بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 أبريل 2017

الأسئلة والأجوبة في العقيدة 3

س37/ ما حكم الخوف من الشرك؟
الجواب: يجب الخوف من الشرك لأن عاقبته وخيمة وبلية على الإنسان وظلمة في الدنيا والآخرة ويدل على ذلك قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فتوعده بعدم المغفرة يجعل الإنسان متخوفاً من الشرك وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} وقوله، - صلى الله عليه وسلم -: «من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار».
فهذه النصوص تبعث الخوف من الشرك، وتدفع الكافر إلى الإسلام، وترغب فيه، كما أن هناك نصوصاً تجعل المسلم يتحرز ويتخوف من الشرك لأنه يحبط ما طرأ عليه وسبقه من الأعمال الصالحات، قال ـ تعالى ـ: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقال ـ تعالى ـ في دعاء إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} فانظر كيف خاف إبراهيم على
(1/37)

نفسه من الشرك مع قوة إيمانه وعلو درجته وقربه من ربه فهو خليله فلا يصح لمسلم أن يعجب بإسلامه ولا أن يثق من نفسه ومن هواه وشيطانه بل يعبد ربه وجلاً خائفاً سائلاً ربه الثبات، ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم، وقد اشتد خوف رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، على الصحابة وهم أفضل هذه الأمة فقال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه فقال "الرياء" يقوم الرجل فيحسن صلاته لما يرى من نظر رجل إليه» وذلك لخفائه وقد قال عليه الصلاة والسلام: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء على صفاة سوداء في ظلمة الليل».
* * *

س38/ هل الخوف من غير الله شرك؟ مع بيان أنواع الخوف؟
الجواب: الخوف من الشرك يتفاوت معناه عن خوف ما سوى الله وهو أمر واضح ولله الحمد من نصوص الشريعة وألفاظ اللغة العربية، فقد يكون الخوف عبادة لله وصرفه لغير الله شرك، وهذا إذا حمل الإنسان على ترك عبادة الله أو ارتكاب معصية لله خوفاً من تأثير هذا الصنم أو الوثن أو الميت، أو خاف من حي وهو لا يقدر أن يجلب له نفعاً أو يدفع عنه ضرراً، فهذا هو الخوف الممنوع قال ـ تعالى ـ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا
(1/38)

تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} وقال ـ تعالى ـ: {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} فأما الخوف المنبعث في الغريزة الإنسانية كالخوف من سبع وعدو ولص يأخذ ماله فيحمله هذا الخوف على التحفظ والتحرز والاستعداد فهذا لا يضر في الإيمان ولا يزيد ولا ينقص من التوحيد، ولهذا شرعت الأسباب الواقية لأن الضرر متوقع من العدو والسبع، أما العتق من النار وإدخال الجنة فليس بيد أحد من المخلوقين وأسبابها طاعة الله وعبادته فمن علقها بغير الله خوفاً منه وقع فيما فر منه، ومن عرف معاني الخوف وجد الفرق واضحاً جلياً، فمن الخوف ما هو شرك وهذا ما نحن بصدده ويسمى خوف السر وهو أن يؤثر فيه مخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله من مرض أو منع رزق أو إصابته بفقر أو نحو ذلك بقدرته ومشيئته فهذا الخوف من الشرك الأكبر.
الثاني: الخوف من المخلوق المؤدي إلى فعل محرم أو ترك واجب فهذا حرام.
الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان.
الرابع: الخوف الطبيعي كخوف الإنسان من السبع ونحوه وهذا جائز.
* * *
(1/39)

س39/ ما حكم التفرق في الإسلام؟
الجواب: في الحديث الشريف: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
فالحديث يشير إلى تعدد الفرق إلى ثلاث وسبعين فرقة وإن تعددت إلى أكثر في هذا الوقت فيحمل على أن ما في الحديث أصولها وأنها ترجع إلى ما ذكر في الحديث، أو أن الحديث ليس على سبيل الحصر، والفرقة بالكسر معناها الطائفة والجماعة وبالضم الفرقة معناها: الافتراق، وإذا ألقيت نظرة على العالم الإسلامي اليوم وجدت اختلاف الاتجاهات لا تعد ولا تحصى وكفانا عنها تحذيراً وتنفيراً قوله ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
* * *
(1/40)

