بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 18 مارس 2015

محاضرة بعنوان " حقوق الله عز وجل لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله

محاضرة بعنوان " حقوق الله عز وجل لفضيلة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

      
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 ] يَاأَيها الذين آمَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمُون [
 ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [ .
 ] يَا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيما].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أما بعد فمرحبًا بالإخوة الكرام في هذا اللقاء الذي نرجوا أن يكون نافعاً.

 والموضوع هو ما سمعتموه حول حقوق الله تبارك وتعالى على عباده وما أعظم حقوق الله على عباده سبحانه وتعالى، فإن نعمة واحدة من أصغر نعمه تتقاصر جهودهم عن أداء شكر هذه النعمة والموضوع شيق وله ارتباط بآيات كثيرة ومواضيع عديدة كلها تصب في مصب واحد أسمائه وصفاته وتوحيد الله في ربوبيته وتوحيده في عبادته سبحانه وتعالى والاستدلال على ذلك بمخلوقاته جميعًا سبحانه وتعالى وآياته الكونية سأعرضها عليكم وهي أدلة على وجوب أداء هذا الحق لله رب العالمين، الآيات الكونية يستدل بها على أحقية توحيد العبادة الذي تعرفونه ومن الآيات هذه قول الله تبارك وتعالى:{قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ* اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ*وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ*وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}[سورة إبراهيم،31-34]، سخر هذا الكون وسخر السموات والأرض والجبال والبحار والشمس والقمر والليل والنهار ونعماً كثيرة من الله تبارك وتعالى عددها في كثير من آياته كل هذه لأجل هذا الإنسان الضعيف:{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة الزمر،67] ثم قال تبارك وتعالى في سورة النمل:{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [سورة النمل،59]، عباده الذين اصطفاهم هم الأنبياء وقيل الصحابة، والآية تحتمل الجميع تتناول الصحابة وتتناول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من باب أولى، {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} هذا توبيخ لهم لا مقارنة بين الله وبين هذه المعبودات الساقطة من الأصنام والأوثان وغيرها من المعبودات، فهنا الخير ليس للمفاضلة وإنما لتوبيخ هؤلاء الجهلة السفهاء الضالين: { أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [سورة النمل،60].

فهذا فيه توبيخ لهم وتقريع للمشركين الذين يجعلون مع الله أندادًا وعدلاء ، يجعلونهم عدلاً لله تبارك وتعالى وهي لا تملك لأنفسها نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورا، يجعلون منها آلهة،فالذي خلق هذه السموات وهذه الأرضين وهذه المخلوقات هو الذي يستحق العبادة وأما هذه فلا تستحق شيئًا، بل كثير من هذه المعبودات تعبد الله تباك وتعالى من حيث لا يدري هؤلاء الجهلة كما سيأتي بيان ذلك إن شاء لله: (أَمْ مَنْ جَعَلَ
الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النمل/61] أإله مع الله فعل هذه الأشياء منفردا أو مشاركًا لله تعالى الله عن ذلك إذن فالله الذي أوجد هذه الأشياء هو الذي يستحق أن يعبد ولا يجوز أن يتخذ معه أنداد تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا، قال: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون توحيد الله وأنه هو الذي يجب أن يفرد بالعبادة وأن يطاع فلا يعصى، (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل/62] تفسير الآية: { أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ} يستحق أن يعبد، أو إله مع الله فعل هذه الأشياء؟ الجواب: لاشيء، كل هذه المخلوقات الله خلقها سبحانه وتعالى هو الذي جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهارا وجعل بين البحرين حاجزاً وو إلى آخره هو وحده المنفرد بخلق هذه الأشياء فهو الذي يجب أن يفرد وأن يخص بالعبادة وحده سبحانه وتعالى وأن تعنو له الوجوه وأن تخضع له الجباه سبحانه وتعالى: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)-[النمل/62]،من؟ من الذي يفعل ذلك يجيب دعاء المضطرين ويكشف السوء هو الله فقط سبحانه وتعالى، (أَمْ مَنْ يُجِيبب الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُم خلَفَاءَ الْأَرْضِ) يتابع الأجيال جيلاً بعد جيل يأتي بالأجيال الأولى ويأتي بأجيال جديدة سبحانه وتعالى ، هل هناك من هذه المعبودات من يفعل ذرة من هذه الأشياء؟ تعالى الله عن ذلك، قال: -(قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل/62]، أي تذكرهم لهذه النعم قليل جداً بل هم في غمرة ساهون (أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل/63]، سبحانه وتعالى، تعالى الله عما يشركون، تعالى الله الخالق القادر المدبر لهذه الأشياء كلها؛ تعالى وتنـزه وتقدس أن يجعل له نظراء وأندادا يعبدون معه سبحانه وتعالى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرا،(أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [النمل/64].

