بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 نوفمبر 2017

الإسنادُ تعريفُه , أهميّته , فضلُه

الإسنادُ (تعريفُه , أهميّته , فضلُه )
( تعريف الإسناد )
الإسناد في اللغة : مصدر أَسْنَدَ. تقول: أَسْنَدَ في الجِبل: صَعِد فيه. والسَّنَدُ لغةً: ما قابلك من الجبل، وعلا عن السفح (1) فهو: عملية الصعود في ذلك السند .
الإسناد في الاصطلاح: حكاية طريق المتن(2). وقال بعض العلماء: "هو رفع الحديث إلى قائله"(3) وقال بعضهم : سلسة الرجال الموصلة للمتن. والمعنى واحد.
وسُمِّي سنداً، لاعتماد الحفاظ عليه في الحكم على المتن بالصحة أو الضعف (4) ولم يفرّق بعضهم بين السند والإسناد كما قال السيوطي في ألفية الحديث:
والسندُ الإخبار عن طريقٍ *** متنٍ كالإسناد لدى فريقٍ (5) .
وفرّق بعضهم بأن السند المراد به المعنى الاصطلاحي والإسناد المراد به المعنى اللغوي, والصواب أنّ السياق يوضّح المراد .

مثال توضيحي :

المتن الإسناد
المتن هو ما ينتهي إليه الإسناد : 1- عن سميّ مولي أبي بكر
وهو هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: 2- عن أبي صالح السمّان
((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج 3- عن أبي هريرة رضي الله عنه
المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) .

( أهميّة الإسناد )

الإسناد نعمة من الله أكرم بها أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم لحفظ سننه ونقلها محفوظة مصونة، وخصّيصةٌ فاضلة فضلت بها من دون سائر الأمم، ولم يشأ المحدثون أن يكونوا سالبين تلك النعمة الربانية، مفرطين فيها, بل اهتموا بها, ورحلوا وانتقلوا وطافوا . قال العلامة علي القارئ في شرح النخبة: «أصل الإسناد خصيصة فاضلة من خصائص هذه الأمة، وسنّة بالغة من السنن المؤكدة بل من فروض الكفاية»(6). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ولكون الإسناد يُعلم به الحديث الموضوع من غيره، كانت معرفته من فروض الكفاية»(6) .
ولم يكتفوا بذلك، بل رفعوا من شأن الإسناد وجعلوه من الدين، فقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء: ما شاء»(8) وزادوا : فإن قيل له: من حدّثك؟ بقي» أي بقي ساكتا مفحَما، أو بقي ساكتا منقطعا عن الكلام(9). وصدق الإمام بن المبارك فلو أنَّ الدين جاء بنقلٍ غير موثّق أو نقلٍ غير معتمدٍ عليه لتكلم القاصي والداني ولصحح الناشئ والشادي ولحلل وحرّم كل من هبّ ودب, ولأصبح الدين فوضى لا عارم لها ولا منتهى, ولكن لمّا تكفّل الله بحفظ السنة المطهّرة كلّف رجالاً جعلهم الله من خيار البشر وهم الصحابة الكرام فنقلوا إلى من دونهم من التابعين ثم إلى أتباع التابعين حتى وصل إلينا بالنقل الصحيح لذا فقد قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي : " لا يجوز أن يكون الرجل إماماً ، حتىّ يعلم ما يصح ممّا لا يصح ، وحتى لا يحتج بكل شيء ، وحتى يعْلم مخارج العلم " (10)
قَالَ ابنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ في «مِنْهَاجِ السُّنَّةِ« (7/37) "والإسْنَادُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِه الأمَّةِ، وهُو مِنْ خَصَائِصِ الإسْلامِ، ثُمَّ هُو في الإسْلامِ مِنْ خَصَائِصِ أهْلِ السُّنَّةِ, والرَّافِضَةُ أقَلُّ عِنَايَةً بِه، إذْ لا يُصَدِّقُوْنَ إلاَّ بِما يُوَافِقُ هَوَاهُم، وعَلامَةُ كَذِبِه عِنْدَهُم، أنَّه يُخَالِفُ هَوَاهُم" انتهى .

( فضل الإسناد ) امتاز علم الإسناد بأشياء جليلة نوردها بشكل ميسّر :

(1) كونه ممّا خصّ الله به أمة محمّد عن سائر الأديان المتّبعة فقد روى الخطيب البغدادي عن محمد بن حاتم بن المظفر أنه قال: "إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد، وإنما هي صحف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات..." (11) .
(2) علامةٌ على أهل السنة والجماعة, إذ بقيت الطوائف المنحرفة تروي الأحاديث الضعيفةَ والموضوعة التي توافق هواهم, ومن الأدلّة على ذلك أنك تجد في كتب الصحاح وكتب السنن وكتب المسانيد أحاديثَ يرويها أصحابها بالأسانيد الصحيحية الخالية من النقد البناء .
(3) سلاح المؤمن يتّقي به من النقد, وسلّم يصعد به. قال الثوري الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأيّ سلاحٍ يقاتل . قال سفيان ابن عيينة حدث الزهري يوماً بحديث فقلت هاته بلا إسناد فقال الزهري أترقي السطح بلا سلم (12) . وشبه بعضهم الحديث من غير إسناد بالبيت بلا سقف ولا دعائم ونظموه بقولهم :
والعلم إن فاته إسناد مسنده كالبيت ليس له سقف لا طنب
(4) اتصاله إلى النبي محمدٍ –عليه السلام- وانتظامه وقدحه إن علّ, لذا قال بعضهم: ولَو لم يَكُنْ في فَضْلِ الإسْنَادِ إلاَّ انْتِظَامُ الرَّاوِي في سِلْسِلَةٍ سَلِسَةٍ مَعَ اسْمِ المُصْطَفَى ?؛ لَكَفَى بِذَلِكَ شَرَفًا وفَضْلاً ونُبْلاً!(13) .
(5) شرف رجال الأسانيد, قال يزيد بن زريع –رحمه الله-: لكل دين فرسان،وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد (14 (ومن ثم رغّب النبي صلى الله عليه وسلم بنقل سنته إلى من بعده ودعا له بالنضارة فقال صلى لله عليه وسلم : نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها إلى من يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" .
(6) بفقد علم الإسناد يفقد العلم, قال الأوزاعي: "ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد " .

_________________________
(1) انظر: القاموس المحيط (ص370 ) .
(2) نزهة النظر للحافظ ابن حجر: (ص34)، وفتح المغيث للسخاوي (1/14) .
(3) المنهل الروي في علوم الحديث النبوي لبدر الدين بن جماعة (1/81) .
(4) الخلاصة في أصول الحديث للطيبي (ص33) .
(5) إسعاف ذوي الوطر بشرح منظومة الأثر" لمحمد آدم الأثيوبي (1/13) "المنهل الروي" لبدر الدين ابن جماعة ص"29".
(6) ص (194).
(7) مرقاة المفاتيح للعلامة علي القارئ، 1/218.
(8) مقدمة صحيح الإمام مسلم 1/15، وجامع الترمذي كتاب العلل 5/695، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي 1/16، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص 6.
(9) انظر تحقيق كتاب ""الأجوبة الفاضلة عن الأسئلة العشرة الكاملة" للإمام اللكنوي. حاشية ص 33.
(10) شرح علل الترمذي لابن رجب (1/476) .
(11) شرف أصحاب الحديث: (ص40) .
(12) انظر : (سير أعلام النبلاء) للذهبي (7/272) و (قواعد التحديث في فنّ المصطلح) (1/ 171) .
(13) انظر (الوَجَازَةُ في الأثْبَاتِ والإجَازَة) (1/20) .
(14) (المدخل إلى الإكليل) للحاكم (1/2) .
منقول

ليست هناك تعليقات: