بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 22 يوليو 2015

تبصير العباد بالآثار التي نتجت من الخوض في مسألة الجنس والآحاد

تبصير العباد بالآثار التي نتجت من الخوض في مسألة الجنس والآحاد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ وبعد:
فقد كثر الخلاف في مسألة تقسيم أعمال الجوارح إلى جنس وآحاد من حيث كفر التارك لها، وخاض فيه مَنْ لم ترسخ قدمه في العلم بل ومَنْ لم يُتقن أصول الإيمان فضلاً عن دقائقه، ولستُ بصدد الكلام في هذه المسألة بياناً أو ترجيحاً وإنما أُريد أن أُبيِّن ما لها من آثار في الساحة الإسلامية بصورة عامة وعلى الدعوة السلفية بصورة خاصة؛ وكنتُ على استعداد من الخوض فيها ولا زلتُ ولكني سأمسك عن ذلك لأني رأيتُ أنه ينبغي لنا ونحن ندعو الناس للارتباط بالعلماء أن نأخذ بتوجيه العالِمين الفاضلين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى والشيخ ربيع المدخلي حفظه الله تعالى حينما حذَّرا من الخوض في هذه المسألة لِما لها من آثار على الدعوة السلفية لا يستفيد منها إلا المخالفون لها.
  
1- تحذير العلامة الأصولي وفقيه العصر محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى:
قال رحمه الله تعالى: ((مَنْ قال هذه القاعدة؟! مَنْ قائلها؟! هل قالها محمد رسول الله؟! كلام لا معنى له!!، نقول: مَنْ كفَّره الله ورسوله فهو كافر، ومَنْ لم يكفِّره الله ورسوله فليس بكافر؛ هذا الصواب. أما جنس العمل أو نوع العمل أو آحاد العمل فهذا كله طنطنة!!؛ لا فائدة منها!!)) [شريط الأسئلة القطرية].
2- تحذير العلامة الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:
قال حفظه الله تعالى في [الرد على فالح/2]: ((كان ينبغي أن تنصحهم بعدم الخوض في جنس العمل؛ لأنَّه أمرٌ لم يخض فيه السَّلف فيما أعلم، والأولى التزام ما قرَّره وآمن به السَّلف من: أنَّ الإيمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح، وأنَّه يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية. ثمَّ الإيمان بأحاديث الشَّفاعة التي تدلُّ على أنَّه يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرَّةٍ من إيمان أو أدنى أدنى مثقال ذرَّةٍ من إيمان)).
قلتُ: ولو أنَّ السلفيين تركوا الخوض في تكفير تارك جنس العمل، والتزموا بنصيحة هذين العالِمين الجليلين اللذين شهدت الأمة وعلماؤها مِنْ قبل لهما بالفضل والعلم والمكانة العالية والمنزلة الرفيعة لانهار مخطط القطبيين من أساسه، ولكان ذلك سدَّاً منيعاً ضد تعدي التكفيريين على ثوابت الشريعة؛ ولكن ومع الأسف الشديد أعرض الكثير منا عن هذه النصيحة وركبنا عقولنا وخضنا فيما نُهينا عنه فكانت الفتنة والفرقة.
وإليكم إخواني الكرام بعض ما نتج من الخوض في هذه المسألة من آثار تدل على خطورة الأمر واتساع الخلاف؛ لعلَّ قارئاً لها يتنبَّه أو خاضاً في الفتنة يتوقَّف؛ فيعود السلفيون كما كانوا في زمن العلماء الثلاثة (مفتي العصر ابن باز ومجدد العصر الألباني وفقيه العصر ابن عثيمين رحمهم الله تعالى) يداً ضد حملات القطبيين واعتداءات التكفيريين ومخططات الحزبيين، ولا ينشغل بعضهم ببعض في مسألة يصعب تصورها ويندر وقوعها - مثل حكم تارك جنس العمل -  كما هو حالهم بعد وفاة أولئك العلماء وإلى يومنا هذا.

الآثار التي نتجت من الخوض في مسألة تكفير تارك جنس العمل:
1) الإقرار بتقسيم العمل إلى جنس وآحاد.
قلتُ: وأوَّل مَنْ نطق بهذا التقسيم في هذا العصر سفر الحوالي في كتابه "ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي" حيث قال فيه: ((أنَّ ترك جنس العمل شيء، وترك بعض آحاده شيء آخر)) وقد بوَّب باباً في كتابه فقال: ((الباب الخامس: الإيمان حقيقة مركبة، وترك جنس العمل كفـر))، وكتابه هذا كان في عام 1405 هـ - 1406 هـ،  وهو رسالة دكتوراه بإشراف أستاذه محمد قطب الذي قال فيه في مقدمة رسالته: ((هذا؛ ولا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر وعظيم التقدير إلى أستاذي الكريم الأستاذ محمد قطب؛ الذي بذل من الوقت الثمين والرأي الصائب ما كان له أثره البالغ في إنجاز هذه الرسالة وتقويمها)) قلتُ: وإذا كان الأمر كذلك فلا عجب بعد هذا، ولكن الغريب أن يقتدي السلفيون بسفر الحوالي في هذا التقسيم الذي استفاده من أستاذه لا محال.
فأين النصوص التي تدل على صحة تقسيم أعمال الجوارح إلى جنس وآحاد من حيث كفر التارك لها؟!
أم أين النقول عن أئمة السلف التي تثبت أصالة هذا التقسيم؟!
لا يُعرف عن أحد من السلف تكلَّم في هذا التقسيم أو خاض فيه إنما هو من بدع القطبيين الذين فرَّقوا به بين السلفيين؛ وإنما كان السلف يتكلَّمون عن كفر تارك أحد المباني الأربعة وهو خلاف مشهور، ثم استقرَّ الخلاف واشتهر في تارك الصلاة حصراً، فكـيف توسَّع الخلاف اليوم حتى أصبح في تارك جنس العمل؟! وما الغاية من ذلك؟!
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في [المجموع 12/114]: ((إنَّ كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة, ومعان مشتبهة؛ حتى تجد الرجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ ونفيها, ولو سُئل كل منهما عن معنى ما قاله؟ لم يتصوره, فضلاً عن أن يعرف دليله، ولو عرف  دليله  لم يلزم  أنَّ من  خالفه يكون مخطئاً، بل  يكون في  قوله  نوع  من الصواب، وقد يكون هذا مصيباً من وجه, وهذا مصيباً من وجه,  وقد يكون الصواب في قول ثالث)).

2) تقرير أنَّ الكفر لا يكون إلا عن جحود أو استحلال أو تكذيب.
قلتُ: فقد زعم البعض أنَّ أصل الكفر هو تكذيب القلب أو جحوده أو استحلاله، وكلُّ كفر – سواء كان بالقول أو بالعمل – فإنما مرجعه إلى ذلك، وهذا عين مذهب الإرجاء. وإنما أصل الكفر إما لانتفاء قول القلب أو لانتفاء عمل القلب أو لكليهما، ويكون بالقول أو بالعمل أو بالاعتقاد، وهذه هي عقيدة السلف.