س40/ من هي الفرقة الناجية وما صفاتها وما أبرز خصائصها؟
الجواب: الفرقة التي على الحق هي التي قال عنها النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» وهي الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة، ونسبوا إلى السنة لتمسكهم بالنصوص وما تدل عليه.
قال الشيخ عبد العزيز الرشيد في كتابه التنبيهات السنية: "أي المختصون والمتمسكون بها والمعتنون بدراستها وفهمها المحكمون لها في القليل والكثير، وسموا أهل السنة لانتسابهم لسنته، - صلى الله عليه وسلم -، دون المقالات كلها والمذاهب، وقد سئل بعضهم عن السنة فقال ما لا اسم له سوى السنة، يعني أهل السنة ليس لهم اسم ينتسبون إليه سواها خلافاً لأهل البدع، فإنهم تارة ينتسبون إلى المقالة كالقدرية والمرجئة وتارة إلى القائل كالجهمية والنجارية، وتارة إلى الفعل كالروافض والخوارج، وأهل السنة بريئون من هذه النسب كلها" ص15.
والمراد بالجماعة الذين نسبت الفرقة إليهم هم الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، والمراد بها: لزوم الحق ولو كان المتمسك بها قليلاً والمخالف لها كثيراً قال ـ تعالى ـ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} وقال ـ سبحانه ـ: {وَمَا
(1/41)

يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وقال: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
فهذه النصوص تدل على أنه لا عبرة بالكثرة الضالة، يوضح هذا ما جاء في حديث عرض الأنبياء وأممهم حيث قال: «يأتي النبي ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبي وليس معه أحد» وفي الحديث الآخر: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة» وفي هذا المعنى جاءت هذه الجملة الحية: "لا تستوحش من الطريق لقلة السالكين ولا تغتر بكثرة الهالكين". وأبرز خصائص أهل السنة والجماعة تقديم النص على العقل.
* * *

س41/ لماذا تعتبر هذه الفرق فرقاً إسلامية؟
الجواب: وشمل اسم الإسلام سائر الفرق لانتسابهم إليه ولكنهم استعملوا التأويلات والمشابهات وهذا أبرز خصائص الفرق الأخرى.
قال ابن حجر في فتح الباري عند حديث حذيفة وقول الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، لما وصف له أصحاب الفتن، وفرض تعذر وجود إمام وجماعة «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك» قال:
(1/42)

ويؤخذ منه ذم من جعل للدين أصلاً خلاف الكتاب والسنة وجعلهما فرعاً لذاك الأصل الذي ابتدعوه" فتح الباري 13/ 37.
* * *

س42/ ما المقصود بالكهانة وما تأثير الكهانة على أصول الدين؟
الجواب: المقصود بالكهانة الإخبار عن المغيبات، وقيل: الإخبار عما في الضمير، وكان الكاهن قبل بعثة النبي محمد، - صلى الله عليه وسلم -، يأخذ من الشياطين التي تسترق السمع، ولما حرست السماء بالشهب بعد مبعث النبي محمد، - صلى الله عليه وسلم -، صار الكهان يتلقون عن أوليائهم من الجن الأخبار البعيدة، فيخبر الكاهن الجهال بذلك فيقع في أذهانهم وظنونهم أن هذه كرامة لهذا الكاهن فيعتقدون فيه الولاية فيصدقونه بما يقول مما يضرهم في دينهم ودنياهم قال ـ تعالى ـ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} ومعنى استمتاع الإنس والجن أن تقضي الجن حوائج الإنس، واستمتاع الجن بالإنس أن الإنس يعظمونهم، وكون الشيء يحصل به
(1/43)