من يفعل شيئاً من هذا؟ لا أحد، لو اجتمع من في السموات ومن في الأرض على أن
يخلقوا ذرة فضلاً أن يخلقوا هذه الأمم وهذه الأجيال وهذه الموجودات العظيمة لعجزوا (أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُه) يعني هم يعترفون ببدء الخلق هذا يرونه ويشاهدونه ويعترفون فيه ولكن يكابرون في الإعادة، يكابرون في إحيائهم مرة أخرى يوم القيامة للحساب والجزاء ويكذبون الرسل في ذلك -والعياذ بالله- ويتخذون مع الله أندادا سبحانه
وتعالى، قل هاتوا برهانكم على صحة ما تدعونه أن مع الله آلهة أخرى إن كنتم صادقين في هذه الدعوى (أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض أءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) [النمل/64]، لا أحد ومن يدعي شيئاً من هذا فهات البرهان، لا براهين عندهم، ليس عندهم أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من البراهين والعياذ بالله، هذه من الآيات العظيمة التي ينبه الله بها العقول النيرة ذات البصائر وأما من أعمى الله قلبه وأصمه فهو لا يستفيد من هذه الأشياء كلها، يعترف أن الله خالق السموات والأرض وخلق الجن والإنس وخلق وخلق وخلق لكن ما هي النتيجة؟ النتيجة الكفر والعياذ بالله، نسأل الله العافية، والله سبحانه وتعالى يقول: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ*وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِي وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق/6-7]، الله أكبر كل زوج بهيج، شاعر يقول: 

  تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ماصنع المليــك

  عيون مـن لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك  

  على قصب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريـك

يعني جاء هذا الإنسان -والله أعلم- إلى حديقة في غاية البهجة والنضرة والجمال من أصناف الورود والنبات والثمار وغيرها فقال هذه الأبيات التي تدل على تعظيم الله وتوحيده سبحانه وتعالى، 

  فياعجباً كيف يعصى الإله وكيف يجحده الجاحد 

  وفي كل شيء له آيــة تدل على أنه واحــد

سبحانه وتعالى، هذه أقوال من شعراء ولكن تمكن توحيد الله من قلوبهم فنسأل الله أن يمكن التوحيد بكل أنواعه في قلوبنا وبصائرنا {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ*وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِي وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تبصرة وذكرى لكل عبد منيب).

 فالعبد المنيب إلى الله المتقي الصالح الذي يقدر الله حق قدره سبحانه وتعالى يتبصر هذه آيات تبصرة وذكرى لكل عبد منيب، تُبصره وتدفعه إلى الإنابة إلى الله وتعظيمه وإجلاله، (وَأنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبّ َالْحَصِيدِ* وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ*رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ([ق/9-11].

 فهذه الآيات يستدل بها على أن الله هو خالق هذا الكون ومدبره سبحانه وتعالى بالقدرة والعلم والحكمة والعظمة والجلال سبحانه وتعالى والذي يستحق أن يعبد ويستدل بها أيضاً على قدرته سبحانه وتعالى على البعث، فالذي خلق هذه الأكوان وهذه الموجودات العظيمة من السموات والأرضين والجبال والبحار والنباتات والحيوانات إلى آخره قادر على أن يبعث هؤلاء الموتى، بل البعث أهون عليه من البدء، النشأة الأخرى أهون عليه سبحانه وتعالى كما قال في سورة الروم: ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه)، أي أن الإعادة أهون عليه من البدء.

آيات كثيرة في هذا المجال تحتاج إلى من يتبصر بها ويستشهد بها على توحيد الله تبارك وتعالى،هذا الكون العظيم هذه الموجدات العلوية والسفلية كلها تسبح الله تبارك وتعالى وتمجده وتسجد له سبحانه وتعالى وهي أفعال حقيقة لا ندركها (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء/44]، هذه الموجودات نراها غير عاقلة ولكنها مع ذلك تسبح الله سبحانه وتعالى، كل هذا الكون صغيره وكبيره، جليله وحقيره كلها تسبح الله تبارك وتعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج/18]، فهذه الكواكب وهذه النجوم وهذه السموات وهذه الأرضين تسجد لله تبارك وتعالى وجاء بذلك آيات؛ الجبال تسبح والطيور تسبح، قال الله تبارك وتعالى: { (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ
أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ*وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ
أَوَّابٌ) [ص/17-19].

 فعبد الله المنيب داود النبي الحكيم عليه الصلاة والسلام كان من أعبد الناس{ واذكر عبدنا داود ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي في القوة في العبادة،{ إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجّاع إلى الله تبارك وتعالى، إنا سخرنا الجبال إكراماً له، هذه معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن أعظم البراهين على صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام،قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ما من نبي إلا آتاه الله من الآيات ما آمن عليه البشر، وإنما الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ " عليه الصلاة والسلام، فالطير يسبح مع نبي الله داود، والجبال تسبح معه بالعشي والإشراق، تسبح معه فعلاً وتأوب معه، هذه من الأدلة على أن هذه الموجودات كلها تسبح الله وتخضع لله وتقدس الله وتنـزه الله عز وجل.

 وهذا الإنسان المسكين يتخذ مع الله أنداداً وشركاء ويرتكب المعاصي والجرائم والفواحش مع الآسف، مع أن هذه الأجرام العظيمة كالسموات والأرض والنجوم والجبال والشجر وكل المخلوقات هذه كلها تسبح الله وتقدسه وتنـزهه سبحانه وتعالى، هذه الآيات يذكرها الله في كتابه الله تبارك وتعالى يعني يحفز بها الضمائر البشرية لتسلك على الأقل مسلك هذه الجمادات؛ فتسبح الله وتخضع له وتوحده وتعبده وتنـزهه عن الشركاء والأنداد والأمثال والنظراء سبحانه وتعالى، والله بعض هذه الآيات يكفي العاقل لأن يخلص دينه لله تبارك وتعالى ولا يصرف ذرة من حق الله لغيره.

 ونأتي للحديث وهذا تمهيد الحديث كان معاذ الفقيه الذي شهد له رسول الله بالفقه وأنه أعلم الصحابة بالحلال والحرام رضي الله عنه، كان الرسول يحبه: (يا معاذ أني لأحب لك ما أحب لنفسي،فوالله أني لأحبك فلا تدعن أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك) فهو كان ممن يحبه رسول الله عليه الصلاة والسلام ويكرمه وأردفه خلفه ذات يوم ثم ألقى عليه هذا الدرس العظيم: ((يا معاذ أتدري ماحق الله على عباده) قال: الله ورسوله أعلم،وهذا الأدب ولاشك أن الله ورسوله أعلم- قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) هذه جملة عظيمة تضمنت حق الله وهو التوحيد سبحانه وتعالى وتضمنت نفي الشرك والشركاء عن الله تبارك وتعالى: أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا، شيئًا من الأشياء فلا يعبدوا معه أي شيء أو لا يقدموا لغير الله شيئًا ولا مثقال ذرة من العبادة وكلمة شيء هذه تحتمل أن يراد بها المعبودات فلا يعبدوا معه شيئاً منها، وتحتمل العبادة وهو ألا يصرفن العبد منها شيئًا لغير الله ولا مثقال ذرة، فهذا من أدلة توحيد الألوهية وفي الباب آيات وأحاديث كثيرة جدًا (وَاعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشركوا به شيئاً )[النساء/36]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم والَّذِينَ مِنْ قَبْلكم لعلكم تتقون*الَّذِي جَعَل لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِن السَّمَاءِ مَاءَ فأَخْرَجَ به من الثمرات رزقاً لكم فلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة/21-22]، أنتم تعلمون أن الله هو الخالق الرازق وهو الذي ينـزل المطر ويخرج النبات وأنتم تعرفون كل هذا فكيف تتخذون معه أنداداً؟ فلا تتخذوا معه أندادًا وأنتم تعلمون، فهذه من أدلة وجوب إفراد الله بالعبادة، هذا الرب العظيم الذي خلقنا وخلق من قبلنا وخلق السموات والأرض وأنزل المطر وأنبت النبات و إلى آخره، هذا الذي يستحق العبادة وحده سبحانه وتعالى، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا ولا ولا، فلا يدعى إلا هو ولا يستغاث إلا به ولا يرجع في الشدائد إلا إليه سبحانه وتعالى، ولا يصلى ولا يسجد إلا له سبحانه وتعالى ولا يتوكل إلا عليه، ولا يرغب إلا إليه؛ لأن هذه من العبادات، يا أيها الناس اعبدوا ربكم بعبادات كثيرة جدًا والعبادة أمر جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فالعبادة تجمع كل الأوامر التي كلف الله بها عباده سبحانه وتعالى عليهم أن ينفذوها، وتتناول المنهيات التي نهى الله عنها، فيجب عليهم أن يبتعدوا عنها وأن يحرموها كما حرمها الله عليهم تعبدًا له وخضوعًا له وانقياداً له سبحانه وتعالى، والعبادات كثيرة والآيات في ذلك كثيرة و قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء/23]، وقال يوسف عليه الصلاة والسلام وهو يدعو من كان يرافقه في السجن إلى ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى توحيد الله تبارك وتعالى، قال في نصيحته لهم وتمهيد دعوتهم ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [يوسف/40]،قال في خلال دعوته لهم: ( أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِد الْقَهَّارُ)[يوسف/39]، -(مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) [يوسف/40]، الحكم لله وحده سبحانه وتعالى وهذه الآية من أعظم الأدلة على أن حاكمية الله تبارك وتعالى تبدأ بالعقيدة، يعني هناك دعوات تبدأ بالسياسة، ودعوات تبدأ بالخرافة والتصوف والضلال، دعوات يعني اتجاهات كثيرة أخطأت طريق الأنبياء عليهم الصلوات والسلام، فالأنبياء كلهم جاؤا يدعون الأمم إلى إفراد الله وحده بالعبادة سبحانه وتعالى إفراد الله بالعبادة، فالعبادات التي شرعها الله تبارك وتعالى داخلة في حكمه وهي أول الأحكام التي يجب أن يقوم بها البشر، فأناس يأتون إلى الجانب السياسي لا حكم إلا لله لاحاكم إلا الله في الجانب السياسي من الإسلام، والعقيدة لا يلتفتون إليها ولا يفهمون ولا يدركون أن العقيدة هي في الدرجة الأولى في الدخول في حاكمية الله تبارك وتعالى، افهموا هذا يا إخوة؛ لاحاكم إلا الله؛ لاحاكم إلا الله؛ لاحكم إلا لله، نعم والله نقول هذا ونؤكده لكن من أين تبدأ هذه الحاكمية تبدأ والله من العقيدة وهذا هو منهج الأنبياء وهذا هو فقه الأنبياء وهذه هي دعوة الأنبياء، وهذه هي دعوة القرآن من أوله إلى آخره، إذ القرآن كما يقول ابن القيم كله في التوحيد، كله في التوحيد، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته فذلكم التوحيد العلمي الخبري يعني توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات، وإما دعوة إلى عبادته سبحانه وتعالى وحده ونهي عن الشرك به وذلك هو التوحيد الإرادي؛ توحيد الإرادة والقصد يعني الله يأمرنا أن نفرده بالعبادة فلا نريد بالعبادة سواه سبحانه وتعالى، توحيد الطلب والقصد استغاثة؛نستغيث بالله وندعوا الله وحده ونسأله قضاء حوائجنا وكشف كربنا وإلى آخره، توحيد العبادة من الصلاة والصوم والزكاة، الذي يصلي يطلب ويسأل من الله الجزاء هذا توحيد العبادة، وتوحيد المسألة أن تسأل الله عز وجل ما تريده تسأله أن يغفر لك، أن يتجاوز عنك، أن يكشف ضرك إلى آخره هذا توحيد الطلب والقصد، وإما خبر عن أهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا وما يكرمهم به في الآخرة وذلك من حقوق التوحيد أو جزاء التوحيد، توحيد الطلب وإما توحيد بالأمر والنهي، بالأمر والنهي وهذا من مكملات التوحيد وإما خبر عن ما أعطاه الله لعباده المؤمنين من الكرامة في الدنيا هذه وما يكرمهم بهم في العقبى وذلك جزاء من قام بالتوحيد، أنا أحكي لكم كلام ابن القيم [..] يعني بالمعنى وإما خبر عما يلقاه أعداء الله في الدنيا من النكال وما ينـزله بهم في العقبى من العذاب وذلك حكم من ترك التوحيد، فالقرآن كله في التوحيد وأحكامه وجزاءه، هذا القرآن كله إلى التوحيد، أين تجد هذا عند الطوائف المنحرفة من السياسية ومن الصوفية ومن الروافض ومن غيرهم، لا تجد هذا العلم عندهم، لا تجد ولهذا يتعلقون بالقبور، يتعلقون بالخرافات أو لا يبالون بعبادة القبور وغيرها، لا فرق بين عبادة الوثن وعبادة القبر، الذي يدعو اللات والعزى لا فرق بينه وبين من يدعو ميتًا أو غائبًا، كلهم غير الله، هذا غير الله وهذا غير الله، ( فَلَا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن/18]، (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)[الأحقاف/5]، (وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف/6] ، لا أحد أضل ممن يدعون غير الله، الأنبياء غير الله؛ الملائكة غير الله؛ الأشجار غير الله؛ الأموات والأولياء غير الله، الغائبون غير الله، فلا أحد أضل ممن يدعو غير الله، لأن غير الله لا يملك الإجابة بل لا يسمع الدعاء (إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُم وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[فاطر/14]، فيا شباب؛ يجب أن نفهم دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي قررها الله في كتابه في آيات منها:(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) [النحل/36]، كل رسول يأتي إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى وينهاهم عن اتخاذ الشركاء والأنداد مع الله،أول ما يطرق مسامع الأمم من أنبيائهم هو هذا دعوة إلى عبادة الله وحده سبحانه وتعالى لأن الناس يعترفون في الجملة بأن الله هو الخالق الرازق المحي المميت (مَا نعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر/3]، هم يعترفون أن هذه لا تخلق ولا تحي ولا تميت ولا ولا إلى آخره، إنما يتخذونها وسطاء وشفعاء إلى الله، وهذه الوساطة وهذه الشفاعة ينكرها الله ويعتبرها كفرًا به، و شركًا به: ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَه إلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة/255]، (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ *قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْك السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [الزمر43-44]،فتوحيد العبادة توحيد الربوبية يجب أن نعرفه من هذه الآيات التي يزخر بها القرآن، توحيد العبادة كذلك نعرفه من الآيات التي تبين أن الله هو المعبود وحده وتبين أنها دعوة الأنبياء وأنها كانت إلى هذا التوحيد، يجب أن ننصت للقرآن وأن نتدبره وأن نتأمله هذا التوحيد هو رسالة جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وملتقى دعواتهم جميعًا، والأنبياء لهم أمور أخرى أصول يدعون إليها لكن هذا المحور أساسي قبل الجميع وإلا هم يدعون إلى الإيمان بالنبوة، والإيمان باليوم الآخر الإيمان بالأنبياء، يجب على كل مخلوق أن يؤمن بأن الله أرسل رسلاً مبشرين ومنذرين فالأنبياء جاؤا بهذا جميعًا يبشر سابقهم بلاحقهم ويدعو لاحقهم إلى الإيمان بأولهم، وملتهم واحدة جميعًا، قال تعالى: (وإِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء/92]،هذه قالها بعد أن ذكر عدداً من قصص الأنبياء، قال بعدها (وإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُم فاعْبُدُونِ)[الأنبياء/92] فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام جاؤا لهداية الخلق قبل كل شيء وإنقاذهم من الشرك والضلال، وكانت السياسات موجودة، السياسات الضالة المنحرفة كانت موجودة في كل الأمم لكن طريق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعًا،أن يبدؤا بالدعوة إلى لا إله إلا الله، لا إله إلا الله معناها إيش؟ لا معبود بحق إلا الله، أهل الكلام والمنطق والفلسفة يقولون لا خالق لا رازق إلا الله، نعم والله لا خالق لا رازق إلا الله، لكن ليس هذا معنى لا إله إلا الله، لا خالق لا رازق آيات كثيرة ومنها الآيات التي تلوناها عليكم، التي تدل على أن الله هو الخالق الرازق المدبر أمر هذا الكون ومنظمه سبحانه وتعالى لكن هذا توحيد الربوبية وهو يستدل بآياته على توحيد الألوهية، إذا كنتم تؤمنون بأن الله هو الخالق الرازق فيلزمكم أن تعبدوا هذا الخالق الرازق، تفسير أهل الكلام أوقع كثيرًا من الفرق في الضلال؛ لأنه يفهم من لا إله إلا الله لا خالق لا رازق؛ فيقول أنا آمنت أن الله هو الخالق الرازق، ما اعتقدت في فلان الذي أدعوه وأسجد له وأركع له وأطوف به، ما اعتقدت فيه أنه الخالق الرازق، طيب ما فهم معنى لا إله إلا الله؛ لا معبود بحق إلا الله، معنى لا إله إلا الله، له وحده السجود والطواف والركوع والدعاء لا شريك له في هذه وفي سائر العبادات هذا معنى لا إله إلا الله، فأنت صرفتها لغير الله، اتخذت معه نداً وشريكاً، جاء ناس آخرون سياسيون فقالوا لاحاكم إلا الله، فزادوا الأمة بلاء وجهلا بمعنى لا إله إلا الله كأن مؤدى تفسيرهم هذا لا عابد إلا الله -تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا- تفسير أضل من تفسير المتكلمين، وهذا ضلال ما أدركه كثيرٌ من المخدوعين بهذا التفسير الضال للا إله إلا الله، نحن نقول لا إله لا معبود حق إلا الله، هناك عابد وهناك معبود، المخلوقات عابدة ومنهم البشر يعبدون الله، المؤمنون يصلون له ويسجدون له ويركعون له،ويصومون له ويزكون له، ويتوكلون عليه ويخافونه ويرجونه ويصرفون هذه العبادات كلها لهذا المعبود بحق الله رب العالمين،فلما نقول لاحاكم إلا الله يعني لا عابد هذا تفسير ضلال، يعني إذن يجب على من يدعو إلى هذا التفسير ويؤمن بالحاكمية على هذا الوجه أن يتقي الله وأن يرجع إلى الله وأن يسلك طريق الأنبياء في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وأن يفهم المعنى الحق للا إله إلا الله، الشرك منتشر في هذه الأمة انتشارا فضيعًا، تروح في البلدان ترى كيف يطوفون بالقبور، كيف يستغيثون بها، كيف يذبحون لها، كيف يشيدون عليها المساجد والقباب والمشاهد، مدن في بعض البلدان ترى أمامك مدينة كلها مبنية على القبور، خالفوا أحاديث كثيرة تدمغ من يبني على القبور مساجد،بأنهم شر خلق الله وتصب عليهم اللعائن: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حديث عائشة، حديث أبي هريرة، حديث ابن عباس، حديث لعلي رضي الله عنه، وأحاديث آخر كلها تصب اللعنات على من يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، على قبور الأنبياء والصالحين مساجد: (إن من كانوا قبلكم كانوا يتخذون قبور الأنبياء والصالحين مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) في حديث ابن مسعود : ( إن من شرار الخلق من تدركهم الساعة ومن يتخذون القبور مساجد) حوالي أربعة عشر حديث ثابتة لا يرفع الصوفية والروافض بها رأسًا، وكثير من علماء السوء في العالم يقودون الأمة إلى هاوية الشرك والضلال ويدافعون عن القبور ويحاربون التوحيد وإلى آخره، وقد يخلط هذا بين السياسة المنحرفة وبين العقائد الضالة من تعطيل صفات الله تبارك وتعالى ومن اتخاذ الأنداد مع الله تبارك وتعالى، والله في بعض البلدان يوجد مفتون كبار يدعون إلى بناء المساجد على القبور، ولا يحرمون الاستغاثة بل يحاربون من يحرم الاستغاثة والاستنجاد بالأولياء، فالأمة في غاية الذل والهوان، ولا ينقذها من الضلال والذل والهوان الذي نزل بها إلا أن تعود إلى ما كان عليه رسول الله وأصحابه، وتسير في العقيدة على منهج الأنبياء جميعًا عليهم الصلاة والسلام فإن دين الأنبياء واحد، دين الأنبياء واحد كلهم في التوحيد شيء واحد لا يختلفون، تختلف بعض التشريعات في الحلال والحرام وما شاكل ذلك، فالقرآن مليء بالتوحيد، والسنة مليئة بالتوحيد، القرآن مليء بالتوحيد ومحاربة الشرك في كل مظاهره والسنة مليئة بالتوحيد ومحاربة الشرك بكل مظاهره وأشكاله: ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الحج/46]، نحن لا نكفر هؤلاء الضالين لكنهم ضالون وأهلكوا الأمة لا نكفرهم إلا بعد أن تقام الحجة ما هم عليه من دعاء غير الله من أقبح أنواع الشرك والذبح لغير الله والاستغاثة بغير الله من أقبح أنواع الشرك، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك أنهم يعتقدون في الأولياء، أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، اذهب إلى الدعوات الأخرى غير السلفية كلها، خاصة الدعوات القائمة الآن وتنتشر في العالم الإسلامي مثل دعوة الإخوان المسلمين ودعوة جماعة التبليغ، هل تراهم يحاربون هذه الشركيات؟ لا والله بل يدافعون عن الشركيات هذه، ويتولون أهل هذه الشركيات ويدافعون عنها، كيف؟ لأنهم أهل دعوات سياسية قصدهم أن يجمعوا الناس ليصلوا بهذا التجميع إلى الكراسي، الإسلام الإسلام ماهو الإسلام عندهم، لا محاربة قبور ولا دعوة إلى إتباع الأنبياء ولا ولا ولا ؛ دعوة إلى الكراسي تحت شعار لا حاكم إلا الله وما شاكل ذلك وإلا أذكار وهمهمة فيها شركيات وخرافات وبدع، فيها حلول ، فيها وحدة الوجود، فيها فيها فيها، هذه ليست منكرات عند هؤلاء ولا تستحق الحرب، بل
يرون الدعوة السلفية أنها تفرق المسلمين؛ تفرق المسلمين يعني هم جماعة قائمة على الخرافات والضلال تدعو مجموعة منهم فتستجيب وتأخذ بالتوحيد ومجموعة تبقى على شركها،فيقال أنت فرقت بينهم، ما شاء الله هذا تفريق الأنبياء ( فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ )[النمل/45]، جاء صالح يدعو قومه إلى التوحيد؛ فريق آمنوا به وفريق كفروا به، قال الله حكاية عن هذا الواقع (فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ )، ومحمد فرّق بين الناس كما في الحديث الصحيح بين أهل التوحيد وأهل الشرك، فهذه سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهؤلاء المعاندون من جهلهم وضلالهم يشوهون الدعوة السلفية، ويعتبرونها تفرق المسلمين، يعني نجمعهم على الشرك والضلال، ماذا استفادوا ؟ اليهود تطأ بأقدامها على رؤوسهم، أذل الأمم الهنادك المجوس مختلف أنواع المشركين يذلون المسلمين في كل مكان، ما السبب في هذا؟ السبب أنهم تركوا منهج الأنبياء، تركوا دعوة الأنبياء، لم يستفيدوا من القرآن، من الآيات الصادعة بالتوحيد، والصادعة بالتحذير عن الشرك، والوعيد الشديد لأهله(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَك بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)[النساء/116]، (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج/31]،(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ ) [الأحقاف/5]، كيف تسمع هذه الآيات العظيمة الصادعة بحرب الشرك، ومآل من يشركون، ثم تقع في الشرك، وتقول إني مسلم وتنتظر العزة والنصر من الله، والله ما يزيدك الله إلا ذلاً وهواناً: (إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر سلط الله عليكم ذلاً لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) هذه الأمور تؤدي إلى هذه الحال، الوقوع في الربا، وإتباع الزرع، وأذناب البقر وما شاكل ذلك، هذه الأمور –هي معاصي- لكن الشرك أكبر منها، الشرك أكبر منها، فإذا كانت هذه الأمور لابد أن نرجع فيها إلى الله، فالتوحيد من باب أولى وترك الشرك من باب أولى، فالأمر والله خطير وكم يصيح دعاة السنة والتوحيد في بلدان الدنيا كلها بهذا البيان الواضح الجلي، هتاف بالأمة أن ترجع إلى ما كان عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إلى ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه ، أن تتمسك بكتاب ربها وسنة نبيها.