3) ادِّعاء أن الكفر يكون بالعمل أو القول مع إيمان القلب.
قلتُ: وهذا غلط، بل ما كان من الأقوال والأعمال التي يكفر الرجل بها فإنَّها تستلزم عدم إيمان القلب بالكلية، أما أنها تستلزم جحود القلب أو تكذيبه أو استحلاله (وهي قول القلب) فلا، بل يكفر الرجل بالقول أو بالعمل المكفِّر وإنْ لم يستحل أو يجحد أو يكذِّب. وأما المكره الذي أُكره على كلمة الكفر وقلبه منشرح بالإيمان فهذا لا يكفر حتى يُقال فيه: أنَّه كفر مع أنَّ قلبه مطمئن بالإيمان.

4) ادِّعاء الإجماع على كفر تارك جنس أعمال الجوارح، وأنَّ المخالِفَ في ذلك خرج عن عقيدة السلف في الإيمان ووافق المرجئة أو تأثر بمذهبهم.
قلتُ: ودعوى الإجماع باطلة لأنها مبنية على قول محدث وهو تكفير تارك جنس العمل؛ والسلف لم يخوضوا في ذلك فكيف أجمعوا عليه؟!! بل النقول عن جمع من السلف مستفيضة في عدم تكفير مَنْ ثبت توحيده ولو فعل ما فعل من الذنوب التي لا تصل إلى حد الكفر، وأنَّه لا يُخلَّد في النار إنما هو من أهل الوعيد، بل النصوص تؤكِّد ذلك؛ كحديث صاحب البطاقة والمفلِس وحديث الشفاعة وغيرها.
أما أنَّ من خالف في تكفير تارك جنس العمل قد تأثر بالإرجاء أو وافق مذهب المرجئة وخرج عن عقيدة السلف في الإيمان فهذا مبني على الإجماع المدَّعى الذي هو مبني على ما ذكرنا، وما بُني على فاسد فهو فاسد.
وما أعدل ما قاله العلامة الشيخ الكبير ربيع المدخلي حفظه الله تعالى في رده على فالح: ((وأنا لم أتعرَّض في نصيحتي لتارك جنس العمل من حيث إنَّه كافرٌ أو ليس بكافرٍ، وإنَّما استنكرتُ قولكم بأنَّ من لم يُكفِّره يكون موافقاً للمرجئة في القول بنقص الإيمان الذي لم يقل به المرجئة!!، فإذا كان هذا الذي لم يُكفِّره ممَّن يدخل العمل في الإيمان ويقول إنَّه يزيد وينقص؛ فكيف يصحُّ قياسه على المرجئة وإلحاقه بهم وهم لا يُدخلون العمل في الإيمان ولا يقولون بزيادته ونقصه؟!!، وإذن فمناط الإلحاق وعلَّته: وهو القول بنقص الإيمان لا يُوجد في الأصل وهو قول المرجئة المعروف)).
قلتُ: والذي جرَّ البعض إلى اتهام أكابر العلماء والمشايخ قديماً وحديثاً بالإرجاء إنما هي دعوى الإجماع على تكفير تارك جنس العمل؛ لأنه من المعلوم أنَّ مَنْ خالف إجماع السلف في مسائل الإيمان إما أن يكون قد وافق مذهب المرجئة أو الخوارج ولو قال ذلك زلة أو جهلاً، فمن أراد سدَّ الباب بوجه المخالفين فعليه أن يترك دعوى الإجماع.

5) الدندنة حول التكفير ببعض الأعمال؛ لكون العمل شرطاً لصحة الإيمان لا لكون الأدلة الواردة فيها.
قلتًُ: الذي يرجع إلى خلاف السلف في تكفير أحد المباني الأربعة يجد أنَّه خلاف في الأدلة التي وردت فيها؛ هل هي صريحة في التكفير أم لا؟ وهل هي مقيِّدة لعموم النصوص التي تدل على نجاة أهل التوحيد من الخلود في النار أم لا؟
واليوم يتكلَّم البعض في تكفير تارك أحد المباني الأربعة من حيث ارتباط العمل بالإيمان، وأنَّ العمل شرط في صحته، فلا بدَّ من عمل الجوارح حتى يصح الإيمان، فجعلوا الخلاف في ذلك، وهذا خروج عن منهج السلف في الخلاف، ولو استطردنا هذا النهج الذي استحدثه البعض لقلنا بكفر فاعل بعض الكبائر، وانظر إلى سفر الحوالي لمَّا التزم هذا المنهج في كتابه؛ كيف تناقض واضطرب في كبيرة الزنا حين قال في [الباب الرابع: علاقة الإيمان بالعمل، والظاهر بالباطن]: ((فمن ارتكب هذه الفاحشة بجوارحه فإنَّ عمل قلبه مفقود بلا شك – خاصة حين الفعل -!!، لأنَّ الإرادة الجازمة على الترك يستحيل معها وقوع الفعل، فمن هنا نفى الشارع عنه الإيمان تلك اللحظة: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، لكن وجود قول القلب عنده منع من الحكم بخروجه من الإيمان كلِّه خلافاً للخوارج!!، فلو أظهر ما يدل على انتفاء إيمان القلب واستحلاله له لكان خارجاً من الملة عند أهل السنة والجماعة، أما مجرد الفعل فإنما يدل على انتفاء عمل القلب لا قوله)).
قلتُ: فعند سفر الحوالي أنَّ عمل القلب يزول يقيناً بفعل الكبيرة، ولكن لا يُحكم عليه بالكفر حتى يزول قول القلب؛ ويلزم من هذا أنَّ الذي يعلم أنَّ الزنا حرام ويُصدِّق ذلك ولكنَّه يستكبر عن الانقياد لترك هذا المحرم أو يستهزأ به فلا يُحكم بكفره، أو يُحكم به لانتفاء قول القلب لا عمله؛ ويلزم منه أنَّ إيمان القلب يثبت بقول القلب وحده، ويلزم منه أنَّ فاعل الكبيرة لا يوجد في قلبه شيء من العمل، وهذا خلاف عقيدة السلف، وإنما هو موافق في ذلك لعقيدة المرجئة من جهة وعقيدة الخوارج من جهة أخرى.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في [الصلاة وحكم تاركها ص71]: ((وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق: فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة؛ فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب؛ وهو محبته وانقياده)).
فالواجب أن يكون الخلاف في تارك الصلاة أو أحد المباني الأربعة محله فهم النصوص وما تدل عليه؛ فإنْ ترجَّح عندك شيء من الأدلة فخذ به، ولا تُنكر على مَنْ أخذ بغيره، فإنما الخلاف في ذلك سائغ، ولا توسِّع الخلاف ليكون في مسألة الإيمان فتفتح باباً لخوارج العصر لا يُمكن إغلاقه أبداً.
وقد سُئل مفتي العصر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى عن أعمال الجوارح كما في مجلة البصائر فأجاب بقوله: ((أهل السنة والجماعة يرون أنَّ الأعمال مكمِّلات للإيمان ومن تمام الإيمان؛ لكن الصلاة فيها الخلاف المشهور بين العلماء، والأرجح: أنَّ تركها كفر أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة" أخرجه مسلم في الصحيح، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه، ولقوله عليه السلام في الإسلام: "وعموده الصلاة")). ولمَّا قيل له في نفس اللقاء: لكن هل الذي يقول إنَّ تارك الصلاة ليس بكافر يعتبر من المرجئة؟ قال الشيخ: ((لا؛ ولكن هذا على حسب فهمه للنصوص...)).