منفعة دنيوية من كف شر أو جلب خير لا يدل على أنه ليس من الشرك.
أما تأثير الكهانة على أصول الدين فلأنها تتضمن ادعاء علم الغيب وهذا خاص بالله ـ تعالى ـ ولأن الكهانة تعتمد على وسائل الشرك كاستخدام الجن، فكلا الأمرين يؤثر على التوحيد لكونه اعتقد علم الغيب في غير الله واعتقد صحة هذه الوسائل الشركية.
وحكم الكهانة كفر في الجملة وكذلك التصديق بها، فإذا تضمنت اعتقاد جواز اتخاذ هذه الوسائل الشركية وإضافة علم الغيب للمخلوق فهذا كفر وإن كان عمله دجلاً ومجرد ادعاء من دون استخدام الجن وتخرصاً وتمويهاً على العامة فهذا حرام ويكون كفراً دون الكفر الأكبر.
* * *

س43/ ما هي العرافة وما حكمها مع الدليل؟
الجواب: تحدث عنها الشارع بأسلوب التحذير عن إتيان الكهان والتحذير عن تصديقهم ببيان كفر من أتاهم وعدم قبول ثواب طاعاتهم ففي صحيح مسلم عن بعض أزواج النبي، - صلى الله عليه وسلم -، عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -: «من
(1/44)

أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً» وعن أبي هريرة ـ - رضي الله عنه - ـ عن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: «من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -» وتارة ببيان أن من تعاطى بالكهانة فليس على طريقة الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث عمران بن حصين مرفوعاً: «ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحر أو سحر له ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -».
* * *

س44/ ما الأسباب الداعية إلى الكهانة؟
الجواب: والأسباب الداعية إلى الكهانة إما عدم الإيمان بالشرع أو ضعف الإيمان أو المحبة لامتصاص الأموال بما يأخذه الكاهن عوضاً عن تكهنه وإخباره بما لا يعلمه الناس مما أطلع عليه أولياؤه من الجن فأخبروه به وهذا النوع له مكانته عند الكفار وضعفاء الإيمان من عوام المسلمين في قديم الزمان وحديثه.
* * *
(1/45)

س45/ ما الأسباب الداعية إلى إتيان الكهان؟
الجواب: الأسباب الحافزة على إتيان الكهان وتصديقهم لها عدة عوامل منها أن الإنسان مجبول على طلب الشفاء وحبه إذا كان الكاهن يستعمل كهانته باسم العلاج، ومن العوامل ما في غريزة الإنسان من حب الاستطلاع على ما غاب عن نظره وعلمه فيأتي الكاهن ليخبره بما قد حدث وما قد يحدث فيعتقد أن ذلك من الكاهن علم بالغيب وما علم أنه استخدام للجن الذين لا يخدمون إلا على حساب عقيدة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره.
* * *

س46/ ما الآثار المترتبة على الكهانة؟
الجواب: الآثار المترتبة من الكهانة:
1 - فقد الإيمان أو ضعفه.
2 - الكفر بما أنزل على محمد، - صلى الله عليه وسلم -.
3 - عدم الثواب على الأعمال الصالحة عقوبة على ما ارتكبه من معاصي.
4 - حدوث التشكيك بين صفوف المسلمين والأسر ومن ثم ينتج التفرق والتباغض.
(1/46)

5 - بذل الأموال في غير محلها لتحريم صرفها في الكهانة وأمثالها، ومعلوم أنهم لا يتكهنون إلا بمال.
6 - من آثارها تعلق قلوب العامة بالطرق الممنوعة شرعاً وترك الأسباب المباحة شرعاً كما المشاهد من حب العامة للكهان والدجالين وترك الأسباب الناتجة عن خبرة أو دراسة كعلوم الطب.
7 - التفريق بين الزوجين بحيث يستخدم الكاهن بإخباره عما حصل من زوجته إن صدقاً وإن كذباً فينتج عن ذلك فراقها وتشتيت شمل الأسرة.
8 - من آثار التكهن والكهانة الاضطراب النفسي والقلق والضجر لأن مريدها لا يصل إلى نهاية وليس لها غاية، فما طاب منها تبعه، وما فيها من الخبث والأضرار يربو على ما استطابه.
9 - الوقوع في الشرك كأن يصف له الكاهن علاجاً شركياً كسفك دم في ساعة محددة وفي مكان معين ووصف للذبيحة، ومعلوم أن الذبح لغير الله شرك.
* * *

س47/ ما الفرق بين الكاهن والعراف؟
الجواب: الفرق بين الكاهن والعراف أن الكاهن هو من
(1/47)

يدعي علم الغيب، والعراف هو من يدعي معرفة الأمور بمقدمات يستدل بها على المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك، وقيل لا فرق بينهما.
* * *

س48/ ما التنجيم وما حكم تعلمه؟
الجواب: التنجيم هو: تعلم النجوم ومنازلها وحركاتها ومدى الاستفادة منها، أما حكم تعلمها فبحسب المعلوم منها ومقاصد المتعلم:
أ- فإن قصد من تعلم النجوم معرفة دلالتها على الجهات وعلى القبلة فهذا جائز وهو ما يسمى بعلم التسيير قال ـ تعالى ـ: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وهذا النوع ميسر لكل أحد لربط حاجات الناس به في أسفارهم جواً وبراً وبحراً وتتعلق به معرفة أوقات العبادات كأوقات الصلوات وتجزئة الليل ومعرفة الأوقات التي يناسب فيها الغرس وبذر الحبوب بإذن الله، وما وجد من الآلات التي هدى الله الخلق إليها مما تدل على الأوقات فإنها برمجت على علم التسيير في حركة منازل الكواكب والنجوم.
ب- وإن كان قصد متعلم النجوم ربط تأثير النجوم بالحوادث الأرضية معتقداً أنها فاعلة مختارة فهذا كفر، لاعتقاده أن النجوم
(1/48)

مدبرة مع الله ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ، وإن ربط الحوادث الأرضية بسير الكواكب كاجتماعها وافتراقها معتقداً أنها مؤثرة بإذن الله فهذا حرام لكونه وسيلة إلى الشرك، قال قتادة ـ رحمه الله ـ: "خلق الله هذه النجوم لثلاث زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به". قال ـ تعالى ـ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} وقال ـ سبحانه ـ: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} وفي الحديث الوعيد الشديد على من تعلم علم النجوم المحرم «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر» فدل الحديث على تحريم تعلم السحر والتصديق به ومنه الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية وادعاء تأثيرها لما فيه من ادعاء علم الغيب والشعوذة وهذا نوع من السحر، وقال الإمام الخطابي ـ رحمه الله ـ: علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان كأوقات هبوب الرياح ومجيء الأمطار وتغير الأسعار وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك بمعرفتها بمسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها يدعون أن لها تأثيراً في
(1/49)

السفليات وهذا منهم تحكم على الغيب وتعاط لعلم قد استأثر الله بعلمه فلا يعلم الغيب سواه. قرة عيون الموحدين ص184.
* * *

س49/ ما حكم الطواف بالقبور وما الفرق بينه وبين الطواف بالكعبة؟
الجواب: لا يجوز الطواف بالقبور ويعتبر شركاً لأن الطواف عبادة، والطواف بالقبور يعتبر تعظيماً وعبادة لصاحب القبر وأيضاً الطواف صلاة والصلاة عند القبور ممنوعة ففي الحديث الشريف: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وفي حديث جندب عند مسلم: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك» وعند أحمد عن ابن مسعود مرفوعاً «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد».
الطواف بالكعبة عبادة لله لا يجوز صرفها لغير الله ولا إحداثها عند غير الكعبة قال ـ تعالى ـ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وفي الحديث: «الطواف بالبيت صلاة» وشرع الله حج هذا البيت
(1/50)

والطواف به ولو كان الطواف جائزاً عند غير الكعبة لما أذن الله للناس بالحج إليه، فجعل الله الطواف بهذا البيت توحيداً ونفياً للشرك عن الله قال ـ تعالى ـ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}.
* * *

س50/ ما حكم دعاء الأولياء؟
الجواب: حكم دعاء الأولياء والصالحين لنفع أو دفع ضر شرك أكبر وهذا ما أنكره القرآن على الذين يعبدون الصالحين بقوله ـ سبحانه ـ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} وقال ـ تعالى ـ: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقال ـ تعالى ـ: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ
(1/51)

وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وكذلك لا يجوز التبرك بقبورهم قال الله ـ تعالى ـ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} فهذا تقريع وتوبيخ للذين يتبركون باللات والعزى رجاء أن ينفعوهم أو يدفعوا عنهم ضراً لأنهم لا يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون بل يرجون بركتها.
* * *

