بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

الإسنادُ تعريفُه , أهميّته , فضلُه

الإسنادُ (تعريفُه , أهميّته , فضلُه )
( تعريف الإسناد )
الإسناد في اللغة : مصدر أَسْنَدَ. تقول: أَسْنَدَ في الجِبل: صَعِد فيه. والسَّنَدُ لغةً: ما قابلك من الجبل، وعلا عن السفح (1) فهو: عملية الصعود في ذلك السند .
الإسناد في الاصطلاح: حكاية طريق المتن(2). وقال بعض العلماء: "هو رفع الحديث إلى قائله"(3) وقال بعضهم : سلسة الرجال الموصلة للمتن. والمعنى واحد.
وسُمِّي سنداً، لاعتماد الحفاظ عليه في الحكم على المتن بالصحة أو الضعف (4) ولم يفرّق بعضهم بين السند والإسناد كما قال السيوطي في ألفية الحديث:
والسندُ الإخبار عن طريقٍ *** متنٍ كالإسناد لدى فريقٍ (5) .
وفرّق بعضهم بأن السند المراد به المعنى الاصطلاحي والإسناد المراد به المعنى اللغوي, والصواب أنّ السياق يوضّح المراد .

مثال توضيحي :

المتن الإسناد
المتن هو ما ينتهي إليه الإسناد : 1- عن سميّ مولي أبي بكر
وهو هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: 2- عن أبي صالح السمّان
((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج 3- عن أبي هريرة رضي الله عنه
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) .

( أهميّة الإسناد )

الإسناد نعمة من الله أكرم بها أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم لحفظ سننه ونقلها محفوظة مصونة، وخصّيصةٌ فاضلة فضلت بها من دون سائر الأمم، ولم يشأ المحدثون أن يكونوا سالبين تلك النعمة الربانية، مفرطين فيها, بل اهتموا بها, ورحلوا وانتقلوا وطافوا . قال العلامة علي القارئ في شرح النخبة: «أصل الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنّة بالغة من السنن المؤكدة بل من فروض الكفاية»(6). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ولكون الإسناد يُعلم به الحديث الموضوع من غيره، كانت معرفته من فروض الكفاية»(6) .
ولم يكتفوا بذلك، بل رفعوا من شأن الإسناد وجعلوه من الدين، فقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء: ما شاء»(8) وزادوا : فإن قيل له: من حدّثك؟ بقي» أي بقي ساكتا مفحَما، أو بقي ساكتا منقطعا عن الكلام(9). وصدق الإمام بن المبارك فلو أنَّ الدين جاء بنقلٍ غير موثّق أو نقلٍ غير معتمدٍ عليه لتكلم القاصي والداني ولصحح الناشئ والشادي ولحلل وحرّم كل من هبّ ودب, ولأصبح الدين فوضى لا عارم لها ولا منتهى, ولكن لمّا تكفّل الله بحفظ السنة المطهّرة كلّف رجالاً جعلهم الله من خيار البشر وهم الصحابة الكرام فنقلوا إلى من دونهم من التابعين ثم إلى أتباع التابعين حتى وصل إلينا بالنقل الصحيح لذا فقد قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي : " لا يجوز أن يكون الرجل إماماً ، حتىّ يعلم ما يصح ممّا لا يصح ، وحتى لا يحتج بكل شيء ، وحتى يعْلم مخارج العلم " (10)
قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في «مِنْهَاجِ السُّنَّةِ« (7/37) "والإسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِه الأمَّةِ، وهُو مِنْ خَصَائِصِ الإسْلامِ، ثُمَّ هُو في الإسْلامِ مِنْ خَصَائِصِ أهْلِ السُّنَّةِ, والرَّافِضَةُ أقَلُّ عِنَايَةً بِه، إذْ لا يُصَدِّقُوْنَ إلاَّ بِما يُوَافِقُ هَوَاهُم، وعَلامَةُ كَذِبِه عِنْدَهُم، أنَّه يُخَالِفُ هَوَاهُم" انتهى .

( فضل الإسناد ) امتاز علم الإسناد بأشياء جليلة نوردها بشكل ميسّر :

(1) كونه ممّا خصّ الله به أمة محمّد عن سائر الأديان المتّبعة فقد روى الخطيب البغدادي عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه قال: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات..." (11) .
(2) علامةٌ على أهل السنة والجماعة, إذ بقيت الطوائف المنحرفة تروي الأحاديث الضعيفةَ والموضوعة التي توافق هواهم, ومن الأدلّة على ذلك أنك تجد في كتب الصحاح وكتب السنن وكتب المسانيد أحاديثَ يرويها أصحابها بالأسانيد الصحيحية الخالية من النقد البناء .
(3) سلاح المؤمن يتّقي به من النقد, وسلّم يصعد به. قال الثوري الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأيّ سلاحٍ يقاتل . قال سفيان ابن عيينة حدث الزهري يوماً بحديث فقلت هاته بلا إسناد فقال الزهري أترقي السطح بلا سلم (12) . وشبه بعضهم الحديث من غير إسناد بالبيت بلا سقف ولا دعائم ونظموه بقولهم :
والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف لا طنب
(4) اتصاله إلى النبي محمدٍ –عليه السلام- وانتظامه وقدحه إن علّ, لذا قال بعضهم: ولَو لم يَكُنْ في فَضْلِ الإسْنَادِ إلاَّ انْتِظَامُ الرَّاوِي في سِلْسِلَةٍ سَلِسَةٍ مَعَ اسْمِ المُصْطَفَى ?؛ لَكَفَى بِذَلِكَ شَرَفًا وفَضْلاً ونُبْلاً!(13) .
(5) شرف رجال الأسانيد, قال يزيد بن زريع –رحمه الله-: لكل دين فرسان،وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد (14 (ومن ثم رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بنقل سنته إلى من بعده ودعا له بالنضارة فقال صلى لله عليه وسلم : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها إلى من يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" .
(6) بفقد علم الإسناد يفقد العلم, قال الأوزاعي: "ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد " .

_________________________
(1) انظر: القاموس المحيط (ص370 ) .
(2) نزهة النظر للحافظ ابن حجر: (ص34)، وفتح المغيث للسخاوي (1/14) .
(3) المنهل الروي في علوم الحديث النبوي لبدر الدين بن جماعة (1/81) .
(4) الخلاصة في أصول الحديث للطيبي (ص33) .
(5) إسعاف ذوي الوطر بشرح منظومة الأثر" لمحمد آدم الأثيوبي (1/13) "المنهل الروي" لبدر الدين ابن جماعة ص"29".
(6) ص (194).
(7) مرقاة المفاتيح للعلامة علي القارئ، 1/218.
(8) مقدمة صحيح الإمام مسلم 1/15، وجامع الترمذي كتاب العلل 5/695، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي 1/16، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 6.
(9) انظر تحقيق كتاب ""الأجوبة الفاضلة عن الأسئلة العشرة الكاملة" للإمام اللكنوي. حاشية ص 33.
(10) شرح علل الترمذي لابن رجب (1/476) .
(11) شرف أصحاب الحديث: (ص40) .
(12) انظر : (سير أعلام النبلاء) للذهبي (7/272) و (قواعد التحديث في فنّ المصطلح) (1/ 171) .
(13) انظر (الوَجَازَةُ في الأثْبَاتِ والإجَازَة) (1/20) .
(14) (المدخل إلى الإكليل) للحاكم (1/2) .
منقول

أهمية الإسناد

أهمية الإسناد :
إنّ الله سبحانه وتعالى شرّف هَذِهِ الأمة بشرف الإسناد ، وَمَنَّ عَلَيْهَا بسلسلة الإسناد واتصاله، فهو خصيصة فاضلةٌ لهذه الأمة وليس لغيرها من الأمم السابقة ، وَقَدْ أسند الْخَطِيْب في كتاب " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (1) إلى مُحَمَّد بن حاتم بن المظفر قَالَ : (( إنّ الله أَكْرَمَ هَذِهِ الأمة وشرّفها وفضّلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسنادٌ ، وإنما هِيَ صحف في أيديهم وَقَدْ خلطوا بكتبهم أخبارهم ، وليس عندهم تمييز بَيْنَ ما نزل من التوراة والإنجيل مِمَّا جاءهم بِهِ أنبياؤهم ، وتمييز بَيْنَ ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار الَّتِيْ أخذوا عن غَيْر الثقات . وهذه الأمة إنما تنُصّ الْحَدِيْث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حَتَّى تتناهى أخبارهم ، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حَتَّى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط والأطول مجالسةً لِمَنْ فوقه ممن كَانَ أقل مجالسةً . ثُمَّ يكتبون الْحَدِيْث من عشرين وجهاً وأكثر حَتَّى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً.فهذا من أعظم نعم الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأمة )) .
وَقَالَ أبو علي الجياني ( 2) : (( خصّ الله تَعَالَى هَذِهِ الأمة بثلاثة أشياء لَمْ يعطها مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الأمم : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب )) (3) .
وَقَالَ الْحَاكِم النيسابوري : (( فلولا الإسناد وطلب هَذِهِ الطائفة لَهُ ، وكثرة مواظبتهم عَلَى حفظه لدرس منار الإِسْلاَم ، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فِيْهِ بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد ، فإنَّ الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فِيْهَا كانت مبتراً ، كَمَا حَدَّثَنَا أبو العباس مُحَمَّد بن يعقوب (4)، قَالَ : حَدَّثَنَا العباس بن مُحَمَّد الدوري (5)، قَالَ : حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأسود ، قَالَ : حَدَّثَنَا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني (6)، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية ، قَالَ حَدَّثَنَا عتبة بن أبي حكيم (7)، أنه كَانَ عِنْدَ إسحاق بن أبي فروة ، وعنده الزهري ، قَالَ: فجعل ابن أبي فروة يقول: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ لَهُ الزهري : قاتلك الله يا ابن أبي فروة ، ما أجرأك عَلَى الله ، ألا (8) تسند حديثك ؟ تُحَدِّثُنا بأحاديث ليس لها خُطُم (9) ، ولا أَزِمَّة (10) )) (11) .
هكذا أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ – منذ الصدر الأول – ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية ؛ إِذْ هُوَ دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط .
وكذلك أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ أنه لا يمكن نقد الْمَتْن نقداً صحيحاً إلا من طريق البحث في الإسناد ، ومعرفة حلقات الإسناد والرواة النقلة ، فلا صحة لمتن إلا بثبوت إسناده .
وأعظم مثال عَلَى اهتمام المسلمين بالإسناد هُوَ ما ورثوه لنا من التراث الضخم الكبير الهائل ، وما سخروا للإسناد من ثروة علمية في كتب الرجال .
والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث ، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح ، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة ، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اشتد الاهتمام بنظام الإسناد ، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات ، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد ، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق . من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة ، وكتاب " الرحلة في طلب الْحَدِيْث " (12) للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ .
وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية (13) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله : (( تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم )) (14).
ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً ؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة ، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع ، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا صلى الله عليه وسلم ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا ، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها ؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ هِيَ مَعْرِفَة صحة الْحَدِيْث أو ضعفه ، فمدار قبول الْحَدِيْث غالباً عَلَى إسناده ، قَالَ القاضي عياض : (( اعلم أولاً أنّ مدار الْحَدِيْث عَلَى الإسناد فِيْهِ تتبين صحته ويظهر اتصاله ))(15). وَقَالَ ابن الأثير (16) : (( اعلم أنّ الإسناد في الْحَدِيْث هُوَ الأصل ، وعليه الاعتماد ، وبه تعرف صحته وسقمه )) (17) .
وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين .
قَالَ سفيان الثوري : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) (18) .
وهذا أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج (19) يقول : (( إنما يعلم صحة الْحَدِيْث بصحة الإسناد )) (20) .
وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك : (( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء )) (21).
وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ من أجل أن لا ينضاف إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما ليس من قوله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث ؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف ، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة رضي الله عنهم إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ .
وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ – كَمَا اهتموا بالإسناد – بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد ، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي ؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة ، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) (22) .
ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى ؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها ، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى ، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث ، وتأتي البقية في سند آخر ؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل : (( الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً )) (23) .
وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي (24) : (( الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات )) (25) .
ويعرف – أَيْضاً – بجمع الطرق : الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً ، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح ، فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة . قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه " الجامع الصَّحِيْح " : (( وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار ، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك ؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام ، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ ما وصفنا من الزيادة ، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن ، ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيأته إذا ضاق ذَلِكَ أسلم )) (26)

.............................. ............................
( ) شرف أصحاب الْحَدِيْث : 40 ( 76 ) .

(2) أبو علي الحسين بن مُحَمَّد بن أحمد الجياني ، ولد سنة ( 427 ه‍ ) ، كَانَ إماماً في الْحَدِيْث ، وبصيراً بالعربية والشعر والأنساب ، لَهُ كتب مفيدة مِنْهَا : " تقييد المهمل " ، توفي سنة ( 498 ه‍ ) . 
انظر: وفيات الأعيان 2/195،وتذكرة الحفاظ، للذهبي 4/1233 و1234، ومرآة الجنان 3/36-37.
(3) قواعد التحديث : 201 .
(4) مُحَمَّد بن يعقوب بن يوسف الأصم ، أبو العباس الأموي ، حّدث بكتاب الأم للشافعي عن الربيع ، وَكَانَ ثقة كَثِيْر الرحلة والرواية ، مَعَ ضبط الأصول ، توفي سنة ( 346 ه‍ ). 
انظر: الأنساب 1/187-189 ،وسير أعلام النبلاء 15/452 ، وشذرات الذهب 2/473 .
(5) الإمام الحافظ أبو الفضل ، عَبَّاس بن مُحَمَّد بن حاتم بن واقد الدوري ثُمَّ البغدادي ، مولى بني هاشم ، أحد الأثبات المصنفين ، ولد سنة ( 185 ه‍ ) ، رَوَى عن الإمام أحمد توفي سُنَّةُ (271 ه‍). 
تهذيب الكمال 4/75 ( 3129 ) ، وسير أعلام النبلاء 12/522 ، والتقريب ( 3189 ) .
(6) إبراهيم بن إسحاق بن عيسى البناني ، مولاهم ، أبو إسحاق الطالقاني ، نزيل مرو ، قدم بغداد وحدّث بِهَا ، صنف كتاب " الرؤيا " وكتاب " الغرس " وغيرهما ، توفي بمرو سنة ( 215 ه‍ ). 
تاريخ بغداد 6/24، وتهذيب الكمال 1/99 (141)، وتاريخ الإِسْلاَم : 51-52 وفيات ( 215 ه‍ ) .
(7) عتبة بن أبي حكيم الهمداني ثُمَّ الشعباني ، أبو العباس الشامي الأردني الطبراني : صدوق يخطئ كثيراً ، مات بصور سنة ( 147 ه‍ ) . تهذيب الكمال 5/93 و 94 ( 4360 ) ، والتقريب ( 4427 ) ، وتهذيب التهذيب 7/94 و 95.
(8) وقع في المطبوع : (( لا )) ، تحريف والتصحيح من نسختنا الخطية المصورة عن الأصل المحفوظة في مكتبة أوقاف بغداد .
(9) خطم : من الدابة مقدمة أنفها ، والخطم : جمع خطام وَهُوَ الحبل الَّذِيْ يقاد بِهِ البعير . لسان العرب 12/186 ، وتاج العروس 8/281 الطبعة القديمة مادة ( خطم ) .
(10) زمّ الشيء يزمه زماً فانزم : شده ، والزمام ما زم بِهِ ، والجمع أزمة ، وزممت البعير خطمته . لسان العرب 12/272 ، وتاج العروس 8/328 الطبعة القديمة مادة ( زمم ) .
(11) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 6 . وهَذِهِ القصة في أدب الإملاء والاستملاء : 5 .
(12) هُوَ كتاب فريد في بابه ، جمع فِيْهِ الْخَطِيْب أخباراً نادرة من أخبار العلماء في رحلاتهم من أجل الْحَدِيْث الواحد ، وما أشبه ذَلِكَ . وَقَدْ صدر الكتاب بأحاديث وآثار تدلل عَلَى ذَلِكَ وترغب فِيْهِ ، وَقَدْ طبع الكتاب في بيروت بطبعته الأولى عام 1975 في دار الكتب العلمية بتحقيق : د. نور الدين عتر .
(13) بغية الملتمس : 23 .
(14) أخرجه أحمد 1/351 ، وأبو داود ( 3659 ) ، وابن حبان ( 92 ) ، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل" : 207 ( 92 ) ، والحاكم في " المستدرك " 1/95 ، وفي مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 27 و 60 ، والبيهقي في " السنن " 10/250 وفي " الدلائل " 6/539 ، والخطيب في " شرف أصحاب الْحَدِيْث " (70) ، وابن عَبْد البر في " جامع بَيَان العلم " 1/55 و2/152 ، والقاضي عياض في " الإلماع ": 10. من طرق عن الأعمش ، عن عَبْد الله بن عَبْد الله ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عَبَّاسٍ ، بِهِ مرفوعاً .
وصححه الْحَاكِم ، وَلَمْ يتعقبه الذهبي ، وَقَالَ العلائي في " بغية الملتمس " : 24 : (( هَذَا حَدِيْث حسن من حَدِيْث الأعمش )) .
وأخرجه البزار ( 146 ) ، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " ( 91 ) ، والطبراني في " الكبير " (1321)، والخطيب في "شرف أصحاب الْحَدِيْث " ( 69 ) ، من حَدِيْث ثابت بن قيس بلفظ : 
(( تسمعون ويُسمع منكم ويُسمع من الَّذِيْنَ يسمعون منكم ثُمَّ يأتي من بَعْدَ ذَلِكَ قوم سمان يحبون السِّمَن،يشهدون قَبْلَ أن يُسألوا )).
(15) الإلماع : 194 .
(16) المبارك بن مُحَمَّد بن عَبْد الكريم الشيباني ، العلامة مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير الجزري ، ثُمَّ الموصلي ، من مصنفاته : "جامع الأصول" و "النهاية" ، ولد سنة ( 544 ه‍ ) ، وتوفي سنة ( 606 ه‍ ) . 
وفيات الأعيان 4/141 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 225-226 وفيات ( 606 ه‍ ) ، سير أعلام النبلاء 21/488 .
(17) جامع الأصول 1/9-10 .
(18) أسنده إِلَيْهِ الْخَطِيْب البغدادي في " شرف أصحاب الْحَدِيْث " : 42 ( 81 ) .
(19) هُوَ شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي ، مولاهم ، أبو بسطام الواسطي ، ثُمَّ البصري : ثقة حافظ متقن، كَانَ الثوري يقول : هُوَ أمير المؤمنين في الْحَدِيْث ، وَهُوَ أول من فتش بالعراق عن الرجال ، وذب عن السنة ، وَكَانَ عابداً ، مات سنة ( 160 ه‍ ) . 
تهذيب الأسماء واللغات 1/244-246 ، وسير أعلام النبلاء 7/22 و 227 ، التقريب ( 2790 ) .
(20) التمهيد 1/57 .
(21) مقدمة صَحِيْح مُسْلِم 1/12 ، وطبعة فؤاد عَبْد الباقي 1/15 ، وشرف أصحاب الْحَدِيْث : 41 (78)، والإلماع : 194 .
(22) الجامع لأخلاق الرَّاوِي وآداب السامع 2/212 ( 1641 ) ، ومعرفة أنواع علم الْحَدِيْث : 82 ، وطبعتنا : 188 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/227 ، وطبعتنا 1/275، وتدريب الرَّاوِي 1/253 ، وتوجيه النظر 2/601 .
(23 ) الجامع لأخلاق الرَّاوِي 2/212 ( 1640 ) .
(24) هُوَ الإمام العلامة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عَبْد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشَّافِعِيّ،ولد سنة (762 ه‍)، وبكر بِهِ والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه جداً ، ودرّس في حياته، توفي سنة (826 ه‍)، من تصانيفه: "الإطراف بأوهام الأطراف"و"تكملة طرح التثريب" و " تحفة التحصيل في ذكر المراسيل" وغيرها. 
انظر : طبقات الشافعية ، لابن قاضي شهبة 4/80 ، ولحظ الألحاظ : 284،والضوء اللامع 1/336،وحسن المحاضرة 1/363،ومقدمتنا لكتاب شرح التبصرة والتذكرة 1/34.
(25) طرح التثريب 7/181 .
(26) صَحِيْح مُسْلِم 1/3 ، و 1/ 4-5 طبعة مُحَمَّد فؤاد .


منقول :