6) ادِّعاء أنَّ جنس العمل من أصل الإيمان وشرط في صحة الإسلام.
قلتُ: والبعض يُطلق العبارة من غير لفظة "جنس" فيقول: أعمال الجوارح من أصل الإيمان لا من كماله، أو يقول: أعمال الجوارح شرط في صحة الإسلام؛ فلا أدري هل أصبح الخلاف بين قائل ذلك وبين الخوارج – القائلين: بكفر من ترك عملاً من أعمال الجوارح - خلافاً لفظياً؟! أم أنَّ إطلاقهم من غير تأمُّل ويحتاج منهم إلى تقييد؟ فلِمَ هذا الإطلاق المُوهِم؟! ولم لا يقيِّدون حتى لا يتسع الخلاف فيستغله البعض؟! وأما أنَّ جنس أعمال الجوارح من أصل الإيمان فهذا قول محدث؛ بل أصل الإيمان في القلب كما صرَّح بذلك شيخ الإسلام في مواضع كثيرة في المجموع لا تخفى على أحد، ويثبت باللسان ويظهر أثره على الجوارح كما صرح بذلك في مواضع أخرى.

7) التكفير بانتفاء اللازم مطلقاً.
قلتُ: يتكلَّم البعض حول التلازم بين إيمان القلب وعمل الجوارح؛ وأنَّ عمل الجوارح من لوازم إيمان القلب، وأنَّ انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم، ويصل إلى نتيجة تقول: أنَّ مَنْ لم يأت بشيء من أعمال الجوارح فليس في قلبه شيء من الإيمان وإلا ظهر على جوارحه، وهذا يعني: كفر تارك عمل الجوارح بالكلية.
ولو رجعنا إلى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مسألة التلازم بين الباطن والظاهر؛ لعلمنا أنَّ الظاهر دليل الباطن، والباطن أصل الظاهر، والتلازم يكون في الوجود، ويكون في العدم، ويكون في الضعف، وقد يكون التلازم عند القوة ولا يكون عند الضعف، والإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المراد ووجود المقدور عليه منه، وإذا عُدم اللازم عُدم الملزوم أو ضعف؛ لعدم الإرادة أو ضعفها (غير جازمة)؛ وقد قال رحمه الله تعالى: ((والإرادة الجازمة مع القدرة تستلزم وجود المراد ووجود المقدور عليه منه، فالعبد إذا كان مريداً للصلاة إرادة جازمة مع قدرته عليها صلَّى؛ فإذا لم يصلِّ مع القدرة دل ذلك على ضعف الإرادة، وبهذا يزول الاشتباه في هذا المقام)) [المجموع 7/525 - 526]، وقال: ((أصل الإيمان في القلب؛ وهو قول القلب وعمله؛ وهو إقرار بالتصديق، والحب والانقياد. وما كان في القلب فلابد أن يظهر موجبه ومقتضاه على الجوارح، وإذا لم يعمل بموجبه ومقتضاه دل على عدمه أو ضعفه)).
وقلتُ: فإذا عُلِمَ هذا؛ وجب التمسك بالأصل المعروف: "مَنْ ثبت إسلامه بيقين فلا يزول عنه إلا بيقين، ولا يزول عنه بالشك" فلا يمكن تكفير المعين بعدم اللازم أو بعدم الارتباط بين الباطن والظاهر؛ لأنَّ عدمه يحتمل أن يكون لعدم الملزوم ويحتمل أن يكون لضعفه، وهذا هو معنى الشك كما لا يخفى؛ قال شيخ الإسلام: ((لفظ "الشك" يراد به تارة ما ليس بيقين وإنْ كان هناك دلائل وشواهد عليه)) [المجموع 23/11]. فكيف نُكفِّر أحداً بقولٍ يحتمل التكفير؟! وشيخ الإسلام رحمه الله تعالى يقول: ((فإنَّ التكفير لا يكون بأمر محتمل)) [الصارم المسلول 1/516]، ويقول: ((فلا يزول الإيمان المتعين بالشك، ولا يباح الدم المعصوم بالشك)) [المجموع 34/136]، ويقول: ((ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك)) [المجموع 12 /466].

8) المساواة في النظر والاستدلال بين تارك عمل الجوارح وبين تارك العمل بالتوحيد.
قلتُ: يستدل البعضُ في إثبات كفر تارك أعمال الجوارح ببعض النقول عن أئمة التوحيد ومشايخ الدعوة المعاصرين؛ وعند النظر فيها نجد أنَّها نقول في إثبات كفر تارك العمل بالتوحيد!!، فيا تُرى هل أصبح عند من يستدل بهذه الطريقة: العمل بالمأمور كالعمل بالتوحيد؛ حتى أصبح عندهم تارك العمل بالجوارح كتارك العمل بالتوحيد؟! وقد اتفق السلف على عدم التكفير بترك عمل الجوارح إلا في المباني الأربعة فقد اختلفوا فيها اختلافاً سائغاً، وأما كفر تارك العمل بالتوحيد فلا خلاف فيه بين السلف بل بين الأمَّة الإسلامية. ثم أنَّ ترك العمل بالتوحيد في فرد من أفراده كفر أكبر؛ وليس كذلك ترك آحاد عمل الجوارح بلا خلاف.
فكيف يصح القياس؟! أم كيف يصح الاستدلال؟!
وأُحبُّ أن أُنبِّه هنا: إلى أنَّ أكثر الخلاف بين العلماء والمشايخ في هذا العصر يعود سببه إما إلى إيهام في سؤال السائلين لهم أو إلى قصور في تحديد موضع الخلاف وحقيقته؛ فمثلاً يُسأل العالم عن مؤلِّف كتاب أو عن كلام لأحد المشايخ المعروفين يذهب فيه إلى عدم تكفير تارك العمل بالكلية وإلى أنَّ الكفر يستلزم انتفاء ما في القلب وأنَّ أعمال الجوارح من كمال الإيمان، ثم يُوهم هذا السائل ذلك العالم أو المفتي بأنَّ مراد ذلك المؤلِّف أو الشيخ المتكلِّم: عدم التكفير بترك العمل ولو كان تركاً للعمل بالتوحيد، وأنَّ الإيمان والتوحيد عنده اعتقاد القلب وقول اللسان فقط، وأنَّ الكفر لا يكون إلا بجحود القلب أو استحلاله، وأنَّ أعمال الجوارح من الكمال الذي لا يضر الإيمان ولو زالت بالكلية. فتأتي الفتوى لا محال بأنَّ هذا المؤلِّف أو الشيخ متأثر بالإرجاء وينصر مذهبه ويجب عليه أن يتوب ويجب التحذير منه ومن كتبه. والخطأ ليس في الفتوى وإنما من إيهام السائل أو قصوره.

9) تكفير تارك كمال الإيمان؛ ونفي الإسلام الظاهر عن المنافق.
قلتُ: وهذه طآمَّة كبيرة وزلَّة خطيرة تفوَّه بها البعض من غير أن يتأمَّل فيها، ثم تبعه على ذلك البعض على حسن ظنٍّ به، وذلك حين نصَّ بعضهم بقوله: ((ومشكلة هؤلاء ظنهم: أنَّ الكمال في كلام الشيخ - يقصد شيخ الإسلام - هنا ما لا يكفر بتركه، وآخر عبارة الشيخ تنقض هذا الفهم عند قوله عن الإسلام: "فإنَّ أصله الظاهر وكماله القلب" إذ لازم ذلك أن يحكم بالإسلام لمجرد العمل الظاهر؛ ولو تخلَّف عمل القلب الذي هو كمال، وهذا هو النفاق بعينه)) انظر حاشية [أقوال ذوي العرفان...]
قلتُ: بل مشكلتك حقاً أنَّك تقول: بكفر تارك الكمال!!!؛ وهذا غريب، وتنفي الإسلام الظاهر عن أهل النفاق!!!؛ وهذا عجيب، وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المجموع [7/305]: ((والإسلام الظاهر يدخل فيه: المنافقون))، والمنافق كافر في الباطن كما قال شيخ الإسلام [7/471]: ((والمقصود: أنَّ الناس ينقسمون في الحقيقة إلى: مؤمن، ومنافق كافر في الباطن مع كونه مسلماً في الظاهر، وإلى كافر باطناً وظاهراً))، ويقول رحمه الله تعالى: ((وبهذا تبين: أنَّ الشارع ينفي اسم الإيمان عن الشخص لانتفاء كماله الواجب وإنْ كان معه بعض أجزائه كما قال: "لا يزني الزاني حين يزنى وهو مؤمن ...")) [المجموع 7/524].
أفنأخذ بتفسيرك لكلام شيخ الإسلام؟ أم بنَصِّه الصريح؟!

10) عدم الإقرار ولو مرَّة بأنَّ عمل الجوارح من كمال الإيمان:
قلتُ: ذكرنا أنَّ البعض أدخل جنس عمل الجوارح في أصل الإيمان، والبعض الآخر جعل عمل الجوارح شرطاً في صحة الإيمان، بل وآخر جعلها شرطاً في صحة الإسلام، وهناك صنف رابع لم يتجرأ بعدُ على النطق بتلك العبارات التي يفوح منه نهج الخوارج بطريقة عصرية، ولكنَّه في الوقت نفسه لا يقرّ بلسانه ولا يدوِّن بقلمه: أنَّ عمل الجوارح من كمال الإيمان؛ لأنَّه يفرُّ من لفظ "الكمال" فراره من المجذوم، يظنُّ أنَّه إن نطق بذلك تأثر بالإرجاء وسلك جيباً من جيوبهم، ولهذا يختار لفظ مجمل كأن يقول: أعمال الجوارح داخلة في حقيقة الإيمان.
قلتُ: وأعمال الجوارح داخلة في حقيقة الأعمال حقاً ويقيناً وهي من مسمَّى الإيمان بلا شك ولا ريب؛ ولكن هل الخلاف في ذلك؟! وهل الذي يقول أنَّ أعمال الجوارح من كمال الإيمان بحسبه - إنْ كانت الأعمال واجبة كانت من كمال الإيمان الواجب ينقص الإيمان بزواله، وإن كانت مستحبة كانت من كمال الإيمان المستحب الذي بفواته يفوت صاحبه علو الدرجة– لا يقر بأنَّ أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان أو من مسمَّاه؟! وهل كانت المرجئة بفرقهم كلها تقول بمثل هذا التأصيل الذي دوَّنه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان وغيره بأوضح عبارة؟
أين الحوار العلمي؟
أم أين الموضوعية في النقد؟
أم أين الإنصاف؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ((والدين القائم بالقلب من الإيمان علماً وحالاً هو الأصل؛ والأعمال الظاهرة: هي الفروع وهي كمال الإيمان)) [المجموع 10/355-356]. وقال وهو يتكلَّم عن مراتب الإيمان: ((ثم هو – يقصد: لفظ الإيمان - في الكتاب بمعنيين: أصل، وفرع واجب، فالأصل: الذي في القلب، وراءه العمل؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله: "آمنوا وعملوا الصالحات"، والذي يجمعهما كما فى قوله: "إنما المؤمنون" "ولا يستأذنك الذين لا يؤمنون" وحديث الحيا ووفد عبد القيس. وهو مركب من أصل: لا يتم بدونه، ومن واجب: ينقص بفواته نقصاً يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب: يفوت بفواته علو الدرجة. فالناس فيه: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق؛ كالحجِّ وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان والأعمال والصفات.
فمن سواء أجزائه: ما إذا ذهب نقص عن الأكمل. ومنه ما نقص عن الكمال؛ وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات. ومنه ما نقص ركنه: وهو ترك الاعتقاد والقول؛ الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمَّى فقط. وبهذا تزول شبهات الفرق؛ وأصله: القلب، وكماله: العمل الظاهر. بخلاف الإسلام؛ فإنَّ أصله: الظاهر، وكماله: القلب)) [المجموع 7/637].
وقال: ((وبهذا تبين: أنَّ الرجل قد يكون مسلماً لا مؤمناً ولا منافقاً خالصاً؛ بل يكون معه أصل الإيمان دون حقيقته الواجبة)) [المجموع 7/525].
وقال: ((وحقيقته: أنَّ من لم يكن من المؤمنين حقاً يقال: فيه أنه مسلم ومعه إيمان يمنعه الخلود في النار؛ وهذا متفق عليه بين أهل السنة)) [المجموع 7/242].

11) تصوير البعض أنَّ الخلاف بين عقيدة السلف وبين المرجئة في الإيمان محله تارك عمل الجوارح.
قلتُ: وبهذا يتوسَّع الخلاف ويظهر خطره وينتشر أثره، ويبقى الشباب والدعاة وطلبة العلم بين راد ومردود، ثم تطول الألسن وتمتد الأيدي إلى جهابذة العلم ومشايخ الدعوة؛ كما يسعى لذلك البعض بذريعة الدفاع عن عقيدة السلف والرد على ظاهرة الإرجاء المعاصر، وتبعهم البعض على تقريره: أنَّ موضع النزاع بين السلف والمرجئة عمل الجوارح، بل صرَّح البعض أكثر فقال: كان الخلاف بينهم في تارك جنس عمل الجوارح!!.
أقول: وأصل المعركة بين أهل السنة والمرجئة من حيث العموم هو العمل (عمل القلب والجوارح) وليس مجرد عمل الجوارح!!؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [الصلاة وحكم تاركها ص71]: ((وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق: فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة)).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى قبله: ((وهذا أيضاً مما ينبغي الاعتناء به؛ فإنَّ كثيراً ممن تكلَّم في مسألة الإيمان، هل تدخل فيه الأعمال؟ وهل هو قول وعمل؟ يظنُّ أنَّ النزاع إنما هو في أعمال الجوارح!!، وأنَّ المراد بالقول قول اللسان!! وهذا غلط)) [المجموع 7/550].
بل ولو كان بعض المرجئة قد يُدخلون عمل القلب في مسمَّى الإيمان كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في مواضع متعددة فإنَّ ذلك يلزم منه أن يدخلوا أعمال الجوارح فيه، وأن يكون الإيمان ينقص ويزيد، وأن يتفاضل الناس فيه؛ وهؤلاء لا يقرُّون بذلك مطلقاً، فيكون إدخالهم لشيء من عمل القلب في مسمَّى الإيمان مجرد لفظ لا حقيقة له ولا يلزم منه شيء.
وأما مَنْ لا يُكفِّر تارك عمل الجوارح ممن هو على عقيدة السلف من المتقدمين والمتأخرين فإنَّه يقول: الإيمان قول وعمل، وأنَّ أعمال القلوب والجوارح داخلة في مسمَّى الإيمان؛ ولهذا يزداد الإيمان بالطاعات وينقص بالمعاصي، ويتفاضل الناس فيه، ويستثنى فيه من جهة الأعمال أو كمال الإيمان لا من جهة النطق بالشهادتين ولا أصل الإيمان، فمنْ لم يأت بأعمال الجوارح الواجبة فهو ناقص الإيمان ولكن لا يزول عنه أصله بذلك. فهل هذا القول لبعض السلف هو عينه أو لازمه قول المرجئة السابق؟ ما لكم كيف تحكمون؟!  

12) ادِّعاء أنَّ مَنْ لم يكفِّر بترك شيء من المباني الأربعة يُكفِّر بترك جنس العمل.
قلتُ: وهذه من الغرائب كذلك؛ لأنَّ الإسلام هو الشهادتان والمباني الأربعة والخصال الباقية، فأما الشهادتان فلا خلاف في كفر التارك لهما، وأما المباني الأربعة فخلاف فيها بين السلف مشهور، وأما باقي خصال الإسلام فلا يكفر تاركها عند السلف وخالف في ذلك أهل البدع من خوارج ومعتزلة. قال العلامة ابن رجب رحمه الله تعالى وهو يبين مذهب السلف على عدم تكفير من ترك باقي خصال الإسلام بعد أن نقل الخلاف في المباني الأربعة فقال: ((...فأما بقية خصال الإسلام والإيمان فلا يخرج العبد بتركها من الإسلام عند أهل السنة والجماعة؛ وإنما خالف في ذلك الخوارج ونحوهم من أهل البدع...، فسائر خصال الإسلام الزائدة على أركانه الخمسة ودعائمه إذا زال منها شيء نقص البنيان، ولم ينهدم أصل البنيان بذلك النقص)) [فتح الباري لابن رجب 1/11].
فالعلماء الذين لا يُكفِّرون بترك شيء من المباني الأربعة؛ إما أنهم لا يكفِّرون بترك عمل الجوارح مطلقاً؟، وإما أنَّهم يُكفِّرون بترك باقي خصال الإسلام إذا اجتمعت مع المباني الأربعة والتي لا يُكفِّرون بتركها لوحدها؟ والأول هو المتعين لا محال.

13) الخلط في مصطلحات الكفر والإيمان وما يرتبط بهما.
قلتُ: في مسألة الإيمان والكفر مصطلحات لا بدَّ أن تفهم من خلال النصوص وعن طريق فهم الأئمة وبيان العلماء لها، وإلا أصبحت فوضى، ووقع اللبس والتلبيس، واختلط الحق في ثنايا الباطل أو العكس، فلا بد من بيان معاني هذا المصطلحات في موضعها التي قُصدت به، وإلا حرفنا الكلم عن مواضعه وألبسنا الحق بالباطل.
من تلك المصطلحات: التصديق، الاعتقاد، الجحود، الاستحلال، الانقياد، الإيمان الواجب، الكمال، تبديل الأحكام، الامتناع، ترك الفرائض، الركن، الشرط، إلى غير ذلك من مصطلحات تحتاج إلى تحرير معانيها قبل الولوج في الخلاف.

14) التهوين من عمل القلب وأثره في الكفر والإيمان أو قصر النظر إلى عمل الجوارح والعكس.
قلتُ: في الوقت الذي يهوِّن البعض من عمل القلب وأثره في كفر صاحبه وإيمانه بذريعة أنَّ العبرة بالظاهر والله يتولَّى السرائر، يهوِّن البعض الآخر من عمل الجوارح في الكفر والإيمان بذريعة أنَّ الأحكام مبنية على النيَّات والمقاصد.
والواجب التوسِّط في ذلك: فمن أعمال الجوارح ما قد يدلُّ على كفر صاحبها يقيناً كدوس المصحف أو التكلُّم بكلمة الكفر من غير إكراه عالماً بما يتكلَّم قاصداً لِما يقول، فمن تكلَّم بكلمة الكفر أو ارتكب مكفِّراً بتلك الشروط كفر وإنْ لم يقصد الكفر والردة عن الإسلام؛ لأنه لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله.
فقصد القلب الذي يُعتبر في التكفير هو إرادة القول أو الفعل وليس المراد به إرادة الكفر؛ فإنَّ هذا ليس بمانع من التكفير، بدليل كفر المستهزىء الذي يتمازح بالكفر على سبيل اللعب والضحك لا على سبيل الكفر والردة، بينما لا يكفر الغاضب الذي بلغ به الغضب ما بلغ بنبي الله موسى عليه السلام حين ألقى الألواح، فالممازح قاصد لما يقول أو يفعل مع أنَّه قد يكون غير قاصد للردة، بينما الغاضب غير قاصد لما يقول أو يفعل أصلاً، فتنبَّه لهذا الفرق.

15) التشكيك في الخلاف الواقع بين السلف في تارك الصلاة، وإحياء الخلاف بينهم في باقي المباني الأربعة.
قلتُ: الكثير ممن خاض في مسألة كفر تارك الصلاة أو في مسألة جنس العمل أصبح يُشكِّك في خلاف السلف في تارك الصلاة ولعلَّ ذلك مبني على النقول عن بعض أئمة السلف وعلماء الدعوة في إثبات الإجماع عن الصحابة في كفر تارك الصلاة؛ ولو كان هذا الإجماع ثابتاً حقاً لوجب أن يُفهم محله وهو الامتناع لا الترك المجرد، وإلا لزم منه تضليل من خالف الإجماع ممن لم يُكفِّر تارك الصلاة وهم جمع من أئمة السلف معروفين، فنقل الإجماع دون بيان موضعه إيهام يُورث التشكيك في الخلاف الواقع بين السلف في تارك الصلاة، بينما هو خلاف مشهور ثابت، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى يسعى البعض جاهداً لإحياء الخلاف في باقي المباني الأربعة لا من أجل ما تبيَّن له من أدلة وإنما لمجرد كونها من أعمال الجوارح وأنَّ عمل الجوارح شرط في صحة الإيمان، بل هي من أعظم الأعمال فكيف لا يكفر تاركها؟!؛ هكذا أصبح محل الخلاف عندهم!!، وهكذا أصبحت طريقة الاستدلال في نظرهم!!.  

16) ربط مسألة كفر مَنْ يحكم بالقوانين الوضعية بمسألة كفر تارك جنس العمل.
العجيب أنَّه في الوقت الذي أُثير الخلاف في مسألة جنس العمل أُثير معه الخلاف في كفر من يحكم بالقوانين الوضعية وهذا أمر معلوم؛ وهو يؤكِّد ويوضح المقصد الأصلي من إثارة الكلام في جنس العمل؛ وهو: كفر مَنْ لم يحكم بشيء مما أنزل الله تعالى، لأنَّ ذلك فرع من مسألة: كفر مَنْ لم يعمل شيئاً بجوارحه، وكما أنَّ الكلام في أعمال الجوارح انقسم إلى جنس وآحاد، فكذلك الكلام في الحكم بغير ما أنزل الله انقسم إلى ترك وتبديل، ولا ندري لعلَّ الخلاف في فاعل الكبيرة ينقسم كذلك إلى الفعل والإصرار!!، بل لقد فاح شيء من ذلك في كلام البعض، وبهذا فلا يحتاج الأمر إلى تعليق؛ فكلَّما أراد أحد أن يُخالِف عقيدة السلف في شيء أحدث تقسيماً، فإن أنكر البعض عليه قولَه وأنَّ ذلك خلاف عقيدة السلف؛ قال: السلف تكلَّموا في صورة ونحن نتكلَّم في صورة أُخرى فلا بدَّ من التقسيم خشية الالتباس أو للتفريق بين عقيدة السلف من جهة وعقيدة الخوارج والمرجئة من جهة أخرى!!.
كأنْ يأتي أحد فيقول: فاعل الكبائر كافر؛ فإنْ قيل له: لكنَّ السلف لم يُكفِّروا فاعل الكبيرة وإنما هذه عقيدة الخوارج، قال: السلف تكلَّموا عن فاعل الكبيرة أو فاعل بعض الكبائر أما أن يفعل كلَّ الكبائر فلا خلاف بين السلف في كفره!!؛ ثم يُواصل فيقول: ففعل الكبائر كلها يدل على انتفاء إيمان القلب؛ وذلك للتلازم بين إيمان القلب وأعمال الجوارح وإلا وقعنا في مذهب الإرجاء الذين يؤخِّرون العمل عن الإيمان ويقولون لا يضر مع الإيمان معصية!!، هكذا يستدل وبمثل هذا الكلام يقول، ثم يلج في الخلاف من لا يعرف حقيقته ولم ترسخ قدمه في مسائل الإيمان والكفر، فيتنقل الخلاف الذي كان بين السلف والخوارج في فاعل الكبيرة إلى الخلاف بين المنتسبين للسلف في فاعل الكبائر!! فليُفطن لذلك.

17) تضعيف أثر ابن عباس رضي الله عنهما "كفر دون كفر" وتعميم القول في قوله تعالى: ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)).
فبعد أن كان أثر ابن عباس رضي الله عنهما "كفر دون كفر" في تفسير آية: ((وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)) سدَّاً منيعاً في وجه شبهات التكفيريين ونوايا الخوارج؛ انخرق هذا السدُّ بعد الخوض في مسألة الجنس والآحاد، وتُكلِّم في سند الأثر وضعَّفه البعض تشهياً لنوايا في نفسه وليس تحقيقاً للحديث ولا تقليداً لأحد أئمة الحديث، فرجع الخلافُ الذي كان بين السلف والخوارج قديماً في تعميم الآية أو تخصيصها؛ ولكن هذه المرَّة بين المنتسبين إلى السلف، ولما تيقَّن البعض من صحة إسناده نحى منحاً آخر في إيقاف دلالته أو العمل به فقال: هذا الأثر كان في عهد الخليفة الراشد علي رضي الله عنه عندما خرج عليه الخوارج وحكموا بكفره فكان ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يُناقش بعضهم وكان من ضمن جوابه على استدلالهم بالآية هذا الأثر؛ قالوا: فالأثر محله في حاكم يحكم بما أنزل الله في الجملة ولكنَّه في واقعة معيَّنة حكم لهوى أو بظلم فحكمه "كفر دون كفر"، أما حاكم لا يحكم بما أنزل الله في الجملة أو يُبدِّل شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية سواءً كان في الجملة أو في واقعة معيَّنة فهذا "كفر أكبر" ولا يُستدل بالأثر في هذا الصورة.  
وهذا تحريف لمدلول الأثر واضح؛ بل هو تحريف للآية، فالآية نزلت في اليهود الذين جحدوا شريعة الله؛ فكيف تُنزَّل على مَنْ لم يجحد؟! ولكن العجب ممن ينتسب إلى السلف الصالح؛ كيف يوافق القطبيين على هذا التحريف للآية والأثر؟!!.

18) التكلُّف في تأويل النصوص الموافقة أو المخالفة بما يدل على الابتعاد عن التجرد للحق.
الواجب على مَنْ يبحث في مسألة اختلف فيها الناس أن يتجرَّد في فهم النصوص؛ فيكون فهم التنزيل سابقاً للتأصيل وليس العكس، ولكن الملاحظ في كثير ممن خاض في مسألة الجنس والآحاد عدم التجرد في فهم النصوص، بل فهم النصوص تبع لِما تأصَّل في نفوسهم من أفهام.
مثال ذلك:  كمَنْ قال بكفر من بدَّل شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية ولو كان في واقعة واحدة واستدلَّ بحادثة اليهود الذين غيَّروا حكم رجم الزاني بالتحميم وأنَّهم كفروا لذلك؛ بينما كان ذلك منهم جحوداً لما أنزل الله ونسبة للباطل إلى شريعة الله تعالى؛ فهم أنكروا الرجم ونسبوا التحميم إلى الشرع، فهل بلغ الحكَّام المعاصرين الذين غيَّروا شيئاً من شريعة الرحمن بالقوانين الوضعية إلى هذا المستوى؟! فكيف يصح القياس إذن؟!!
ومثال آخر: كمن يقول بكفر تارك جنس عمل الجوارح؛ ويرد ما استدل به مخالفُه بحديث: ((لم يعملوا خيراً قط)) بأنَّ هذا خاص بالأمم الماضية ولا تدخل فيه أمة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!!، وهذا يعني أنَّ الأمم الماضية سوف تنال رحمة الله ما لا تناله هذه الأمة المحمَّدية؛ والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((إنَّ هذه الأمة أمة مرحومة؛ عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من المسلمين رجل من المشركين فيقال: هذا فداؤك من النار)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
  
19) تقويل الأئمة والعلماء ما لم يُصرِّحوا به من أقوال وتحميل كلامهم ما لا يحتمل.
وسبب ذلك هو نفسه ما سبق وهو التأصيل قبل الاستدلال؛ فمثلاً أصَّل البعض: أنَّ السلف يُكفِّرون تارك عمل الجوارح بالكلية ولا خلاف بينهم في ذلك، ثم نظر في نصوص العلماء الذين يُكفِّرون تارك الصلاة تهاوناً أو امتناعاً أو في كلامهم لإثبات التلازم بين الباطن والظاهر أو عند ردِّهم على المرجئة القائلين بأنَّ الإيمان قول بلا عمل فينسب لهم تكفير تارك جنس العمل.
فيأتي الأخر فيقول: بل إنَّ السلف لا يُكفِّرون تارك عمل الجوارح بالكلية ثم ينظر إلى كلامهم في مراتب الإيمان وأنَّ له أصل وكمال والأصل في القلب والأعمال الظاهرة من كمال الإيمان وأنَّ الكفر بالاعتقادات وأنَّ من ثبت له أصل التوحيد فلا يُخلَّد في جهنَّم ولو لم يعمل بجوارحه خيراً قط وينظر في ردِّهم على الخوارج الذين يُكفِّرون بالعمل فينسب للسلف عدم تكفير تارك جنس العمل.
ثم يبدأ كلٌّ منهم بالاستدلال بكلام الأئمة والعلماء ويُحمِّل كلامهم  - سواء ما وافقه أو ما خالفه - ما لا يحتمل؛ بل كثيراً ما يستدل المختلفان بنفس الإمام أو العالم حتى يظنّ البعض أنَّ هذا الإمام له قولان أو قد تناقض، بل وقد يستدلان بنفس المقطع أو الجملة بعد قطعها من السياق ومن غير النظر في منهج أو مذهب هذا الإمام أو العالم من حيث العموم بعد استقراء في مواطن كثيرة من كلامه في المسألة المتنازع فيها.
فيبقى القارىء لهم في ريبة من أمره وفي تردد ولا يدري ما هو مذهب الإمام أو العالم الفلاني في تلك المسألة؟! وأما التحريف أو بتر النصوص فقد أصبحا عادة في الردود عند كثير من المؤلفين في المسائل المتنازع فيها، وفي الوقت نفسه أصبحا تهمة سهلة على الألسن يُتَّهم بها المخالِف ولو كان القولُ صريحاً يدل على معنى واحد لا غير أو كان المحذوف الساقط بعد عدة صفحات وليس له ارتباط بما سبق!!.

20) الردود والمناظرات بين السلفيين في المسألة، والانشغال عن العلم والدعوة والرد على المخالفين لهم.
إنَّ الناظر في الكتب والمقالات والفتاوى والرسائل والردود بين المتنازعين في مسألة تارك جنس العمل ممن هم على عقيدة السلف الصالح يجد العجب العجاب من كثرتها ومن كثرة المنشغلين بها، ثم لو نظر هذا الناظر إلى بيان عقيدة ومنهج السلف الصالح في غيرها من المسائل وإلى الردود في بيان المخالفين وكشف شبهات المنحرفين لو وجدها قليلة لقلة المهتمِّين بذلك، وبالأخص عند المقارنة مع المؤلفات العلمية والدعوية في بيان عقيدة السلف والرد على المخالفين قبل ظهور الخلاف في مسألة جنس العمل؛ وكفى بهذه مفسدة نتجت من الخوض في تلك المسألة، ولهذا ضعف أثر الدعوة السلفية في واقع الناس وظهرت الدعوات المخالفة على الساحة بقوة، والله المستعان.  

21) زعزعة الثقة ببعض العلماء وببعض المشايخ الذين لهم الأثر الكبير في نشر الدعوة السلفية في أنحاء العالم لكونهم مخالفين في هذه المسألة، وترك التعرض إلى رؤوس الفتن ومنبع الضلال من الدعاة الموافقين في هذه المسألة.
وهذه تبع لِما سبق، فقد نتج من الخوض في مسألة الجنس والآحاد زعزعة في مكانة العلماء الأكابر والمشايخ الأفاضل في قلوب الناس؛ وهذا بدوره يؤدي إلى قطع الطريق أمام الناس من الانتفاع بكتب وأشرطة أولئك العلماء والمشايخ اللذين لهم الأثر الكبير في نشر الدعوة السلفية في أرجاء المعمورة، ومعلوم أنَّ النفس تنفر من المخالِف في مسائل الاعتقاد ولو تكلَّم في غير المسائل المتنازع فيها. بينما نجد دعاة الفتنة وأئمة الضلال لا يتعرَّض إليهم الكثير من دعاة المنهج السلفي حتى ولا بكلمة فضلاً عن رد أو فتوى بل قد يُثنى عليه بشيء من الكلام، ولو فتشنا عن سبب ذلك لوجدناه لا لشيء إلا أنَّه يوافقه في المسائل المتنازع فيها أو قد تكون في مسألة واحدة أو مسألتين.
ولهذا نجد بعد ظهور الخلاف في جنس العمل أُسقِط بعض العلماء والمشايخ السلفيين بينما رُفِع في الساحة الدعوية رؤوس البدعة والضلال، والمقياس في ذلك الموافقة والمخالفة في حكم تارك جنس العمل وما أُثير معها من مسائل في الغالب!!!.