 ودعاة السوء من السياسين ومن القبوريين والخرافيين ومن الروافض كلهم يتكتلون ضد الدعوة السلفية ويضعون السدود والحواجز بينها وبين الناس بالتشويهات والتنفيرات تشويه لهذا المنهج وتشويه لأهله، والأمة منكوبة والناس كإبل لا تجد فيها راحلة، مائة من الناس لا تجد فيها من يعقل مع الأسف، والآن أنا أقول الناس كإبل المليون لا تجد فيها راحلة مع الأسف، الآن المسلمون كما يقال يبلغون مليار ومائتي مليون، ما أدري كم في الأرض لكنهم كما قال رسول الله:(غثاء كغثاء السيل ) هذه نتائج مرة للانحراف في العقيدة، في عقيدة الأنبياء، الأنبياء جاؤا بتوحيد الله بأصنافه الثلاثة: توحيد الربوبية وتوحيد العبودية وتوحيد الأسماء والصفات، وكثير من المسلمين منحرفون حتى في توحيد الربوبية، يعتقدون أن الأولياء يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون، وما كانت هذه العقيدة عند أبي جهل وإخوانه من المشركين الكبار وصناديد الكفر، ما كانت عندهم، كيف تكون عند المسلمين؟ من كيد الملاحدة الذين اندسوا في صفوف أهل البدع جاؤا بهذه الضلالة، جاءا بالحلول، جاؤا بوحدة الوجود، جاؤا بتحريف كتاب الله وسنة رسوله وتعطيل أسماء الله وصفاته وإلى آخره، فأطبقت هذه الظلمات على كثير من المنتسبين إلى الإسلام فأنزل الله بهم من الذل والهوان، الأمر الذي لا يرفعه الله عنهم إلا أن يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيهم، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْن قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران/103]. فعلينا أيها الشباب أن نتعلم دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن نخلص الدين لله وأن نسعى جاهدين في إنقاذ هذه الأمة من الهوة التي رماها فيها أهل الكيد والمكر؛ الكيد السياسي والكيد الإلحادي والكيد العلماني والمكايد كلها. 



أسأل الله تبارك وتعالى أن يهيئ لهذه الأمة دعاة صالحين مخلصين يجدون في العودة بالأمة إلى ما كان عليه رسول الله وأصحابه، أسأل الله أن يحقق ذلك إن ربنا لسميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.