلام باطل وإلحاد – والعياذ بالله – هذا إلحاد واتهام للإسلام!!!، ولولا العذر بالجهل؛ هؤلاء نعذرهم بالجهل لا نقول إنَّهم كفَّار لأنَّهم جهال أو مقلدون نقلوا هذا القول من غير تفكير؛ فنعذرهم بالجهل، وإلا الكلام هذا خطير، لو قاله إنسان متعمد: ارتد عن دين الإسلام؛ ولكن نقول: هؤلاء جُهَّال!!، لأنَّهم مجرد أدباء أو كُتَّاب ما تعلَّموا!!، ووجدوا هذه المقالة ففرحوا بها، يـردُّون بها على الكفَّار بزعمهم ...)) [من شريط بتاريخ: 4/ 8/ 1416، ثم راجعه الشيخ وصححه]. وسئل: هل يقال إنَّ سيد قطب إن كان مجتهداً فهو مأجور على ذلك؟!
فأجاب فضيلته: ((ليس هو من أهل الاجتهاد حتى يقال فيه ذلك، لكن يقال: إنَّه جاهل يعذر بجهله!!!)) [من تعليق الشيخ صالح بخطه على حاشية كتاب "براءة علماء الأمة من تزكية أهل البدعة والمذمة" ].

6- العلامة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان:
السائل: هل يوجد في مجلد "ظلال القرآن" لسيد قطب شك أو ريب بالنسبة للعقيدة؟ وهل تنصح باقتنائه أم لا؟
أجاب الشيخ: ((بل هو مليء بما يخالف العقيدة، فالرجل رحمه الله، نسأل الله أن يرحم جميع أموات المسلمين؛ ليس من أهل العلم!!، هو من أهل الدراسات المدنية وأهل الأدب ...)) [من شريط "درس بعد صلاة الفجر في المسجد النبوي" بتاريخ: 23/ 10/ 1418ﻫ ].

7- العلامة المحدث الشيخ عبدالله بن محمد الدويش:
كتب الشيخ عبد الله الدويش رحمه الله تعالى كتاباً بعنوان "المورد العذب الزلال في التنبيه على أخطاء الظلال" قال في مقدمته: ((فقد كثر السؤال عن كتاب "ظلال القرآن" لمؤلفه سيد قطب، ولم أكن قد قرأته فعزمت على قراءته فقرأته من أوله إلى آخره: فوجدت أخطاء في مواضع؛ خصوصاً ما يتعلق بعقيدة أهل السنة والجماعة وعلم السلوك، فأحببت التنبيه على ذلك لئلا يغتر به من لا يعرفه!!)).

وأخيراً:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في أهل بدعة الاتحادية: ((ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم، أو ذب عنهم أو أثنى عليهم، أو عظم كتبهم، أو عرف بمساعدتـهم، ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو؟ أو قال: إنه صنف هذا الكتاب، وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق!!، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات، لأنـهم أفسدوا العقول و الأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء وهم يسعون في الأرض فسادا، ويصدون عن سبيل الله...)) [مجموع الفتاوى 2/ 132].
وقد علَّق بكر أبو زيد عليه فقال: ((فرحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية وسقاه من سلسبيل الجنة آمين، فإنَّ هذا الكلام في غاية الدقة والأهمية؛ وهو وإن كان في خصوص مظاهرة (الاتحادية)؛ لكنه ينتظم جميع المبتدعة!!، فكل من ظاهر مبتدعاً، فعظَّمه أو عظَّم كتبه، ونشرها بين المسلمين، ونفخ به وبـها، وأشاع ما فيها من بدع وضلال، ولم يكشفه فيما لديه من زيغ واختلال في الاعتقاد، إنَّ من فعل ذلك: فهو مفرط في أمره، واجب قطع شره لئلا يتعدى على المسلمين!!؛ وقد ابتلينا بـهذا الزمان بأقوام على هذا المنوال يُعَظِّمون المبتدعة وينشرون مقالاتـهم، ولايحذرون من سقطاتـهم وما هم عليه من الضلال!!!، فاحذروا: أبا الجهل المبتدع هذا !!!، نعوذ بالله من الشقاء وأهله)[هجر المبتدع ص48-49].
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
كتبـــه
أبو معاذ رائد آل طاهر

مَن هو حسن البنا؟!

مَن هو حسن البنا؟!

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد: فها هم أهل الفتن والفرقة قد عادوا ليحدثوا فتنة أخرى وفرقة جديدة بعد أن فتنوا الشباب في الكلام حول ((سيد قطب)) وفرقوهم وأحدثوا بذلك من البلبلة والمشاكل ما يعلمه الكثير من الناس، فها هم يُظهرون لنا بطلاً من أبطالهم ورمزاً من رموزهم ألا وهو ((حسن البنا))!!، كل هذا ليقنعوا الناس بالإنتماء إلى حزبهم ((حزب الأخوان المسلمين))!!، هذا الحزب الذي أشهر إفلاسه الدعوي في البلاد العربية الأخرى فأرادوا أن يجربوه في بلدنا العراق بعد سقوط الحكومة السابقة لعلَّه ينجح!!؛ وأنَّى له النجاح وهو يسير على درب الضلالة وطريق الشيطان مخالفاً بذلك الصراط المستقيم ومعادياً منهج السلف الصالح القويم. 
1- مَن هو حسن البنا؟ هو حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البنا؛ مؤسس حزب الأخوان المسلمين والمرشد العام له، كان كاتباً وأديباً ولم يكن عالماً في الشرع فضلاً أن يكون إماماً في الدين أو مجدداً له!!.
2- كيف نشأ وتربى؟ نشأ في أحضان الصوفية القبورية؛ قال أبو الحسن الندوي في كتابه [التفسير السياسي للإسلام ص138ـ139]: ((والشيخ حسن البنا نصيب التربية في تكوينه وفي تكوين حركته الكبرى: أنه كان في بداية أمره كما صرح هو بنفسه في الطريقة الحصافية الشاذلية، وكان قد مارس أشغالها وأذكارها وداوم عليها مدة، وقد حدثني كبار رجاله وخواص أصحابه: أنه بقي متمسكاً بـهذه الأشغال والأوراد إلى آخر عهده ))، قال حسن البنا: ((ونظام الدعوة في هذا الطور صوفيُّ بحت من الناحية الروحية!!، وعسكري بحت من الناحية العملية)) [رسالة التعاليم ص12]، وقال في [مذكرات الدعوة والداعية ص33]: ((وكنا في كثير من أيام الجمع التي يتصادف أن نقضيها في دمنهور، نقترح رحلة لزيارة أحد الأولياء القريبين من دمنهور، فكنا أحياناً نزور دسوقي!!، فنمشي على أقدامنا بعد صلاة الصبح مباشرة، بحيث نصل حوالي الساعة الثامنة صباحاً ،فنقطع المسافة في ثلاثة ساعات، وهي نحو عشرين كيلو متراً، ونزور ونصلى الجمعة ونستريح بعد الغداء ونصلي العصر)) وقال: ((وكنا أحياناً نزور عزبة النوام، حيث دفن في مقبرتها سيد سنجر!!؛ من خواص رجال الطريقة الحصافية، والمعروفين بصلاحهم وتقواهم، ونقضي هناك يوماً كاملاً، ثم نعود)) [المرجع السابق]. وقال جابر رزق في كتابه [حسن البنا بأقلام تلامذته ومعاصريه ص8] : ((وفي دمنهور توثقت صلته - يعني حسن البنا - بالإخوان الحصافية، وواظب على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة مع الإخوان الحصافية، ورغب في أخذ الطريقة، حتى انتقل من مرتبة "المحب" إلى مرتبة "التابع المبايَع"]. وقال أخوه عبدالرحمن البنا [المرجع السابق ص 71-72] وهو يصفه في موكب مولد الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: ((فسار في الموكب حسن البنا، ينشد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك حين يهلّ هلال ربيع الأول، كنا نسير في موكب مسائي في كل ليلة حتى ليلة الثاني عشر، ننشد القصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من قصائدنا المشهورة في هذه المناسبة المباركة:
صلى الإله على النور الذي ظهرا        للعالمين ففاق الشمس والقمرا
كان هذا البيت الكـريم تردده المجمــوعة، بينما ينشد أخـي وأنشد معـــه:
هذا الحبيب مع الأحباب قد حضـرا             وسامح الكلَّ فيما قد مضى وجرى!!
لقد أدار على العُشّاق خمـرتـــه            صرفاً يكاد سناها يُذهب البصــرا
يا سعدُ كرّر لنا ذكـــر الحبيب لقد            بلبلت أسماعنا يا مطرب الفقــــرا
وما لركب الحمى مالت معاطـــفه            لا شكّ أن حبيب القوم قد حضرا !! )).
وفي هذا الشعر: ادعاء أنَّ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد حضر موكبهم!!، وأنَّه سامح الكل مما حصل منهم من تجاوز أو عصيان فيما مضى وجرى!! وهذه هي عقيدة الصوفية تماماً؛ وفيها من الكذب والشرك الأكبر ما هو معلوم.
وقال أخوه في [نفس المرجع والصفحة]: ((وعقب صلاة العشاء يجلس أخي البنا إلى الذاكرين من جماعة الأخوان الحصافية وقد أشرق قلبه بنور الله فأجلس إلى جواره نذكر الله مع الذاكرين، وقد خلا المسجد إلا من أهل الذكر، وخبأ الصوت إلا ذبالة من السرج، وسكن الليل إلا همسات من الدعاء أو ومضات من ضياء، وشمل المكان نور سماوي ولفه جلال رباني وذابت الأجسام وهامت الأرواح وتلاشى كل شيء في الوجود وانمحى، وانساب بصوت المنشد في حلاوة وتطريب:
الله قل، وذر الوجود وما حوى؛         إن كنت مرتاداً بلوغ كمال
      فالكل دون الله إن حققتـــه        عدم على التفصيل والإجمال!!)).
وفي هذا الشعر: التصريح بعقيدة وحدة الوجود؛ وأنَّ كل ما في الوجود هو الله وما سواه فهو على الحقيقة عدم؛ وهذه هي عقيدة غلاة المتصوفة بل ملاحدتهم وزنادقتهم؛ أمثال ابن عربي وأعوانه الذين حكم أهل العلم بكفرهم وزندقتهم!!.
ونقل عباس السيسي وهو من كبار مؤرخي تأريخ الأخوان في كتابه [قافلة الإخوان ص150] خطبة لحسن البنا وكانت في أشهر أوكار الشرك في مصر: المكان المنسوب للسيدة زينب!!، ولم يتكلم فيها عن هذا الشرك الأكبر الذي يراه بعينيه وإنما كانت خطبة سياسية وطنية للتآخي وتصفية القلوب!!؛ وهكذا يفعل اليوم مريدوه وأتباع حزبه!!.
3- ما هي عبادته وسلوكه؟ كان يتعبد بما يتعبد به الصوفية من بدع لم ترد في الشرع ومن ضلالات ما أنزل الله بها من سلطان؛ يقول حسن البنا: ((وصحبت الإخوان الحصافية بدمنهور، وواظبت على الحضرة في مسجد التوبة في كل ليلة)) [مذكرات الدعوة والداعية ص 24]، وقال: ((وحضر السيد عبد الوهاب ـ المجيز في الطريقة الحصافية ـ وتلقيت الحصافية الشاذلية عنه، وأذن لي بأدوارها ووظائفها)) [المرجع السابق ص 24]، وقال: ((كانت أيام دمنهور … أيام استغراق في عاطفة التصوف … ، كانت فترة استغراق في التعبد والتصوف)) [المرجع السابق ص 28]، ويقول عن شيخ الطريقة الصوفية حسنين الحصاف: ((وكان أعظم ما أخذ بمجامع قلبي وملك علي لبي من سيرته رضي الله عنه شدته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) [المصدر نفسه ص10 ـ 11]، وقال محمود عبدالحليم وهو أيضاً من كبار مؤرخي تأريخ الأخوان: ((وكنا نذهب جميعاً كل ليلة إلى مسجد السيدة زينب فنؤدي صلاة العشاء!!، ثم نخرج من المسجد، ونصطف صفوفاً، يتقدمنا الأستاذ المرشد حسن البنا، ينشد نشيداً من أناشيد المولد النبوي، ونحن نردده من بعده بصوت جهوري جماعي يلفت النظر)) [الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ 1/ 109]، وقال سعيد حوّى - وهو من كبار منظري جماعة الإخوان – في ذكر ما عليه المؤسس حسن البنا من الأذكار الصوفية بقوله: (( ... نظموا من أجلها أنواعاً من حلقات الذكر!!، حتى أصبح لكل شيخ طريقته الخاصة به في الذكر الذي يجتمع عليه إخوانه!!، ودمج بعضهم مع الذكر الإنشاد!!، ... وقد جعل الأستاذ البنا: الاجتماع اليومي على الذكر جزءاً من أدب المسلم!!، وجمع لذلك ورد "الوظيفة الكبرى"، واختصره بـ "الوظيفة الصغرى" )) [تربيتنا الروحية في ص172].
4- ما هي دعوته وطريقته؟ يلخص لنا حسن البنا ذلك بقوله: ((وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك: أنَّ الإخوان المسلمين؛ دعوة سلفية!!.. وطريقة سُنية!!.. وحقيقة صوفية.. وهيئة سياسية.. وجماعة رياضية.. ورابطة علمية ثقافية.. وشركة اقتصادية.. وفكرة اجتماعية..)) [مجموعة رسائل حسن البنا ص248-250]، فدعوة الإخوان المسلمين قائمة على تجميع الناس في حزبهم بغض النظر عن طوائفهم وتوجهاتهم ومعتقداتهم ومناهجهم بل بغض النظر عن أديانهم!! وهذا واضح من تعريف المؤسس لجماعته وسيأتي بيان أكثر في ذلك، والسير بهذا التجمع في المسيرات والمظاهرات والإعتصامات ومراكز الإنتخابات، ثم مطالبة الحكومات باعطاهم مقعد في المجلس النيابي أو وزارة أو رئاسة أو هيئة؛ وبهذا يزعمون أنَّهم يستطيعون تحكيم شرع الله في الدولة ومن ثَمَّ تصحيح الإنحراف العقدي والإنحلال الخلقي عند الشعوب، وهذا خلاف دعوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الذي رفض الملك لما عرضت له قريش ذلك وبدأ بتصحيح عقائد الناس وأخلاقهم ثم انشاء دولة الإسلام ثم اعداد القوة المادية ثم اعلان الجهاد ضد الكفار.
5- موقفه من اليهود والنصارى: يقول حسن البنا: ((فأقرر: أن خصومتنا لليهود ليست دينية!!؛ لأنَّ القرآن حضَّ على مصافاتهم ومصادقتهم!!، والإسلام شريعة إنسانية قبل أن يكون شريعة قومية!!، وقد أثنى عليهم وجعل بيننا وبينهم اتفاقاً "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" ، وحينما أراد القرآن الكريم أن يتناول مسألة اليهود: تناولها من الوجهة الاقتصادية والقانونية!!؛ "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم، وبصدهم عن سبيل الله كثيراً، وأكلهم الربا وقد نهوا عنه، وأكلهم أموال الناس بالباطل"!!)) [الإخوان المسلمون  أحداث صنعت التاريخ1/ 409]، فانحراف اليهود – في وجهة نظر مؤسس الأخوان حسن البنا – انحراف اقتصادي وقانوني!!؛ ولهذا فخلافنا معهم ليس اختلافاً دينياً!!؛ والقرآن - كما يدعي حسن البنا - يحث على تقريب اليهود ومصادقتهم!!.
وقال أيضاً: ((إنَّ الإسلام الحنيف لا يخاصم ديناً ولا يهضم عقيدة!!، ولا يظلم غير المؤمنين به مثقال ذرة)) [مواقف في الدعوة والتربية ص 163]؛ أقول: فأين ألسنتكم يا أدعياء الجهاد ومؤسسكم لا يخاصم ديناً؟!! ويدعو إلى حرية الاعتقاد؟!!.
وبتاريخ 5/ 9/ 1948م بمدينة الإسماعيلية احتفل الإخوان بمرور عشرين عاماً على إنشاء الجماعة وفي هذا الحفل خطب حسن البنا خطبة قال فيها: ((وليست حركة الإخوان موجهة ضد عقيدة من العقائد أو دين من الأديان أو طائفة من الطوائف!!، إذ أنَّ الشعور الذي يهيمن على نفوس القائمين بـها: أنَّ القواعد الأساسية للرسالات جميعاً قد أصبحت مهددة الآن بالإلحادية!!، وعلى الرجال المؤمنين بـهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم إلى إنقاذ الإنسانية من هذا الخطر!!، ولا يكره الإخوان المسلمون الأجانب النـزلاء في البلاد العربية والإسلامية ولا يضمرون لهم سوءاً حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم إلا العلائق الطيبة!!)) [قافلة الإخوان ج1 ص211]، وفي خطبته هذه تصريح بدعوة وحدة الأديان؛ أي اجتماع الأديان من المسلمين والنصارى واليهود لمحاربة الإلحاد!!، وانتبه إلى كلامه وهو يؤكد فيه: العلاقات الطيبة بين حزب الأخوان واليهود المواطنين!!، فماذا نقول؟ من هم العملاء؟! ومن هم الجواسيس؟! ومن هم أيدي الماسونية؟!.
وأثبت عباس السيسي في [نفس المرجع ج1 ص151] خطاباً لحسن البنا موجهاً إلى زعيم اليهود في مصر هذا نصه:
 (( خطاب من المرشد العام إلى حاخام وكبار الطائفة الإسرائيلية!!:
أحببت أن انتهز هذه الفرصة لأقول: إنَّ الرابطة الوطنية التي تربط بين المصريين جميعاً على اختلاف أديانـهم في غنى عن التدابير الحكومية والبوليسية، ولكن نحن الآن أمام مؤامرة دولية مُحكمة الأطراف تغذيها الصهيونية لاقتلاع فلسطين من جسم الأمة العربية، وأمام هذه الفورة من الشعور المتحمس في مصر وغير مصر من بلاد العروبة والإسلام لا نرى بداً من مصارحة سيادتكم وأبناء الطائفة الإسرائيلية من مواطنينا الأعزاء: بأنَّ خير حماية وأفضل وقاية أن تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاء الطائفة فتعلنوا على رؤوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية في كفاحهم القومي الذي اتخذوه مسلمين ومسيحيين لإنقاذ فلسطين!!.
يا صاحب السيادة: بذلك تكونون قد أديتم واجبكم وأزلتم أي ظل من الشك يريد أن يلقيه المغرضون حول موقف الإسرائيليين في مصر، وواسيتم الأمة كلها والشعوب الإسلامية في أعظم محنة تواجهها في تاريخها الحديث، ولن ينسى لكم الوطن والتاريخ هذا الموقف المجيد، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام!!.  حسن البنا))، وإذا كانت هذه هي عقيدة حسن البنا؛ فانظر إلى عقيدة ابنه الذي تربى على عقيدته؛ في العدد (848) الصادر في 22/ 12/ 1987م من مجلة المجتمع وجهت هذا السؤال للأستاذ سيف الإسلام حسن البنا؛ وهو ابن مؤسس دعوة الإخوان: ما رأيكم وموقفكم من حق تكوين الأحزاب لجميع الاتجاهات ومن ضمنها الشيوعية؟!
قال سيف الإسلام!!: (( لها هذا الحق، والإسلام لا يجبر الإنسان على الالتزام بعقيدة ]لا إكراه في الدين[!!)) ثم قال: (( وأنا أرى شخصياً أنه في ظل مجتمع إسلامي : من حق كل الناس أن تعلن عن آرائها ومعتقداتـها!!))، ولعلنا بهذا نعلم سر اجتماع المنتمون لهذا الحزب في العراق  – ولو بأسم آخر!! –  مع الأحزاب الشيوعية والديمقراطية والنصرانية!!.
6- موقفه من الطوائف المنتسبة للإسلام: أصدر الإخوان المسلمون في الأردن بيانـاً قالوا فيه: ((لقد كان من أولويات طموحات إمامنا الشهيد (!!) حسن البنا: أن يتجاوز المسلمون عن خلافاتـهم الفقهية والمذهبية، ولقد بذل رحمه الله جهوداً دءوبة في التقريب بين السنة والشيعة تمهيداً لإلغاء جميع مظاهر الخلاف بينهما، ولقد رأى الإخوان في قيام الثورة الإسلامية – ثورة الخميني في إيران!!- فتح باب لاستكمال ما بدأه الإمام الشهيد رضي الله عنه (!!) في محاولة تغيير جذري في العلاقة بين السنة والشيعة))؛ واليوم اتباعه سائرون على نهجه؛ بل قد يصل بهم الأمر إلى تمييع السنة في الشيعة!!.
وفي 9/ 6/ 1948م زار القاهرة شيخ الطريقة المرغنية الختمية الصوفية ورفاقه؛ وبـهذه المناسبة يقول السيسي: (( احتفل المركز العام للإخوان بالقاهرة بزيارة السيد – محمد عثمان الميرغني!! – وتكلم في الحفل الأستاذ المرشد العام فقال: إنَّ دار الإخوان لتسعد وتأنس أعظم الإيناس إذ تستقبل هذه القلوب الطاهرة والنفوس الكريمة أعلام الجهاد وأبطال العروبة وأقطاب قادة الإسلام!!...))؛ نعم أعلام وأبطال وأقطاب لكن في الدروشة والخرافات والضلالات البدعية بل والشركية!!.
7- موقفه من الاختلاف: يقول حسن البنا: ((نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه!!)) [مجموع رسائله ص453]، وهذا مخالف لقوله تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول" ؛ فالله تعالى يأمرنا أن نرجع عند الاختلاف إلى الكتاب والسنة، بينما يدعو حسن البنا إلى الإعذار!!، ثم أنَّ الاختلافات منها ما هو في أصول الدين وفي مواضع الإجماع أو النصوص قطعية الدلالة وكل هذا لا يسوغ الخلاف فيه، أما المسائل الاجتهادية فتبحث بحثاً علمياً وفي حوار هادئ وبعد هذا يعذر بعضنا بعضاً؛ وبمنهج حسن البنا هذا في الخلاف: هوَّن هو وأتباعه الكثير من أصول الإسلام وفروعه بحجة أنَّ الكلام في ذلك يفرِّق الكلمة ويمزق الصف ويضعف قوة المسلمين ويسود العدو به!!؛ وإليك مثال على ذلك: قال حسن البنا في الأصل الخامس عشر من أصوله العشرين في مسألة ((دعاء الله بأحد من خلقه)): ((الدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه: خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة!!)) [مجموع رسائله ص392].
وفي موضوع (( نصوص صفات الله تعالى)) يقول حسن البنا: (( وخلاصة البحث: أنَّ السلف والخلف اتفقا!!: على أنَّ المراد من هذه النصوص غير الظاهر المتعارف عليه بين الخلق؛ وهو تأويل في الجملة، واتفقا كذلك على: أنَّ كل تأويل يصطدم بأصول الشريعة غير جائز؛ فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما يجوز في الشرع وهو هَيِّن كما ترى (!!)، وهو أمر لجأ إليه السلف أنفسهم، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن هو: توحيد الصفوف وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً)) [المرجع السابق]، يقول جاسم المهلهل - وهو من كبار دعاة الأخوان - في كتابه [للدعاة فقط ص94] وقد دافع في كتابه هذا عن حسن البنا وحزبه دفاع المتعصب الأعمى؛ لكنه لما وصل إلى هذا الأمر الذي هو أوضح من شمس النهار قال: ((والشيخ حسن البنا يدرك الفارق بين الخلف والسلف جيداً؛ ولكنه بحس الداعية الذي يريد أن يقارب بين وجهات النظر يحاول أن يبين أن الفارق بين السلف والخلف ليس كبيراً)) يعني لم يكتف بدعوته لجمع المعاصرين على اختلافهم فيريد أن يجمع بين المتقدمين والمتأخرين مع تباعد الزمن بينهما!.
وقال حسن البنا في الموضوع نفسه: ((وأنَّ البحث في مثل هذا الشأن مهما طال فيه القول لا يؤدي في النهاية إلا إلى نتيجة واحدة هي: التفويض لله تبارك وتعالى)) [العقائد ص74]، ويقول: ((ونحن نعتقد: أنَّ رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع!!)) [العقائد ص76]؛ وهذا افتراء على السلف الصالح وجهلاً بمعتقدهم في صفات الله تعالى؛ قال شيخ الإسلام: ((إنَّ قول أهل التفويض الذين يزعمون أنَّهم متبعون للسنة: من شر أقوال أهل البدع والإلحاد!!)) [درء التعارض العقل والنقل 1/ 202-205)).
8- ما هو مقياس الحق عنده؟ قال حسن البنا في [مجموع رسائله ص102] وهو يبين موقفه من الدعوات والجماعات الأخرى: ((وموقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرَّقت القلوب وبلبلت الأفكار: أن نزنها بميزان دعوتنا؛ فما وافقها: فمرحباً، وما خالفها: فنحن برآء منه!!، ونحن مؤمنون: بأنَّ دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءاً صالحاً من أية دعوة إلا ألمَّت به وأشارت إليه))؛ وهذا هو التحزب بعينه، المنهي عنه في الشرع، المفرِّق للكلمة والممزِّق للصف!!.
ولهذا يؤمن حسن البنا وأتباعه من بعده: بوجوب البيعة والإمارة والطاعة المطلقة للمرشد العام ولأمير الجماعة؛ وهذا لأنَّهم يعتقدون: أنَّهم هم ((جماعة المسلمين)) التي وردت الأحاديث بوجوب لزومها وحرمة مفارقتها؛ وأنَّ من فارقها ومات مات ميتة جاهلية، ومن شذَّ عنها شذّ في النار!!!، ولهذا نراهم يحاربون من لم ينتمي إلى حزبهم بكل ما يملكون من أساليب ولو بشراء الذمم والكذب والخديعة والمكر والنفاق مما هو معلوم عنهم علم اليقين!!.
وأخيراً:
فهذه كانت نبذة تعريفية بمؤسس حزب الأخوان المسلمين ((حسن البنا)) نستخلص منها: أنَّ (حسن البنا): قبوريٌ مفوضٌ فكراً وعقيدةً، صوفيٌ بدعيٌ سلوكاً وعبادةً، حزبيٌ سياسيٌ حركةً ودعوةً.
واعلم أنَّ بيان حال هذا الرجل وأمثاله وتحذير الناس منهم واجبٌ بالإجماع؛ قال شيخ الإسلام: ((ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة: فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين)) [المجموع 28/ 231].
كتبـــه
أبو معاذ رائد آل طاهر

قطع الجدل ورفع الخلل في مسألة العذر بالجهل

قطع الجدل ورفع الخلل في مسألة العذر بالجهل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإنَّ مسألة العذر بالجهل كانت من المسائل التي ثار فيها الجدل بين الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وبين خصومه في وقته، وقد اتهمه الكثيرون من قبل – ولا زال البعض على أثرهم! – بأنه يُكفِّر أعيان المسلمين بما وقع منهم من شركيات قبل البيان والمعرفة وإقامة الحجة عليهم، وأنه لا يعذر أحداً منهم وقع في ذلك ولو صدر منه عن جهل وعدم معرفة!.
وكان الإمام المجدد رحمه الله يدفع هذه التهمة ويُفصِّل قوله في المسألة فيقول كما في [الدرر السنية في الأجوبة النجدية 1/ 102-104]: ((أركان الإسلام الخمسة: أولها الشهادتان، ثمَّ الأركان الأربعة؛ فالأربعة: إذا أقربها وتركها تهاوناً؛ فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفِّره بتركها؛ والعلماء: اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم: وهو الشهادتان، وأيضاً نكفِّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر.
فنقول أعداؤنا معنا على أنواع:
 النوع الأول: مَنْ عرف أنَّ التوحيد دين الله ورسوله، الذي أظهرناه للناس وأقرَّ أيضاً أنَّ هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس أنه الشرك بالله، الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه، ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله، ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه، ولا ترك الشرك: فهو كافر نقاتله بكفره، لأنه عرف دين الرسول فلم يتبعه، وعرف الشرك فلم يتركه، مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه، ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس.
النوع الثاني: مَنْ عرف ذلك؛ ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به، وتبين في مدح من عبد يوسف والأشقر ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت، وفضَّلهم على من وحَّد الله وترك الشرك، فهذا أعظم من الأول، وفيه قوله تعالى: "فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين"، وهو ممن قال الله فيه: "وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون".
النوع الثالث: مَنْ عرف التوحيد وأحبه واتبعه وعرف الشرك وتركه، ولكن يكره مَنْ دخل في التوحيد، ويحب من بقى على الشرك: فهذا أيضاً كافر فيه قوله تعالى: "ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم".
النوع الرابع: مَنْ سَلِمَ من هذا كله؛ ولكنَّ أهل بلده يصرحون بعداوة أهل التوحيد وإتباع أهل الشرك، وساعين في قتالهم، ويتعذر أن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده، ويجاهد بماله ونفسه: فهذا أيضاً كافر؛ فإنه لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل، ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل - وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك بكثير - فهذا أيضاً كافر، وهو ممن قال الله فيهم: "ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم" إلى قوله: "سلطاناً مبيناً"، فهذا الذي نقول.
وأمَّا الكذب والبهتان؛ فمثل قولهم: إنا نكفِّر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على مَنْ قدر على إظهار دينه، وإنا نكفِّر مَنْ لم يكفر ومَنْ لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله.
وإذا كنا لا نكفِّر مَنْ عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم مَنْ ينبههم؛ فكيف نكفِّر مَنْ لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل؟! سبحانك هذا بـهتان عظيم، بل نُكفِّر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله، ورحم الله امرءاً نظر نفسه وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم)).
فكلامه رحمه الله واضح أنه لا يُكفِّر إلا مَنْ عرف التوحيد والشرك ثم لم يعمل بما تقتضيه تلك المعرفة من عمل ومحبة ونصرة للتوحيد وأهله وترك وبغض ومعاداة للشرك وأهله، وكذلك هو لا يُكفِّر بأمر محتمل أو متنازع فيه، وإنما يكفِّر بما أجمع عليه العلماء.
لكنَّ كثيراً من خصوم الشيخ رحمه الله كانوا لا يقبلون دعوته إلى التوحيد ونبذ الشرك، ولم يجدوا حجة في رد ما جاء به من أدلة وبراهين على صدق ما يدعوا إليه، وإنما وجدوا اتهامه بتكفير المسلمين سبيلاً للصد عن دعوته وقبولها وتنفير الناس عنها، فكانوا يعتذرون للناس بالجهل إقراراً منهم على ما كانوا عليه من دين المشركين، وليس من باب إقامة الحجة قبل التكفير!.
فلما رأى الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تلبيس هؤلاء على الناس لإقرار الشرك ومحاربة دعوة التوحيد، قال لهم بما مفاده: ليس الجهل عذراً في بقاء الناس على الشرك، بل الواجب عليهم أن يحرصوا على تعلم التوحيد والشرك وأن يعملوا بمقتضى هذا العلم، وإنَّ بعض الناس قد فرَّط في طلب معرفة التوحيد والشرك؛ فهو يسمع بدعوة التوحيد ولكنه معرض عنها تقصيراً لا جهلاً، وقال لهم بما مفاده أيضاً: ليست إقامة الحجة معناها أن يتبين لهم الحق فيعاندوا أو يفهموا الحجة بما يحصل به اقتناعهم، فإنَّ هذا ليس بلازم، لأنَّ الكافر غير محصور بالمعاند، ولا يشترط في إقامة الحجة الاقتناع أو الفهم الذي يوجب الهداية، وإنما يكفي فيها البلاغ بما يفهم منه السامع معنى الكلام القائم على الحجة الرسالية، وقد ختم الله على قلوب أهل الشرك الأوائل وطبع عليها فلم يفقهوا؛ ومع هذا وصفوا بالكفر وقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم. فأول الخلاف كان بين الشيخ رحمه الله وبين خصوم دعوة التوحيد الذين يقرون الناس على ما هم عليه من شرك وضلال.
ثم ظنَّ بعض العلماء في ذلك الوقت أنَّ الخلاف بين الشيخ رحمه الله وبين خصومه كان في مسألة العذر بالجهل، وظنَّ البعض أنَّ الشيخ لا يعذر بالجهل، فقام بعض أبناء الشيخ وطلابه في بيان أنَّ الشيخ يعذر بالجهل، ثم تطوَّر الخلاف وصار بين المنتسبين لدعوة الشيخ رحمه الله، منهم مَنْ يعذر بالجهل ويذكر أدلة شرعية ومواضع من كلام الشيخ وكلام غيره من العلماء تدل على ذلك، ومنهم مَنْ لا يعذر بالجهل ويذكر أدلة ومواضع أخرى للشيخ وغيره تدل على ذلك، ويردون ما استدل به الأولون بأنَّ هذه الأدلة وهذا المواضع المذكورة عن الشيخ رحمه الله وغيره من العلماء إنما هي في الأمور الخفية، وأما مسائل الاعتقاد الظاهرة من التوحيد والشرك فهذه لا تخفى على أحد ولا تحتاج إلى إقامة حجة لأنها شعائر ظاهرة يعلمها الخاص والعام من أهل الإسلام وغيرهم، فلا يُعذر أحد بجهلها.
ولا زال هذا الخلاف قائماً منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، فمن أهل العلم مَنْ يرى العذر بالجهل قبل إطلاق أحكام التكفير؛ لئلا يحكم على مسلم بالكفر وتترتب عليه أحكام الكافرين وهو لا يستحقها بسبب الجهل وعدم بلوغ الحجة، ومعلوم أنَّ إخراج المسلم من الإسلام بشبهة أو شك أو ظن أمر عظيم، ومن أهل العلم مَنْ يرى عدم العذر بالجهل لئلا يكون الجهل سبباً في إقرار الناس على ما هم عليه من شرك، وأنَّ الواجب على الجاهل أن يسعى بكل ما أوتي من سبيل في رفع الجهل عن نفسه.
وإنْ كان هذا الخلاف قد يقرب أحياناً بين بعض أهل العلم ويضيق، وقد يبعد بين آخرين ويشتد بسبب قوة الإمعان في النصوص والنقول، وإدراك الواقع الذي تعيش فيه دعوة التوحيد في أوساط الناس كافة، وما يصدر منهم من أقوال وأفعال شركية سواء كانت من المسائل الظاهرة أو الخفية، والموازنة في النظر بين حفظ جناب التوحيد من جهة وبين صيانة أعراض المسلمين ودمائهم وأموالهم من جهة أخرى، ولهذا يرى بعض الناظرين إلى هذا الخلاف أنَّ الطرفين المختلفين في مسألة العذر بالجهل يحاولون أن يراعوا الأسباب المشار إليها آنفاً، فالذين يعذرون بالجهل لا يطلقون العذر في كل مسألة ولو كانت ظاهرة من مسلم طال به العهد في بلد الإيمان والعلم!، والذين لا يعذرون بالجهل لا يطلقون عدم العذر في كل مسألة ولو كانت خفية ولأصحابها شبهة معارضة أو تأويل سائغ أو صدرت من مسلم قريب العهد بالإسلام أو نشأ في البادية البعيدة أو المناطق النائية!، فليس الأولون يثبتون العذر بالجهل بإطلاق!، ولا الآخرون ينفونه بإطلاق!، فليُعلم هذا.
ولعلَّ بسبب ذلك؛ رأى البعض أنه لا خلاف بين العلماء في اعتبار الجهل عذراً في عدم التكفير، بينما رأى البعض الآخر أنه لا خلاف بينهم في عدم العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد الظاهرة، وكلاهما محق، لكنَّ طريقة رد بعضهم على بعض واستدلالهم بالنصوص والنقول ودفع استدلالات المخالف قد استغلت من بعض المتأخرين في توسيع الخلاف وعدم اعتبار الخلاف في المسألة والتشنيع على المخالف، حتى صار مَنْ لا يعذر بالجهل عند مخالفه من أهل التكفير، والذي يعذر بالجهل عند الآخر من أهل الإرجاء، بل تطوَّر الأمر عند البعض إلى تكفير المخالف!.
والحقيقة أنَّ بعض العلماء قد تجد له قولين في المسألة؛ مرة يُسأل فيعذر بالجهل في موضع ومرة لا يعذر في موضع آخر؛ وهذا الاختلاف في الجواب لو أمعنا النظر فيه لوجدنا سببه إما لاختلاف الواقعة وطبيعة السؤال أو لمراعاة جناب التوحيد تارة وأعراض المسلمين تارة أخرى، فهو وإن كان في الظاهر يراه الناظر تناقضاً واضطراباً ولكنه عند التأمل له أسبابه المعتبرة، والمشكلة ليست في المقروء وإنما في القارئ!، حيث يأتي كثير من القراء فيأخذ من كلام العالم ما يوافق مذهبه الذي يتبناه في المسألة فينسب له مذهباً واحداً في العذر أو عدمه، ويعرض عن كلامه الآخر – وقد يكون في نفس الموضع أو السياق - كأنه لم يكن!، ثم ينسب المستدل بكلامه الآخر بأنه كاذب في نسبة هذا القول إلى ذلك العالم!، بل رأينا وسمعنا مَنْ ينقل قولاً واحداً لهذا العالم الذي اختلف النقل عنه ويُعرض عما ينقله مخالفه من قول آخر لذلك العالم في نفس المقال المنشور أو المجلس الذي دار فيه النقاش؛ فلا يُعلِّق عليه بكلمة ولا يجيب عنه بتوجيه!، وليس مجرد النقل والإكثار منه هو العلم والحجة، وإنما الواجب تحرير الخلاف وأسبابه وتحقيق أقوال المختلفين ثم الحكم بالحجج والبراهين، وهذا ما لا يراه القراء – مع الأسف - في كثير من الرسائل والمقالات التي كُتبت في هذه المسألة العظيمة التي خاض فيها الكثير بلا نقل مصدَّق ولا بحث محقق، فلم يجد المختلفون اليوم إلا تراشق التهم والكلمات التي لا تليق والتهويل والتشغيب بديلاً عن ذلك، والله المستعان.
وإنما مكمن الخطر في هذه المسألة المهمة من عدة جهات:
الأولى: إقرار أهل الشرك على ما هم عليه بحجة أنَّ الجهل عذراً في عدم التكفير، والمجادلة عنهم.
الثانية: إضعاف مكانة التوحيد والشرك في قلوب الناس والتهوين من أمرهما.
الثالثة: تضييع مبدأ الولاء والبراء وعدم التمايز بين أهل التوحيد وأهل الشرك.
الرابعة: تفريق أهل السنة والجماعة بسبب الخوض في هذه المسألة بلا علم.
الخامسة: التشنيع على المخالف ورميه بالكذب ونسبته إلى الضلال والفرق الهالكة بسبب تبني أحد الأقوال في المسألة.
السادسة: دعوى الإجماع في غير محله الذي ذكره بعض أهل العلم، أو على غير مرادهم منه.
السابعة: إطلاق أحكام تكفير المعينين - سواء كانوا بالجملة أو فرادى – على ألسنة غير المؤهلين بدعوى عدم العذر بالجهل.
الثامنة: رد النصوص الصريحة والنقول الموثَّقة بمجرد الظن أو إتباع الهوى.
فإذا راعى المختلفون في هذه المسألة هذه الجهات ضاق الخلاف بينهم من حيث التأصيل وضعف أثره في الواقع، وهذا مطلب شرعي لا بد أن يحرص على تحقيقه أهل السنة والجماعة، بخاصة أنَّ أهل الباطل يحيطون بهم من كل جهة، ويشمتون بتفرقهم ويفرحون باختلافهم، ويصدون الناس عن سبيلهم بمثل ذلك.
وقد قال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى في هذه المسألة كلاماً جامعاً قاطعاً لكل جدل وفتنة لما سُئل حول مسألة العذر بالجهل؟
فكان جوابه كما في [مجموع كتب ورسائل وفتاوى فضيلة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي 14/ 309-312]:
((هذه المسألة؛ مسألة العذر بالجهل أو عدم العذر، يركض من ورائها أناس أهل فتنة، ويريدون تفريق السلفيين، وضرب بعضهم ببعض.
وأنا كنتُ في المدينة اتصل بي رياض السعيد وهو معروف وموجود في الرياض الآن قال لي: إنَّ هنا في الطائف خمسين شاباً كلهم يكفِّرون الألباني!!.
لماذا؟!
لأنه لا يكفِّر القبوريين ويعذرهم بالجهل!!.
طيب؛ هؤلاء يكفرون ابن تيمية وابن القيم وكثير من السلف، لأنهم يعذرون بالجهل وعندهم أدلة منها: "وماكنا معذبين حتى نبعث رسولا" الإسراء/ 15، ونصوص أخرى فيها الدلالة الواضحة، ومنه: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً" النساء/ 115، "وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون" التوبة/ 115، ونصوص أخرى تدل على أنَّ المسلم لا يكفر بشيء من الكفر وقع فيه، نقول: وقع في الكفر؛ هذا كفر وقع فيه عن جهل مثلاً، فلا نكفره حتى نبين له الحجة ونقيم عليه الحجة، فإذا عاند كفرناه.
وهذا القول عليه عدد من أئمة العلماء في نجد، وبعضهم قد يختلف كلامه، مرة يشترط قيام الحجة، ومرة يقول: لا يعذر بالجهل!!؛ فيتعلَّق أناس بأقوال مَنْ لا يعذر بالجهل، ويهمل النصوص الواضحة في اشتراط قيام الحجة، وأنه لا يكفر المسلم الذي وقع في مكفّر حتى تقام عليه الحجة؛ ومنه ما ذكرته لكم عن الإمام الشافعي رحمه الله، والنصوص التي ذكرتها لكم.
كنتُ أعرف شيخاً فاضلاً لا يعذر بالجهل، ونحن في سامطة وزارنا هذا الشيخ، ويحمل هذه الفكرة!، لكنه ما كان يثير الفتن ولا يناقش ولا يجادل ولا يضلل مَنْ يعذر بالجهل، وعشنا نحن وإياه أصدقاء قرابة أربعين سنة، وقد مات من عهد قريب رحمه الله.
وجلستُ مرة في إحدى المجالس وواحد يقرر عدم العذر بالجهل، فذكرتُ له هذه الأدلة وذكرتُ له أنَّ علماء نجد يعرف بعضهم بعضاً؛ بعضهم يعذر بالجهل وبعضهم لا يعذر، وهم متآخون، ليس هناك خلافات، ولا خصومات، ولا إشاعات، ولا، ولا..، فسكت ولم يجادل لأنه لا يريد الفتن.
فنحن نعرف أنَّ الخلاف واقع في نجد بين بعض المشايخ وغيرهم، لكن لا خصومة ولا تضليل ولا فتن؛ وإنما هذه طريقة الحدادية؛ يا إخوان، الفتنة الحدادية الماكرة الضالة أنشأت لإثارة الفتن بين أهل السنة وضرب بعضهم ببعض، وهم تكفيريون مستترون، وعندهم بلايا أخرى، يمكن غير التكفير، ويستخدمون أخبث أنواع التقية ستراً على منهجهم الخبيث وأغراضهم الفاسدة.
وأنا رأيتُ شاباً تأثر بهذا المنهج وكان يحمل كتاباً فيه أقوال منتقاة في عدم العذر بالجهل، وينتقل ما بين الرياض والطائف ومكة والمدينة وإلى آخره، كان عندنا، ويدرس عندنا، ثم ما شعرنا إلا وهو يحمل هذا الفكر بهذه الطريقة.
فناقشته مراراً وبينتُ له منهج شيخ الإسلام بن تيمية ومنهج السلف والأدلة وهو يجادل قلتُ له: مَنْ إمامك؟
قال: فلان وفلان.
فبحثتُ فوجدتُ عندهم أقوال متضاربة، مرة يعذر بالجهل!، ومرة لا يعذر بالجهل!.
قال لي معي فلان.
قلت له: فلان هذا كلامه - قد أعددت له - هذا فلان هنا يعذر بالجهل ويشترط إقامة الحجة!!.
قال: أنا مع ابن القيم.
قلت له: ابن القيم من زمان رفضته أنت، ابن القيم يشترط إقامة الحجة، لكنه مُصِر على ضلاله، فعاند وطرد من هذه البلاد، ثم رجع.
وفي مناقشاتي له قلتُ له: قوم كفار في جزيرة من الجزر في إحدى جزر بريطانيا أو جزر المحيط الهادي أو غيرها ما أتاهم أحد من السلفيين وجاءهم جماعة التبليغ وعلموهم، وقالوا: هذا الإسلام فيه خرفات فيه بدع فيه شركيات وفيه وفيه ...
قالوا لهم: هذا الإسلام فقبلوه وتقربوا إلى الله ويعبدون الله على هذا الدين الذي يسمى الإسلام.
 تكفرهم أنت أم تبين لهم وتقيم عليهم الحجة؟
قال: هم كفَّار!، ولا يشترط إقامة الحجة.
قلت: اذهب إلى الجزائر فأنت أشد من هؤلاء الثوار الآن، أنت أشد تكفيراً منهم، ليس لك مجال في هذه البلاد.
مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في هذا قائم على الحجج والبراهين وهو مذهب السلف إنْ شاء الله.
ومَنْ تبنى واقتنع بغير هذا وسكت ما لنا شغل فيه، لكن يذهب يثير الفتن ويضلِّل ويكفِّر فلا؛ لا والله لا يسكت عنه.
وأنصح الشباب أن يتركوا هذه القضية لأنها وسيلة من وسائل أهل الشر والفتن يبثونها بين المسلمين.
طيب؛ مرَّ عليكم دهور من عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى وقتنا هذا ليس هناك صراعات بينهم في القضية هذه أبداً، الذي اجتهد ورأى هذا المذهب سكت ومشى، قرره في كتابه ونشره فقط ومشى، والذي يخالفه مشى، كلهم إخوة ليس بينهم خلافات، ولا خصومات، ولا أحد يضلل أحداً، ولا يكفره.
أما هؤلاء يكفرون، انظروا توصلوا به إلى تكفير أئمة الإسلام، مما يدلك على خبث طواياهم وسوء مقاصدهم.
 فأنا أنصح الشباب السلفي أن لا يخوضوا في هذا الأمر .
والمذهب الراجح: اشتراط إقامة الحجة، وإذا ما ترجَّح له فعليه أن يسكت ويحترم إخوانه الآخرين، فلا يضللهم لأنهم عندهم حق، وعندهم كتاب الله، وعندهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندهم منهج السلف.
والذي يريد أن يكفِّر يكفِّر السلف، يكفِّر ابن تيمية وابن عبد الوهاب أيضاً، الإمام محمد بن عبد الوهاب قال: نحن لا نكفر الذين يطوفون حول القبور ويعبدونها حتى نقيم عليهم الحجة لأنهم لم يجدوا مَنْ يبين لهم)).
ومن الغرائب:
أنَّ البعض يحث القراء على قراءة العقيدة في كتب (فلان) من العلماء المعاصرين وقد يُضاف إليه آخر، ويتجاهل باقي العلماء كأنَّهم عندهم تخليط في هذه المسائل؛ وقد وقال الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في [شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث ص179-180]: ((أهل البدع لا يسكتون عن أهل السنة، بل يطعنون فيهم كما هو حال الخوارج الجدد الحدادية!، بل هم الآن من أشدِّ الناس طعناً في أهل السنة، ومن أشدِّهم حرباً على أهل السنة؛ حيث إنَّ علماء مكة وعلماء المدينة وعلماء اليمن وعلماء العالم الإسلامي كلهم – الآن - عندهم مرجئة مبتدعة!!، ولا يعترفون إلا بشخص واحد - تقريباً! - وهو الشيخ صالح الفوزان فقط!، ليندسوا من ورائه!، وليطعنوا في أهل السنة جميعاً!!.
وهم والله بدؤوا بالشيخ الفوزان – وربِّ السماء - وأدين الله بأنهم يبغضونه ويحتقرونه!!. فعلماء السنة كلهم – الآن - عند هؤلاء المبتدعة مرجئة!!.
ومَنْ يكونون هم؟!
ما ندري؛ لهم ثلاثة رؤوس أو أربعة بارزين فقط!.
وهم من أضلِّ خلق الله!، وأكثرهم خيانة وفجوراً!، فكيف بالمخفيين؟!
المخفيون يمكن فيهم باطنية وروافض!، والله أعلم، فما أبقوا لأهل السنة شيئاً، هذا حالهم الآن حرب أهل السنة!)).
وأحدهم يحشر قول سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله في أقوال الذين لا يعذرون بالجهل، وهو يعلم أنَّ له قولاً آخر كما في [فتاوى اللجنة الدائمة 1/ 386-387] [العلماء/  سماحة الشيخ ابن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ عبدالله غديان رحمهم الله] جاء السؤال الآتي: مسألة العذر بالجهل في مواضيع عبادة القبور أو عبادة الطاغوت؛ هل يعذر صاحبها بالجهل؟!
فكان جوابهم:
((عبادة القبور وعبادة الطاغوت شرك بالله، فالمكلَّف الذي يصدر منه ذلك يُبيَّن له الحكم؛ فإنْ قَبِلَ وإلا فهو مشرك، إذا مات على شركه فهو مخلَّد في النار ولا يكون معذوراً بعد بيان الحكم له، وهكذا مَنْ يذبح لغير الله)).
وفي فتوى رقم (11043) تحت عنوان: [هل يعذر المسلم بجهله في الأمور الاعتقادية؟]، كان السؤال الآتي: عندنا تفشي ظاهرة عبادة القبور، وفي نفس الوقت وجود مَنْ يدافع عن هؤلاء ويقول: إنهم مسلمون معذورون بجهلهم؛ فلا مانع من أن يتزوجوا من فتياتنا، وأن نصلي خلفهم، وأنَّ لهم كافة حقوق المسلم على المسلم، ولا يكتفون بل يسمون من يقول بكفر هؤلاء: إنه صاحب بدعة يعامل معاملة المبتدعين، بل ويدَّعوا أنَّ سماحتكم تعذرون عباد القبور بجهلهم؛ حيث أقررتم مذكرة لشخص يُدعى الغباشي يعذر فيها عباد القبور، لذلك أرجو من سماحتكم إرسال بحث شاف كاف تبين فيه الأمور التي فيها العذر بالجهل من الأمور التي لا عذر فيها، كذلك بيان المراجع التي يمكن الرجوع إليها في ذلك، ولكم منا جزيل الشكر.
فكان جواب اللجنة [العلماء/  سماحة الشيخ ابن باز والشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمهما الله]:
((يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر: باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحاً وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفاً.
فمن استغاث بأصحاب القبور دفعاً للضر أو كشفاً للكرب بُيِّنَ له أنَّ ذلك شرك، وأقيمت عليه الحجة؛ أداء لواجب البلاغ، فإنْ أصرَّ بعد البيان فهو: مشرك يعامل في الدنيا معاملة الكافرين، واستحق العذاب الأليم في الآخرة إذا مات على ذلك، قال الله تعالى: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا"، وقال تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقوله تعالى: "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"، وثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار" رواه مسلم، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على وجوب البيان وإقامة الحجة قبل المؤاخذة.
ومَنْ عاش في بلاد يسمع فيها الدعوة إلى الإسلام وغيره ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله فهو في حكم مَنْ بلغته الدعوة الإسلامية وأصرَّ على الكفر، ويشهد لذلك عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدم، كما يشهد له ما قصه الله تعالى من نبأ قوم موسى إذ أضلهم السامري فعبدوا العجل وقد استخلف فيهم أخاه هارون عند ذهابه لمناجاة الله، فلما أنكر عليهم عبادة العجل قالوا: "لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى"، فاستجابوا لداعي الشرك، وأبوا أن يستجيبوا لداعي التوحيد، فلم يعذرهم الله في استجابتهم لدعوة الشرك والتلبيس عليهم فيها...... إلى أن قالوا:
وبهذا يعلم أنه لا يجوز لطائفة الموحِّدين الذين يعتقدون كفر عباد القبور أن يكفروا إخوانهم الموحِّدين الذين توقفوا في كفرهم حتى تقام عليهم الحجة؛ لأنَّ توقفهم عن تكفيرهم له شبهة وهي اعتقادهم أنه لا بد من إقامة الحجة على أولئك القبوريين قبل تكفيرهم بخلاف من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم...)).
وأغرب من ذلك حشر العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع القائلين بعدم العذر بالجهل؛ مع إنَّ أقواله في العذر بالجهل أظهر وأكثر؛ ففي لقاء الباب المفتوح؛ سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم المرجئة؟ وما حكم مَنْ يصف الذين يعذرون بالجهل بأنهم دخلوا مع المرجئة في مذهبهم؟!
فكان جوابه:
((أولاً: لا بد أن نعرف مَنْ هم المرجئة؟ المرجئة هم الذين يقولون: الإيمان عمل القلب، ولكن قولهم هذا باطل لا شك فيه؛ لأنَّ النصوص تدل على أن الإنسان إذا عصى الله عز وجل نقص إيمانه.
وأما العذر بالجهل فهذا مقتضى عموم النصوص، ولا يستطيع أحد أن يأتي بدليل يدل على أنَّ الإنسان لا يعذر بالجهل، قال الله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقال تعالى: "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، ولولا العذر بالجهل لم يكن للرسل فائدة، ولكان الناس يلزمون بمقتضى الفطرة ولا حاجة لإرسال الرسل، فالعذر بالجهل هو مقتضى أدلة الكتاب والسنة، وقد نصَّ على ذلك أئمة أهل العلم: كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.
لكن قد يكون الإنسان مفرطاً في طلب العلم فيأثم من هذه الناحية؛ أي: أنه قد يتيسر له أن يتعلم لكن لا يهتم، أو يقال له: هذا حرام ولكن لا يهتم، فهنا يكون مقصراً من هذه الناحية، ويأثم بذلك.
أما رجل عاش بين أناس يفعلون المعصية ولا يرون إلا أنها مباحة، ثم نقول: هذا يأثم، وهو لم تبلغه الرسالة هذا بعيد.
ونحن في الحقيقة يا إخواني لسنا نحكم بمقتضى عواطفنا إنما نحكم بما تقتضيه الشريعة، والرب عز وجل يقول: "إنَّ رحمتي سبقت غضبي"، فكيف نؤاخذ إنساناً بجهله وهو لم يطرأ على باله أن هذا حرام؟!
بل إنَّ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قال: نحن لا نكفر الذين وضعوا صنماً على قبر عبد القادر الجيلاني وعلى قبر البدوي لجهلهم وعدم تنبيههم.
والمرجئة لم أعلم أنَّ أحداً أخرجهم من الإسلام، وهم لا شك أنهم مخطئون، وأنَّ الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، كما يدل على ذلك نصوص كثيرة، وأنَّ عدم عمل الصالحات ينقص من الإيمان.
فالجهل بهذا لا يكون عذراً؛ بل يجب عليه أن يتعلم هذا الأمر وأن يتبصر فيه، ولا يعذر بقوله إني جاهل بمثل هذه الأمور وهو بين المسلمين وقد بلغه كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام؛ وهذا يسمى معرضاً، ويسمى غافلاً ومتجاهلاً لهذا الأمر العظيم فلا يعذر، كما قال الله سبحانه: "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً"، وقال سبحانه: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ"، وقال تعالى في أمثالهم: "إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ"، إلى أمثال هذه الآيات العظيمة التي لم يعذر فيها سبحانه الظالمين بجهلهم وإعراضهم وغفلتهم.
أما من كان بعيداً عن المسلمين في أطراف البلاد التي ليس فيها مسلمون ولم يبلغه القرآن والسنة فهذا معذور، وحكمه حكم أهل الفترة إذا مات على هذه الحالة الذين يمتحنون يوم القيامة، فمن أجاب وأطاع الأمر دخل الجنة ومن عصى دخل النار، أما المسائل التي قد تخفى في بعض الأحيان على بعض الناس كبعض أحكام الصلاة أو بعض أحكام الزكاة أو بعض أحكام الحج، هذه قد يعذر فيها بالجهل، ولا حرج في ذلك؛ لأنها تخفى على كثير من الناس وليس كل واحد يستطيع الفقه)).
وسئل رحمه الله في [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين]: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد؟
فأجاب بقوله:
((العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى قال: "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ" حتى قال عز وجل: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، ولقوله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"، ولقولهتعالى: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ"، ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار"، والنصوص في هذا كثيرة.
فمن كان جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين؛ ولكن يجب أن نعلم أنَّ من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق ولكنه لا يبحث عنه ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظِّم من يعظِّم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم: "إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ"، وفي الآية الثانية: "وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ".
فالمهم؛ أنَّ الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق ولا يذكر له: هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله.
ثم إنْ كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعتبر منهم، وإنْ كان لا ينتسب إلى المسلمين فإنَّ حكمه حكم أهل الدين الذي ينتسب إليه في الدنيا، وأما في الآخرة فإنَّ شأنه شأن أهل الفترة؛ يكون أمره إلى الله عز وجل يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم: أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد)).
وسئل رحمه الله: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
فأجاب بجواب مطوَّل مفصَّل:
((الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إنَّ الجميع يتفقون على أنَّ هذا القول كفر، أو هذا الفعل كفر، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضى في حقه وانتفاء المانع؟ أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات أو وجود بعض الموانع؟
وذلك أنَّ الجهل بالمكفِّر على نوعين:
الأول: أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أنَّ ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا، وأما في الآخرة فأمره إلى الله تعالى، والقول الراجح: أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل، والله أعلم بما كانوا عاملين، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله تعالى: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"، وإنما قلنا: تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطى حكمه، وإنما قلنا بأنَّ الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفِّر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبهه أحد على ذلك: فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهراً، أما في الآخرة فأمره إلى الله عز وجل، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم.
فمن أدلة الكتاب: قوله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقوله: "وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ"، وقوله: "رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، وقوله: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ"، وقوله: "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ"، وقوله: "وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ"، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنَّ الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان.
وأما السنة: ففي صحيح مسلم 1\134 عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة - يعني أمة الدعوة - يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
وأما كلام أهل العلم: فقال في المغني 8\131: "فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام والناشئ بغير دار الإسلام أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم: لم يحكم بكفره"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3\229 مجموع ابن قاسم: "إني دائماً - ومن جالسني يعلم ذلك مني - من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية؛ إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقًا أخرى، وعاصيًا أخرى. وإني أقرر: أنَّ الله تعالى قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية" إلى أن قال: "وكنت أبين أنَّ ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير مَنْ يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق؛ لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين" إلى أن قال: "والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئًا". وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1\56 من الدرر السنية: "وأما التكفير فأنا أُكفِّر مَنْ عرف دين الرسول ثم بعدما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله: فهذا هو الذي أُكفِّره"، وفي ص 66: "وأما الكذب والبهتان فقولهم: إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على مَنْ قدر على إظهار دينه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفِّر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفِّر مَنْ لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل؟!".
وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب والسنة وكلام أهل العلم، فهو مقتضى حكمة الله تعالى ولطفه ورأفته، فلن يُعذِّب أحداً حتى يعذر إليه، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله تعالى من الحقوق، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل.
فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره؛ لأنَّ في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به؛ أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على مَنْ لم يكفره الله تعالى فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأنَّ الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه، وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما"، وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه"، وله من حديث أبي ذر رضي الله عنه أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"، يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر: "إن كان كما قال" يعني في حكم الله تعالى، وكذلك قوله في حديث أبي ذر: "وليس كذلك" يعني في حكم الله تعالى.
وهذا هو المحذور الثاني؛ أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به؛ لأنَّ الغالب أنَّ مَنْ تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه، وبين الكبر الموجب لعذاب الله تعالى في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "قال الله عز وجل: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدًا منهما قذفته في النار".
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول: دلالة الكتاب والسنة على أنَّ هذا مكفِّر؛ لئلا يفتري على الله الكذب.
الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين؛ بحيث تتم شروط التكفير في حقه وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله تعالى: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً"، فاشترط للعقوبة بالنار أن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له.
ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره، أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلًا بما يترتب عليها؟
الجواب: الظاهر الثاني؛ أي إنَّ مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه، لأنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة؛ ولأنَّ الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه، وربما لو كان عالمًا ما زنى.
ومن الموانع: أن يُكره على المكفِّر لقوله تعالى: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ".
ومن الموانع: أن يُغلق عليه فكره وقصده؛ بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح، أو حزن، أو غضب، أو خوف، ونحو ذلك، لقوله تعالى: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيماً"، وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك؛ إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح".
ومن الموانع أيضاً: أن يكون له شبهة تأويل في المكفِّر بحيث يظن أنه على حق؛ لأنَّ هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله تعالى: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ"، ولأنَّ هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله تعالى: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، قال في المغني 8\131: "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك - عني يكون كافراً -، وإنْ كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أنَّ أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين وأموالهم، وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله تعالى... إلى أن قال: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم وأموالهم واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا"، وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13 \30 مجموع ابن القاسم: "وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب"، وفي ص 210 منه: "فإنَّ الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن بإتباعها، وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله، من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم ولا إتباع للسنة ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن"، وقال أيضًا 28\518 من المجموع المذكور: "فإنَّ الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين"، لكنه ذكر في 7\217: "أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع"، وفي 28\518: "أنَّ هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره"، وفي 3\282 قال: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم؛ قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم. وإذا كان هؤلاء الذي ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيض؟ وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه"، إلى أن قال: "وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك"، إلى أن قال في ص 288 : "وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره..، والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً"، وقوله: "رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ"، وفي الصحيحين عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
والحاصل: أنَّ الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة والاعتبار وأقوال أهل العلم)).

وأخيراً:
هذا ما أحببتُ بيانه فإنْ أصبتُ فمنة من الله عز وجل عليَّ، وإنْ أخطأتُ فمني ومن الشيطان، والله عزَّ وجلَّ بريء منه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص والسداد والبصيرة في الدين.
والله الموفِّق

وأما مسألة إطلاق اسم (كافر أو مشرك أو مسلم) على مَنْ وقع جهلاً في شيء من الشرك الأكبر ممن ينتسب إلى الإسلام؛ فهذه قد اختلف فيها أئمة الدعوة، فمنهم مَنْ يرى إطلاق اسم الكفر أو الشرك عليه ومنهم مَنْ يرى بقاء اسم الإسلام حتى تقام عليه الحجة فيصر على شركه، ومنهم مَنْ يصف الذين تلبَّسوا بالأفعال والأقوال الشركية بالجهَّال أو أهل الفترة فلا يُطلق اسم الكفر عليهم ولا الإسلام، وأسباب هذا الاختلاف كثيرة:
منها بعض ظواهر النصوص والنقول والتفاوت في فهمها وتفسيرها، ومنها قياس هؤلاء الجهَّال على أهل الكفر الذين لم يدخلوا في الإسلام أصلاً؛ فيبقى اسم الكفر ملازماً لهم حتى يأت ما يدل على خلافه، فهؤلاء يُنازعون في صحة نسبتهم إلى الإسلام ابتداءاً، قالوا: مَنْ لازم الشرك في حياته كلها – ولو نسب نفسه إلى الإسلام - لا يُمكن أن يُطلق عليه أنه مسلم موحِّد، فلم يبق إلا اسم الشرك والكفر، أو قياسم على الذي يزني ويسرق ويقتل؛ فهؤلاء بمجرد أن يفعلوا هذه الفواحش يُطلق عليهم اسم زان وسارق وقاتل؛ وكذلك مَنْ وقع في الشرك فهو مشرك بمجرد ذلك، ومن هؤلاء مَنْ لا يرى كفر أولئك الذين تلبَّسوا بالشرك جهلاً لكن ينظر إلى المسألة من باب التمايز بين صف الموحدين وصف المشركين؛ فيُطلق على أولئك كفاراً لئلا يلتبس الباطل بالحق ولا يختلط أهل الباطل بأهل الحق، ومنهم مَنْ يفرِّق بين الكفر الظاهر والكفر الباطن والعقاب الدنيوي والعقاب الآخروي، فيرون أنَّ أولئك يُطلق عليهم اسم الكفر من حيث الظاهر ويستحقون العقاب الدنيوي – على خلاف بينهم في مقداره وصفته - بمجرد تلبسهم بالشرك ولو كان عن جهل وأما الكفر الباطن والعقاب الآخروي فلا يثبت إلا بعد قيام الحجة، ومنهم مَنْ يرى أنَّ أكثر هؤلاء الجهَّال هم في الحقيقة ومن جهة الواقع معرضون لا يريدون معرفة الحق ولا يحرصون عليه كما قال تعالى: ((أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُم مُّعْرِضُونَ))، ومنهم مَنْ يفرِّق في اطلاق اسم الكفر على هؤلاء الجهَّال بين المسائل الظاهرة والأمور الخفية، وبين الذي كان قريب عهد بالكفر وغيره، وبين الذي نشأ في بلد العلم والإيمان والذي نشأ في المناطق النائية، ومنهم مَنْ يرى أنَّ الحجة قامت بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم أو بالفطرة أو بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبلوغ القرآن، فليس ثمة جهال بعد ذلك، بل إما موحدون وإما مشركون.
وأما العلماء الذي لا يُطلقون اسم الكفر أو الشرك على مَنْ تلبَّس بالشرك جهلاً، ولا يرتبون أحكام الكفار عليهم في الدنيا حتى تقام عليهم الحجة ويُبيَّن لهم الحق، فهؤلاء لا يرون تلك الاستدلالات صالحة في إثبات تلك الدعوى:
فالأدلة التي استدل بها الأولون إما أنها نزلت في الكفار وأهل الأوثان الأصليين ولا يدخل فيها أهل الإسلام خلافاً لمذهب الخوارج واستدلالهم، وإما أنها بعيدة عن محل النزاع والدعوى، وأما نقول العلماء - فمع ثبوت الخلاف بينهم - فلا يصح الاحتجاج ببعضهم؛ هذا لو صحت نسبة الأقوال إليهم بدقة ولم تثبت عنهم أقوال أخرى مخالفة لتلك بحسب الواقعة والسؤال؛ فكيف والأمر ليس كذلك بسبب الغلط في فهم كلامهم أو تحميله ما لا يحتمل أو وضعه في غير محله الذي أرادوه؟!، وأما القياس على الكفار الأصليين فلا يصح؛ لأنَّ العلماء فرَّقوا بالإجماع بين الكافر الأصلي وبين المرتد، وأما دعوى أنَّ كلَّ مَنْ وقع في الشرك كان مشركاً كما أنَّ كل مَنْ زنى وسرق وقتل أطلق عليه اسم الزنى والسرقة والقتل؛ فينقض هذه الدعوى مَنْ وقع في الشرك بسبب إكراه أو إغلاق في القصد فلا يُسمَّ مشركاً كافراً ولا يسلب عنه اسم الإسلام، فإنْ قيل: هذه أعذار تمنع من الحكم عليه بالكفر، قيل: والجهل كذلك!، وأما مسألة التمايز فلا يشترط فيها إطلاق اسم الكفر على المخالف كما هو الحال في التمايز بين أهل السنة وأهل البدعة، وأما التفريق بين إطلاق اسم الكفر الظاهر على أولئك الجهلة وأنهم يعاقبون في الدنيا وبين منع الكفر الباطن والعقاب الآخروي إلا بعد قيام الحجة  فهذا تفريق لا دليل عليه؛ لأنَّ النصوص عامة، ومبنى هذا التفريق على قياس هؤلاء الجهلة على الكفار الأصليين؛ وقد تبين فساد هذا القياس، وأما كون أكثر الناس معرضين عن الحق فلا يلزم منه تكفير الجميع، والتفريق بين المسائل الظاهرة والخفية وغير ذلك أمر نسبي يختلف من بيئة إلى أخرى ومن شخص إلى آخر ومن زمن إلى زمن ومن حال إلى حال، وأما أنَّ الحجة قامت بالفطرة أو الميثاق فما فائدة إرسال الرسل؟!، وأما أنَّ الحجة قامت بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالقرآن؛ فهذا حق، لكن منْ لم تصله دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الحقة ولم يفهم معاني الآيات ومدلولاتها هل يُقال في حقه قامت الحجة عليه؟!
فهذا هو خلاصة الخلاف بين القولين، وقد أحسن شيخ الإسلام رحمه الله تعالى لما قال في [الصارم المسلول 1/ 516]: ((فإنَّ التكفير لا يكون بأمر محتمل))، وقال [المجموع 34/ 136]: ((فلا يزول الإيمان المتعين بالشك، ولا يباح الدم المعصوم بالشك))، وقال [المجموع 12 / 466]: ((ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك)). 
رائد آل طاهر