وأخيراً:
فهذه جملة من الآثار التي نتجت بعد أن خاض الناس في مسألة تارك جنس العمل؛ فجزى الله خيراً كلَّ مَنْ سكت عن الكلام في هذه المسألة، وليعلم الجميع أنَّ سكوت مَنْ سكت عن الخوض فيها لا عن عجز أو جهل وإنما عن حكمة وفطنة، وإذا استمر السلفيون في الخوض في مسألة جنس العمل فستظهر بعد فترة من الزمان آثار أخرى، ويزداد بينهم الخلاف ويتسع، ويسقط العالم تلو العالم والشيخ تلو الشيخ، والرابح في الأخير هم القطبيون؛ فتنبَّهوا يرحمكم الله لذلك.
وأختم أخيراً بما قاله العلامة الكبير الشيخ ربيع حفظه الله تعالى في مقاله [كلمة حق حول جنس العمل] المؤرَّخ 21/5/1425هـ، ففيه الكفاية لِمن رام النجاة: 
((بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه؛ أما بعد: فمما نكب به الإسلام والمسلمون في هذا العصر وخاصة أهل المنهج السلفي فكر سيد قطب وعقائده الفاسدة وما أكثرها وأخطرها. ومنها قضية تكفير المجتمعات الإسلامية التي جدد وطور بها مذهب الخوارج في التكفير والخروج على الحكام والعلماء.
وقد تلقف هذه الفتنة عنه أناس تلبسوا بالسلفية فزادوها قوة وانتشاراً، إذ كان سيد قطب يكفر الحكام والمجتمعات الإسلامية بالحاكمية فقط. أما هؤلاء فقد مكروا وتحايلوا لترويجها وإلباسها لباس المنهج السلفي فوجدوا فكرة تكفير تارك جنس العمل وتكفير تارك الصلاة أعظم وسيلة لترويج فكرتهم وأعظم مصيدة للشباب السلفي، ومن أعظم الوسائل لتفريقهم وضرب بعضهم ببعض، ووجدوا منهما جسراً لرمي أهل السنة بالإرجاء, فالذي لا يركض من أهل السنة معهم في ميدان الخوارج فيكفر الحكام بالطريقة الخارجية الجاهلة فهو مرجيء وعميل وخائن ..الخ، والذي لا يكفر تارك الصلاة منهم مرجئ.
وأدركت دندنة هؤلاء حول إنكار أحاديث الشفاعة؛ ولا سيما حديث أبي سعيد الخدري فكنت أكره الحديث عنه – أي جنس العمل – والخوض فيه، لا سيما وكثير ممن يردده لا يفهم معناه وكثير ممن يعرض عليهم من أذكياء حملة العلم يشتبه عليهم؛ حتى قال لي بعض المدرسين الجامعيين الأذكياء قبل أيام: أنا لا أدري ما المراد بجنس العمل إلى الآن؟!!
وفي نادر من الأحيان يسألني عنه بعض الناس فأنهاه عن الخوض فيه؛ فإذا ألَحّ ولـجّ اعترضت ببعض أحاديث الشفاعة كحديث أنس رضي الله عنه يخرج من النار: "من عنده أدنى أدنى أدنى من مثقال ذرة من إيمان"، فلا يحير جواباً.
وفي هذه الأيام كتب أخونا حمد بن عبد العزيز العتيق مقالاً تحت عنوان " تنبيه الغافلين إلى إجماع المسلمين على أنَّ ترك جنس العمل كفر في الدين" فشرعت في قراءته إلى أن وصلت إلى الصحيفة الخامسة فإذا فيها: "الفصل الثالث: ترك جنس العمل كفر أكبر: المبحث الأول: صورة المسألة: هي في رجل نطق بالشهادتين ثم بقي دهراً لم يعمل خيراً مطلقاً لا بلسانه ولا بجوارحه ولم يعد إلى النطق بالشهادتين مطلقاً مع زوال المانع" فقلت: إنْ كان المراد بجنس العمل  هذه الصورة فإني لا أتردد ولا يتردد مسلم في تكفير من هذا حاله وأنه منافق زنديق إذ لا يفعل هذا من عنده أدنى حد للإيمان.
لكني لا أحب للسلفيين التعلق بلفظ "جنس العمل" لأمور:
أولها: أنه لفظ مجمل يحتمل هذه الصورة ويحتمل غيرها؛ وهو ما يريده التكفيريون.
ثانيها: كما قال أخونا حمد العتيق: " إنها مسألة غير عملية بمعنى أنه لا يمكن أن يقال: إنَّ هناك زيداً - من الناس – قد شهد أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، ولم يعمل بعدها خيراً قط، فإنَّ هذا النفي المطلق لا يمكن لأحد إلا الله أن يحيط به" ، والأمر كما ذكر الأخ حمد.
ثالثها: دندنة التكفيريين حوله لمقاصد سيئة منها رمي أئمة السنة بالإرجاء؛ فمن لا يكفر تارك الصلاة عندهم مرجيء أو أتي من شبهة الإرجاء!!، ومن لا يكفر الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله تكفيراً مخرجاً من الملة فهو مرجيء وإنْ فصَّل على طريقة السلف وإنْ قال بكفر تارك الصلاة!!.
رابعها: من أجل ما في هذا اللفظ من الإجمال  المشار إليه سلفاً يقع من إطلاقه من اللبس على كثير من الناس، و لما يوقع من الخلاف بين أهل السنة والشحناء والفتن بينهم، ترجح لي: أنه يجب الابتعاد عنه؛ لأنَّ الجنس قد يراد به الواحد وقد يراد به الكل وقد يراد به الغالب، ومن هنا إذا دندن حوله السلفيون حصل بينهم الخلاف الذي يريده التكفيريون، وتكثَّروا بمن يقول به منهم، فيقولون: هذا فلان السلفي يقول بتكفير تارك جنس العمل فيجرون الناشيء إلى مذهبهم في تكفير الحكام على منهجهم وإلى رمي علماء السنة بالإرجاء ... الخ.
وأنصح السلفيين: أن يلتزموا بقول السلف الشائع المتواتر من أول عهد السلف إلى يومنا هذا ألا وهو قولهم: إن الإيمان قول وعمل؛ قول بالقلب واللسان وعمل بالقلب والجوارح، أو إنَّ الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، أو كما قال الإمام أحمد رحمه الله: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" أو كما قال البخاري: "كتبت عن ألف شيخ وزيادة ولم أكتب إلا عمن يقول: الإيمان قول وعمل"، ونحو هذه العبارات الموروثة عن  السلف التي لا تخرج عن هذا المعنى.
فالتزام عبارات السلف فيه رد لضلال المرجئة؛ وهو رد كاف شاف، وفيه أمان وضمان للسلفيين من الاختلاف والقيل والقال، وحماية من استغلال التكفيريين لإطلاق بعض السلفيين لجنس العمل.
ومن أصول أهل السنة: وجوب سد الذرائع ووجوب درء المفاسد، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح، فإطلاق جنس العمل فيه مفاسد لما فيه من الإجمال الموقع في اللبس، ولما يثيره من الاختلاف والفرقة فيجب اجتنابه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله زاجراً عن إطلاق الألفاظ المجملة:
فعليك بالتفصيل والتبيين  فالـ            إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا الـ           أذهان والآراء كل زمـان
وهنا ملاحظة مهمة: ينبغي لفت النظر إليها؛ وهي أنَّ الصورة التي ذكرها الأخ حمد وفقه الله لا يجوز لمسلم أن  يتردد في تكفير صاحبها إنْ وجد؛ ولكنها في الوقت نفسه هي نظرية غير واقعية ولا عملية!!،  إذ لا يتصور وقوعها من مسلم، والشرائع لم تبن على الصور النادرة كما قال الإمام  ابن القيم رحمه الله.
فكيف نزج بدعوتنا وشبابنا في الصور المستبعدة أو المستحيلة!!، وتشحن النفوس وتضيع الأوقات في القيل والقال، بل توقع الشباب في الشبكة التي نصبها لهم التكفيريون!!.
فإذا كان لابد من الكلام فيها: فيكون من العالم الفطن عند الحاجة؛ كأن يسأله تكفيري عن كفر تارك جنس العمل:  فيقول له هذه كلمة مجملة فماذا تريد بها فبين لي ما تقصده؟ فإنْ ذكر له صوراً باطلة ردها عليه بالحجة والبرهان، وإنْ ذكر الصورة السابقة قال له هذا حق وأنا معك ولكني أحذرك من التلبيس على الناس بذكر غير هذه الصورة.
فهذا ما أقوله وأنصح به السلفيين في هذه المسالة، وأنصحهم بشدة عن تعاطي أسباب الخلاف ومثيراته، والحرص على ما يؤلف القلوب ويجمعها على الحق بالحكمة والرفق، أسأل الله الكريم تبارك وتعالى أن يجمع كلمة أهل السنة والمسلمين عموماً على الحق والهدى  وأن يجنبهم أسباب الخلاف والفتن)).

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

أخوكم ومحبكم: أبو معاذ رائد آل طاهر