س51/ ما حكم تشييد القبور وزخرفتها وما آثار ذلك؟
الجواب: حكم تشييد القبور وزخرفتها: لا يجوز تشييدها ولا زخرفتها لأن هذا من باب الغلو المؤدي إلى اعتقاد تعظيمها والاعتقاد بها وفي الحديث نهى رسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، أن تجصص القبور وأن يجلس عليها أو يبنى عليها فقد تضمن الحديث النهي عن الغلو بها وعن إهانتها وعن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها ذكرت لرسول الله، - صلى الله عليه وسلم -، كنيسة رأتها بأرض الحبشة وما فيها من الصور فقال، - صلى الله عليه وسلم -: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله» وعن علي ـ - رضي الله عنه - ـ قال لأبي الهياج الأسدي: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله؟ - صلى الله
(1/52)

عليه وسلم -، أن لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته".
فدلت النصوص هذه على منع البناء على القبور كما دل الحديث الآخر على منع إنارتها قال، - صلى الله عليه وسلم -: «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج» ومن الزخرفة الممنوعة الكتابة عليها وكذا من تعظيمها الممنوع شرعاً وضع أكاليل الزهور عليها أو تقديم شيء لها من الأموال أو سفك الدماء عندها كل ذلك وأشباهه من الغلو في القبور الممنوع شرعاً المؤدي إلى الشرك.
* * *

س52/ ما المقصود بالغلو؟ ومن هم أهل الكتاب؟
الجواب: المقصود بالغلو: تجاوز الحد وإعطاء الشيء أكثر من حقه أو الزيادة في ذمه، وحكمه لا يجوز وقد يصل إلى حد الشرك وإلى حد البدعة وإلى حد الكفر قال الله ـ تعالى ـ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} وقال ـ تعالى ـ: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا
(1/53)

عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} وأهل الكتاب المراد بهم اليهود والنصارى فاليهود غلوا وزادوا في ذم عيسى حتى وصل بهم الأمر أن جعلوه ولد بغي، والنصارى غلوا فيه مدحاً فأوصلوه إلى منزلة الألوهية وجعلوه معبوداً لهم هو وأمه وجعلوا الله ثالث ثلاثة تعالى الله وتقدس عما يقول الظالمون علواً كبيراً. قال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} وقد أدى الغلو في الصالحين ومجاوزة الحد بهم درجتهم إلى أن عبدوا من دون الله وصار ذلك سبباً لهلاك العابدين والغالين، والغلو سبب أول شرك حصل في بني آدم كما حصل من قوم نوح فهم أول من أحدث الشرك ونوح عليه السلام أول رسول أرسل بالدعوة إلى توحيد الله والإنذار والتحذير عن الشرك.
قال ـ تعالى ـ: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} فاستمر قومه في كفرهم وعنادهم وتمسكهم بعباداتهم الشركية وتواصوا فيما بينهم بالبقاء على معبوداتهم {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}.
قال ابن عباس: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلك
(1/54)


أولئك أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسي العلم فعبدت" فمن فهم ما حصل في قوم نوح فهم غربة الإسلام؛ لأن دعوة محمد، - صلى الله عليه وسلم - هي دعوة نوح وما حصل في أمة محمد عليه السلام من الغلو في الصالحين الذي حملهم على التعلق بهم هو الذي حصل من قوم نوح وعرفنا أن الغلو سبب الهلاك وأن أول شرك حدث بشبهة الصالحين وتبين لنا أن الغلو في الصالحين هو أول أمر غير به دين الأنبياء ومما دلت عليه النصوص سرعة انفتاح القلوب للبدع مع أن الشرائع والفطر تردها وأن سبب قبول البدع مزج الحق بالباطل فأولاً محبة الصالحين والثاني فعل أناس من أهل العلم شيئاً أرادوا به خيراً فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره، وفي قصة قوم نوح دلالة واضحة على أن جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه والباطل يزيد ودلت على أن البدعة سبب الكفر وفي قصة قوم نوح تنبيه للمسلم وتحذير من الشيطان حيث إنه يعرف ما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد فاعل البدعة.
* * *

ليست هناك تعليقات: